خاص بآفاق البيئة والتنمية
يتميز قطاع غزة بتنوع الكائنات اليابسية مثل الطيور والثدييات والزواحف بمختلف أنواعها، فضًلا عن الكائنات البحرية المختلفة؛ كالبرمائيات (الضفادع)، وأنواعٍ عديدة من الأسماك المتوطنة والغازية. لكن، في السنوات الأخيرة برزت العديد من المهددات التي تعصف بالتنوع الحيوي، منها ما هو طبيعي ومنها ما نجم عن الممارسات البشرية، مثل جرائم الاحتلال الإسرائيلي والانتهاكات المحلية، مثل الصيد الجائر واجتثاث الأشجار، والتعدّي على الكثبان الرملية والاستخدام المفرط للمبيدات، وكلها ممارسات تسبّبت في تدهور التنوع الحيواني، وفقدان العديد من الأنواع الحية.
|
يتمتع قطاع غزة بتنوع الكائنات اليابسية، التي يتفاوت عددها من 150 إلى 200 نوع من الطيور، حيث يُوجد حوالي 20 نوعًا من الثدييات، ونحو 25 نوعًا من الزواحف بمختلف أنواعها، فضلًا عن الكائنات البحرية المختلفة؛ إذ تتضمن نحو ثلاثة أنواع من البرمائيات (الضفادع)، وما يقارب 200 نوع من الأسماك المتوطنة والغازية.
ووفقًا للخبير البيئي د. عبد الفتاح عبد ربه أستاذ العلوم البيئية بالجامعة الإسلامية في مدينة غزة، تعود أهمية التنوع الحيوي إلى مساهمته في التوازن البيئي، "فكل كائن حي في الطبيعة له وظيفة، على سبيل المثال، الخفاش يمنع تكاثر البعوض، والبوم والأفعى يمنعان تكاثر القوارض، وهما لا يضرّان الإنسان إلا إذا حاول إيذاءهما، وفي الوقت نفسه هو لا يستطيع العيش دون هذه الكائنات التي تؤدي دورًا أيضًا في تعليمه أساليب الحياة، مثلما علّمه النحل النظام، والنمل تخزين الطعام" يقول عبد ربه.
ويعد التنوع الحيوي في فلسطين عامة وقطاع غزة خاصة من ضمن الموارد المُهدَّدة بشدة، وتكمن أهميته في العديد من مجالات الحياة، وبحماية التنوع الحيوي نضمن دوام استقرار النظم البيئية، بالمختصر هو مخزون وراثي طبيعي، كونه من المبادئ الأساسية للتنمية القابلة للاستمرار للموارد البيئية.
في ضوء ما سبق نجد العديد من المهددات تعصف بالتنوع الحيوي منها ما هو طبيعي ومنها ما ينجم عن الممارسات البشرية، مثل العواقب المحتملة لتغير المناخ على البيئة الفلسطينية، والتي تفاقم من ظاهرة نضوب الموارد المتاحة، وتسارع وتيرة الجفاف، والتصحر، وتدهور الأنظمة البيئية، ما أدى إلى فقدان العديد من الأنواع الحية.
![](https://www.maan-ctr.org/magazine/files/image/photos/issue151/topics/6/1.jpg)
التنوع الحيوي النباتي في غزة شهد تراجعا خطيرا
لم تسلم الكائنات الحية من تدخل الإنسان الذي ألحق بها الضرر، كما أن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي تسبّبت في الأذى لتلك الكائنات، حين شيّد سدودًا في أوائل سبعينيات القرن الماضي على حدود وادي غزة الذي جفّ، فتناقصت فيه إلى حدٍ كبير، وأدى جفاف الوادي إلى فقدان الكثير من الكائنات الحية.
علاوة على ذلك، أقام الاحتلال السدود على الحدود الشرقية لقطاع غزة، ما أدى إلى منع تنقّل بعض الحيوانات مثل الغزلان والظباء، فضلًا عن أن تواصل القصف الإسرائيلي وإطلاق القذائف والتجريف كلها عوامل قضت على أماكن تعشيش الطيور.
كما أن إقامة ما سُمي بــ "الجدار الأمني" منعَ تدفق الحيوانات الكبيرة والمتوسطة إلى قطاع غزة مثل الذئاب والغزلان وغيرها.
![](https://www.maan-ctr.org/magazine/files/image/photos/issue151/topics/6/2.jpg)
الجدار الإسرائيلي الضخم يحكم الحصار التجويعي على قطاع غزة ويُخلخل التوازن الإيكولوجي
أما داخليًا، فقد واصل بعضٌ الصيد الجائر دون تفكيرهم في أهمية هذه الكائنات ودورها في حفظ توازن الطبيعة، ولم يتوانَ مواطنون عن قطع الأشجار بغرض التوسع العمراني، والتعدّي على الكثبان الرملية التي كانت تُعدُّ مظهرًا جماليًا، إضافة إلى الاستخدام المفرط للمبيدات، وكلها بطبيعة الحال ممارسات تؤدي إلى تدهور التنوع الحيوي الحيواني.
