خاص بآفاق البيئة والتنمية
سكان القرية البدوية في عيون "كفر قرع"، الواقعة شرقي بلدة كفر ثلث، يتهددّهم خطر التهجير القسري، جراء الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، فلا يتوقف المستوطنون عن إرهابهم، فيما تتواصل النشاطات الاستيطانية. تجوّل الباحث خالد أبو علي، برفقة فريق "الاستكشاف البيئي" في القرية البدوية، وشاهدوا المستوطنين يتجولون في المنطقة بواسطة "التراكتورون"، وقيل لهم إن المنطقة عرضة لسلسلة اعتداءات إسرائيلية ممنهجة لفرض أمر واقع، حيث يعتدي المستوطنون باستمرار على رعاة الأغنام الفلسطينيين، بتشجيع من الاحتلال، بهدف تغيير الواقع الجغرافي والديموغرافي في وادي قانا، ودفع سكانه إلى الرحيل.
|
|
القرية البدوية وتظهر في الأعلى احدى المستوطنات الإسرائيلية القريبة |
"انطلقنا من بلدة كفر ثلث، وهي بلدة فلسطينية في محافظة قلقيلية نحو المدخل الغربي لوادي قانا الشهير، وبعد حوالي نصف ساعة سيرًا على الأقدام، وعبر طريق ترابي صعب بين حقول الزيتون، وصلنا إلى القرية البدوية الفلسطينية ذات البيئة العمرانية المتواضعة، التي تُظهر افتقادها لأبسط مقومات الحياة وسبل العيش، حيث بُنيت بيوتها المتناثرة هنا وهناك من حجارة وادي قانا، ووُضعت على أسطحها مواد خام من صفيح أو خشب أو بلاستيك..." الناشط البيئي محمد أبو نوح.
مشهد لينابيع وادي قانا -محافظة سلفيت
واقع وادي قانا
يقع وادي قانا الخصيب بين محافظتي قلقيلية وسلفيت في فلسطين، وهو وادٍ نضير تحيطه جبال صخرية مليئة بالأشجار الحرجية، تتدفق منه عيون ماء وينابيع عذبة صافية، تتلوّى في سواقٍ متعرّجة متفرّقة تارة، ومتّحدة تارة أخرى تلتقي في قعر الوادي الذي يبلغ عرض مجراه في بعض المناطق أحد عشر مترًا، وبعمق ثلاثة أمتار، مما يعطيه صفة النهر لو كان جريانه دائمًا، وفي جبال الوادي كهوف منحوتة بالصخر، إضافة إلى "معاصر العنب" الأثرية داخل البيارات.
و"قانا" لغويًا كلمة آرامية تعني بحسب كتاب "بلادنا فلسطين" لمؤلفه مصطفى الدباغ "المستور" أو المخفي.
تتفجّر من بين صخور واديها ينابيع مياه عدة، منها عين الحية، وعين المعاصر، وعين الجوزة، وعين الفوار، وعين البنات، وعين البصة، وعين التنور، وعين أو بئر أبو شحادة، فضلًا عن عيون أخرى في المنطقة التي يسكنها "عرب الخولي" في الجهة الغربية من الوادي.
يحيط به ست قرى فلسطينية، من الشرق بلدة دير استيا، ومن الجهة الشمالية قرى جينصافوط، وكفر لاقف، وعزون، ومن الجهة الغربية تقع قرى سنيريا، وكفر ثلث، ومن الجهة الجنوبية قراوة بني حسان، ومن الجهة الشرقية، إماتين ودير استيا.
ومعظم أراضي الوادي يمتلكها مزارعون من بلدة دير استيا المجاورة، تُقدّر بعشرة آلاف دونم، تُزرع غالبيتها بالزيتون والحمضيات، وأخرى مزروعات حقلية كالقمح والشعير وغيرها.
تطل على وادي قانا ثماني مستوطنات إسرائيلية تشوّه لوحة الطبيعة، وهي "عمانوئيل" ذات الأغلبية المتدينة، التي تمنع الهواء النقي عن الوادي من الجهة الشرقية، كما تنساب مياهها العادمة إلى الوادي فتلوث ينابيعه الطاهرة التي كانت ومازالت قبلة للمتنزهين في الربيع.
