مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
أيــار 2013 - العدد 54
 
Untitled Document  

انبعاثات عوادم المحركات سبب مباشر للإصابة بسرطانات الرئة والمثانة
للحد من التلوث الهوائي الخطير: المطلوب التخفيف من الازدحام المروري ومراقبة وضبط سلامة محركات المركبات وكفاءة احتراق الوقود طيلة العام وليس فقط عند ترخيص المركبة  
سوء التخطيط والزحف العمراني في محافظة رام الله والبيرة يفاقم الانبعاثات الغازية السامة

صورة اصدرتها وكالة الفضاء الامريكية ناسا في بداية عام ٢٠١٣ لكميات التلوث الهوائي بثاني أكسيد النيتروجين في العالم

دانة مسعد
خاص بآفاق البيئة والتنمية

تساهم محليا عوامل عديدة في زيادة الإنبعاثات السامة، مثل الاعتماد على أنظمة صناعية بدائية تفتقر لأنظمة تنقية الهواء من المواد السامة قبل انبعاثها إلى الجو. يضاف إلى ذلك، قرب المناطق الصناعية من المناطق المأهولة والسكنية، وأنماط الحياة المتسارعة الإيقاع وذات الطابع الاستهلاكي، والذي يشجع على استخدام الأدوات والآلات الكهربائية بكثرة مما يعني استهلاكا أكبر للطاقة. ويمكن الاستدلال على ازدياد ظاهرة تلوث الهواء في الضفة الغربية وقطاع غزة، من خلال ملاحظة بعض نتائجه على المباني التي اكتسبت لونا أسود نتيجة السخام الناتج من عوادم المركبات والغبار، وملاحظة المواد العالقة على النباتات والمنازل، وعلى كل ما يحيط بالكسارات والمحاجر، وازدياد الإصابات بالأمراض الرئوية والربو والأورام الخبيثة.
يمكن وصف ظاهرة التلوث الهوائي المنتشرة عالمياً وخاصة في المدن المكتظة بالقضية البيئية الكبرى، وذلك نتيجة خطورته وسرعة انتشاره خارج المنطقة التي نتج فيها هذا التلوث، واستحالة السيطرة عليه بعد تسربه الى الجو. وتقدر الوفيات الناتجة من هذا النوع من التلوث عالميا بأكثر من مليوني شخص سنويا بالإضافة إلى التسبب بإصابة العديد بأمراض مزمنة. وعلى الصعيد الاقتصادي يكبّد تلوث الهواء الدول خسائر اقتصادية هائلة نتيجة آثاره على صحة السكان وعلى المحاصيل والمزروعات والثروة الحيوانية والأبنية والبيئة بشكل عام. فعلى سبيل المثال تقدر مصر أن ظاهرة تلوث الهواء تكلفها نحو 5% من إجمالي الناتج القومي السنوي، أي نحو 2.42 مليار دولار سنويا.
ومن أهم مصادر التلوث الهوائي على الصعيد العالمي عمليات احتراق الوقود لإنتاج الطاقة اللازمة في قطاعات النقل والمواصلات والصناعة والأنشطة السكانية الأخرى. كما يساهم  النشاط الصناعي والزراعي من خلال استخدام الكيماويات والمواد المشعّة والمبيدات في زيادة التلوث. أما في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبحسب إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني للعام 2010، فمصادر تلوث الهواء مرتبة تنازليا بالتالي: عمليات توليد الطاقة وتشمل القطاع المنزلي، يليه قطاع النقل، ثم الوقود المزود لمحطات الكهرباء، والعمليات الصناعية ومن ثم قطاع التجارة والخدمات وأنشطة القطاع الزراعي وأخيرا حرق النفايات الصلبة. ومن الجدير بالذكر أن الإحصاءات الرسمية لا تشمل التلوث الناجم بفعل المستوطنات الإسرائيلية من وسائل نقل ومنشآت ومصانع.
