بعد العدوان.. "تنظيف متاجرنا من منتجات الاحتلال" ما زال بين أخذٍ وردّ
خاص بآفاق البيئة والتنمية
أعاد عدوان الاحتلال على غزة والضفة والداخل المحتل، مقاطعة المنتجات الإسرائيلية إلى الواجهة. وأطلق نشطاء عبر مواقع التواصل نداءات للتوقف عن شراء سلع الاحتلال التي تموّل عمليًا الحرب ضد شعبنا، وتتحول إلى قذائف. ووفق الأرقام الحكومية الصادرة في العام الماضي، فإن الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني بلغ في 2018 نحو 16 مليار دولار، مقابل 370.8 مليار دولار أميركي للناتج المحلي الإسرائيلي. فيما بلغت الصادرات الفلسطينية إلى دولة الاحتلال 875 مليون دولار خلال 2018 (82% من إجمالي الصادرات)، مقابل واردات بـ 3,3 مليارات دولار (45%) من الواردات، ما يشير إلى فجوة كبيرة. تواكب مجلة آفاق البيئة والتنمية مستجدات المقاطعة، وتبحث في أسباب عدم ديمومتها، وتحلّل تحولها من "سلاح فعّال" إلى ردة فعل.
|
اتخذ ضياء نواهضة قرارًا لا رجعة فيه بالتوقف عن التعامل مع سلع الاحتلال في متجره، الممتد على 300 متر في بلدة اليامون بمحافظة جنين.
وقال إن مقاطعة منتجاته في ظل العدوان على غزة والقدس "أقل واجب يمكن فعله"، لكن الأهم أن يصبح ذلك "سلوك دائم" بحسب تعبيره.
ونقل التاجر نواهضة قراره لموردي بضائع آخرين، متبنياً رأيًا مفاده أن المقاطعة وسيلة مهمة للتأثير وتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية، حال التّف التجار حولها، وترسخّ اقتناع المستهلك بالبديل المحلي والأجنبي.
وأكد أنه اتخذ قرارًا سابقًا بالمقاطعة، استمر لسنوات، وعاد قبل العدوان للتعامل مع أصناف محدودة، بعد إلحاح زبائنه، لكنه مُصمم هذه المرة على تنظيف متجره من سلع الاحتلال، وعدم إعادتها بأي ثمن.
التاجر ضياء نواهضة
وقال نواهضة إن ضمان نجاح المقاطعة بحاجة لـ"قناعة ذاتية من التاجر"، الذي بوسعه إن أراد التأثير على المستهلكين، وتشجيعهم على تبني المنتج الوطني، والربط بين ثمن السلع الإسرائيلية والرصاص المستخدم ضدنا، وخاصة في فترات العدوان.
وأشار إلى أن البسكويت، وشوربة الدجاج، والمسليات، والحليب، هي الأكثر رواجًا من بين سلع الاحتلال، لكن بحسب رأيه أن بوسع المستهلك الاستغناء عنها بعد تعريفه بجودة البديل الوطني.
وذكر أن هامش أرباح التجار منخفض في منتجات الاحتلال، فيما يدفع مستهلك سلع الاحتلال فرقًا مقابل الاسم فقط.
وقال إن منع سلع الاحتلال من دخول أسواقنا ليس سهلًا لأسباب كثيرة، لكن علينا توظيف العاطفة الوطنية للمقاطعة، والتأثير على أطفالنا في سن مبكرة بهذا الخصوص، وحرص المنتجين على جودة سلع تضاهي الإسرائيلية.
خليل العارضة (يمين) مدير حماية المستهلك في جنين ومحمد جرادت منسق جمعية الإغاثة الزراعية في جنين
القانون يُلاحق سلع المستوطنات
بدوره، قال مدير حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني في جنين، د. خليل العارضة إن القانون الفلسطيني لا يمنع دخول المنتجات الإسرائيلية، ولكن هناك قانون خاص بمنتجات المستوطنات صدرَ عام 2010، الذي يستند للقانون الدولي وما فيه من تجريم للمستوطنات، كما تعمل الوزارة بقانون دعم المنتج الوطني.
وبحسب وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا)، هناك نحو 250 مصنعًا داخل المستوطنات، وقرابة 3000 منشأة أخرى، وتنتج المستوطنات أكثر من 146 علامة تجارية في كافة القطاعات؛ 40 غذائية، و50 علامة تجارية منزلية.
وواصل العارضة حديثه بالقول: "دفع شيكل واحد لقاء شراء منتج إسرائيلي، يعني المساهمة في ثمن رصاصة، ولكن ليس هناك جهة رسمية يمكنها أن تُطلق دعوة لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، كون ذلك يخالف الاتفاقات الموقعة مع الاحتلال، التي لم تتضمن أي بند يسمح بمقاطعة أي سلعة.
وبيّن أنه جرى التعامل بالمثل، فحين منع الاحتلال إدخال منتجات الألبان الفلسطينية إلى أسواقه، حُظرت الألبان الإسرائيلية التي تنتجها خمس شركات، وجرت محاكمة تجار، وأثمرت الخطوة عن تراجع الاحتلال وإعادة الألبان الفلسطينية.
ورأى العارضة بأنه يمكن تنفيذ حملات توعية لدعم المنتج الوطني ومحاربة منتجات المستوطنات، التي يُدخلها الاحتلال بـ"طرق مُلتفة" كوضع عنوان إنتاجها في مدن بالداخل المحتل.
وأكد أن قرار مجلس الوزراء بخصوص العطاءات الحكومية ينص على "أن الأولوية فيها للمنتج الوطني"، وترفض لجنة العطاءات المركزية أي عطاء غير ملتزم بالبديل المحلي.
وبحسب العارضة، فإن حصة ألبان الاحتلال في السوق المحلي كانت 90% ثم تراجعت إلى نحو 30% بفعل انتشار شركات وطنية، فيما نحقق الاكتفاء الذاتي في الخضروات والدجاج والبيض، ونستورد كل الفواكه.
"فزعات" وهبّات موسمية
وشبّه منسق جمعية الإغاثة الزراعية في جنين محمد جرادات حملات المقاطعة بـ"الفَزعات الموسمية" و"الهبّات الجماهيرية" التي تتصاعد مع كل عدوان ضد شعبنا، وتتراجع بزواله، ما يفقدها الاستدامة.
وأوضح أن من أبرز أسباب فشل دعوات المقاطعة، عدم التعامل معها "إستراتيجية وطنية" للقوى والمؤسسات، ووسيلة نضالية وكفاحية تحظى بالاستمرارية، فيما تجري محاربتها من بعض أصحاب المصالح والمستفيدين من استمرار تدفق سلعها لأسواقنا، وتختفي من وعينا وتربيتنا ومناهجنا، ويبتعد عن دعمها القطاع الخاص.
وأكد جرادات أننا "لا نستطيع المضي في مقاطعة المنتجات الإسرائيلية؛ لأن المعيقات أكبر من المحفزات، ولغياب إرادة تطويرها".
وتابع أن العدوان على غزة لا يكفي أن يكون "بداية لمقاطعة ذات استمرارية"، ولكن يجب أن تكون "أداة نضالية" تحظى بالدعم الرسمي والالتفاف الشعبي، وتصنيفها لتشمل الشق السياسي، والثقافي، وغيرها، والتمهيد لمقاطعة لكل سلع الاحتلال وخدماته، والتوقف عن التفريق بين منتجات الاحتلال وسلع المستوطنات، وهو ما يتطلب مضاعفة القدرة الشعبية على تحمل تبعات ذلك.
وأشار إلى أن نجاح المقاطعة مرهون بالعمل على توفير بدائل وطنية خاصة في قطاع الطاقة، والتأسيس لــــ "ثقافة المقاطعة".
فريد طعم الله أحد مؤسسى مبادرة شراكة
4 مليار دولار سنويًا لسلع الاحتلال
بينما رأى فريد طعم الله، وهو أحد مؤسسى مبادرة "شراكة" وعضو حملة "مقاطعة إسرائيل BDS " أن المقاطعة "فعل تراكمي" ويتصاعد مع كل عدوان ضد شعبنا، ثم يتراجع، لكنه لا يصل إلى نقطة الصفر، وأصبح فكرة رائجة بين النشطاء الشباب بالتحديد.
وتعد مبادرة "شراكة" جزءًا من حملة BDS، ونفذت في 2014 حملة (قاطع احتلالك)، وترى بأن المستهلك قادر على التمييز بين المنتج الإسرائيلي والوطني، لكن ذلك لا يتحقق في الخضراوات والفواكه، وهو ما يتطلب جهودًا كبيرة لدعم المزارعين، من خلال تنظيم سوق لبيع منتجاتهم مباشرة إلى المستهلكين، ولقطع الطريق على تسويق منتجات الاحتلال المنافسة لمحاصيلهم.
وأضاف طعم الله: "المقاطعة فكرة تكاملية تحتاج إلى الوعي الذاتي، وتتطلب حملات تثقيف، وتشترط وجود سياسات وقوانين حكومية معززة له".
وأشار إلى أن المقاطعة تتشكل من المستهلك والتاجر والحكومة، وتقع على التاجر مسؤولية التوقف عن الترويج لسلع الاحتلال بعروض وإغراءات تشجيعية، والكف عن عرضها في مكان بارز حال اضطر للتعامل معها.
ويحتاج الأمر إقرار سياسات وقوانين وفق مبدأ "المعاملة بالمثل" للحد من تدفق سلع الاحتلال، ناهيك عن تشجيع العطاءات على توفير منتجات وطنية، بحسب قوله.
وذكر أن معدل الاستهلاك يبلغ نحو 4 مليار دولار سنويًا من منتجات الاحتلال، نصفها سلع أساسية لا بديل لها هي المحروقات، والكهرباء، والحديد، والإسمنت، والنصف المتبقي منتجات غذائية ومواد تنظيف وغيرها، وتلك لها بدائل محلية وأجنبية، مؤكدًا: "لو قاطعنا منتجاتهم، سنُخسّر الاحتلال نحو 2 مليار دولار سنويًا، ما يعني توفير قرابة 150 ألف فرصة عمل، ستساهم في توظيف الخريجين وتحدث انتعاشًا صناعيًا".
ورأى بأن المقاطعة المرجوة "غير عدمية" أو "عبثية" بل مقاطعة السلع التي ننتج بديلًا لها، ثم ننتقل لخطوات أخرى.
ليلى سعيد رئيسة الاتحاد العام للمرأة في محافظة طوباس والأغوار الشمالية
النساء قادرات
من جانبها، قالت ليلى سعيد، رئيسة الاتحاد العام للمرأة في محافظة طوباس والأغوار الشمالية، إن تفعيل المقاطعة في ظل العدوان الراهن على غزة والقدس والضفة والداخل المحتل قد يجد تفاعلًا واسعًا.
ودعت إلى عدم الفصل بين العدوان والمقاطعة، والتعبير عن ذلك بهاشتاج ومنشورات صادمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تربط بين ثمن السلع التي ندفعها مقابل منتجات الاحتلال وتمويل الغارات والعدوان والقمع، وهي جزء من الأموال التي ستدفع ثمنًا للأسلحة الأميركية، في آخر صفقة.
وبينت سعيد أن دور النساء هام جدًا في المقاطعة، وتشبهه بـ "حجر الزاوية"، فهن اللواتي يربين أطفالهن، ويدرن اقتصاديات أسرهن، ويحددن نوعية السلع المرغوبة بالمنزل.
وقالت إن نجاح تجربة المقاطعة خلال انتفاضة الحجارة (1987) كان بسبب القناعة الشعبية فيها، فيما تُقابل حركات المقاطعة اليوم بضغوط كبيرة خاصة بعد موجة التطبيع، ووصول سلع الاحتلال للأسواق العربية.
الإعلامية هبة الجزرة
"طول النفس" كلمة السر
وأكدت الإعلامية في إذاعة الجامعة، هبة الجزرة أهمية توظيف الإعلام في حملة تعزيز المقاطعة من خلال إبراز البدائل عن كل منتج إسرائيلي مع ذكر محاسنة، والحديث عنه حتى لو أصبح الأمر ترويجيًا.
واقترحت استمرار الإعلام في الحديث عن المقاطعة وتحويلها إلى بند دائم، واستثمار المواهب الشابة برسم صور تعبيرية وكاريكاتير عن المقاطعة، وتشجيع المقاطعين من التجار والمستهلكين بإبرازهم وعرض تجاربهم بطرق لافتة.
وأضافت أن وصفة النجاح السحرية للمقاطعة "طول النفس"، ومنح المَتاجر مهلة للتخلص من بضاعتها الإسرائيلية، وبناء خطة التأثير على المتسوقين بالصدمة، إذا استمروا بشراء سلع الاحتلال.
علي أبو بكر رئيس جمعية حماية المستهلك في جنين
"قاوم بغذائك"
فيما أوضح رئيس جمعية حماية المستهلك في محافظة جنين، علي أبو بكر أن الجمعية بدأت منذ العدوان الأخير على القدس وغزة في حملة عبر منصات التواصل الاجتماعي أسمتها (قاوم بغذائك) لدعم السلع الوطنية، ودعت إلى رقابة شعبية على المتاجر الكبيرة لثنيها عن التعامل مع السلع الإسرائيلية، التي تتوفر بدائل وطنية جيدة لها كالمشروبات الغازية، والعصائر، واللحوم المُصنعة، والسكاكر، والألبان، التي تطور قطاعها بشكل كبير، مع توسع قاعدة المنتجين.
وقال أبو بكر إن الجمعية بدأت بالتواصل مع الشركات الوطنية للتعريف بمنتوجاتها، وحثها على الالتزام بالجودة والتطوير الدائم، واستثمار "الفرصة الذهبية" الأقوى في تاريخ حملات المقاطعة، التي تندرج في إطار تعزيز القيم الوطنية.
وذكر أن مرتكزات المقاطعة مشاركة وزارة التربية والتعليم في تبني إبداعات لامنهجية لترسيخ ثقافة المقاطعة في المدارس، وتبني النساء للسلع الوطنية، وانخراط الشرائح الشبابية في الترويج للبدائل المحلية، عبر منصات التواصل الاجتماعي، وزيارة المتاجر ومحاورة أصحابها للمشاركة في الحملة.
ورأى أبو بكر أن "منع دخول السلع" ليس حلًا سحريًا للمقاطعة، بل إن ذلك يتحقق بدور تكاملي بين المستهلك والتاجر وتدعمه الجهات المسؤولة، عندما يبني كلاهما علاقة إيجابية تقوم على تسجيل ملاحظات حول المنتج المحلي وسبل تطويره ورفع جودته.