خاص بآفاق البيئة والتنمية
التغير المناخي، ودرجات الحرارة المتطرفة، وشحّ المياه في بعض المواقع، وغياب الري التكميلي، كل ما سبق يُهدد مشاريع تخضير فلسطين وحملات التشجير، التي تنفذها وزارة الزراعة والجمعيات الأهلية والفلاحون كل شتاء. تستعرض "آفاق البيئة والتنمية" في هذا الملف واقع الري التكميلي في محافظات الضفة الغربية، وتتواصل مع الجهات المختصة للتعرف على حجم الفاقد في الأشجار التي تُغرس في فصول الشتاء، ولا تُروى في فصول الجفاف إما لعدم توفر المياه وشحّها، أو بسبب إهمال المزارعين.
|
|
الري التكميلي |
يُهدد غياب الري التكميلي، والتغير المناخي، ودرجات الحرارة المتطرفة، وشحّ المياه في بعض المواقع مشاريع تخضير فلسطين وحملات التشجير، التي تنفذّها وزارة الزراعة والجمعيات الأهلية والفلاحون كل شتاء.
تسلط "آفاق البيئة والتنمية" في هذا الملف الضوء على واقع الري التكميلي في محافظات الضفة الغربية، وتتواصل مع الجهات المختصة لترصد حجم الفاقد في الأشجار التي تُغرس في فصول الشتاء، ولا تُروى في فصول الجفاف إما لعدم توفر المياه وشحّها، أو بسبب إهمال المزارعين.
ووفق المعطيات، فقد تراوحت التقديرات حول نسب نجاح الأشجار لدى كل من وزارة الزراعة والمؤسسات الأهلية العاملة في هذا المجال بين 40 و50 و75 و80 و85 و90%، وهي أرقام يؤكد جزء منها وجود خلل في المتابعة وعمليات الري التكميلي.
|
|
امجد فياض مدير دائرة الغابات في وزارة الزراعة |
جفاف الشجر بسبب درجات الحرارة المتطرفة وشح المياه وغياب الري التكميلي |
نسبة نجاح الأشجار الحرجية
يقول م. أمجد فياض مدير دائرة الغابات في وزارة الزراعة إن وزارته تبدأ سنويًا بغرس الأشجار في محافظة الخليل، ورام الله والبيرة، وجنين، وطوباس، ونابلس بعد هطول 100 ملم من الأمطار.
وتشرع الوزارة تجهز للري التكميلي في شهر نيسان، وتنتهي في بدايات أيار "الرية الأولى"، وتنقل المياه بصهاريج وتستخدم الأنابيب، التي يصل طولها في بعض المناطق إلى 600 متر، كما تستحدث آبار جمع سعة ( 40-50) مترًا مكعبًا.
وفي هذا الصدد، قدَّر النجاح بنسبة تتفاوت من 40 إلى 80%، مشيرًا إلى أن الحرائق هي المهدد الأكبر أمام الغابات، التي تضم بين ( 50-60) شتلة في الدونم الواحد، وبعد ريّها توضع حجارة حولها لمنع التبخر.
حملات التشجير
نحو 400 ألف شتلة حرجية سنويًا
تنتج وزارة الزراعة (300-400) ألف شتلة حرجية سنويًا، بحيث تزرع نصفها وتوزع الباقي، فيما تتولى متابعة مشاريع التحريج في المحافظات بالري والعناية والحراسة - يُعرف التحريج بأنه عملية غرس الأشجار أو زراعة الغطاء النباتي في أراضٍ لم تكن بها غابات في الأصل-، وتوزّع ( 60-70 ألف) أخرى في مشاريع المراعي، وتٌقدم ( 30-40 ألف) لوزارة التربية والتعليم.
ويضيف فياض: "الوزارة تغرس حوالي 100 ألف شتلة في الغابات كالخروب والبلوط والبطم والإجاص والسرو والصنوبر والسدر، و50 ألف في المراعي كالأكاسيا والرتم".