وسيتم تسليط الضوء على التلوث الهوائي الناجم من انبعاثات عوادم المركبات ووسائل النقل بصفته من أكبر العناصر المساهمة بظاهرة تلوث الهواء. فبالرغم من عدم وجود آلية للقياس الممنهج لمعدلات تلوث الهواء وعدم توافر إحصاءات دقيقة في الضفة الغربية وقطاع غزة حول نسب تركز الانبعاثات الملوثة للهواء ومعدلات تلوث الهواء لكل محافظة، إلا أن ظاهرة تلوث الهواء آخذة بالتفاقم خاصة في ظل التزايد الكبير في أعداد السكان وخاصة في المدن، الذي يعني استهلاكاً متزايداً للطاقة، وازدياداً في كميات الوقود المستوردة والمستهلكة. فعلى سبيل المثال، شهدت محافظة رام الله والبيرة نموا سكانياً يفوق 60% خلال عشر سنوات.  وبلغت ﻤﺠﻤﻭﻉ ﺍلمركبات ﺍﻟﻤﺭﺨﺼﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺍﻀﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻁﻴﻨﻴﺔ  138,644 ﻤﺭكبة ﻓﻲ ﻨﻬﺎﻴﺔ ﻋﺎﻡ 2011  بزيادة مقدارها 33% عن العام 2002، وشكّلت المركبات الخاصة 72.4% منها. كما بيّنت الإحصاءات أن ثلث هذه المركبات يزيد عمرها عن عشر سنوات، وهذه المركبات الأقدم هي الأكثر تلويثا للبيئة لانخفاض كفاءة حرقها للوقود. ويسهم في زيادة التلوث انخفاض جودة الوقود المستعمل وافتقار الضفة الغربية لشبكات طرق مؤهلة وواسعة وبعيدة عن المناطق السكنية، لأن عدم فعالية حركة المرور تعني مزيدا من الانبعاثات الغازية. كما أن سوء التخطيط والزحف العمراني على حساب المساحات الخضراء، كما في محافظة رام الله والبيرة،  يسبب حالة من الحصر الدائري لحركة الهواء ولا يسمح بتجدده.
وأهم الانبعاثات الغازية السامة التي تخرج من عوادم المركبات هي أكاسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين والرصاص وغاز أول أكسيد الكربون وغاز ثاني أكسيد الكربون والهيدروكربونات والأوزون والجسيمات الدقيقة. وتنتج هذه الغازات من عمليات احتراق الوقود الكامل أو غير الكامل. وبحسب دراسة للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني للعام 2010 يساهم قطاع النقل بما يكافئ   1,283,388طناً من غاز ثاني أكسيد الكربون أي ما يعادل 31% من مجموع الانبعاثات من كافة المصادر.  وقدرت كمية انبعاثات أول اكسيد الكربون الناتج من قطاع النقل بـ 58,055 طن  أي ما نسبته 37% من مجموع الانبعاثات من هذا الغاز السام من كل المصادر، بينما قدرت مساهمة هذا القطاع  في انبعاثات أكاسيد النيتروجين بنسبة 35% من انبعاثات هذه الأكاسيد من جميع المصادر. كما أشارت مجلة  Titi Tudorancea Bulletin المتخصصة في إعداد بيانات عالمية حول قطاعات عديدة منها الطاقة إلى أن نصيب الفرد في الأراضي الفلسطينية من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من قطاع الطاقة قد ارتفع بنسبة ‏60%‏ خلال العام 2010، بالمقارنة مع العام 2001، وقدر إجمالي نصيب الفرد من انبعاثات ثاني اكسيد الكربون للعام 2010 في الاراضي الفلسطينية حوالي 1.03 طن/  للفرد سنويا وهو ارتفاع بنسبة 50% عن العام 2008 حيث قدر ب 0.52 طن/ للفرد، وقدرت مساهمة قطاع النقل والمواصلات  بـ 0.32 طن/للفرد سنويا.
وقدرت دراسة هدفت لقياس حجم بعض الانبعاثات في محافظة رام الله والبيرة إلى أن  نسبة الزيادة في أكاسيد الكبريت المنبعثة نتيجة استهلاك الديزل من العام 2004 الى 2005 هي 44%، وأن نسبة الزيادة بالرصاص المنبعث إلى الجو، نتيجة استهلاك البنزين هي 21%  لنفس العامين المذكورين. وبالرغم من تحول كثير من دول المنطقة لاستخدام الوقود الخالي من الرصاص لتقليل الضرر البيئي، إلا أن بعض علماء البيئة يحذرون من أن مركب مثيل ثالثي بوتيل الإيثر (MTBE ) الكيميائي الخطير، الذي يضاف لتحويل الوقود المحتوي على الرصاص إلى وقود خال من الرصاص قد يتسبب في الإصابة بالسرطان، ويعرض البيئة والإنسان لأخطار قد تفوق استخدام الوقود المحتوي على الرصاص. ومن الجدير بالذكر أن المركبات ووسائل النقل تساهم بأنواع أخرى من التلوث، كالتلوث السمعي والنفايات الصلبة.
