خاص بآفاق البيئة والتنمية
أصبحت العاملات يجمعن بحذر ما يلزم للتصنيع، فقد باتت كثير من الحقول الخضراء تموت فجأة قبل موعدها، يداهمها الإصفرار باكرا. لم تجد تلك العاملات الرحيق وحبوب اللقاح بالسهولة المعتادة وإنما أصبحت مضطرة إلى قطع مسافات مضاعفة بحثا عن رحيق زهرة لصنع العسل، هكذا أصبح حال خلايا النحل في فلسطين بعد أن انتشر استعمال مبيدات الأعشاب بشكل كبير.
 |
 |
برواز عسل |
فحص خلايا النحل واضافة طبقة ثانية من البراويز لتخزين العسل |
المبيدات الكيماوية
قبل عدة سنوات لم يكن استعمال المبيدات سواء العشبية أو تلك التي تستخدم للقضاء على الحشرات منتشرا كما هو الحال في هذه الأيام؛ الآن ونحن نسير إلى كارثة بيئية حقيقية على أقدامنا وبإرادتنا أصبح من الواجب أن نراجع أنفسنا كمزارعين وجهات مسؤولة في استعمال المبيدات الكيماوية.
يقول المهندس الزراعي سعد داغر:" إن الضرر الحقيقي لاستخدام مبيدات الأعشاب يبدأ بالنحل ولا ينتهي به، بل يمتد ليقضي على الأعشاب البرية والتي تشكل تنوعاً هائلاً كغذاء للنحل". فباستخدام مبيدات الأعشاب نكون قد حرمنا النحل من مصدر الغذاء وحبوب اللقاح.
وللمبيدات الكيماوية أضرارٌ كبيرة تظهر بعد سنوات بالأثر السلبي على محاصيل الأشجار التي تستخدم المبيدات للقضاء على الأعشاب تحتها؛ يوضح داغر قائلا:" سيظهر خطر هذه المبيدات بعد سنوات فيحصل تراجع شديد على انتاج الأشجار ويصبح الوقت متأخر للمعالجة". وهذا بات واضحا للجميع فلو قارنت عزيزي القارئ مساحة الأرض التي أصبحت ترش بمبيدات الأعشاب الآن وقبل عشر سنوات، ستلاحظ حجم الكارثة القادمة إلينا بالنظر إلى التراجع في كمية الزيت في كل سنة بالنسبة لحقول الزيتون التي ترش بمبيدات الأعشاب، إذا أصبحنا أمام ضرر مزدوج على حقول الأشجار وإنتاجيتها، وكذلك على تربية النحل.
 |
 |
نحلة تضع الغذاء للبيوض |
علبة مبيد عشبي ألقيت بعد استخدامها للقضاء على الأعشاب |
النحل الخاسر الأكبر
في حوارنا مع مربية النحل السيدة سحر خلف بدا واضحا من حديثها حجم المشكلة التي تواجه مربي النحل في فلسطين؛ " لا أبالغ إن قلت أن ربع العاملات تعود من جمع الرحيق وحبوب اللقاح لتموت على أبواب الخلايا بسبب جمعها من أزهار مرشوشة بالمبيدات". وهذا ما أكده لنا المهندس سعد داغر وهو ما يسمى بظاهرة موت النحل التي تعد مبيدات الأعشاب أهم أسبابه.
تضيف خلف قائلة:" هذا أخذ يؤثر بشكل كبير على كمية العسل التي ننتجها وكذلك على عدد الخلايا، فالخلية إن لم تكن قوية بما يكفي ستموت بسبب نقص العاملات فيها".
وتذكر لنا سحر خلف بعض أهم المشاكل التي تواجه مربي النحل في فلسطين؛ الأمراض التي لا يعرف لها علاج، الدبور، بالإضافة لمبيدات الأعشاب والحشرات.
