نسب النجاح في الأشتال التي توزعها وزارة الزراعة الفلسطينية قليلة، والأكثر نجاحًا ما يمنح لوزارة التربية والتعليم. الوزارة توزع سنويًا قرابة مليون شجرة مثمرة، ولو أنها نجحت وتمت متابعتها بالري التكميلي لكان لدينا غابات كرز، وتفاح، وإجاص، وعنب، وغيرها. المفارقة أن المزارع "يدفع مساهمة في الأشتال تصل إلى الثلث، لكنه لا يعطيها حقها من الرعاية والري". التغيرات المناخية، وظروف الجفاف، وتذبذب توزيع الأمطار تحتم تنفيذ ري تكميلي للأشجار في بدايات غرسها، وحتى بعد إنتاجها. إجبار المزارعين على الري التكميلي غير ممكنة، وبخاصة أن جزءًا كبيرًا منهم (نحو 70%) لا يعتمد بشكل رئيس على الزراعة، بل يعتبرها نشاطًا جانبيًا. الممارسات الزراعية القديمة للأجداد كانت دليلاً على وجود الإرادة، إذا كانوا يروون الأشجار في قمم الجبال والمناطق الوعرة، بطرق بدائية، بالرغم من عدم وجود مصادر مائية قريبة، أو أدوات حديثة
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
 |
الجفاف يضرب مختلف أنحاء فلسطين |
بدأ الخمسيني عبد الكريم شلاميش باستصلاح أرض وعرة غرب جنين منذ عام 2010، حيث غرس أكثر من ألف شتلة، وتابعها بالري، ففي العام الأول سقاهم 7 مرات، وفي السنة التالية 6 مرات، وفي الثالثة 5 مرات، واليوم يرويهم بمعدل مرتين.
والمؤسف، كما ذكر، أن مزارعين ومواطنين كُثر يفهمون حملات التشجير بطريقة خاطئة، إذ يكتفون بغرس الأشجار، ولا يروونها صيفًا، وبالتالي يجف أكثر من ثلثيها.
وتبعًا لمشاهدات شلاميش وجولاته في حقول محافظته، ونشاطاته في جمعيات زراعية، فقد غرس مزارعون أشجاراً بالمئات، لكنها جفت في العام التالي؛ لانعدام الرعاية.
وقال إنه اقترح على وزارة الزراعة والمؤسسات الناشطة في هذا المجال، تغيير سياسة توزيع الأشتال، وفرض رقابة أعلى على المستفيدين؛ لضمان غرس الأشجار ومتابعتها بعد الزراعة.
وبحسب شلاميش، فإن قسمًا من المزارعين "لا يهملون أشجارهم فحسب، بل يستلمونها ويتركونها تجف في بيوتهم دون زراعة، أو يبيعونها لآخرين بأثمان زهيدة"، بالرغم من أن وزارة الزراعة كانت تشترط تجهيز حفر للأشتال قبل استلامها.
واقترح آلية جديدة للتوزيع، بحيث تضمن منح الأشتال لمزارعين ناجحين، ولديهم حقول يتابعونها على أكمل وجه.

المزارع عبد الكريم شلاميش
طليب: 80% نسبة نجاح الأشتال الحرجية
من جانبه، أفاد مدير عام المراعي والغابات في وزارة الزراعة م. حسام طليب، أن الوزارة تنتج 300-400 ألف شتلة حرجية سنويًا، تزرع نصفها وتوزع الباقي، فيما تتابع مشاريع التحريج البالغة 100 ألف شتلة في محافظات الوطن، بالري والعناية والحراسة، وتوزع 60-70 ألف أخرى في مشاريع المراعي، وتٌقدم 30-40 ألف لوزارة التربية والتعليم.
وأكد أن "الزراعة" أنجزت 12 ألف دونم، خلال حملات تخضير فلسطين، ويجري الحديث عن ري تكميلي وعناية وحراسة وتوثيق لـ 1500 دونم سنويًا، تنفذ في إطار مشاريع التخضير.
وأضاف أنه "من غير المعقول ري المساحات الخاصة، أو الأشتال التي توزعها الوزارة على المواطنين"، فيما تكتفي بإعطاء إرشادات حول ريها.
ووفق طليب، فإن نسب النجاح في الأشتال الموزعة قليلة، والأكثر نجاحًا ما يمنح لوزارة التربية والتعليم، بعد توقيع اتفاقية معها ضمن مشروع تخضير فلسطين، وتشترط توفر مصدر للري التكميلي في فصول الجفاف، والحال مشابهة مع الأجهزة الأمنية.
وقدّر نسبة نجاح الأشتال الحرجية المزروعة بـأكثر من 80%، وأوضح أن الوزارة توزع سنويًا قرابة مليون شجرة مثمرة، ولو أنها نجحت وتمت متابعتها بالري التكميلي لكان لدينا غابات كرز، وتفاح، وإجاص، وعنب، وغيرها.
والمفارقة التي يقدمها طليب أن المزارع "يدفع مساهمة في الأشتال تصل إلى الثلث، لكنه لا يعطيها حقها من الرعاية والري".
وأكد أنه راضٍ عن الأشتال التي توزعها وتتابعها الوزارة، لكنه غير راضٍ عن ما نسبته 50% من التي توزع في الأعياد والمناسبات الوطنية، وفي المناطق المستهدفة بالاستيطان، وتقع خارج مسؤولية الوزارة.
وتنشر المشاتل الحرجية على 7 محافظات هي: جنين، وطوباس والأغوار الشمالية، وطولكرم، ونابلس، ورام الله والبيرة، والعروب، ووادي القف، وتستعد لتدشين مشتل ثامن في بيت لحم. وتنتج 70 صنفًا، وتقدر تكلفة كل شجرة أقل من شيقل واحد.