![](https://www.maan-ctr.org/magazine/files/image/photos/issue151/topics/6/3.jpg)
الصيد الجائر في قطاع غزة ساهم في القضاء على بعض الطيور النادرة
ومن المؤسف أن الغطاء النباتي في قطاع غزة أيضًا تأثر سلبًا، وشهد التنوّع الحيوي فيه تراجعًا كبيرًا، في الوقت الذي تتميز فيه فلسطين عمومًا بالتنوّع الحيوي النباتي بسبب تنوع التضاريس، وتعد من البلدان القليلة التي يوجد فيها الغور والساحل والهضاب والجبال، وتتمتع بالموائل البيئية وهي أماكن نمو النباتات.
إلا أن قطاع غزة يفتقر إلى الغطاء النباتي الحقيقي؛ وحسب المختصون بالتنوع الحيوي النباتي، هو منطقة ساحلية يتميز بوجود الكثبان الرميلة، وبعض الأودية الصغيرة مثل وادي غزة، ووادي السلقا، ووادي بيت حانون، وتزدهر فيه النباتات الحولية التي تنمو كل عام شتاءً، وتجف صيفًا، وتبقى البذور التي تنمو مرة أخرى.
لكن الأشجار غير موجودة كثيرًا، وقد بدأت تختفي بسبب اختلاف البيئة الملائمة لها، مثلًا هناك مناطق كانت تتواجد فيها الأشجار المعمرة مثل الأكاسيا، والجميز، والتوت، وغيرها، وكلها تعاني الآن الزحف العمراني، ولم نعد نرى هذه الأشجار سوى في المناطق الشرقية للقطاع التي لا يصلها الزحف العمراني.
الطيور الغازية
يصف د. عبد ربه ببغاء الدرّة بـ"الطائر الغازي"، ويقول بخصوصه: "كان هذا النوع من الطيور يتواجد في الهند والمناطق المدارية، وانتقل منها إلى المناطق الأخرى، وبنى مستعمرات له في الطبيعة".
ويكمل أستاذ العلوم البيئية حديثه: "تمكّن هذا النوع من الطيور من الاستيطان في الدول الأوروبية والشرق الأوسط. ويتغذى على الأعشاب والبذور والفواكه، متسببًا في بعض الأوقات بأضرار للمزارعين".
ويشير إلى أن ببغاء الدرّة، لا يعدّ من الطيور المُهاجرة التي وصلت إلى قطاع غزة، إنما من "الطيور الغازية".
ومن سلبياته أنه يهاجم أحيانًا أعشاش الطيور المختلفة، خاصة الهدهد كي يحتلّها.
![](https://www.maan-ctr.org/magazine/files/image/photos/issue151/topics/6/4.jpg)
ببغاء الدرة- الطائر الغازي في قطاع غزة
"غريبٌ وشرسٌ وسريع الانتشار".. إنها الصفات الثلاثة لطائر المينا التي يُجمع عليها خبراء التنوع البيولوجي.
ويقول عبد ربه عن طائر المينا الذي يغزو فلسطين من شمالها إلى جنوبها: "ذو أصول آسيوية هندية أخذ منها اسمه "المينا الهندي"، هو بحجم اليمامة تقريباً، ويعد من أخطر الطيور على مستوى العالم وتتعدد أنواعه".
ويشير إلى أن "برنامج الأمم المتحدة للبيئة" صنّفه ضمن أكثر ثلاثة طيور إضراراً بالنظام البيئي، وفي أستراليا حيث ينتشر بالملايين، يُطلق عليه محلياً بـ"القوارض الطائرة"، لشدة الأذى الذي يلحقه بالنظام البيئي.
ورغم السمات العامة التي تجمع فيما بين أنواعه المختلفة، يصعُب التفريق بين الذكر والأنثى لتشابههما في شكل الجسد، ويوجدان معاً باستمرار.
ويرمز طائر المينا للحب الخالد في بعض مناطق العالم مثل الهند، لأن علاقة الأزواج تدوم طيلة حياة الطائر التي تتراوح بين 12 و 25 سنة.
![](https://www.maan-ctr.org/magazine/files/image/photos/issue151/topics/6/5.jpg)
طائر المينا الغريب والشرس وسريع الانتشار
وعن مخاطر "المينا الهندي"، يعدد د. عبدربه ثلاثة مخاطر، أولها أنه يتسم بعدوانية مفرطة تجعله لا يتوانى عن مهاجمة أعشاش الطيور المحلية مثل الدوري واليمام، ويقتل فراخها ليحتل أعشاشها، مما يُشكّل تهديدًا حقيقيًا على التنوع الحيوي والطيور الأخرى التي استوطنت البلاد منذ آلاف السنين.
أما عن الخطر الثاني، فيبين أن لـ "المينا" القدرة على نقل أنواع من الطفيليات والجراثيم التي قد تسبّب أمراضًا قاتلة للإنسان والحيوان.
وبما أنه متعدد التغذية فذلك خطر ثالث، إذ يقتات على المحاصيل الزراعية والحبوب والحشرات وبقايا الطعام البشري والحيوانات الصغيرة.