الأطماع الاقتصادية الضخمة والمذابح المتوقعة لغابات اسطنبول وثرواتها الطبيعية من أهم الأسباب الكامنة خلف انفجار حركة الاحتجاج الشعبية التركية
اسطنبول / خاص: تعد المشاريع المعمارية الضخمة لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان السبب الأول في اندلاع حركة الاحتجاج التي تهز منذ بضعة أسابيع مدينة اسطنبول ومدن تركية أخرى والتي يحشد ابناؤها جهودهم للمحافظة على مدنهم في مواجهة الأطماع الاقتصادية والأيديولوجية للحكومة.
فقد انطلقت الحركة الاحتجاجية من منطقة خضراء صغيرة تضم نحو 600 شجرة في وسط الضفة الأوروبية لمدينة اسطنبول لتمتد الى أنحاء البلاد كافة وتنفث عن كل الغضب المكتوم على الحكومة.
فقد احتل اول المتظاهرين حديقة غيزي لمنع ازالتها من اجل إعادة بناء ثكنة عسكرية عثمانية مكانها لاستخدامها كمجمع يضم مركزاً ثقافيا وآخر تجاريا وأخيرا مسجدا كما اكد أردوغان في حزيران الماضي.
وقال سيمتين كوشار أستاذ العلوم السياسية في جامعة انقرة "يمكن ان نرى بوضوح في هذا المشروع الخلطة الليبرالية الاسلامية الذي تدافع عنها الحكومة: فهو من جهة يتحدث عن مركز تجاري كبير ومن جهة أخرى عن مسجد كبير يشكل رمزا لأمجاد المجتمع الإسلامي".
وما يزيد من القوة الرمزية لهذا المشروع وجوده على مشارف ساحة تقسيم، التي كانت لعقود ساحة للتعبير عن الرأي في كل الصراعات الاجتماعية.
وأكد استاذ العمارة في جامعة ميمار سينان في اسطنبول مراد كمال يلتشينتان ان الهدف من هذا المشروع "جعل ساحة تقسيم مكان اكثر محافظة وأكثر رأسمالية، فالأمر هنا يتعلق بتصفية حسابات مع التيار الإصلاحي". كما اطلقت الحكومة مشروعا اخر لبناء مسجد ضخم يتسع لنحو ثلاثين الف شخص أعلى تل في اسطنبول هو تل تشاملجا او تل العرائس الذي يطل على مضيق البوسفور.
لكن بعيدا عن حديقة غيزي وبناء المساجد فان لاردوغان وحزبه العدالة والتنمية طموحات اخرى في اسطنبول.
ففي شمال المدينة دشن رئيس الوزراء رسميا في أيار الماضي أعمال بناء جسر ثالث يربط بين ضفتي البوسفور بكلفة تقدر بنحو 3 مليارات دولار. ويندرج الجسر في إطار مشروع عملاق يشمل بناء مطار ضخم يمكن ان يستقبل 150 مليون مسافر سنويا وقناة تربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة لتخفيف الضغط عن مضيق البوسفور ومدينتين جديدتين تضم كل منهما مليون نسمة على ضفتي هذه القناة.
وحذر تايفون كهرمان رئيس غرفة اسطنبول العمرانية الذي نصبت جمعيته خيمة في حديقة غيزي من ان "الهدف من هذا المشروع هو فتح اراض جديدة للبناء".
وأضاف كهرمان "في المدينة، لم تعد هناك أراض للبناء. لذلك تقوم الدولة بتخصيص كل الأراضي الأميرية وتضع مشاريع بنى تحتية عملاقة تتيح لها الإعلان عن طرح أراض جديدة للبناء" معربا عن الأسف للمذبحة المتوقعة لغابات شمال اسطنبول التي تعد "ثروة طبيعية شديدة الأهمية للمدينة". وخلف هذه المشاريع الضخمة مثل مشاريع الترميم العمراني الأقل شهرة يندد الكثيرون بهيمنة بعض المجموعات الاقتصادية الكبرى القريبة من حزب العدالة والتنمية على المدينة.
وقال سامي يلماز تورك السكرتير العام لغرفة المعماريين في اسطنبول "من الواضح أن المشروع العمراني ليس مصمما لتوفير سكن أفضل للسكان وإنما لنقل بعض الأملاك الى أيد أخرى".
وذكر بأنه في العديد من الأحياء التي تم "تجديدها" ارغم سكان المنازل المتواضعة على البحث عن مساكن اخرى في ضواحي المدينة تاركين المكان لسكان أكثر ثراء الأمر الذي استفادت منه كثيرا شركات التطوير العقاري.
من جانبه اوضح كهرمان "هناك كثير من الامثلة في اسطنبول حيث بيعت أراض تابعة للبلدية ليجري على الاثر تعديل خطة الأشغال للسماح ببناء ناطحات سحاب".
وأضاف الخبير المعماري ان "الناس يدركون ذلك ويتحركون ضده بقوة مؤكدا أن "أبناء اسطنبول يريدون استعادة مدينتهم".