ومن المعروف أن هذه الغازات المنبعثة والتي لا ترى بالعين المجردة، لها تأثير خطير على الصحة. فمثلا لأول أكسيد الكربون قابلية شديدة للإتحاد مع هيموغلوبين الدم تصل الى 200- 300 ضعف مقابل الأوكسجين العادي مما يشكّل خطراً على صحة الإنسان فيتسبب التعرض لهذا الغاز على المدى البعيد بأعراض منها الصداع والاكتئاب وفقدان الذاكرة وأعراض متعلقة بمشاكل في الجهاز العصبي. كما يسبب التعرض لثاني أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين بأمراض رئوية عديدة أهمها صعوبة التنفس والالتهابات الرئوية. ويشكل الرصاص الذي يضاف إلى البنزين خطرا بالغا في صحة الكائنات الحية فيقلل من تكوين هيموغلوبين الدم ويتركز في أنسجة العظم وقد يسبب التخلف العقلي لدى الاطفال والإجهاض أو تشوه الأجنة.  وأكدت دراسة حديثة أجرتها منظمة الصحة العالمية أن انبعاثات عوادم المحركات سبب مباشر للإصابة بسرطانات الرئة والمثانة في البشر. كما أن تفاعل الهيدروكربونات مع أكاسيد النيتروجين وضوء الشمس يؤدي الى توليد غاز الأوزون في الطبقات السفلى للغلاف الجوي، وهو العنصر الرئيس في إحداث ظاهرة الضباب الدخاني وزيادة الاحتباس الحراري. ومن مجموع الملوثات المنبعثة من السيارات، تعتبر الجسيمات الدقيقة التي يمكن استنشاقها من أخطر الملوثات على صحة الإنسان، فهذه الجسيمات ذات القطر الصغير جداً (أقل من 2.5 ميكرون)، تتغلغل عند استنشاق الهواء إلى الجهاز التنفسي، وتتكون بالدرجة الأولى من السخام وبقايا الوقود غير المحترق، كما تضم كذلك المعادن والكبريت. ولا يمكن الاستهانة بخطورة تلك المواد، حيث تشير دراسة أجراها باحثون في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة (MIT ) أنّ عدد الوفيات في بريطانيا بسبب تلوث الهواء الناجم عن عوادم السيارات يزيد بأكثر من ضعفين عن عدد الوفيات بسبب حوادث الطرق.
وأظهرت نتائج مسح إحصائي أجراه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية في العام 2011 أن نسبة الاصابة بالأمراض المزمنة قد ارتفعت خلال السنوات العشر الماضية بمقدار 58% بين سكان الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي التقرير الصحي السنوي لمركز المعلومات الصحية الفلسطيني التابع لوزارة الصحة للعام 2011 فقد بلغ ﻤﺠﻤﻭﻉ ﺤﺎﻻﺕ ﺍﻟﺴﺭﻁﺎﻥ ﺍﻟﺠﺩﻴﺩﺓ ﺍﻟﻤﺒﻠﻎ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻤﺤﺎﻓظات ﺍﻟﻀﻔﺔ ﺍﻟﻐﺭﺒﻴﺔ  1,498 حالة بزيادة بلغت نسبتها 11% عن العام 2010 وكان المسبب الأول للوفيات بسبب السرطان بالضفة الغربية لنفس العام ﻫﻭ ﺴﺭﻁﺎﻥ ﺍﻟﺭﺌﺔ بنسبة بلغت 18.2% من مجموع الوفيات بسبب السرطان. ويذكر التقرير أنه توجد ﺯﻴﺎﺩﺓ ﻤﻠﺤﻭﻅة ﻓﻲ  ﻨﺴﺒﺔ  ﻭﻓﻴﺎﺕ ﺍﻟﺴﺭﻁﺎﻥ في ﺍﻟﻀﻔﺔ الغربية ﺨﻼل العام  2011 عنه في ﺍﻷﻋﻭام السابقة. فمن مجموع الوفيات، ازدادت ﻨﺴﺒﺔ الوﻓﻴﺎﺕ بسبب ﺍﻟﺴﺭﻁﺎﻥ في الضفة الغربية ﻤﻥ  10.3% في عام 2007 الى 12.4% في العام 2011.  وجاء في تقرير وزارة الصحة النصف سنوي للعام 2012 أن السبب الأول لوفيات الرضع بنسبة 38% في محافظات الضفة الغربية تعود لأمراض الجهاز التنفسي.

