أنس عابد
خاص بآفاق البيئة والتنمية
على سفح جبل "براعيش" الواقع بين قريتي دير بلوط ورنتيس إلى الشمال الغربي من مدينة رام الله يقع تجمع بدوي يضم العديد من العائلات، في بيوت شعر بسيطة وحظائر من الصفيح تنتشر هنا وهناك، تمارس تلك العائلات روتينها اليومي؛ رعي الأغنام وسقيها وجمع الحطب، كما ويذهب أطفالها إلى مدارس القرى المجاورة منذ الصباح الباكر يسلكون طرقا وعرة ولمسافات طويلة ذهابا وإيابا، هذه هي حياة البدوي الفلسطيني في كل مناطق تواجده في الوطن.
الثروة الحيوانية عماد الاقتصاد البدوي الفلسطيني
ليل البدو
ان إمكانية توفير الكهرباء للتجمعات البدوية لهو حاجة ملحة فهي تعتبر تجمعات نائية لا يصلها التيار الكهربائي عبر شبكة الكهرباء وهي بحاجة الى كمية قليلة للقيام بالالتزامات المنزلية من إنارة وثلاجة وغيرها، وقد تكون الطاقة الشمسية هي الحل الأمثل لمثل هذه التجمعات، وذلك عبر نظام يتكون من لوحة شمسية ومحوّل وأسلاك وبطاريات تخزين، وقد يكون ارتفاع أسعار البطاريات وهي المكون الرئيسي الذي يقوم بتخزين الطاقة الكهربائية نهاراً لاستعمالها ليلاً، من أكبر التحديات كونها بحاجة الى تغيير لأن عمر البطارية الإفتراضي يقلّ كلما زاد استعمال واستهلاك البطارية.
وتزداد معاناة العائلات البدوية مع حلول الظلام، كونهم يسكنون في مناطق بعيدة عن القرى وبذلك لا تصلها الكهرباء أو الماء، فيلجأ البدو إلى إشعال النار أو إلى استعمال مصابيح تعمل بالغاز أو الكاز، وفي ذلك خطورة كبيرة على حياتهم وخاصة الاطفال منهم اثناء الدراسة واللعب، كما أن عدم توفر الكهرباء يزيد من صعوبة الحياة فكل احتياجاتهم اليومية تقوم بها النساء يدويا كالغسيل مثلا.
الخلايا الشمسية آخذة في الانتشار في العديد من مضارب البدو الفلسطينية في مناطق الخليل والخان الأحمر وطوباس والأغوار
الألواح السحرية
يمكن لنا أن نصف ألواح الطاقة الشمسية التي تستعمل لتوليد الكهرباء بالألواح السحرية التي تغير حياة البدوي وتقلبها رأسا على عقب، حيث أن وجود الكهرباء في بيت الشعر يعد أمراً غريبا ومستهجنا وصعب التحقيق، لكن باستعمال الطاقة الشمسية أصبح الأمر ممكنا. يقول السيد محمد وهو رب أسرة لأحد العائلات البدوية: "وجود الكهرباء عندنا يجعل كل شيء مختلف؛ فلن نضطر إلى الذهاب مسافة طويلة لوضع الماء والعصائر في ثلاجة أحد دكاكين القرية المجاورة لتبريدها، كذلك فإن أطفالنا سيراجعون دروسهم ويكتبون واجباتهم بسهولة بعيدا عد دوشة مصباح الغاز أو الكاز".
أمور كثيرة أخرى يعتبرها أهل المناطق الحضرية عادية جدا ولا تتطلب سوى قليل من الوقت، بينما يحتاج البدوي لقطع مسافة طويلة للحصول عليها لعدم توفر الكهرباء كشحن الهاتف الجوال مثلا.
من المعروف أن فلسطين تعتبر من ضمن دول ما يعرف بالحزام الشمسي ( المنطقة المحصورة بين خطي عرض 40 درجة شمالا و40 درجة جنوبا) فيما يزيد عن الـ 300 يوم مشمس في السنة بمتوسط سطوع يومي حوالي 8 ساعات، تزداد صيفاً وتقل شتاءً، الأمر الذي يجعل فلسطين من أفضل المناطق لاستغلال الطاقة الشمسية، كما وأن الاستثمار في هذا المجال مجدٍ اقتصاديا، وقد ظهرت عدة شركات في السنوات الأخيرة تهتم بتركيب أنظمة الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء في كافة أنحاء الوطن، وأولت الحكومة الفلسطينية اهتماما بهذا القطاع. يقول المهندس أيمن اسماعيل مدير مركز أبحاث الطاقة والبيئة في سلطة الطاقة الفلسطينية: "سلطة الطاقة مهتمة جدا بهذا القطاع، وأكبر دليل على ذلك، إقرار الرئيس محمود عباس لقانون الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة الأسبوع الماضي". ويضيف المهندس بدر اسماعيل:" كل التشريعات والخطط جاهزة لدينا بحيث تكون 10% من كمية الطاقة مصدرها الطاقة المتجددة وبشكل أساسي الشمسية".
ويؤكد اسماعيل على اهتمام الحكومة بالطاقة المتجددة قائلا: "سنطرح عطاءات لمشاريع تنتج الطاقة من مصادر متجددة بشكل تجاري بحيث تنتج 130 ميجا وط حتى عام 2020 نصفها من الطاقة الشمسية. حتى الآن وصلنا إلى انتاج 5 ميجاوط من الخلايا الشمسية وهذا يعدّ تطوراً بالنسبة لدول الجوار رغم المعوقات المالية ووجود الاحتلال، الآن أصبح لدينا 220 منزلا يستفيد من الطاقة البديلة، وكذلك أصبحت مصدراً للطاقة بحيث تصدر الطاقة الزائدة".
الخلايا الشمسية في بيوت الشعر البدوية الفلسطينية
حقيقة لا حلم
يقول المهندس عبد الناصر دويكات الباحث والمختص في الطاقة البديلة: "تأتي البداية في تنفيذ مشاريع للقرى والتجمعات البدوية الى عام 2008 حيث تم تنفيذ أوائل المشاريع الأولية ليتم القياس عليها وتقييم الأثر، ومن ثم تنفيذ بقية المشاريع وكان ذلك في تجمعات الرواعين البدوية في منطقة الخليل، وتجمعات بدوية ضمن حدود محافظة القدس - الخان الأحمر وتجمعات بدوية في طوباس والاغوار".
ويضيف دويكات: "أن تكلفة نظام صغير خارج نطاق الشبكة يقوم بتلبية احتياجات بيت شعر هو ما يقارب الـ 4 آلاف دولار أمريكي، وذلك حسب نوع البضاعة المستخدمة والجودة المتوفرة ونوع وعدد البطاريات المستعملة، وقد يقل أو يزيد عن ذلك".
بفضل الكهرباء من الطاقة الشمسية أصبح بإمكان البدو في بعض مناطق الخليل والخان الأحمر وطوباس والأغوار تشغيل الأدوات الكهربائية المنزلية الأساسية
معوّقات على الطريق
يعتبر بعد التجمعات البدوية وصعوبة الطبيعة المحيطة من أهم المعوقات التي تؤخّر وصول مثل هذه المشاريع إلى التجمعات البدوية النائية، ما يجعل عملية التركيب والصيانة لهذه المشاريع أمراً مكلفا ومرهقا، فطبيعة هذه المشاريع تحتاج الى بعض الغسيل من الرمال وتجنب حدوث تراكم للغبار والرمال عليها لضمان أعلى مستوى من الكفاءة.
ويجمع الخبراء والجهات الرسمية على أن الاحتلال يشكل أكبر المعوقات أمام تطور هذه المشاريع وانتشارها، فحساسية هذه المناطق والخطورة الأمنية المتمثلة بوجود دوريات مراقبة من الاحتلال كون معظم التجمعات تقع فيما يسمى مناطق ب و ج يؤخر العمل فيها، بحيث يتم حصر أيام العمل فيها بالجمعة والسبت، فيلجأ أصحاب هذه المشاريع إلى إدخال المعدات ليلا وتنفيذ العمل على مراحل، وليس دفعة واحدة وذلك لعدم لفت الأنظار. كما أن الخطر الاكبر هو مصادرة الاحتلال لهذه المعدات واللوازم في المنطقة.
|
|
لاقط الفضائيات في بيوت الشعر البدوية الفلسطينية أصبح يعمل بفضل الكهرباء من الطاقة الشمسية |
مضارب البدو الفلسطينية |