في حين أن المستوطنات السبع (كرني شمرون، وياكيرونوفيم، وجنوت شمرون، ومعالي شمرون، وشافيه مناحيم، وإيل متان) تحولّت إلى جدار إسمنتي يطوّق أرض الوادي، وكأنه قيدًا حول المعصم.
|
|
أحد بيوت عرب الخولي في القرية البدوية |
قطعان المستوطنين يهاجمون المواطنين في القرية البدوية |
حياة قاسية يعيشها عرب الخولي
يعاني سكان القرية البدوية في عيون "كفر قرع"، الواقعة شرقي بلدة كفر ثلث، خطر التهجير القسري جراء الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، فلا يتوقف المستوطنون عن إرهابهم، فيما تتواصل النشاطات الاستيطانية.
في جولتنا هذه في القرية البدوية، شاهدنا المستوطنين يتجولون في المنطقة بواسطة "التراكتورون"، وقيل لنا أن المنطقة أضحت عرضة لسلسلة اعتداءات إسرائيلية ممنهجة لفرض أمر واقع، بموجبه يعتدي المستوطنون على رعاة الأغنام باستمرار وبتشجيع من الاحتلال، بهدف تغيير الواقع الجغرافي والديموغرافي في وادي قانا، ودفع السكان إلى الرحيل.
اطلّعنا عن كثب على واقع السكان ومعاناتهم اليومية، وفقدانهم مقومات الحياة الأساسية، والتحديات التي يواجهونها من نقصٍ حاد لخدمات البنية التحتية من مياه وكهرباء وطرق ومدرسة وعيادة صحية وغيرها، فضلًا عن تكدير قطعان المستوطنين صفو حياة أهل القرية، بالاجتياحات والاعتداءات المتكررة تحت حماية جيش الاحتلال.
يحدّثنا الباحث نعمان الأشقر ابن بلدة "كفر ثلث" عن القرية التي تُسمّى "عرب الخولي" أو "تجمع عرب وادي قانا" قائلًا: "هي إحدى القرى البدوية المنسية في فلسطين، حيث أُسست في عشرينيات القرن الماضي على يد عشيرة آل مقبل التي تعود أصولها إلى قرية خريش المهجرة، وتقطن في بلدة كفر ثلث، وبعد النكبة سكنت القريةَ البدوية "عشيرة الخولي" وهي من منطقة نهر العوجا".
وتبعًا لحديث الأشقر، يسكن القرية البدوية اليوم نحو 120 شخصًا، ويتلّقى الأطفال تعليمهم الأساسي في مدارس كفر ثلث، ومعظم بيوتها من الحجارة والصفيح، وتفتقر إلى المرافق الصحية المناسبة والكهرباء والمياه والاتصالات، ويعتمد سكان القرية على الزراعة الموسمية، ورعي الحيوانات، وعادة لا يسلم الرعاة من مضايقات المستوطنين المستفزة.
يشار إلى أن بناء المستوطنات الإسرائيلية وتوسيعها، والأنشطة الأخرى المرتبطة بالاستيطان في الأرض الفلسطينية المحتلة "غير قانونية" بموجب القانون الدولي، وتخالف ما أكدته المؤسسات الدولية، ومجلس حقوق الإنسان، ومحكمة العدل الدولية، حيث تنص المادة "49" من "اتفاقية جنيف الرابعة" على أنه "لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحّل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها"، بينما تخالف دولة الاحتلال القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بتشجيعها الاستيطان ومصادرة أراضي وممتلكات الفلسطينيين.
وتقع القرية البدوية في المنطقة المصنفة (ج)، حسب اتفاق أوسلو الثاني الموّقع عام 1995 بين منظمة التحرير الفلسطينية وسلطات الاحتلال الإسرائيلية، حيث تمنع الأخيرة البناء أو استصلاح الأراضي في المنطقة "ج" دون تراخيص، التي "من شبه المستحيل الحصول عليها"، كما يقول السكان الفلسطينيون هناك.
|
|
الباحث امام احدى المقابر القديمة في خربة كفر قرع |
الباحث قرب احد المعاصر الحجرية في خربة كفر قرع |
خربة كَفْرُ قَرْع
في أثناء سير الفريق نحو القرية البدوية وفي الطريق إليها تجولّنا في "خربة كفر قرع" الأثرية، التي تقع على المدخل الشمالي لبلدة كفر ثلث، وفي هذا السياق، نعود مجدداً إلى أستاذ التاريخ الباحث نعمان الأشقر، فقال: "هي خربة أثرية يعود تاريخها إلى العصور الكنعانية والرومانية والبيزنطية والإسلامية، وقد بقيت القرية مسكونة حتى عام 1814".
وحسب موسوعة القرى الفلسطينية فإن أصل تسمية "كَفْرُ قَرْع؛ المكونة من كلمتين "كَفْر" بمعنى القرية، و"قَرْع" هو جنس نباتات زراعية من الفصيلة القرعيّة، شكله مدبب وأصفر اللون، يُشبه البطيخ في تكويره.
ومنه أنواع تزرع لثمارها، وأصناف تُزرع للتزيين، واحدته قَرْعة، وأَكثر ما تسمِّيه العربُ "الدُّبَّاء"، وكان يُكثر من زراعته فاشتهرت القرية به.
شاهدنا بعض القبور المحفورة في الصخر، التي على ما يبدو تمثل عصوراً تاريخية مختلفة، إضافة إلى معصرة نبيذ يعود تاريخها على الأرجح إلى الفترة الرومانية، ورأينا بقايا قطع فخار متناثرة تعود لحقب تاريخية متعاقبة، منها العثمانية.
ويواصل الأشقر في هذا الصدد: "تحتوي الخربة اليوم على عدد من المقابر الملكية البيزنطية، والمَعاصر، ومقبرة إسلامية، ويا للأسف معظم الآثار الموجودة في الخربة كانت عرضة للنهب والتدمير والتخريب".
|
|
الباحث مع ابراهيم عوده أحد سكان القرية البدوية |
الطريق المحاذي للقرية البدوية التي يسلكها قطعان المستوطنين |
الاستيطان الرعوي في جبال الوادي
أكملنا جولتنا في أرجاء القرية البدوية، وشاهدنا قطيعًا من الأبقار في الجبال القريبة من "خربة شحادة الأثرية"، وقيل لنا أن عددًا من المستوطنين الرعاة المسلحين، وهم جزء من عصابات " فتية التلال" نصبوا خيامًا قرب الخربة واستولوا على مساحات شاسعة تمتد على جبلين، تحت حماية جنود الاحتلال، واستهدفوا مناطق خالية من السكان للسيطرة على أراضيها الممتدة، حيث تقع خربة شحادة بين القرى والبلدات الفلسطينية "كفر ثلث، وسنيريا، ودير استيا، وجينصافوط، وقراوة بني حسان"، مما ينذر بتشييد بؤرة استيطانية جديدة بعد وقت قصير، حيث تُمدّ بالخدمات لتثبيت أقدامهم فيها، وتضاف بذلك إلى المستوطنات الثمانية التي تحيط بوادي قانا وتُحكم الحصار عليه.
التقينا ابراهيم عودة، وهو شاب في منتصف العشرينيات من العمر، يعيش في القرية البدوية منذ نعومة أظفاره، ووصف حالها بقوله: "تعاني "عرب الخولي" الإهمال ونقص الخدمات، وأهمها الكهرباء والماء الذي نعتمد عليه من نبع قريب لا يكفي احتياجاتنا سواء للشرب أم لسقاية الحيوانات أم للزراعة، وكذلك الطرق الداخلية بين البيوت غير مرصوفة ولا مستوية".
ويضيف عودة: "القرية التي سكنها الآباء والأجداد تقع ضمن المناطق المصنفة (ج)، وهذا يعني الحرمان من أبسط الخدمات والحقوق، ومنها التنقل بواسطة المركبات، فنضطر غالبًا إلى استخدام الحيوانات من أجل التنقل والحركة"، مطالبًا الجهات المعنية بالاهتمام بالمنطقة.
وفي حزيران الماضي أخطرت قوات الاحتلال الإسرائيلي أهالي قرية قراوة بني حسان، بإخلاء منطقة "بئر أبو عمار" الواقع في وادي قانا، فهي أحد مطامع الاحتلال، كونها تحوي نبع مياه يُستخدم للشرب والزراعة.
وأفادت مصادر محلية أن قوات الاحتلال، وزّعت إخطارات بإخلاء المنطقة بذريعة أنها "أثرية"، تمهيدًا للاستيلاء عليها، فيما حاول مستوطنون في يوليو/ تموز الماضي، اقتحام منطقة بئر أبو عمار في وادي قانا، وذلك تحت حماية قوات الاحتلال الإسرائيلي التي أطلقت قنابل الصوت والرصاص الحي صوب الشبان، الذين تصدّوا لاقتحام المستوطنين، الذين يحاولون منع المواطنين من الوصول إلى أراضيهم، وسرقة الأشجار أو تكسيرها.
|
|
مع أستاذ التاريخ الباحث نعمان الأشقر |
مشهد عام للقرية البدوية في وادي قانا |
|
|
احدى الينابيع الشحيحة في القرية البدوية |
الواح الصفيح التيي تغطي بيوت القرية البدوية |
|
|
بيوت القرية البدوية التي بنيت من حجارة وادي قانا |
بقايا احد الأعمدة الرومانية في خربة كفر قرع |