خاص بآفاق البيئة والتنمية
![](https://www.maan-ctr.org/magazine/files/image/photos/issue156/friends/1/1.jpg)
ينتج قطاع غزة ما معدله 1,500 طن من النفايات البلاستيكية كل شهر، أي ما يعادل أكثر من 18,000 طن من النفايات البلاستيكية سنويًا[1].
ومن المرّشح ازديادها بسبب زيادة الاعتماد على السلع المستوردة، وانخفاض اهتمام القطاع الخاص بالعمل على اِقتصادات إعادة التدوير في القطاع.
يعد مسار إدارة النفايات الصلبة في غزة بدائياً؛ فبعد أن تضع كل عائلة حقائبها على نقاط التجميع الخاصة بها، تخطط اللجان المسؤولة عن الجمع "الشاحنات" لطريقها للجمع من الحاويات المختلفة إلى نقطة نقل مؤقتة.
ثم تُنقل المواد التي جُمعت إلى المكبات الرسمية التي تتوسع يوميًا، بتكديس ما يقرب من 720 ألف طن من النفايات كل عام.
يترتب على انعدام الفرز في المؤسسات المختلفة وعلى نطاق البيوت في قطاع غزة آثار خطرة للغاية، وقد تصل إلى مستويات شديدة الخطورة، لا نشعر بها نحن القاطنين في المدن، ولكن يشعر بها قاطنو المجمعات السكنية المجاورة لمكبات النفايات المركزية.
يؤثر انعدام سلوك فرز المهملات في كل الناس بنسب متفاوتة، ويؤثر ذلك في العناصر البيئية والمياه الجوفية بمستوى خطِر جداً.
وبخصوص هذا الشأن؛ تنتج الأسرة نفاياتها الصلبة والعضوية معًا في كيس بلاستيكي كبير، وتغلق الكيس أمام النقل إلى مكبات النفايات المركزية، عملية النقل تمر بعدد من وحدات الإدارة، بما يؤثر على جودة إغلاق الأكياس، ما يعني اندثار محتوياتها لتصبح أكثر عرضة للعناصر المناخية، بما في ذلك الرياح والحيوانات الضالة والأطفال والبالغين الذين ينقّبون في مكبات النفايات بحثًا عن المعادن والألمنيوم والمواد الأخرى لتوفير بعض احتياجاتهم الأساسية. ولا تنحصر أضرار ذلك في الأطفال والعاملين في مدافن النفايات، ولكن يؤثر ذلك في جودة الحياة في المدن، وجودة البيئة والمياه الجوفية في مراحل متقدمة عند وصول النفايات إلى المكبات الرئيسة؛ بأكسدة المواد العضوية وتسرب المواد السامة المتراكمة بسبب التعرض لأشعة الشمس والضغط المستمر الذي ينتج عصارات سامة جداً في التربة.
ولا تقتصر الآثار على ذلك فحسب، بل تمتد إلى جودة الحياة في المناطق المجاورة لمكبات النفايات كونها عرضة لتلوث الجو الدائم، فضلًا عن الحوادث المتصلة بتسرب القمامة، وانتشار الكلاب والحيوانات الضالة، وآثار عدة تنعكس على صحتهم وسلامتهم.
قبل عقد من الزمن، أدرتُ مشروعًا خاصًا بإعادة تدوير البلاستيك في مبادرة لتحسين الدخل، وقد استند تصميم المشروع إلى اقتصاد إعادة التدوير في قطاع غزة.
ولضمان الاختيار الصحيح للمشاركين في المشروع، حددت موقع المشروع، وأعددت ديموغرافيا للإحصاءات التعليمية وحجم الأسرة، حتى يبدو منطقيًا بدء دورة إعادة التدوير من منظور الأسرة، ودعم أصحاب المصلحة المحليين المستفيدين من دورة الأعمال الجديدة، ومساحات التصنيع أيضًا لدعم ازدهار هذا الاقتصاد المحتمل الجديد.
كان هذا هو التدخل المرتقب في ذلك الوقت، وتضمّن المشروع توظيف مجموعة من مروجي إعادة تدوير البلاستيك، وبدء الدورة بتنظيم حملة توعية منزلية مناسبة.
كانت الأدوات آنذاك بدائية، واعتمدت كليًا على الشخص الذي يعقد جلسة توعية منزلية جنبًا إلى جنب، مع توفير عناصر إعادة التدوير، وتثبيت كل منطقة بوكيل إعادة تدوير (نصف موظف) لكل مجتمع لبدء هذه العملية عن طريق فرز العناصر، وتحسين دخل الفرد (وكلاء إعادة التدوير).
وأشار نشاط الرصد للمبادرة إلى أن حوالي 500 جرام فقط تُنتج من البلاستيك لكل أسرة من إجمالي النفايات البلاستيكية.
تعلمت من هذه المبادرة، أن لدينا أنواعًا لا حصر لها من البلاستيك المستخدم المصنوع من مواد أولية مركزية بما في ذلك البولي إيثيلين (PE) والبولي بروبيلين (PP) والبولي فينيل كلوريد (PVC) والبوليسترين (PS) والبولي إيثيلين تيريفثاليت (PET)، علمًا أنها تجاريًا تُعطى أرقامًا، ولا يظهر فيها المثال المحلي ملصقات جيدة لإدخال هذه العناصر ضمن فرز معين يساعد في قدرتها على إعادة التدوير.
على سبيل المثال إذا رأينا منتجًا، فإن المعلومات الوحيدة التي تتوفر لدينا على ظهر المنتج هي إشارة إعادة التدوير وأرقام مثل P11 وP1 وP5، وفي هذه الحالة، المعلومات الخاصة بالفرز تكون ناقصة، ما يعني أن الشخص المسؤول عن إعادة التدوير لا يملك الحد الأدنى منها، والتي تعد النقطة الأهم في رحلة إعادة التدوير لتلك العناصر.
وفى السنوات الأخيرة وُضع حل نموذجي في وحدة نقل ثانوية في قطاع غزة، مع أنه لا يساهم بكفاءة في الحل الشامل للمشكلة القائمة، بسبب عدم توفر الميزانيات المستمرة المتعلقة بالعمالة والتشغيل، إلى أن عمل الوحدة اقتصر على المخلفات الطبية من المستشفيات والعيادات الخاصة بنسبٍ متفاوتة.
ولتقديم التوصيات الفعالة لحل تلك المشكلة المعقدة والمتراكمة، التي يجب أن تتصدى لها بجدية كل من الحكومة والمجتمع الدولي والبلديات وسلطات جودة البيئة التي تركز على المواطنين، لتكون مفتاحًا أساسيًا للتغلب على المشكلة القائمة حالياً، أو على الأقل المساهمة في تقليل تأثير المخاطر المستقبلية[2]، بواسطة ما يلي:
- الاستثمار في البنية التحتية لإعادة التدوير: يفتقر قطاع غزة حاليًا إلى البنية التحتية اللازمة لإعادة تدوير النفايات البلاستيكية. ويمكن للحكومة والمجتمع الدولي الاستثمار في بناء مرافق إعادة تدوير إضافية، تشمل المعادن، وكذلك تدريب العمال على تقنيات إعادة التدوير برعاية القطاع الخاص.
- تشجيع استخدام الأكياس والزجاجات القابلة لإعادة الاستخدام عن طريق التمكين، وفرض ضرائب إضافية على استيراد العناصر ذات الاستخدام الواحد، ما سيؤدي إلى رفع السعر على الأفراد وتناقص استخدامها تدريجياً، والترويج للأكياس والزجاجات المتينة لتحل محل الخيارات الحالية في السوق، ما سيؤثر على نوعية الواردات والاقتصادات المرتبطة ببدء العمل على خيارات قيّمة وصديقة للعملاء وبأسعار معقولة في السوق.
- تشجيع القطاع الخاص على استخدام المواد المعاد تدويرها؛ باستحداث خطوط إنتاج جديدة تعمل على وحدات تنظيف وتقطيع للمواد المختلفة بما في ذلك البلاستيك وغيرها من المواد الموجودة في النفايات الصلبة اليومية، لإعادة استخدامها محليًا لتصنيع أكياس جمع النفايات، وكذلك تصدير الباقي للدول المجاورة لدعم أنشطتها الصناعية، وهذا الحل قابل للتطبيق لتغطية جميع أنواع النفايات التي لا يمكن إعادة إنتاجها محليًا بما في ذلك PE وPS التي تستوردها كل من مصر والصين للصناعات المحلية.
- تثقيف الجمهور حول المخاطر المحيطة بانعدام الفرز الفردي، واتخاذ البلديات إجراءات من قبيل العقاب والمكافأة، لأن فرض الضرائب والغرامات سيخلق نوعًا من الالتزام لدى المواطنين للامتثال لتنفيذ عملية الفرز، وتأصيل التوعية لتعزيز التعليم المجتمعي عندهم، وباستخدام البرمجة والإنترنت والتدريب تصبح جوانب المراقبة لهذا الحل قابلة للتنفيذ وبأسعار معقولة، وفقًا لميزانيات خدمات البلدية والخطط السنوية.
- تعليم الأطفال في القطاع العام والأونروا، والطلبة في الجامعات، ثقافة إعادة الاستخدام والفرز، وإعادة التدوير، سيساهم في حل هذه المشكلة للأجيال القادمة مما سيجعلهم أكثر حرصاً على هذا المورد، وعلى البيئة عامة، باستخدام أدوات ونشرات تلامس عقولهم واحتياجاتهم.
وفى النهاية، مشكلة التلوث في قطاع غزة خطرة، وأساسها يكمن في الافتقار إلى البنية التحتية لإعادة التدوير، ونقص الطلب على المواد المعاد تدويرها، بما يؤثر في جودة الحياة ويخلّف آثارًا بيئية مصاحبة لهذه الظاهرة.
دعونا نتعلم جميعاً من الدول الأخرى وتجاربها، ونحقق معًا اقتصادًا يمكن أن يحوّل هذه المشكلة إلى نشاط اقتصادي مهم للعديد من السكان الذين يواجهون الظروف الاقتصادية والبيئية الصعبة.
لذلك يجب علينا التعامل مع إدارة التدوير من منظور الحل، على أن يكون قابلاً للتطبيق وفعالًا للأجيال القادمة والمستقبل، حل يحقق الكثير على مستوى مكافحة الآثار المترتبة، واحتضان العمالة المحلية غير المتعلمة، وتحقيق نوع من المساهمات المحلية للاقتصاد.