خاص بآفاق البيئة والتنمية
كيف تحدث الزلازل؟ وما الأسباب المؤدية لها؟ وماذا لو أمكننا التنبؤ بتوقيتها، ألا يمكننا تجنب حدوثها؟ وهل هناك سبلاً ناجعة للوقاية من تأثيراتها الكارثية؟ هذه التساؤلات وغيرها يجيب عنها المقال التحليلي العلمي التالي.
|
 |
الأخدود الإفريقي العظيم |
الزمان: الاثنين (السادس من فبراير/ شباط 2023) الساعة الرابعة وسبع عشرة دقيقة فجراً.
المكان: الجنوب التركي محافظة غازي عنتاب التركية، تحديداً مدينة كهرمان مرعش.
الحدث: الناس يغطُّون في نوم عميق. فجأة اهتزَّت الأرض، ارتجافها يتزايد عنفاً باطِّراد لمدة دقيقة كاملة، كانت كفيلة بتدمير آلاف الأبنية والطرقات وانقطاع خدمات الماء والكهرباء والاتصال في التجمعات السكانية في المدن والقرى.
السبب: تصادم الصفائح التكتونية الأرضية على عمق 18 كيلومتر متسبّبة بزلزال شديد بلغت قوته 7,8 درجة بمقياس ريختر.
عشر ولايات تركية في الجنوب ضربها الزلزال الكبير، وخمس محافظات في الشمال الغربي السوري. وبعد 11 دقيقة من الزلزال الأول، باغتت المنطقة هزة ارتدادية بلغت قوتها 6.7 درجة.
ووقعت هزة أخرى بقوة 7.5 درجة بعد ساعات، تلتها هزة بقوة ست درجات في فترة ما بعد الظهر، وتوالت الهزات الارتدادية بعدها لتصل إلى آلاف.
عشرات الآلاف قُتلوا، وعشرات آلاف أُخرى دُفنوا أحياءً تحت أنقاض المباني المدمَّرة، وملايين آخرين باتوا دون مأوى في طقس أقل ما يُقال عنه إنه شديد البرودة.
فكيف تحدث الزلازل؟ وما الأسباب المؤدية لها؟ وماذا لو أمكننا التنبؤ بتوقيتها؟ ألا يمكننا تجنب حدوثها؟ وهل من سبلٍ ناجعة للوقاية من تأثيراتها الكارثية؟