اذا لا بد من تكاتف الجهود ببن الجهات الرسمية والمزارعين ومربي النحل للحد من استخدام المبيدات التي تترك أثرها السلبي ليس فقط على النحل أو الزيتون، وإنما يمتد إلى الحاق الضرر بمحاصيل اللوزيات والأشجار التي بحاجة للتلقيح، فإذا تراجع عدد النحل بفعل المبيدات يقل انتاج اللوزيات والتفاحيات، وكذلك الزيتون؛ يقول المهندس سعد داغر :" يمكن للنحل أن يرفع انتاجية الزيتون من خلال توجيه النحل لحقول الزيتون".
 |
 |
في الجهة اليمنى أرض مرشوشة بمبيد الأعشاب وفي الجهة اليسرى أرض غير مرشوشة |
نحلة تجمع حبوب اللقاح والرحيق من زهور اللوز |
العسل المغشوش
يلجأ بعض مربي النحل أو التجار إلى بعض الوسائل لزيادة كمية العسل بل إن بعضهم يصنع عسلا دون الحاجة للنحل.
أهم الطرق لزيادة كمية العسل هي بإطعام النحل كميات كبيرة من السكر في فترة الإنتاج أي في الفترة التي تكون فيها العاملات تجمع الرحيق من الأزهار، فينتج عسل تكون نسبة السكر فيه عالية.
هناك أيضا من يقوم بصنع العسل من السكر دون النحل؛ وقد شرح لنا المهندس سعد داغر هذه الطريقة" هي ببساطة طريقة يلجأ لها بعض تجار العسل الغشاشين وتتمثل بتذويب السكر على النار وطبخه حتى يصبح بلون العسل، وبعدها يتم إضافة نكهة العسل ويباع بأسعار رخيصة".
أيضا عندنا في الأسواق الفلسطينية كميات كبيرة من العسل المغشوش القادم من المستوطنات الاسرائيلية والذي يتم بيعه بأسعار رخيصة، كونه مطعّم بالسكر في فترة الانتاج، فالخلية الواحدة عند المزارع الاسرائيلي يمكن أن تنتج أضعاف ما تنتجه الخلية عند المزارع الفلسطيني.
 |
 |
نحلة تجمع الرحيق وحبوب اللقاح من الأزهار البرية |
عدد من خلايا النحل قرب حقل زيتون |
معلومة خاطئة
يظن معظم الناس أن العسل الذي يتبلور عند وضعه في الثلاجة أو حتى في أيام الشتاء هو عسل مغشوش وهذا ما نفاه المهندس داغر وأكد لنا عكسه تماما، يقول" تبلور العسل مع تدني درجة الحرارة هي ظاهرة طبيعية للعسل، والعسل المغشوش يتم تسخينه لدرجات حرارة عالية تفسد التركيبة الطبيعية للعسل وتحوله إلى مادة ضارة بسبب تحول أحد بروتيناته ليفقد العسل جزءاً مهماً من فوائده".
وبحسب المهندس داغر، فإن أهم المشاكل التي تواجه مربي النحل في فلسطين هي:
1. عدم وجود جهة ترعى مربي النحل سواء رسمية أو غير رسمية، مما يجعل قطاع تربية النحل قطاع مهمل يفتقر لاستراتيجية واضحة للنهوض.
2. صعوبة نقل النحل بين المناطق الجيوبيئية الأربع في فلسطين، وبذلك يفقد النحال فرصة الاستفادة من هذه الميزة الخاصة لفلسطين.
3. سرقة خلايا النحل.
4. عدم وجود مراكز أبحاث متخصصة بتطوير النحل وانتاج خلايا عالية الجودة، وملكات بمواصفات ممتازة.
5. المواد الخام الخاصة بتربية النحل أسعارها مرتفعة جدا كالصناديق والأدوية وغيرها.
6. تسويق العسل المغشوش من قبل البعض، وبالعسل القادم من المستوطنات وهذا يؤدي إلى انخفاض أسعاره.
7. صعوبة وضع حد لاستخدام المبيدات الكيماوية نظراً لتهريب كميات كبيرة من المستوطنات الاسرائيلية، وعدم وجود وعي كافٍ لدى المزارعين بخطورة استخدامها.