خاص بآفاق البيئة والتنمية
يوجد في قطاع غزة 73 ورشة صناعية خاصة بالصناعات البلاستيكية، ويمارس نحو ألف مواطن مهنة جمع نفايات البلاستيك من الأماكن المختلفة، ومعظمهم لا يبالي بتطبيق شروط السلامة المهنية في عمله. وأصبح قطاع النفايات الصلبة حاليًا مصدر رزق لعديد من السكان، حيث ينبشون عن مواد يمكن فرزها واستغلالها. وتنشط في القطاع المحاصر بعض المبادرات الفردية والجماعية لتعميم فكرة فرز نفايات المنازل، إلا أنها لا تفي بالحد الأدني لمعالجة أزمة النفايات الصلبة بعامة، والبلاستيكية بخاصة.
|
|
نفايات بلاستيكية مفروزة في غزة |
تزداد مشكلة إدارة النفايات الصلبة تعقيدًا في قطاع غزة، جراء وصول مكبات النفايات إلى الحد الأقصى من الاستيعاب، فيما نشهد غياب اهتمام الجهات المعنية بإيجاد حلول جذرية لهذه الأزمة، التي فاقم الاحتلال والحصار تبعاتها.
هذا الموضوع أُشبع طرحًا ونقاشًا، إلا أن الزيادة الكبيرة في عدد سكان قطاع غزة البالغ أكثر من 2.3 مليون على مساحة 360 كم2، تجعل من الأهمية بمكان الحديث مرة أخرى عن مشكلة شائكة تتعدد أسبابها وأبعادها، ومن باب الإنصاف قولنا إن إدارة المخلفات الصلبة تشهد تحسنًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، بفضل المشاريع والمبادرات التي نُفذّت في هذا الحقل، إلا أن خطورة ما وصل إليه الحال، يؤكد أن كل ما أُنجز حتى الآن لا يلبي الحد الأدنى المطلوب لحل المشكلة.
أسبابها
نضع يدنا على أكثر من جرحٍ في هذا المعترك، وفي مقدمتها ممارسات الاحتلال التي بمقتضاها يمنع إدخال الكثير من الآليات الخاصة بعمليات نقل وترحيل النفايات وكذلك فرزها، فضلاً عن الزيادة المطّردة في عدد سكان القطاع التي تصاحبها بطبيعة الحال زيادة في كميات المخلفات، وعدم وجود أماكن مناسبة لطمرها بطرق سليمة، يضاف إلى ذلك عدم إدراك عامة الناس حساسية المشكلة، وضرورة تعاونهم مع الجهات المختصة لحل الأزمة.
يقول وحيد البرش مدير مجلس النفايات الصلبة في شمال غزة إن النفايات الصلبة تعد واحدة من المشكلات الكبرى التي تواجه سكان قطاع غزة، وتتعامل معها البلديات، عدا النفايات الطبية التي تتعامل معها وزارة الصحة وتُنقل أو تُطمر في مكبات خاصة.
وفي مقابلة سابقة له، ذكر البرش أن كمية النفايات الصلبة الناتجة في القطاع تُقّدر بحوالي 2,000 طن يومياً، وتكمن المشكلة في الافتقار لعدد كافٍ من المكبات للتعامل الآمن مع النفايات بشكل يحمي المواطنين من مخاطرها الصحية والبيئية، لا سيما المواد البلاستيكية، حيث تتكدّس أطنان النفايات الصلبة في مناطق مفتوحة غير مؤهلة.
مضيفًا: "قطاع غزة يحتاج إلى مكبين صحيين رئيسين، في الوقت الذي يتوفر فيه مكب واحد فقط تنطبق عليه الشروط الصحية والبيئية في خان يونس، كما يحتاج القطاع إلى مكبات فرعية في كل محافظة، وأعداد إضافية من مركبات جمع النفايات".
النباشون الأطفال بين أكوام النفايات في غزة
البلاستيك في قطاع غزة
حسب بيان للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وسلطة جودة البيئة صدر بمناسبة يوم البيئة العالمي الذي صادف الخامس من يونيو/ حزيران الفائت، ورد فيه "يعد البلاستيك أحد أهم مكونات النفايات الصلبة في الضفة الغربية وقطاع غزة وأكثرها خطورة، حيث يشكل ما نسبته 16.4% من مجموع المخلفات الصلبة في الضفة الغربية؛ في حين تشكل مخلفات البلاستيك 14.0% من مجموع المخلفات الصلبة في قطاع غزة".
وتكمن خطورة المواد البلاستيكية في مكوناتها الأساسية، وفي المواد الكيميائية المضافة إليها في أثناء عملية التصنيع والتشكيل، ما يؤدي إلى عدد هائل من المشاكل والمخاطر الصحية على الكائنات الحية.
ومن أهم تلك المواد المضافة، المحسنّات الكيميائية التي تُكسب البلاستيك القساوة المطلوبة أو المرونة أو اللون أو تجعله مقاومًا لتأثيرات الضوء والحرارة، وعلاوة على ما سبق فإن التخلص من المواد البلاستيكية بالطرق التقليدية كالحرق والطمر ينجم عنه انبعاث عدد كبير من الغازات والمواد السامة، وفي مقدمتها الديوكسينات، ما يؤثر مباشرة على الكائنات الحية والأحياء المائية.
وبلغت كميات البلاستيك المنتجة عام 2021 أكثر من 300 طن يوميًا، ومن المتوقع زيادتها في عام 2040 لتصل إلى أكثر من 500 طن يوميًا.
ويوجد في قطاع غزة 73 مصنعًا خاصًا بالصناعات البلاستيكية، ويمارس نحو ألف مواطن مهنة جمع نفايات البلاستيك من الأماكن المختلفة، ومعظمهم لا يبالي بتطبيق شروط السلامة المهنية في عمله.
وأصبح قطاع النفايات الصلبة حاليًا مصدر رزق لعديد من السكان، حيث ينبشون عن مواد يمكن فرزها واستغلالها.
فمئات الاطفال والشباب يخرجون يومياً في الصباح الباكر للبحث عن عبوات البلاستيك الفارغة أو كرسي مكسور هنا أوهناك، لجمعها وبيعها للورش الصناعية التي بدورها تعيد تصنيع المواد البلاستيكية، فتنتج منها مواد جديدة مثل أكياس البلاستيك وخراطيم المياه الزراعية، علمًا أن وزارتي الصحة والاقتصاد تمنعان استخدام المنتجات البلاستيكية المعاد تدويرها في الأواني او المعلبات التي تستخدم للطعام، وهنا يجدر بنا طرح الأسئلة التالية:
هل تُستخدم حقًا المنتجات البلاستيكية المعاد تدويرها للأغراض المذكورة آنفاً فقط؟
هل تُعالج المواد الأولية ويعاد التصنيع معالجة صحية وسليمة؟
كيف يتعامل النباشون مع المواد الخطرة وعبوات المواد الخطرة والسامة؟
هل العمليات والمبادرات القائمة كافية للتخلص والتقليل من النفايات البلاستيكية؟
هل يعي المواطنون خطر النفايات البلاستيكية؟ وهل لديهم جهوزية الفصل من المصدر؟
وفي السياق ذاته، يرى عبد الفتاح أبو موسى المتحدث باسم وزارة الاقتصاد، أن جميع المصانع التي تعتمد على البلاستيك المعاد تدويره، ممنوعة من إنتاج الأدوات التي تُستخدم للاستهلاك الآدمي، بما في ذلك الأدوات المنزلية، إذ تخضع تلك المصانع للرقابة، كما أن هناك إجراءات عقابية تتخذ بحق المخالف منها، تصل إلى حد إغلاق المصنع.
وتكتفي مصانع البلاستيك بتنظيف المواد التي جُمعت من الشوارع والحاويات في أحواض مياه كبيرة، لونها يميل إلى البني، من شدة تلوثها، حسب تحقيق لجريدة الرسالة.
ووفقًا لما قاله أحد العاملين في مصانع البلاستيك، فإن مياه غسيل هذه المواد تُغيّر كل أسبوعين، مؤكداً إهمال إدارة المصنع تنظيف المواد البلاستيكية التي تُجمع من حاويات القمامة، حتى توفر الوقت وساعات العمل، وتبيّن أن إعادة "جرش" البلاستيك لا تتم وفق المواصفات الصحية التي تضعها وزارة الاقتصاد، كون الأخيرة تمنع استخدام المواد البلاستيكية الخطرة نهائياً، إضافة إلى عدم تنظيف المواد بطرق سليمة.
وكشف التحقيق نفسه عن مخالفات لدى إدارة المصانع، مثل إهمال تنظيف البلاستيك بعد شرائه، واستخدامه في صناعات حفظ المواد الغذائية، وتعرضه لدرجات حرارة عالية.
النباشون الأطفال بين أكوام النفايات في غزة
وعن سلامة النباشين يضيف أحدهم (رفض ذكر اسمه) بينما يتوسط مجموعة من زملائه لفرز نفايات البلاستيك "هناك احتمالية لإصابتي وزملائي ببعض الأمراض، لكننا نعلم أنه ليس لدينا أي فرصة أخرى لكسب المال مع الظروف الراهنة"، مشيرًا إلى أنه يكسب حوالي 40 شيقلًا فقط يوميًا.
مبادرات
رغم تنفيذ بعض المبادرات الفردية والجماعية، إلا أنها لا تفي بالحد الأدني لمعالجة الأزمة، وفي هذا السياق يعقّب م. عبد الرحيم أبو القمبز المدير التنفيذي لمجلس الخدمات المشترك لإدارة النفايات الصلبة في محافظتي غزة والشمال، بقوله إن المبادرات الرامية لتعميم فكرة فرز نفايات المنازل، تأتي ضمن الجهود المبذولة لتعزيز المشاركة المجتمعية والحفاظ على البيئة والصحة العامة.
ومن المبادرات التي لاقت صدى "سلة بلدنا"، وتتلخص فكرتها في التعاون والمشاركة المجتمعية في عملية فرز النفايات المنزلية، لإعادة تدويرها والاستفادة منها، وقد عمل طاقم المبادرة على جمع النفايات المنزلية من عشرة أبراج سكنية في منطقة تل الهوى جنوب مدينة غزة، وفرزها بالتعاون مع السكان، للاستفادة منها وإعادة تدويرها واستخدامها في صناعات مختلفة، علمًا أن المبادرة ارتكزت على فصل مادة البلاستيك بالدرجة الأولى.
جدير بالذكر أن القدرة الاستيعابية لسوق الصناعات البلاستيكية في قطاع غزة مرتفعة، وتقدّر بحوالي 2200 طن شهريًا، في حين تُقدّر كمية البلاستيك المعاد تدويره بما يقارب 250 طنًا شهريًا، بمعدل أكثر من 8 أطنان يوميًا، أي نحو 3% من قيمة الإنتاج اليومي للنفايات الصلبة البلاستيكية في قطاع غزة.