نقل النفايات مهمة مستحيلة.. أزمة صحية بيئية تطل برأسها في الضفة الغربية
خاص بآفاق البيئة والتنمية
مع إغلاق الاحتلال عدداً من مكبات النفايات في محافظة رام الله والبيرة، بات نقل النفايات والتخلص منها رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث تعرض مكبات البيرة، ورنتيس ودير ابزيع وعطارة للإغلاق أكثر من مرة وبعضها أغلق لفترات طويلة، ما اضطر سائقي الشاحنات إما للبحث عن مكبات بديلة تكون حتماً أبعد، أو المخاطرة بالتخلص من النفايات في المكبات المغلقة، ما قد يكلف السائق القتل أو الاعتقال. استمرار الواقع الحالي من إغلاقات للقرى والبلدات والمدن والحواجز، والاقتحامات، سيغرق الضفة في بحر من النفايات.
|
 |
التخريب الإسرائيلي لحاويات النفايات |
مع استباحة الاحتلال الاسرائيلي كل تفاصيل الحياة الفلسطينية، لم يعد عمل الشاب عماد حجير، سائق شاحنة لجمع النفايات في قرى محافظة رام الله آمناً.
يبدأ حجير عمله الساعة الرابعة والنصف فجراً، يقول: "عند خروجي إلى العمل، أشعر أنني أحمل روحي على كفي، الطريق غير آمنة سواء في الوصول إلى القرى أو عند إفراغ النفايات في مكباتها، خاصة بعد الحرب على غزة وتشديد الاحتلال إجراءاته على الطرق ووضع الحواجز وازدياد اعتداءات المستوطنين، "الذين أطلقوا علينا الرصاص أكثر من مرة".
يستذكر حجير في حديثه لـ "آفاق" أحد المواقف التي تعرض لها: "في إحدى المرات وأثناء عملنا أوقفتنا قوات الاحتلال وطلبت منا النزول من الشاحنة، وتم احتجازنا لساعات، بحجة تفتيش الشاحنة التي كان واضحاً أنها شاحنة نفايات".
ويشير السائق الذي يعمل في هذه المهنة منذ أربع سنوات، إلى أنه كان في السابق يجمع نفايات أكثر من قرية في اليوم الواحد، ومع الإغلاقات الاحتلالية لعدد من الطرق وتقطيع أوصال الضفة، واضطرار المواطنين والموظفين لسلوك طرق التفافية، بات يقضي يومه كاملاً في جمع نفايات قرية واحدة، بسبب اضطراره وغيره من سائقي شاحنات نقل النفايات لسلوك طرق وعرة بمسافات أطول للوصول إلى المكبات.
ومع إغلاق الاحتلال عددا من مكبات محافظة رام الله والبيرة، بات نقل النفايات والتخلص منها رحلة محفوفة بالمخاطر، إذ تعرض مكب نفايات البيرة، ومكبات رنتيس ودير ابزيع وعطارة للإغلاق أكثر من مرة، وبعضها أغلق لفترات طويلة، ما اضطر سائقي الشاحنات، إما للبحث عن مكبات بديلة تكون حتماً أبعد، أو المخاطرة بالتخلص من النفايات في المكبات المغلقة، وهذا قد يكلف السائق القتل أو الاعتقال. وأمام هذا الواقع، بات التخلص من أطنان النفايات الثمانية التي تجمعها شاحنة عماد حجير يومياً، مهمة صعبة قد تكلفه باهظاً.
 |
 |
انقلاب شاحنة نقل النفايات بسبب اعتداء الاحتلال ومستوطنيه |
تخريب الحاويات من قبل الاحتلال |
ضغط على نقاط الترحيل
في هذا السياق، تشير المهندسة شهد صباح من شركة "إنفايروستي" لخدمات الصرف الصحي والتعهدات العامة، (الشركة مسؤولة عن ترحيل النفايات من رام الله والبيرة وبيتونيا إلى مكب زهرة الفنجان في جنين)، الى أنه بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر أصبحت عمليات الترحيل أكثر صعوبة وتعقيداً، ما أدى إلى تراكمها.
وأوضحت أن هناك أكثر من 30 ألف طن من النفايات المتكدسة في نقاط الترحيل، بسبب الصعوبات على الطرق وإغلاقها والتشديدات عليها، والمضايقات من قبل المستوطنين، ما جعل السائقين يخافون الخروج إلى الطرق الخارجية.
الشركة كانت تنقل أكثر من 8 آلاف طن من النفايات شهرياً إلى مكب زهرة الفنجان، من خلال تسيير 10-12 شاحنة بسعة من 35-40 طناً، لكن ما يحدث الآن من تكدس للنفايات خارج عن إرادتهم، وفق تعبير صباح.
بدوره، يؤكد خالد غزال مسؤول الصرف الصحي في بلدية رام الله، على خطورة المرور عبر الحواجز المنتشرة على الطرق، واستسهال جنود الاحتلال إطلاق الرصاص على الفلسطينيين، مشيراً إلى استحالة النقل إلى "زهرة الفنجان في ظل هذه الظروف لأنه لا يضمن "سلامة العاملين والسائقين"، ويضيف: "الأولى نقل نفايات محافظة رام الله والبيرة الى مكبات المحافظة، وليس الى زهرة الفنجان في جنين، لكن الاحتلال يمنع ذلك أيضاً".

تخريب الحاويات من قبل الاحتلال ومستوطنيه
وتطرق غزال في حديثه لـ "آفاق" صعوبة سلوك الشاحنات -المكونة من قاطرة ومقطورة- سلوك الطرق الالتفافية غير المعبدة والوعرة والضيقة، كما أن التكلفة أصبحت عالية جداً ولا تستطيع الشاحنة الوقوف على الحواجز نظرا للروائح الكريهة المنبعثة منها.
وحذر غزال من أن هناك تراكماً للنفايات في رام الله يقدر بـ 30 ألف طن، وأي اغلاق للطرق والحواجز يؤثر مباشرة على الترحيل إلى جنين، خاصة في ظل محدودية عدد شاحنات النقل.
 |
 |
تكدس النفايات في محطة الترحيل التابعة لبلدية رام الله |
تكدس النفايات في محطة ترحيل بلدية رام الله |
محاولات للتعامل مع الأزمة
أمام صعوبة الحركة، يقول المدير التنفيذي لمجلس الخدمات المشترك لإدارة النفايات الصلبة في محافظة رام الله والبيرة حسين أبو عون، مجلسه اضطر إلى وضع السيارات في مناطق قريبة من سكن العاملين لصعوبة تنقلهم على الحواجز والطرق الالتفافية، ووصولهم إلى أماكن عملهم.
ويشير أبو عون في حديثه لـ "آفاق"، إلى وجود نقطتين في السابق للانطلاق منهما لجمع النفايات في محافظتي رام الله والبيرة، وهما المنطقة الشرقية والمنطقة الغربية، واللتان لم يعد بالإمكان الاستمرار بالانطلاق منهما، موضحاً أنه لا يوجد في محافظتي رام الله والبيرة مكب مركزي ويستخدمون المكبات العشوائية التي تقع أغلبيتها في المناطق المصنفة "ج".
ويتابع: "مع الاحداث بدأ المستوطنون وجيش الاحتلال بالتعرض للسائقين والعاملين في مواقع العمل وتتم مصادرة المركبات وإطلاق النار عليها أثناء رحلتها إلى المكبات لتفريغ الحمولة".
ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، صادرت سلطات الاحتلال ثلاث سيارات نقل نفايات من محافظات رام الله والبيرة، وفرضت مخالفات وصلت إحداها الى 7 آلاف شيقل، وبلغت خسائر المخالفات لـ 18 ألف شيقل، ودمرت نحو 800 حاوية، كل حاوية تكلف تقريبا 800 شيقل، بحسب أبو عون.
أما فيما يتعلق بتكاليف النقل، فقد ارتفعت بنسبة 20% بسبب سلوك الطرق الالتفافية الطويلة والحواجز، ما أدى إلى زيادة المصاريف على المحروقات بحدود 16 ألف شيقل شهرياً.
ويوضح أن "بلديات رام الله والبيرة وبيتونيا كانت قبل الحرب ترحل جميع نفاياتها إلى مكب زهرة الفنجان في جنين، لكن بعد الأحداث لم يتم ترحيل أي طن، بسبب إغلاق حاجز حوارة وعدة حواجز أخرى، فأصبح وصول السيارات صعباً إلى المكب".
وكانت بلدية رام الله ترحل يومياً 100-120 طناً، وبلدية البيرة تقريباً 100 طن، أي حوالي 6 آلاف طن شهريا من البلديتين. وخلال ستة أشهر تكدس حوالي 18 ألف طن من النفايات، جزء منها في محطات الترحيل وجزء آخر في المكبات العشوائية التي بدأت البلديات بالترحيل اليها بعد امتلاء المحطات الرئيسية، وفق مجلس الخدمات المشترك.
ويشرح أبو عون أن "المكبات العشوائية كانت تستخدم من قبل الهيئات والقرى الصغيرة، وعندما بدأت أزمة رام الله والبيرة أصبحت الكميات كبيرة والمحطات لا تستوعب هذه الكميات، فلجأوا لمكبات أخرى لكنها أيضاً صغيرة ولذلك خلقت مشاكل في أكثر من منطقة، بسبب تراكم النفايات، كما أن كل المكبات العشوائية أصبحت قريبة من المناطق السكنية". وحذر من أن استمرار الوضع على هذه الحال "سيجبرنا على ترك النفايات في الشوارع".
وحول إمكانية إنشاء مكب رئيسي في محافظة رام الله والبيرة، كشف أبو عون عن مخطط لإنشاء مكب صحي في المنطقة الشرقية من المحافظة، لكن بسبب موقع المكب في منطقة مصنفة "ج"، ماطلت ما تسمى "الإدارة المدنية" في منحنا الترخيص.
ويشير المدير التنفيذي لمجلس الخدمات المشترك لإدارة النفايات الصلبة في محافظة رام الله والبيرة حسين أبو عون الى أنهم كانوا يستخدمون المكبات الواقعة في منطقة "ج" منذ أكثر من 15 عاماً، وحالياً أصبح استخدامها ممنوعاً بأمر احتلالي، تحت طائلة المخالفات بسبب التحريض من المستوطنين واعتداءاتهم.
 |
 |
 |
أزمة الطرق والإغلاقات الإسرائيلية شلت عمل قطاع النفايات الصلبة الفلسطينية في الضفة الغربية |
تكدس النفايات في مختلف أنحاء الضفة الغربية |
حرائق كبيرة ومتكررة لجبال النفايات بسبب الهجمات الإسرائيلية |
الأزمة تطال الجميع
ولا تقتصر أزمة النفايات على محافظة رام الله والبيرة، بل في معظم محافظات الضفة. يقول المدير التنفيذي لمجلس طولكرم أكثم بدران، إن "طولكرم تضررت بسبب الاقتحامات المتكررة خاصة لمخيمي طولكرم ونور شمس، الواقعين على شوارع رئيسية تربط طولكرم بنابلس، وبين الهيئات المحلية والقرى التابعة للمحافظة".
ويتابع أن الاقتحامات يرافقها تدمير للبنية التحتية للشوارع، ما يحدث ارباكاً على عملية جمع وترحيل النفايات بنسبة 60%، وعدم قدرة سيارات الجمع والترحيل على الوصول إلى مناطق الجمع والترحيل.
ويوضح أن 92% من الهيئات المحلية في طولكرم تتخلص من نفاياتها في محطات ترحيل موجودة في أراضي بلدة عنبتا الواقعة على الشارع الرئيسي والمغذي لكل الهيئات والخدمات، وتسببت الاقتحامات لمخيمات طولكرم وقراها وبلداتها بإرباك لأكثر من 14 هيئة محلية.
ويشير بدران الى خسائر مادية كبيرة تكبدتها الهيئات في بعض القرى المفصولة عن جسم المحافظة نتيجة إغلاق حاجز عناب، واضطرارهم الى سلوك طرق التفافية طويلة ووعرة، ما يعرض سيارات الجمع والترحيل للتدمير والأعطال.
وتعرضت محافظة طولكرم لخلل في جمع وترحيل نفاياتها، وتورد لمحطة الترحيل يومياً نحو 200 طن، يتم ترحيلها إلى مكب زهرة الفنجان.
وما زاد من صعوبة الأمر، "إغلاق الاحتلال الخطوط الرئيسية الأربعة التي تصل محافظة طولكرم بمكب زهرة الفنجان، وبقي المسلك الأبعد والأكثر وعورة ويحتاج الى خمس ساعات لكل نقلة بدلاً من ساعة والنصف ساعة التي كانت تستغرقها الرحلة قبل الأحداث" يقول بدران.
في محطة الترحيل بمحافظة طولكرم تراكم غير مسبوق للنفايات يقدر بأكثر من 800 طن، بينما تبلغ قدرتها الاستيعابية 500 طن، وتقدر النفايات اليومية التي يتم التعامل معها من 180– 210 طن، تحتاج الى سبع شاحنات قاطرة ومقطورة وعندما تتعطل شاحنة يحدث خلل في كمية ترحيل النفايات، ما يضطر الهيئات المحلية لإرسال شاحنات صغيرة لنقل النفايات إلى مكب زهرة الفنجان، وهذا -بنظر بدران- يحتاج جهداً أكبر وتكلفة أعلى.
وحذر بدران من "استمرار الوضع بهذا الشكل قد يتسبب بكارثة بيئية، إذ أن الهيئات تمر بأزمة مالية نتيجة قلة الجباية وعدم توفر السيولة النقدية، وحاجة الموردين للدفع نقداً، وهناك تراجع كبير بدفع المستحقات من قبل القرى والبلدات، ما أثر سلباً على قدرة الدفع للمورد أو المقاول ودفع رواتب ومستحقات وذمم دائنة، كما تسبب بتراجع كبير لصيانة السيارات بشكل منتظم، ما اضطرهم لإعطاء مهمة ترحيل النفايات إلى مقاول".
في المحصلة، فإن استمرار إغلاق القرى والبلدات والمدن والحواجز، والاقتحامات وما يرافقها من تدمير للبنية التحتية، سيقود إلى مزيد من تراكم النفايات، وسيجد الناس أنفسهم أمام مكرهة صحية بيئية عليهم مواجهتها كما يواجهون اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه.