بعد سنواتٍ من تلوث مياهه.. بحر غزة يتنفس الصعداء
خاص بآفاق البيئة والتنمية
الشريط الساحلي غربيّ قطاع غزة والمكتظ بالزوار، كان على مدار أعوامٍ مضت، وجهةً رئيسة لمياه الصرف الصحي غير المعالجة، ما أدى لحرمان الغزيين من التنزه، والتمتع بمعالم وأجواء "متنفسهم الطبيعي الوحيد". اشتداد الحصار الإسرائيلي على غزة، وتفاقم أزمة الطاقة التي بدأت منتصف سنة 2006، وعدم توفر الكهرباء اللازمة لتشغيل محطات المعالجة، تسبّب في زيادة نسبة تلوث مياه البحر، إذ بلغت في إحدى السنوات 100%، ما دفع الجهات المختصة لإغلاق الشاطئ كاملًا أمام المصطافين. لأول مرة منذ سنوات، يمنح شاطئ بحر قطاع غزة مرتاديه فرصةً للاستجمام الآمن والنظيف، بعد إعلان الجهات المختصة مطلع حزيران/ يونيو الماضي، التخلص من مشكلة تلوثه بالمياه العادمة، وتصنيف "ثلثي الشاطئ مناطق آمنة للسباحة".
|
 |
أطفال غزة في أحد المسابح |
لأول مرة منذ سنوات، يمنح شاطئ بحر قطاع غزة مرتاديه فرصةً للاستجمام الآمن والنظيف، بعد إعلان الجهات المختصة مطلع حزيران/ يونيو الماضي، التخلص من مشكلة تلوثه بالمياه العادمة، وتصنيف "ثلثيّ الشاطئ مناطق آمنة للسباحة".
فهذا الشريط الساحلي غربيّ قطاع غزة والمكتظ بالزوار، كان على مدار أعوامٍ مضت، وجهةً رئيسة لمياه الصرف الصحي غير المعالجة، ما أدى لحرمان الغزيين من التنزّه، والتمتع بمعالم وأجواء "متنفسهم الطبيعي الوحيد".
اشتداد الحصار الإسرائيلي على غزة، وتفاقم أزمة الطاقة التي بدأت منتصف سنة 2006، وعدم توفر الكهرباء اللازمة لتشغيل محطات المعالجة، تسبّب في زيادة نسبة تلوث مياه البحر، إذ بلغت في إحدى السنوات 100%، ما دفع الجهات المختصة لإغلاق الشاطئ كاملًا أمام المصطافين.

أطفال غزة يقضون أوقاتا ممتعة في أحد الشواطئ النظيفة بعد سنوات طويلة من التلوث
"خيارنا الأمثل"
وتنتشر على الشاطئ الاستراحات مدفوعة الأجر، إلى جانب مقاعد بلاستيكية وخشبية تُوزع على الزوار مقابل شواقل معدودة، بينما يُفضل آخرون الجلوس على الرمال لتوفير المال، مع الأوضاع الاقتصادية السيئة.
محمد نصار (36 عامًا) هو أب لأربعة أطفال، يعمل موظفًا في إحدى الدوائر الحكومية بغزة، يصف شاطئ بحر غزة بـ "المتنفس الوحيد" لسكان القطاع، قائلًا: "حتى لو كان ملوثًا ومكتظًا بالمصطافين، فهو الخيار الأمثل لنا في جميع الأحوال".
ومع ذلك، فإنه يتردد كثيرًا في السماح لأطفاله بالسباحة داخل البحر، مستطردًا: "السنوات الماضية شهدت مياهه تلوّثًا بنسب كبيرة، لكنّ لم أكن منتبهًا لهذا الأمر، ما أدى لإصابة أحد أبنائي بمرض جلدي، ومن ذلك الحين أفضّل الاستمتاع بالهواء الطلق أمام الشاطئ دون سباحة".
ويُشير في حديثٍ مع "آفاق البيئة والتنمية" إلى أن الإعلان الأخير بشأن زيادة المساحة الآمنة للسباحة في البحر، ضاعف عدد الزائرين له، لاسيما مع استمرار أزمة الكهرباء، مبديًا سعادته بـ "غياب الروائح الكريهة، والتحسن الملحوظ للون مياه البحر ورماله، بعد أن صُبغ لسنوات باللون الأسود بسبب المياه العادمة".
أما عماد محمد (44 عامًا) الذي كان يفترش رمال الشاطئ غرب غزة بصحبة زوجته وأبنائه الستة، يقول إنه لا يُبالي بالاكتظاظ الذي يشهده البحر طوال فترة الصيف، فأسرته كغيرها من الأسر الفلسطينية التي تأتي إلى هنا للاستجمام، وهربًا من حرّ الصيف المتزامن مع انقطاع الكهرباء، وغياب مساحات الترفيه العامة، وغلاء أماكن التنزه الخاصة، كالشاليهات التي تضم مسابح بمياه نظيفة.
ويُضيف محمد أنه يختلف كثيرًا مع زوجته بشأن سباحة الأبناء في البحر بسبب تلوّث مياهه وازدحامه بالمصطافين، لكن هذا العام اتفقا على إتاحة الفرصة لـ "الاستجمام والسباحة في الأماكن المسموح بها".

موسم السباحة الحالي في غزة عامر بالمتنزهين
ويقر بأن تلوث مياه البحر أو حتى رماله، قد تودي بصحة الإنسان إلى ما لا يُحمد عقباه، كما حدث مع ابنة شقيقه العام الماضي، فقد أُصيبت بالتهابات حادة في المعدة، بعد تناولها حلوى لامست الرمل الملوّث عن طريق الخطأ.
وبالرغم من اتساع رقعة الأماكن التي يُسمح السباحة فيها هذا الصيف، إلا أن عددًا كبيرًا من الأشخاص لا يتبّعون الإرشادات التحذيرية التي توصي بها البلديات، بواسطة المنقذين العاملين على مدار اليوم، وهذا يُسفر في كثيرٍ من الأحيان عن عواقب صحية خطيرة لهم، والكلام لمحمد.
ويبلغ عدد المنقذين العاملين على طول شاطئ بحر قطاع غزة هذا العام 560 منقذًا (بين الإشراف والعمل الميداني)، منهم 150 يعملون بعقدٍ ثابت، و450 آخرين على بند التشغيل المؤقت، وفقًا لطارق بركات مسؤول ملف الإنقاذ البحري في وزارة الحكم المحلي.
ويوضح "بركات" لـ "آفاق البيئة والتنمية" أن المنقذين يُوزعون وفقًا لمساحة كل منطقة من المحافظات الخمس، في حين يستمر عملهم 12 ساعة، مؤكدًا على سعي وزارته لزيادة عدد أبراج المراقبة واحتياجات المنقذ كالطوافات ومكبرات الصوت والصفارات، مع ازدياد الإقبال على البحر.
ويُذكر أن الإقبال على شاطئ غزة يزداد في يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع، بينما تصل ذروة السباحة اليومية في البحر بين الساعة الثانية ظهرًا، وحتى الخامسة عصرًا، وما دون ذلك يأتي المصطافون للاستمتاع بجلسات السمر العائلية.

البحر هو المتفس الترفيهي الوحيد لأهالي غزة
أماكن آمنة وأخرى ملوثة
بدوره، يخبرنا المهندس خالد الطيبي مدير دائرة صحة البيئة في وزارة الصحة بغزة، أن 65% من طول شاطئ بحر قطاع غزة آمن للسباحة، في حين صُنّفت 35% من مياه الشاطئ بــــ "الملوّثة"، مبينًا أن ذلك جاء بعد إجراء فحص ميكروبيولوجي لمياهه.
ويرى الطيبي في حديثٍه أن التحسن ملحوظ، بل هو الأفضل منذ أعوام، مرجعًا ذلك إلى تحسن جودة المعالجة في محطات الصرف الصحي، وضخّ كميات أقل من مياه الصرف إلى الشاطئ.
وبحسب ضيفنا، فإن فحوصات مياه الشاطئ تُجريها دوريًا لجنة مكونة من وزارة الصحة، وسلطة جودة البيئة، والبلديات، منذ بداية موسم الاصطياف في أبريل/ نيسان، وحتى نهايته في نوفمبر/ تشرين ثاني، بمعدل 45 عينة شهريًا.
وتُصنّف أماكن السباحة على طول الساحل، بعد إخضاعها للفحوصات اللازمة، إلى جانب التفتيش "العيني" للمناطق، حيث تُحدد درجة الخطورة، ما بين "عالية"، أو "متوسطة"، أو "مقبولة"، وبناءً عليها يُقرر إذا ما كانت "آمنة للسباحة" أم "ملوّثة" يُمنع فيها الاستحمام.
ونشرت "الصحة" خارطة توضّح الأماكن الصالحة للسباحة، ويتمثل أفضلها، في أجزاء من بحر محافظة خانيونس جنوبًا، ومناطق من المحافظة الوسطى، إضافة لجزء بسيط من محافظة رفح جنوبًا.
أما المناطق المعلنة بأنها "غير آمنة" وتهيب الوزارة بالمصطافين عدم السباحة فيها، فتقع أسوؤها في الجزء الشمالي من القطاع، وجزء من بحر مدينة غزة.
ويلفت الطيبي إلى أن السباحة في مياه ملوّثة بالصرف الصحي تتسبب في حدوث مشاكل صحية كثيرة، أبزرها: "التهابات بالجهاز التنفسي العلوي والتهابات في العيون والأذن، وفي الجلد، فضلًا عن التهابات الجهاز الهضمي لمن يبتلعون هذه المياه في أثناء السباحة".

بحر غزة
محطات المعالجة
وفي معرض حديثه، تطرق الطيبي إلى ما يُضّخ للبحر يوميًا من مياه الصرف الصحي، قائلًا: "يستقبل البحر يوميًا نحو 110 آلاف متر مكعب من المياه، تكون إما معالجة بنسب بسيطة، أو غير معالجة، وفقًا لتوفر الطاقة الكهربائية في محطات المعالجة".
وتنتشر في محافظات قطاع غزة 4 محطات تنقية مركزية وظيفتها "معاجلة المياه العادمة بمستويات معينة، وتصريفها للبيئة، وذلك بالترشيح بالخزان الجوفي، أو للبحر"، إضافة لـ 5 محطات دفع، تعمل على "سحب المياه من بيوت المواطنين، وضخها للمحطات المركزية".
مشيرًا إلى أن أي خلل في نظام عمل محطات الدفع، يؤدي إلى تصريف المياه العادمة على الشاطئ مباشرةً من دون إخضاعها لأي معالجة، وهذا يحدث كثيرًا.
ويزيد بالقول: "عرّقل الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ 16 عامًا، وعدم توفر الطاقة اللازمة من وصول هذه المحطات إلى كفاءتها المطلوبة للمعالجة، عدا عن إدخال مواد ومعدات لازمة وأساسية، لصيانة وتطوير هذه المحطات، أو إقامة محطات جديدة".
وفي ضوء ذلك يُحمّل مدير دائرة صحة البيئة في وزارة الصحة "إسرائيل" مسؤولية تلوث الشاطئ وانعكاساته على البيئة والإنسان، مؤكدًا أنه "في حال باشرت الجهات المختصة عملها دون عراقيل وتضييقات، فإن نسبة تلوث مياه البحر ستنخفض إلى 5%".

شواطئ غزة خلال الصيف الحالي
انتعاش "خجول" للاقتصاد
مالا يُمكن إغفاله، أن الحركة النشطة التي يشهدها الشريط الساحلي غربيّ قطاع غزة في فصل الصيف، أنعشت عمل الباعة المتجولين الذين يعرضون بضاعتهم على مرتادي البحر، على أمل أن ينتهي يومهم وقد حققوا هامشًا من الربح ولو بشواقل معدودة.
وتتنوع البضائع ما بين "مسلّيات ومرطبات، وبطاطا حلوة، وذرة مسلوقة، وعنبر (حلوى التفاح)، ومياه باردة، وكذلك الملابس، وألعاب البحر، وغيرها.
وفي أحاديثٍ منفصلة لمراسلة "آفاق البيئة والتنمية" مع ثلاثة من الباعة لم تتجاوز أعمارهم العشرين، أجمعوا أن "البحر هذا العام شهد إقبالًا مضاعفًا من الناس، إلى حدٍ يكاد لا تُرى فيه رمال الشط من شدة الاكتظاظ".
وفي إجاباتهم على سؤالنا "ما أثر هذا الإقبال على بضاعتكم المعروضة"؟ بدا "الأمر مجديًا" من وجهة نظرهم، لكن ليس بالصورة المطلوبة، إذ يُمكن وصفه بـ "الانتعاش الخجول"، فالعوائل غالبًا تأتي إلى الشاطئ مصطحبةً معها كل احتياجاتها.
من ناحيته، يؤكد د. معين رجب أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة، أن العمل على شاطئ البحر، يُعد جزءًا من النشاط الإنتاجي السياحي للقطاع، وإعطاء الضوء الأخضر للاستجمام الآمن يعني أن الباعة المتجولين، سيكونون ضمن الدائرة المستفيدة اقتصاديًا من هذا القرار.

موسم السباحة في غزة
وتبعًا لحديث رجب: "للتدرج في نظافة الشاطئ، واعتباره أكثر صلاحية للاستحمام والاستجمام، مزايا كثيرة، ستعمل على تنشيط الأماكن الترفيهية المنتشرة على امتداد البحر، وبالتالي رواج جيد للمنتجات والخدمات المقدمة للمصطافين".
ولا تقتصر الخدمات المقدمة والبضائع المعروضة على شكلٍ واحد، ولا تُخاطب فئة دون أخرى، كما يقول، سنجد أشياءً تخص الأطفال، وأخرى للنساء، فضلًا عن المثلجات والمأكولات وألعاب البحر والسباحة، وركوب الجِمال، وهذا كله "فرص متنوعة للتسويق يستفيد منها أصحاب العمل غير المنظم".
وتوَّقع أن يكون العائد "مجديًا" هذا العام لأصحاب المشاريع الصغيرة هناك، مع تحقيق هامش ربح "معقول"، لا سيما أن الحديث يدور حول إقبال غير مسبوق على الشاطئ، مشيرًا إلى أن ذلك سيُشجعهم على مواصلة عملهم لأطول فترة زمنية ممكنة.