ابراهيم خويص: أرض دير جلجلي... جنتي لأكثر من 25 عاماً
استغل الحراسة وأوقات الفراغ لزراعة الاشجار وتربية حيوانات المزرعة
أبو عمر إلى جانب فرسه لولو في دير جلجلي
خاص بآفاق البيئة والتنمية
لم تَسَعْه الفرحة حين قُبِل ليعمل حارساً لدير الجلجلي في جبل الزيتون. دير يتوسط ما يزيد عن الستين دونماً من الارض الواسعة التي نالت قدسيتها لمرور السيد المسيح منها قادماً من الجليل قبل وصوله الى الجثمانية في القدس، حيث اختار شجرة زيتون ليتناول العشاء بقربها. منذ ذلك الوقت والمكان يعتبر مباركا، وفي أواخر القرن الـ19 تم شراء مساحة جيدة للمكان من قبل البطريركية اليونانية.
في كل عام من شهر تموز، يحتفل المسيحيون بطقس العشاء من خلال زيارة الدير وتناول وجبة مسائية اقتداءً بالمسيح في أي رقعة يختارونها من مساحته الفسيحة.
ابراهيم خويص، أو أبو عمر كما يعرفه الكثيرون، خمسيني، لم تسمح له الظروف الأسرية بأن يكمل تعليمه وينال أي شهادات علمية، لكن، حين بدأ عمله عام 1990، دخل مدرسة الانتاج الحقيقية في الحياة عبر تعلم اسس الزراعة وتربية الحيوانات الأليفة، فغمرته السعادة والمتعة بمتابعة هذه الهواية المربحة، فوفّر لنفسه انتاجاً جيداً من منتجات اللحوم والأجبان والبيض، وعسلاً صافياً من مناحل عدة، كما ساهم تضمنه لنصف حقول الزيتون بالحصول على زيت أصيل من أرض مباركة.
"أوفر أهم مستلزمات البيت من خلال تربيتي للحيوانات وممارستي الزراعة، والفضل يعود لأهل الدير الطيبين فلولاهم لما عشت هذه المتعة، عدا عن تأمين مصروف اضافي لأسرتي".
 |
 |
أبو عمر في حظيرة الأغنام بدير جلجلي على جبل الزيتون في القدس المحتلة |
أبو عمر قرب خلايا النحل التي يعتني بها في دير جلجلي |
أجواء من الخضراء والسكينة
ونقلاً عن مدونة الصحافي والكاتب أسامة العيسة: تعد كنيسة" رجال الجليل"(Viri Galilaei) -المبنية عام 1881- للروم الارثوذكس، مقراً للبطريركية الارثوذكسية اليونانية في القدس، ويعتقد ان تسمية رجال الجليل مأخوذة من أن الجليليين اعتادوا أن ينزلوا الى هذا الموقع ايام المواسم والأعياد.
يتميز دير الجلجلي بمساحة واسعة تكتسي برداء اخضر زاهي في الربيع فتشعر وكأنك بمرج ساحر مطرز بأشجار الزيتون، وعلى جنباته وفي المساحات الفارغة تجد تآلفاً جميلاً لحيوانات المزرعة كالدواجن بأنواعها، والخراف والأبقار والخيول مع عدة وحدات للنحل، وكل تلك الزوايا الحيّة استوحاها ابو عمر من جمال الطبيعة ووقت الفراغ الطويل في الدير فاكتشف قيمة الاكتفاء الذاتي من الأرض.
تتنوع الأشجار والنباتات في الدير، فيرى الزائر: شجر الزيتون الروماني المعمر، شجر الكينا والسرو، الحمضيات، السمّاق والزعرور، ومن الأعشاب الطبيعية الزعتر والبقلة والميرامية والنعنع والخبيزة....الخ.
 |
 |
أبو في مزرعة الأغنام بدير جلجلي على جبل الزيتون |
أشجار زيتون معمرة في دير جلجلي |
متعة أدركها الأجداد ونسيها الأحفاد
من وسط هذا التناغم الأخضر، يقول أبو عمر المبتسم دائماً: "إنها متعة لا توصف فجلسة تأمل في الطبيعة تنسي الانسان همومه...، كل هذا الاتساع يجعلني امتعض عند العودة الى المنزل الضيق...فهنا عالمي".
ويكمل: "بدأت أيامي الأولى في الدير بتعلم الزراعة وأعمال الأرض، لم أكن اقوم بالمهمة لوحدي بل كان يساعدني الرهبان في عملية الزراعة تماماً كالعائلة الواحدة، وحين اخبرتهم عن رغبتي بتربية بعض حيوانات المزرعة في الأرض، رحبوا بشدة وشجعوني".
يربي ابو عمر فرسين من عائلة أصيلة، حيث يرى ان تربية الخيل امتع هواية لأن الخيل حيوان حساس ولطيف. كما يربي كل انواع الدجاج حتى أكثره ندره مثل: الرومي والبلوني والصيتي والبراما والكوبرا والبلدي، فيستفيد من بيضه، له وللدير، ويبيع ما تيسر منه.
تعلم ابو عمر من الرهبان اليونان الكثير من الصفات الحسنة كالصمت والكلام عند الضرورة والانتظام في الوقت والانضباط في المواعيد، كما اصبح يتقن اللغة اليونانية ببراعة.
يقوم ابو عمر بالاستفادة من روث الحيوانات في تصنيع الدبال الكومبست، الطريقة التي تعلمها لوحدة، حيث يخلطه مع القش ويخمره تحت التراب مدة شهرين، ثم يفرمه بالتراكتور ويسمد به اشجار الزيتون وباقي المزروعات.
 |
 |
الخراف في دير جلجلي بالقدس المحتلة |
الماعز في دير جلجلي على جبل الزيتون |
الأخوة والتسامح
"لا اسمح لأي زائر ان يسيء للدير فعلاً أو قولاً، لأن هذا الدير يعكس صورة رائعة للألفة والمحبة بيني كمسلم وبين الرهبان كمسيحيين، كانوا كرماء معي لأبعد الحدود، ومن واجبي أن أحميهم وأبعد عنهم أي أذى ممكن". يؤكد "أبو عمر" أن أهل منطقة جبل الزيتون مشهود لهم بالتسامح التاريخي حيث يلاصق 27 ديراً وكنيسة المنازل والجوامع بانسجام وتناغم كبيرين.
"تعلمت من النبي عيسى عليه السلام المحبة والرحمة والتسامح، وتعلمت من الرهبان بأنهم ان وعدوا لا يخلفوا". يقول أبو عمر
في الدير يجلس الحارس المخلص مع الرهبان اليونان يتناولون احيانا وجبات الطعام كالعائلة الواحدة، يتشابهون مع العرب بطبيعة طعامهم، ويتميزون عنهم بحبهم للسمك.
ويثمن ابو عمر وقوف كل الرهبان معه كالأهل حين زوج ابناءه وبناته، ويقول بأنه عاش في الدير أكثر مما عاش في بيته.
 |
 |
تنوع شجري في دير جلجلي |
خيول أبو عمر في دير جلجلي |
كلمات قليلة
وبكلمات بسيطة بلا مقدمات يقول:
أجمل ما في الدير: الربيع حيث يأتي العرسان ليوثقوا اهم لحظة في حياتهم، كما يستهوي جمال المكان مصوري الأفلام الوثائقية والروائية.
أقدم شجرة في الدير: شجرة زيتون عمرها 180 سنة.
حيوانات المزرعة: حياة ومتعة وخير.
الزيت والزيتون من أرض الدير: زيت أصيل ومبارك ويعكس حالة السلام التي تكتنف المكان.