فيما تشرف على 37 ألف دونم مزروع في الغابات، حسب كلامه، وتنشر مشاتلها الحرجية في جنين، وطوباس والأغوار الشمالية، وطولكرم، ونابلس، ورام الله والبيرة، والخليل، وبيت لحم، وتنتج 70 صنفًا، وتشتري الأشتال المثمرة من القطاع الخاص، وتوزعها بثمن زهيد.
|
|
مشاتل وزارة الزراعة الفلسطينية |
مشاتل وزارة الزراعة |
25% فاقد الأشجار المثمرة
من جهته، ذكر عودة صبارنة مدير البستنة الشجرية و"تخضير فلسطين" في "الزراعة" أن الوزارة وزّعت قرابة 900 ألف شجرة، منها أكثر من 277 ألف شجرة عام 2020، وقرابة 261 ألفًا في عام 2021، وفي عام 2022 نحو 352 ألفًا.
وأكد ارتفاع نسبة النجاح في السنوات الثلاث الأخيرة، بعد مضاعفة الأشتال المروية كالاستوائيات، والعنب المروي، ومشاهدات الكيوي والكاكا، وفي المقابل تقليل "الأشجار البعلية".
وأوضح أن النجاح في "البعلية" يتفاوت من 75 إلى 80% أما في المروية من 85 إلى 90%، بعد توزيع شبكات ري لنحو 2000 دونم، وتسييج 3000 دونم، ولا تشمل الأرقام ما اقتلعه الاحتلال.
وأفاد أنه منذ عام 2016 حتى الآن غُرس 2,229000 شجرة غطّت 97596 دونمًا، بتكلفة 30 مليون شيقل، فيما يُقدّم الإرشاد للمزارعين الذين يُدعمون بآبار لجمع المياه.
ولأهداف تجارية، أشار صبارنة إلى أن بعض المستفيدين من المشروع الذين لا يعملون في الزراعة، يبيعون أحيانًا الأشتال، إذ يستغلون حملات التخضير التي تهدف إلى إرشاد المزارعين المشاركين فيها عبر صفحة إلكترونية؛ نظراً لأن طواقم الإرشاد محدودة، فلا تتعدى 12 مهندسًا في الضفة الغربية.
ويواصل صبارنة حديثه في السياق نفسه: "زراعة الأشجار الجديدة تهدف أساسًا إلى زيادة دخل المزارع، بعد تراجع الجدوى الاقتصادية للأصناف الأصيلة، على سبيل المثال، يُسوّق العنب غير البذري وغيره 8 أشهر، مثلما غُرست خمسة أصناف استوائية في قلقيلية، مردودها عال كالأفوكادو والمانجا، لوجود كميات مياه غير مستغلة، كما غُرست مشاهدات الكيوي والكاكا في كل المحافظات، لمعرفة المناطق الأفضل لها.
محمود أبو حمدان منسق المشاريع في جمعية الإغاثة الزراعية
10% فاقد الأشجار في مشاريع "الإغاثة"
يرى محمود أبو حمدان، منسق المشاريع في جمعية الإغاثة الزراعية، أن المعضلة في متابعة الأشجار تنحصر في حديثة العهد" في المناطق التي تعاني شحّ مياه، أو التي ترتفع فيها تكلفة المياه وإيصالها. "
"بدأت الإغاثة تتوجه نحو الزراعات البعلية في مشروعاتها لا سيما اللوزيات والزيتون، للاستفادة من مياه الأمطار قدر الإمكان، ولضمان نجاح الأشجار، أما المَروية منها كالجوافة والأفوكادو فتوزّعها في المناطق التي تتوفر فيها المياه توزيعًا كافيًا كقلقيلية وطولكرم" يقول أبو حمدان.
وأكد أن "الإغاثة" تتابع دوريًا ما تزرعه في مشاريع استصلاح الأراضي، وتحرص على وضع "آبار جمع" ضمنها؛ للمساعدة على الري التكميلي، خاصة مع التغير المناخي وتذبذب الهطولات المطرية وتوزيعها.
وتقترب نسبة نجاح الأشجار في مشاريع الإغاثة الزراعية من 90%، والأمر يتوقف على نشاط المزارع نفسه واهتمامه بأرضه أو إهمالها، تبعًا لحديثه.
واستطرد قائلًا: "نتابع ما يُغرس ونقدم إرشادات وتقنيات للمزارعين لتشجيعهم على ري حقول الزيتون من منتصف تموز حتى منتصف أيلول، علمًا أن الشجرة الواحدة بحاجة لنحو 3 أمتار مكعبة لريّها في فصل الصيف".
ولفت إلى أن من طرق الريّ الجيد إحداث فتحات صغيرة في برميل مياه سعته 200 لتر، موضحًا: "هذه الطريقة تعطي ريًا بطيئًا للشجرة، وتحافظ على رطوبتها، خاصة الزيتون الذي تتواجد فيه الجذور الشعرية على سطح التربة".
فياض فياض مدير عام مجلس الزيت والزيتون
3 مليون "زيتونة" في 13 عامًا
يخبرنا فياض فياض مدير عام "مجلس الزيت والزيتون" أن مشروع تخضير فلسطين؛ أضاف على مدار 13 سنة، نحو 3 مليون شجرة زيتون، وبالتالي ارتفع عدد الأشجار إلى 13 مليون، تتقدمها جنين، فرام الله والبيرة، ثم نابلس، تليها طولكرم، وسلفيت، وقلقيلية، والخليل، وبيت لحم، والقدس، متوقعاً أن هذا الترتيب سيتغير بعد خمس سنوات من زراعات جديدة.
جدير بالذكر أن مشروع تخضير فلسطين طرحه عام 2010 إسماعيل دعيق وزير الزراعة الأسبق على الرئيس محمود عباس، ثم تابعه وليد عساف الذي استطاع عن طريق الرئاسة الحصول على تمويل للمشروع لغرس نحو مليون شجرة من مختلف الأصناف.
وحسب رأي فياض، أن المشكلة في الري التكميلي للزيتون، الذي أصبح ضروريًا بسبب التغير المناخي، "تكمن في أن فلسطين فقيرة في المياه، التي ترتفع أسعارها"، مردفًا بالقول: "لو توفرت المياه لتضاعف إنتاج الزيت بعد ثلاث سنوات من الري التكميلي للأشجار الكبيرة بمقدار ( 4-5) أضعاف، إذ تتطلب الواحدة بين ( 1-3) متر مكعب مياه سنويًا".
وأشار مدير مجلس الزيت والزيتون إلى أن معظم التشجير في "تخضير فلسطين" أفقي؛ وليس عموديًا، "بمعنى أننا لم نُضف مساحات جديدة، بل غرسنا الأشجار لفراغات الحقول القائمة، التي تُقدر نجاحها بـ 80%"، موصيًا بضرورة البحث في جودة ونوعية الأشجار التي تقدمها المشاتل لوزارة الزراعة.
مشاتل لجان العمل الزراعي
"العمل الزراعي": نحو نصف الأشتال ينجح
في حين، يتطرق محمد عويضات، منسق اللجان الزراعية في اتحاد لجان العمل الزراعي، إلى الأشتال التي وزعها الاتحاد في آخر خمس سنوات، أي من عام 2018 حتى 2022، وكانت 33500 شجرة زيتون ولوزيات وعنب.
وأكد أن نسبة نجاحها تراوحت بين 50% و60%، وعدّها" مرتفعة نسبيًا"، وقد وُزّعت ضمن مشاريع الاستصلاح، وتتنوع أشكال متابعتها بين الري، والتقليم، وإعادة زراعة الفاقد وغيرها.
ولخّص عويضات أهم طرق الحصاد المائي، وتتمثل في جدران استنادية في مشاريع الاستصلاح، وجمع مياه الأمطار في الآبار، والبحث عن الأصناف المناسبة لكل منطقة، وإدخال تقنية الشرنقة (الكوكون) ضمن عمل الاتحاد.
والشرنقة هي حاضنة للأشتال، ذات تكلفة منخفضة وقابلة للتحلل، تمكّن الأشجار من أن تُغرس غرسًا مستدامًا، وبتكلفة ممكنة في الأتربة القاحلة والمتدهورة، وتشكّل خزانًا للمياه، يُعبّأ مرة واحدة في مرحلة الغرس، ويُصمّم لمنع التبخر ونمو الأعشاب حول قاعدة الشجرة.
غرس أشتال الشجر
الشجرة الواحدة تكلف 20 دولارًا
في تجربة أخرى، أطلقت جمعية "الشابات المسيحية" بالتعاون مع جمعية "الشبان المسيحية" عام 2002 حملة التضامن "أبقوا الأمل حيًا" المستوحاة من شجرة الزيتون، التي تدعم المزارعين المتضررين جراء سياسات الاحتلال التي تُعرّض أراضيهم وأملاكهم إلى خطر المصادرة.
وحسب الموقع الإلكتروني للحملة، يعبّر تبرع الأفراد والمؤسسات بمبلغ 20 دولارًا من أجل شجرة زيتون، عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، وبذلك يساهمون في إبقاء الأمل حيًا نحو مستقبل أفضل يعزّز إحلال السلام العادل، ويحصل المتبرعون على شهادة، ويمكنّهم من المشاركة في زراعة الزيتون وقطفه.
وقال منسق الحملة في الشمال لمراسل "آفاق" إن الحملة لا تتابع عمليات الري التكميلي، ويقتصر دورها على توفير الأشتال الجيدة التي تشتريها من المشاتل بعمر سنتين، وتمنحها للمزارعين الذين يقدمون تعهدًا بزراعتها، كما تمنحهم شبكة من البلاستيك لحمايتها وعصا لتقويمها.
وأفاد أن نسب النجاح في المشروع تتجاوز 80%، واتضّح ذلك بواسطة الزيارات الميدانية، التي نفذّتها طواقم الجمعية للمناطق المختلفة.
وتَغرس الحملة سنويًا 43 ألف شجرة في محافظات الضفة الغربية، وتركز على ما يُعرف بمناطق (ج).
لكن ثمة صعوبات أبرزها الكلفة العالية في نقل المياه إلى الحقول، خاصة في الجبال والمناطق النائية التي يضطر بعض المزارعين فيها لاستخدام طرق بدائية في النقل كالحيوانات.
|
|
ري تكميلي |
مياه للري التكميلي |
صاحب تجربة
سألنا إياد البشير، صاحب أحد المشاتل التي تشارك في حملات تخضير فلسطين مع وزارة الزراعة، عن تقييمه للتجربة، فقال إن نسب النجاح الطبيعية والمقبولة للأشجار إذا كانت جيدة من المصدر تبلغ 90%، حيث يتوقف الأمر على طبيعة الموقع والأرض، ونوعية التربة، وأصل الأشجار، فدونم الجوافة الواحد، على سبيل المثال، يحتاج 600 متر مكعب مياه سنويًا، ولا يمكن إهمال ريّه، كما يقول.
وزاد بالقول: "الأشجار البعلية تتطلب ريًا تكميلًا، ومتابعة ريّها أول سنتين على الأقل، ويعتمد ذلك على توفر المياه، ومتابعة المزارع ونشاطه".
ونصح البشير الفلاحين بعدم غرس الأشجار التي تتطلب كميات مياه وافرة في مناطق تعاني شحًا، واختيار أصناف بعلية للمناطق الجبلية والمنحدرات، ومتابعة ريّها في فصول الجفاف، خاصة بعد وقت قصير من زراعتها.