توصيات للحد من ظاهرة تلوث الهواء الناتج عن عوادم المركبات
تنقسم التوصيات للحد من ظاهرة تلوث الهواء الناتج عن عوادم المركبات إلى اتخاذ إجراءات على المستوى الرسمي وأخرى على المستوى الفردي.

1. يندرج تحت التوصيات على المستوى الرسمي الإجراءات الآتية:

  • تشكيل  نظام رقابة من قبل وزارة النقل والمواصلات لمتابعة أداء المركبات الخاصة والعامة والتأكد من سلامة محركاتها وكفاءة عملية احتراق الوقود فيها لضبط المركبات غير السليمة طيلة العام وليس فقط عند ترخيص المركبة. وذلك بتشكيل نقاط عشوائية لشرطة المرور مزودة بأجهزة  لقياس كفاءة احتراق الوقود.
  • من الضروري إيجاد نظام لتوفير بيانات وإحصاءات دقيقة حول مقاييس تلوث الهواء في الأراضي الفلسطينية وذلك لدراسة حجم الظاهرة بشكل أدق وبالتالي إيجاد الحلول واتخاذ إجراءات وقائية. كما يمكن، كما هو الحال في دول أخرى، تركيب اجهزة استشعار لمراقبة إصدارات المركبات في المدن وتدوين البيانات إلكترونيا.
  • زيادة المساحات الخضراء  لرفع نسبة الأكسجين في الجو وتخفيض نسبة ثاني أكسيد الكربون. 
  • اتخاذ تدابير بخصوص تنظيم حركة السير وخاصة في مراكز المدن الرئيسية والتخفيف من الازدحام المروري عن طريق ايجاد طرق بديلة، ومنع الشاحنات والمركبات التجارية من السير في الطرق الضيقة في مراكز المدن، فسلاسة حركة السير تعني مركبات أقل على الطريق وبالتالي تلوث أقل.
  • قيام الجهات المسؤولة بحملات توعية في المؤسسات التعليمية وعلى نطاق المجتمع لزيادة الوعي حول مخاطر تلوث الهواء على الصحة، وكيف يمكن لكل فرد المساهمة في الحد من انتشاره. فمثلا يمكن أن تقوم وزارة النقل والمواصلات بحملات توعية حول مخاطر تلوث الهواء، إضافة لما تقوم به حاليا من توعية حول قوانين السير والسرعة والحوادث المرورية.
  • التخطيط للطرق الامنة لحركة المشاة في المخطط الهيكلي للمدن وتوسيع الرصف، وإضافة مقاعد المساحات العامة والمناطق المظللة عند مسافات محددة، وتوفير طرق آمنة للدراجات في الشوارع خاصة في الشوارع الرئيسية.
  • في حال توفر الغاز الطبيعي وانخفاض أسعاره عن أسعار البنزين يمكن التحول من استخدام البنزين إلى الغاز الطبيعي، إذ يعد أقل تلويثا للبيئة بعد احتراقه.
شوارع مدينة رام الله هي الأكثر ازدحاما بالمركبات التي ينبعث منها الرصاص وأكاسيد الكبريت في الضفة الغربية- أرشيف

2.  يندرج تحت التوصيات على المستوى الفردي الإجراءات الآتية:

  •  تجنب استعمال الوقود الاحفوري قدر الامكان واستخدام الطاقة النظيفة كبديل مثل المشي أو ركوب الدراجات الهوائية للمسافات القصيرة بدلاً من استخدام المركبات العامة أو الخاصة.  ومن الأفضل استخدام وسائل النقل العامة بدلاً من المركبات الخاصة،  فقد بينت الدراسات العالمية أن تقليلا بمقدار 30% للاستخدام اليومي للسيارات الخاصة قد يؤدي خلال 3-5 سنوات إلى تحسن كبير في المحيط  البيئي.
  • التأكد من سلامة المركبات الخاصة وكفاءة حرقها للوقود بالإضافة لفحص ضغط الهواء في العجلات، إذ أن ضغط الهواء المناسب يقلل نحو خمسة في المائة من استهلاك الوقود وبالتالي يقلل التلوث.
  • الاهتمام بزراعة الأشجار والنباتات في الحدائق التابعة للمنازل وعلى أرصفة المنازل.

 

التعليقات

تقرير متماسك ومهني ويتضمن معطيات هامة...المطلوب أيضا فحوصات فجائية تنفذها وزارة المواصلات للمركبات في الشارع لقياس مستوى CO بحيث يتم إيقاف السيارات التي تتجاوز الحد المسموح، ويطلب منها إصلاح وضعها ...

منى زيناتي

 

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 

 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية