خاص بآفاق البيئة والتنمية
كارثية الحروب لا تقتصر على البشر، بل تمتد إلى كافة أشكال الحياة الموجودة على البقعة التي تستعر فيها نيران الحرب وقد تتعداها، إنها تستنزف كافة مقومات الحياة وتدمر النظم البيئية على الأرض، وفي غالبية الأحيان يستمر مداها وأثرها إلى فترات قد تطول. يوم السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023 بدأ عدوان عسكري إسرائيلي بشع على قطاع غزة، يعتبر الأكثر كارثية وتدميراً كما وصفته "بتسيلم" في أحد تقاريرها، استخدمت فيه أسلحة تقليدية و"ذكية" ومنها ما يعتقد أنها محرمة دولياً. تسبب القصف شديد الكثافة وبقذائف متنوعة على قطاع غزة بأزمات في المياه والغذاء والطاقة، وتسبب بموجات رهيبة من النزوح. فما هي الأسلحة الفتاكة التي يستخدمها جيش الاحتلال في غزة؟ وما هي أهم تأثيراتها؟
|
|
دمار لم يسبق له مثيل في أي مكان آخر في القرن الحادي والعشرين |
أظهرت صور التقطتها وكالة رويترز قبل بدء العدوان على غزة 2023 وبعده، كيف تحول قطاع غزة لمناطق واسعة من مبانٍ مدمرة وتلال من الركام.
تحقيق صحفي لـ "واشنطن بوست" ذُكر فيه "أدلة تثبت أن حجم الدمار في غزة في هذه الحرب هو الأشد تدميراً في القرن الحالي. استندنا إلى تحليل صور الأقمار الاصطناعية، وبيانات الغارات الجوية، وتقييم الأمم المتحدة للأضرار الناجمة، وأجرينا مقابلات مع جهات توفر الرعاية الصحية، وخبراء في الذخائر والحروب الجوية. أظهرت الأدلة مستوى من الدمار يفوق ما أوقعه أي صراع حديث؛ قوة التفجيرات في غزة تعادل ضعف التفجيرات الأميركية على الموصل وتلك التي استهدفت حلب والرقة. ألقت إسرائيل على غزة منذ بدء الحرب 29 ألف قنبلة من الجو، 40-45% منها غير موجهة، وبعضها يزن طناً من الديناميت، وتسببت بإلحاق الدمار بـ 37379 مبنى، من بينها أكثر من عشرة آلاف دُمرت بالكامل خلال أول شهرين من الحرب".
كارثية الحروب لا تقتصر على البشر، بل تمتد إلى أشكال الحياة الموجودة كافة على البقعة الواقعة تحت نيران الحرب وقد تتعداها. إنها تستنزف كل مقومات الحياة وتدمر النظم البيئية على الأرض، وفي غالبية الأحيان يستمر مداها وأثرها إلى فترات قد تطول.
وكلما تطور الإنسان علمياً وتكنولوجياً، تطورت بموازاة ذلك أسلحته وأدواته القتالية ذات القدرة على الفتك والتدمير، ما يحدونا إلى الاعتقاد بأن تأثيرات الحروب العصرية، باتت أشد هلاكاً للإنسان وبيئته.
يوم السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023، بدأ عدوان عسكري إسرائيلي بشع على قطاع غزة، يعتبر الأكثر كارثية وتدميراً كما وصفته منظمة بتسيلم لحقوق الإنسان في أحد تقاريرها، استخدمت فيه أسلحة تقليدية و"ذكية" مدمرة. وبحسب تقرير للمرصد الأورمتوسطي لحقوق الإنسان، بعد أقل من شهر من بدء العدوان، كان جيش الاحتلال قد ألقى 25 ألف طن من المتفجرات على غزة، بمعدل 70 طناً لكل كيلومتر مربع، أي ما يعادل ضعف قوة القنبلة النووية التي ألقتها القوات الأميركية على هيروشيما. ولنتذكر أن إسرائيل تعمد لاستخدام خليط شديد الانفجار يعرف بـِ (RDX)، ما يضاعف من قوتها التدميرية. ونشير هنا إلى صِغر مساحة قطاع غزة (360 كم2) مقارنة بالمدينة اليابانية (900 كم2).
وأكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة وجود إصابات غريبة تُرصد لأول مرة: بتر وحروق تصل العظم، وذوبان للجثث وأطراف الجرحى، ما يستدعي معرفة طبيعة ما تستخدمه إسرائيل في قصفها للقطاع؟
تسبب القصف شديد الكثافة وبقذائف متنوعة على قطاع غزة بأزمات في المياه والغذاء والطاقة، وأدى إلى موجات رهيبة من النزوح.
علاوة على ذلك، تسبب العدوان بتأثيرات واسعة مدمرة على الإنسان وبيئته سنتناولها في تقارير لاحقة بإسهاب.
فما هي الأسلحة الفتاكة المستخدمة من قبل جيش الاحتلال في غزة؟ وما هي أهم تأثيراتها؟
القنبلة العنقودية
أسلحة فتاكة وجرائم مروعة
الأسلحة المحرمة دولياً هي أسلحة غير تقليدية تدمر الإنسان والبنيان، وتضر الطبيعة وتلوثها. توصف بأنها أسلحة رعب شامل، وأكثر ضحاياها من المدنيين. ويجمع العديد من الخبراء بأن اسرائيل من أكثر الدول استخداماً لها في عدوانها على الفلسطينيين، خاصة قطاع غزة، مثل القنابل العنقودية والفراغية والفسفور الأبيض.
جيش الاحتلال لا يذكر أنواع القذائف والقنابل التي يستخدمها في غزة، إلا النزر اليسير، ولكن من خلال شظايا الانفجارات التي يُعثر عليها على الأرض، ومن تحليل صور ومقاطع الفيديو للغارات وطريقة الانفجار، يتعرف الخبراء والمختصون على أنواع القنابل المستخدمة.
بحسب تقرير للمرصد الأورمتوسطي، تستخدم إسرائيل أسلحة محرمة دولياً في هجماتها على قطاع غزة، خاصة القنابل العنقودية والفوسفورية. وقد وُثقت إصابات بين السكان تشبه تلك التي تسببت بها القنابل العنقودية من جروح نافدة وشظايا وانفجارات داخل الجسم، ما أدى إلى الإصابة بحروق بالغة تسببت بذوبان الجلد والوفاة أحياناً، ونتج عن شظايا هذه القنابل انتفاخاً وتسمماً غير عادي، وإصابات داخلية بشظايا شفافة لم تظهر بالأشعة السينية.
في هذا التقرير، نتناول نموذجاً بسيطاً من الأسلحة التي قصف الاحتلال بها قطاع غزة في عدوان تشرين الأول/أكتوبر 2023.
قنابل MK-82
** قنابل السقوط الحر العمياءMk- 82) 500):
قنبلة أمريكية الصنع متعددة الأغراض، انسيابية ملساء، مزودة برأس حاد و4 زعانف في المؤخرة، تسمح لها بالانفجار بعد ابتعاد الطائرة. شديدة الانفجار غير موجهة. القنبلة قادرة على إحداث فوهة بركانية أرضية بعرض 15 متراً، ولديها القدرة على اختراق ما يقارب 40 سم من المعدن السميك. وتتميز بالتشظي المميت الذي ينتشر على دائرة تأثير تصل لـِ 400 متر، وذلك بالتشظي الطبيعي للجسم، ونمط تشتت الشظايا وحجمها يكون عشوائياً إلى حد كبير.
هي سلسلة قديمة من القذائف، تعود لستينيات القرن الماضي حملت مسمى "MK- 80/82/83/84" حولتها القوات الأميركية إلى قذائف ذكية بتزويدها بنظام JDAM وموجهة بنظام "GPS"، وتقذفها مقاتلات F15.
تحتوي قنبلة "Mk- 82" على 87 – 89 كغم من المواد شديدة الانفجار، داخل هيكل فولاذي يزن 140 - 142 كغم، وهذا الجسم الفولاذي هو ما يُنتج الشظايا الأولية للقنبلة.
نظام JDAM الذي يضاف للقنابل الغبية فيحولها إلى قنابل ذكية موجهة بدقة
** منظومة (JDAM):
ذخيرة الهجوم المباشر المشترك JDAM، ليست سلاحاً بذاته، وإنما نظام توجيه وتحكم يثبَّت على قنابل السقوط الحر غير الموجهة المعتمدة على الجاذبية (الغبية): (MK – 82/ 83/ 84) أو القنابل صغيرة الحجم من نوع (GBU-31/32/38) و(BLU-109/ 110/ 111). الصواريخ من نوع (AGM - 65)، فيحولها إلى أسلحة ذكية موجهة بدقة في جميع الأحوال الجوية. وتتكون المنظومة من ذيل مزود بأجنحة تحكم هوائية، وجسم مزود بزعانف مجهز بوحدة تحكم تعتمد على نظام التوجيه "GPS".
يُرجح أن قنبلة MK-84)/BLU-117) المزودة بنظام JDAM، هي المستخدمة في قصف مشفى المعمداني.
وتؤكد تحقيقات منصة إيكاد أن هذه القذيفة أُطلقت من الطيران الحربي الإسرائيلي على مشفى المعمداني يوم 12 تشرين الأول/أكتوبر 2023. ومن الواضح أن قذيفة المعمداني زُوِّدَت بصمام تقاربي أو مستشعرات أدت لانفجارها فوق الهدف وليس عند الارتطام بالأرض؛ لذا لم تترك فوهة ضخمة، فيما يطلق عليه عادة "تأثير الانفجار الهوائي".
تعتمد قوتها التدميرية على إنتاج مجموعات هائلة من الشظايا تستهدف أهدافاً بشرية دون أن تؤثر بشكل كبير في المباني أو البنية التحتية المحيطة، وهي نسخة معدلة من (MK-82)، بزيادة حجم غلافها الخارجي ببوصة واحدة. تنشطر إلى 17 ألف شظية عند الانفجار، ويتراوح حجم الشظية الواحدة منها بين 2 و6 غرامات، ما يعني امتلاكها قدرة تدميرية هائلة. ويؤكد على ذلك قول رئيس قسم العظام في مشفى المعمداني: "أصيب الضحايا بجروح قطعية، كما لو أن سكاكين انفجرت في الجموع وقطعت أجسادهم وأطرافهم".
تفجير قنبلة GBU-39 في العراق من قبل الجيش الأميركي
** قنابل GBU - 39 المجنحة:
قنابل صغيرة القطر (SDB)، تصنعها شركة بوينغ الأميركية، وهي من الأسلحة الهجومية المنزلقة الموجهة بدقة. منخفضة التكلفة، ومصممه للحد من الأضرار الجانبية، وضرب الأهداف بدقة من مسافة تصل إلى 64 كم. يسمح حجمها بحملها في أماكن الأسلحة الداخلية للمقاتلات أو القاذفات. تزن 113 كغم، وصُنعت بهدف زيادة قدرة المقاتلات على حمل أكبر عدد من القنابل، وتصل تكلفتها التقديرية إلى 40 ألف دولار.
طُوِّرت لاختراق المواقع العسكرية شديدة التحصين ونسفها من الداخل، مثل المستودعات والملاجئ الخرسانية.
ومعظم طائرات القوات الجوية الأميركية المستخدمة من قبل الاحتلال، قادرة على حمل حزمة من أربع قنابل من هذا النوع مكان قنبلة واحدة من زنة 907 كلغ. تُحمَّل إحداثيات الهدف قبل إطلاقها بواسطة طاقم الطائرة، وبعد إطلاقها تعتمد على القصور الذاتي ونظام الملاحة العالمي GPS/INS للتنقل الذاتي والوصول للهدف، ولديها نظام بحث حراري يتيح التعرف على الهدف تلقائياً لضرب الأهداف المتحركة.
تتميز القنبلة بامتلاكها رأسين حربيين؛ رأس الاختراق، وبمقدوره اختراق 2.4 متر من الخرسانة المسلحة. ورأس التفجير، ويحتوي على 17 كغم متفجرات من مادة AFX-757)). ويمكن تركيب رأس حربي من اليورانيوم المنضب عليها.
ويُرجح أن هذا النوع من القنابل هو المستخدم في اغتيال القيادي الفلسطيني صالح العاروري ومساعديه في بيروت بتاريخ 2 كانون الثاني/يناير 2024.
أبراج سكنية دمرها الاحتلال بالقنابل الفراغية
** القنابل الفراغية:
تُسمى أيضاً السلاح الحراري أو المتفجرات الهوائية العاملة بالوقود.
هي قذيفة ذات مرحلتين، وتضم حاوية وقود تضم شحنتين متفجرتين منفصلتين. تعمل على تدمير الهدف من جميع الجهات، وليس فقط من الجهة المقابلة للقنبلة، خاصة المخابئ والمخازن والأنفاق.
تُعبأ هذه القنبلة عادة بوقود قائم على الكربون، صلب متطاير أو محلول شديد القابلية للاشتعال. وبمجرد وصول جزئها الأول إلى الهدف، يحدث انفجار أولي. يُحرق الوقود بسرعة عالية ويحوله إلى غاز أو سائل رذاذي ملتهب وتُسمى" الشحنة المتناثرة"، وتنشر سحابة واسعة من الوقود، ليتبعه الاحتراق الثانوي بعد أجزاء من الثانية، الذي يتسبب بانفجار سحابة الوقود، فتظهر كرة نارية ضخمة تُنتج موجة صدمة ضخمة، وفراغاً يمتص كل الأكسجين الموجود داخل المنطقة المحصورة التي تعرضت للقصف، ما يؤدي إلى تفريغ كامل للضغط، وتولد حرارة عالية جداً (3000 درجة تقريباً).
هذا الضغط الاستثنائي (منخفض جداً داخل المبنى، ومرتفع جداً خارجه) يتسبب بانهيار المباني السكنية نحو الداخل.
القنابل الفراغية لديها قوة تدميرية هائلة، ويحظر استخدامها بحسب الاتفاقيات الدولية، كما تُحظر القنابل الفسفورية والانشطارية والعنقودية والنابالم (سائل هلامي).
وصف تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA) تأثيرات القنابل الفراغية المدمرة: "تُدمَّر الأشخاص القريبين من نقطة الاشتعال، أما البعيدين عنها فيصابون بإصابات داخلية "غير مرئية"، مثل: تمزق طبلة الأذن، واحتمالية الإصابة بالعمى، وارتجاج شديد في المخ، وانفجار الرئتين والأعضاء الداخلية الأخرى. بعد امتصاص الانفجار للهواء من رئاتهم، تتهتك أعضاء الجسم الداخلية وتصاب بتلف كبير، بينما الآثار والجروح الخارجية على الجسم سطحية وطفيفة. وتشتهر الأسلحة الحرارية بتأثيرها النفسي أيضاً.
بيت حانون قبل العدوان على غزة وبعده 2023
** قذائف الذخيرة الحارقة - الفسفور الأبيض:
قذائف تحوي مادة كيميائية، وهي شكل نشط كيميائياً من عنصر الفوسفور. صلبة شمعية مائلة للصفرة أو عديمة اللون، رائحتها تشبه رائحة الثوم. يشتعل الفوسفور الأبيض فوراً عند تعرضه للأكسجين، ويكون من الصعب جداً إطفاؤه، ويلتصق بالأسطح، مثل الجلد والملابس. يمكن أن يسبب حروقاً عميقة وشديدة، ويخترق حتى العظام. ومن المعلوم أنه يشتعل من جديد بعد العلاج الأولي. الدخان الناتج عن حرقه يضرّ العينين والجهاز التنفسي، بسبب وجود أحماض الفوسفوريك ومركَّب الفوسفين. بعد التعرُّض له، تكون الأولوية بإيقاف عملية الحرق.
تستخدمه الجيوش لإضاءة ساحات القتال، وتوليد ستار من الدخان، إضافة إلى كونه مادة حارقة.
وتجرم اتفاقية جنيف لعام 1980 استخدام الفوسفور الأبيض ضد المدنيين، أو حتى ضد الأعداء في المناطق المأهولة، وتعتبر استخدامه جريمة حرب.
أكدت منظمة العفو الدولية في تغريدة لها على منصة إكس بتاريخ 13 تشرين الأول/أكتوبر 2023: "تحقق مختبر أدلة الأزمات لدينا من أن الوحدات العسكرية الإسرائيلية التي تضرب غزة، مجهزة بقذائف مدفعية من الفسفور الأبيض (..) نجري تحقيقاً فيما يبدو أنه استخدام للفسفور الأبيض في غزة، بما في ذلك في غارة وقعت قرب فندق على الشاطئ في المدينة".
وبحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش" الفسفور الأبيض الذي قصفت إسرائيل به غزة، لا يقتصر ضرره على البشر، بل تذروه الرياح ويترسّب في التربة وأعماق البحر، وفي الكائنات البحرية مثل الأسماك، ما يهدد سلامة البيئة أيضاً.
وهناك أسلحة فتاكة أخرى قد نتناولها في تقارير أخرى لا يتسع المجال لتناولها هنا.
|
|
الاحتلال يدمر كل شيء في قطاع غزة.. البشر والحجر والشجر والحيوانات ولا يعبأ بإنسان أو بيئة |
أسلحة مجهولة تستخدمها دولة الاحتلال لتقصف غزة بها |