حقل زيتون تصدَّعت الأرض في هاتاي بعد زلزال تركيا 2023- صدع ضحل
مصطلحات مهمة لفهم ما يجري
# الزلزال: اهتزاز أرضي ناجم عن انزلاق مفاجئ في الصفائح التكتونية.
 |
 |
مكونات الأرض |
طبقات الأرض |
# طبقات الأرض: تتكون الأرض من ثلاث طبقات أساسية؛ القشرة وتتكون من الصخور الصلبة والمعادن، والستار ويتكون أيضاً من الصخور الصلبة والمعادن، وفي مركز الأرض يوجد اللب المعدني الكثيف الساخن.
القشرة الأرضية ليست غلافاً ممتداً من قطعة واحدة مثل القشرة التي تغلّف حبة الفاكهة، بل تتكون من قطع تتداخل فيما بينها مثل قطع الأحجيات الورقية (puzzle) لتُشكِّل صورة كاملة، هذه القطع تُسمى بالصفائح التكتونية.
 |
 |
الصفائح التكتونية الأرضية |
الصفيحة الأناضولية وما حولها |
# الصفائح التكتونية:
تتكون القشرة الأرضية من قطع ضخمة من الصفائح الصلبة تقع أعلى طبقة عميقة من الصخور الساخنة اللزجة المكونة لستار الأرض، موقعها هذا يسمح لها بالحركة ببطء شديد بمعدل ( 1- 20) سنتيمتراً سنوياً.
حركة الصفائح على مدى ملايين السنين تسببّت بتشكل قارات ومحيطات العالم بهيئتها الحالية، وبحسب نظرية الصفائح التكتونية لـلعالم الألماني "ألفريد فيجنر" فإن الأرض كانت عبارة عن قارة واحدة، انفصلت بسبب حركة الصفائح المستمرة وتشكَّلت القارات والمحيطات كما نراها اليوم.
وتُستخدم نظرية الصفائح لتفسير التغيّرات في القشرة الأرضية، وتوضيح التوزيع العالمي للزلازل.
اعتقد الجيولوجيون قديماً أيضاً أن قارات العالم كانت قارة واحدة ثم تفكّكت، وأن قارات العالم تتحرك بمرور الوقت، ضمن ما يُطلق عليه "نظرية الانجراف القاري"، ولكن حديثاً استُبدلت نظرية الانجراف القاري بنظرية الصفائح التكتونية.
يبلغ عدد الصفائح التكتونية نحو سبع صفائح رئيسية بحجم القارات والمحيطات، وتغطي ما يقارب 95% من سطح الأرض، وحوالي عشر صفائح صغيرة وثانوية أخرى.
على حواف الصفائح توجد "حدود الصفائح"، ولأن الصفائح تغطي كل السطح الخارجي للأرض، فلا يوجد فراغ ليس مشغولاً بإحداها، وبما أن حجم الأرض ومساحة سطحها ثابتان فإن حركة أي صفيحة من الصفائح سيؤثر حتماً في الصفائح المجاورة.
يصاحب تحرك الصفائح التكتونية على طول حدودها أنشطة زلزالية وبركانية، وتتكون التضاريس أيضاً مثل الجبال الشاهقة والصدوع والطيات والأخاديد والفوالق وغيرها، وهو ما يستغرق ملايين السنين.
# الصدع أو الفالق: هو كسر في القشرة الأرضية، تصاحبه حركة انزلاق للصخور الموجودة على جانبيه.
يحدث هذا الفالق بسبب الضغط أو الشّد الذي تسبّبه تحركات صفائح القشرة الأرضية باستمرار، وفي أماكن مختلفة، مثل الأخدود الإفريقي العظيم، وصدع سان أندرياس في كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية، وصدع مريانا البحري غرب المحيط الهادي.
يرتبط حجم الزلزال بمساحة الصدع الذي يحدث فيه، فكلما زادت مساحته زادت قوته.
وأكبر زلزال سجلّته الأجهزة الزلزالية على الأرض هو زلزال فالديفيا في تشيلي في 22 أيار 1960 وبلغت قوته 9.5 درجة.
وحدث الزلزال في مكان غوص صفيحة نازكا تحت صفيحة أميركا الجنوبية على صدع بيرو- تشيلي الذي يبلغ طوله 1000 ميل وعرضه 150 ميلاً، وتسبّب بأمواج تسونامي ضربت جنوب تشيلي وهاواي واليابان والفلبين وشرق نيوزيلندا وجنوب شرق أستراليا والمناطق الجنوبية من ألاسكا.

مناطق الاندساس بين الصفائح التكتونية
تحدث الصدوع في مناطق تسمى بمناطق الاندساس التي تتكوَّن نتيجة اصطدام صفيحتين متجاورتين من القشرة الأرضية ببعضهما، إذ تدفع إحداهما الأخرى فتنزلق تحتها وتغوص في طبقة الوشاح - الطبقة اللدنة التي تقع تحت القشرة الأرضية - وينجم عن تداخلهما خندق عميق فوق المنعطف في القشرة المغروسة في الأسفل، قد تتشكل صدوع ضحلة في أثناء الانهيارات الأرضية التي يسببها الزلزال.
#الهزات الارتدادية: سلسلة من الزلازل الصغيرة تحدث بعد الزلزال الكبير على حدود الصدع، وقد تستمر على مدار أسابيع، أو شهور، أو سنوات أحيانًا، ولكنها تصبح أقل تواتراً وتتناقص مع مرور الوقت، وتصاحب الهزات الارتدادية الزلازل الضحلة أكثر من العميقة.
وتحدث في الصخور الواقعة بالقرب من مركز الزلزال، أو على طول الصدع الذي حدث فيه، وعادة ما تكون شدة الهزات الارتدادية صغيرة مقارنة بتلك التي في الزلزال الرئيس؛ إلا أن العديد منها يكفي لزعزعة استقرار المباني وعرقلة جهود الإنقاذ، وبث الرعب بين السكان الذين كانوا عرضة لخسائر وأضرار الزلزال.
# بؤرة الزلزال: وهو الموقع الموجود أسفل سطح الأرض حيث يبدأ عنده الانزلاق الصخري عند حدود الصفيحة التكتونية ويؤدي إلى حدوث الزلزال، ويُطلق على الموقع الموجود فوقه مباشرة على سطح الأرض اسم مركز الزلزال.

الشفق الزلزالي الذي ظهر أثناء زلزال كهرمان مرعش- تركيا 2023
# ضوء الزلزال أو البرق الزلزالي أو الشفق الزلزالي:
أسماء عدة لظاهرة واحدة. ما إن تبدأ الأرض في الارتجاف حتى تنطلق ومضات بيضاء مزرقَّة أو مخضرَّة للأعلى لتلمع في السماء، تشبه إلى حد كبير وميض الصواعق أو الانفجارات، تثير الرعب وتزيد من الهلع الذي يرافق الزلزال لغموضها.
وهي ظاهرة طبيعية، تحدث بعد الزلازل القوية في مناطق الإجهاد التكتوني نتيجة تفريغ الشحنات الكهربائية من باطن الأرض، في المناطق التي تتكسر فيها الصفائح التكتونية، فالصخور الحاملة للكوارتز تُنتج مجالات كهربائية قوية عند ضغطها بطريقة معينة.
وشوهدت هذه الظاهرة في زلزال كهرمان مرعش في 6 شباط 2023 كما شوهدت سابقاً في زلازل أخرى.

المناطق التي ضربها الزلزال في تركيا وسوريا يوم 6 شباط2023
كيف يحدث الزلزال؟ وأي المناطق هي الأكثر عرضة لها؟
ينتج عن حركة الصفائح التكتونية عندما تنزلق صفيحة فوق أخرى أو تصطدم وتتداخل بعنف بها؛ ما يُراكم داخل الصفيحة ضغوطاً كبيرة تدفع صخورها للانفصال فجأة أو الطحن؛ ليُحرر ضغطها فجأة على صورة هزات زلزالية تجعل الأرض تهتز وترتجف.
وتُعزى حركة الصفائح في القشرة الأرضية إلى الحركات العميقة داخل الأرض، التي تحمل الحرارة من الداخل شديد الحرارة إلى السطح الأكثر برودة.
يمكن للموجات الزلزالية أن تحدث أيضاً نتيجة عمليات طبيعية أخرى وأنشطة بشرية أيضاً، مثل حركة الصهارة داخل البراكين، ونشاطات أمواج المحيطات والبحار وتغيرات درجات حرارة وضغط المياه، والرياح القوية.
أما النشاطات البشرية التي يمكنها التسبب بموجات زلزالية فهي عمليات التعدين، واستخراج الغاز والنفط، وإنشاء مترو الأنفاق، ولا ننسى سبباً رئيساً يُحدث موجات زلزالية تشبه إلى حد كبير الزلازل الكبيرة، وهو انفجارات الرؤوس الحربية النووية، إذ تُعد أحد أسباب الحظر العالمي للتجارب النووية، فلا يمكن تفجير رأس نووي على الأرض دون التسبب بموجات زلزالية كبيرة.
أكثر المناطق عرضة لخطر الزلازل، تقع في ثلاثة أحزمة تظهر فيها الغالبية العظمى من الزلازل في العالم:

حلقة النار- الحزام الزلزالي في المحيط الهادئ
- حلقة النار أو حزام المحيط الهادئ: يمتد فوق 40,000 كم من حوض المحيط الهادئ الذي يستضيف 90% من الزلازل في العالم و75% من براكين العالم، يقع على حافة المحيط الهادئ نتيجة الحركة التكتونية المستمرة للصفائح في هذه المنطقة.
يمتد من تشيلي شمالاً على طول ساحل المحيط الهادئ لأميركا الجنوبية إلى المكسيك في أميركا الشمالية، مرورًا بالساحل الغربي للولايات المتحدة، إلى الأجزاء الجنوبية من ألاسكا، ويمتد ليشمل جزر ألوتيان في المحيط الهادئ، واليابان، والفلبين، وغينيا الجديدة، وجزر جنوب غرب المحيط الهادئ ونيوزيلندا.

حلقة النار والحزام الألبي
- الحزام الألبي: ويُشكِّل تقريباً 17% من أكبر الزلازل في العالم، وأكثرها تدميراً، منها زلزال أندونيسيا عام 2004. ويقع هذا الحزام في منطقة تمتد لأكثر من 15 ألف كم من جاوة وسومطرة نحو المحيط الأطلسي عبر شبه جزيرة الهند الصينية، ويعبر جبال الهيمالايا، وجبال إيران، والقوقاز، والأناضول، والبحر الأبيض المتوسط.

حزام منتصف الأطلسي الزلزالي
- حزام منتصف الأطلسي: ويحدث تحت الماء وبعيداً عن أي بنية تحتية بشرية، وعموماً لا يؤثر كثيراً على حياة البشر، لكن المنطقة الأكثر عرضة للزلازل على طول سلسلة جبال وسط المحيط الأطلسي هي أيسلندا، وتقع فوقها مباشرة.
أما الدول الأكثر عرضة للزلازل في العالم فهي: اليابان، إندونيسيا، الصين، الفلبين، إيران، وتركيا.
وتُصنَّف اليابان وإندونيسيا من أعلى دول العالم في عدد الزلازل، أما الصين وإيران وتركيا فتترّبع في أعلى قائمة الزلازل الكارثية، وهذا لا يعني أن بقية دول العالم مستثناة من مثل هذه الكوارث الطبيعية.
لماذا تهتز الأرض في الزلازل ويحدث دمار في المناطق القريبة؟
بينما تكون حواف الصدوع ملتصقة ببعضها البعض، وبقية الكتلة تتحرك، يحدث فيها تخزين الطاقة وتراكم الإجهاد لدرجة تتغلب فيها قوة الكتل المتحركة أخيراً على احتكاك الحواف الخشنة للصدع، ما يدفع جانبي الصدع معاً، فتتفكك الصخور، وتُحرر كل الطاقة المختزنة؛ فتشع الطاقة إلى خارج الصدع في جميع الاتجاهات على شكل موجات زلزالية تشبه تموجات الماء على سطح بركة عند إسقاط حجر فيها، تنتقل الأمواج الزلزالية عبر قشرة الأرض، فتهزُّها في أثناء انتقالها وانتشارها وتهز معها كل شيء يلامس سطحها.
هل هناك إشارات تنذر بزلزال قادم؟ وهل يمكن التنبؤ بتوقيت أو مكان حدوثه؟
خضعت مجموعة واسعة من المؤشرات المحتملة لحدوث زلزال للدراسة، بدءاً من زيادة تركيز غاز الرادون، والتغيرات في النشاط الكهرومغناطيسي، والصدمات الأرضية التي قد تشير إلى حدوث زلزال كبير قادم، واعوجاج وتشوه في سطح الأرض، وحدوث تغيرات جيوكيميائية في المياه الجوفية، وحتى السلوك الحيواني غير المعتاد، ويحدث عادة في اللحظات التي تسبق وقوع زلزال كبير، ظهر أن هذه الإشارات تحدث بطريقة متقطعة قبل حدوث زلزال كبير. ولسوء الحظ، فإنها تحدث أيضاً دون أن يتبعها زلزال كبير.
لا توجد طرق علمية معقولة للتنبؤ بحدوث زلزال. بمقدور مراكز المسح الجيولوجي الإدلاء ببيانات حول معدلات الزلازل، ووصف الأماكن التي يرجح أن تسبّب الزلازل على المدى الطويل.
لكن التنبؤ بحجم وتوقيت وموقع الزلزال المستقبلي، فهذا أمر لم يستطع العلم التوصل إليه حتى الآن، وهو ما تعمل عليه مراكز الأبحاث والمنظمات العلمية.
وعلينا أن نتذكر أن المناطق التي حدثت فيها زلازل سابقة عرضة لتكرار الحدث مرة أخرى بعد سنوات لتوفر الأسباب المؤدية للزلازل في قشرتها الأرضية.

أمواج تسونامي
هل يمكننا تجنب أضرار الزلازل؟
بغض النظر عن البقعة التي نتواجد فيها على سطح الأرض، فهناك دائماً فرصة لحدوث زلازل.
تجنُب حدوثها أمر خارج عن مقدرة البشر؛ ولكن ما يمكن فعله هو تجنب الضرر الناتج عن انهيارات المباني، وبالتالي تقليل الخسائر البشرية والمادية، عن طريق تجهيز المباني بطريقة تقاوم الزلزال، وهذا من اختصاص المهندسين المعماريين والمدنيين، ومقاولي البناء.
ولا يغيب عن أذهاننا أن ما يقتل البشر، ليس هو الزلزال بحد ذاته، ولكنها الأشياء المتساقطة مع البناء غير المدعم؛ حيث تتفكك الجدران من المبنى وتنهار فوق رؤوس من يتواجدون داخله، تخيّل طوبة بناءٍ واحدة تسقط على رأسك من ارتفاع 3 أمتار، فكيف إذا كان مبنى من طوابق؟