جمال خورشيد الأمين العام المساعد لاتحاد الفلاحين العرب
البابا: بدل الفاقد 5-1-% سنويًا
وبيّن مدير عام الإرشاد في وزارة الزراعة، م. صلاح البابا، أن 500-600 ألف شتلة مثمرة توزع ضمن مشروع تخضير فلسطين سنويًا، 400 ألف منها بعليّة كالزيتون، والعنب، واللوزيات، وتسبق التوزيع لقاءات مع المزارعين حول كيفية العناية بها، خاصة أن غالبيتهم جُدد، وتنقصهم الخبرة، ولا يعتمدون بشكل مباشر على الأرض.
وقال إن برنامج تخضير فلسطين شهد توزيع حوالي 5 ملايين شتلة مثمرة (نصفها من الزيتون)، "فقد منها قرابة 10%، إضافة إلى ما اقتلعه المستوطنون".
وأوضح أن تفتت الملكية عقّد من عمليات الإرشاد، ففي السابق كانت الوزارة تتعامل مع عدد قليل من أصحاب الحيازات، لكنها اليوم تضطر للتعامل مع عدد كبير من الورثة.
وأشار إلى "وجود فاقد في الأشتال البعلية"، لكنه ضمن الإطار العام، ويتراوح بين 5-10 % سنويًا.
وبحسب البابا، فإن برنامج تخضير فلسطين بدأ بـ 15 ألف شتلة زيتون عام 2009، واليوم يجري توزيع 500-600 ألف شتلة مثمرة سنويًا من مختلف الأصناف البعلية والمروية والجديدة كالقشطة والعنب اللابذري، والأفاكادو، باستثناء النخيل الذي أخرج من المشروع بعد عام من انطلاقه.
ولا تنتج وزارة الزراعة كافة الأشتال، بل تتجه إلى المشاتل الخاصة؛ لدعم القطاع الخاص، فيما يدفع المزارع من10-30 % من ثمن الأشتال، والحجم الأكبر منها الزيتون ( تشتريه الوزارة بـ 9 شواقل، ويساهم المزارع ب ـ 4 شواقل، بعد أن كان يدفع شيقلين حتى عام 2018، وتشتري الوزارة اللوزيات بـ 6 شواقل، ويدفع المزارع شيقلا واحدًا فقط من ثمنها).
وأفاد البابا بأن أكثر من 20% من الأشتال توزع بالمجان ضمن برنامج التخضير، خاصة في المناطق المهددة بالاستيطان والجدار، وتسعى الوزارة إلى الزحف نحو ما تسمى مناطق (ج) وزراعتها بأي شكل، لكن الظروف المناخية التي أثرت على فلسطين، تؤثر على هذه الزراعات، كونها في مناطق قليلة الأمطار، أو يصعب الوصول إليها، ما يضطر المزارعين لإعادة غرسها مرات عديدة بفعل اعتداءات المستوطنين.

حملات غرس الأشجار
الزراعة: إجبار المزارعين على الري غير ممكن
ويؤكد أن "تخضير فلسطين" لا يُقاس بعدد الأشجار، بل بحجم المساحات التي جرى المحافظة عليها، وأعيدت زراعتها مرة أخرى، وحمل العام الحالي ضغطًا جديدًا بعد تكرار حرائق الأعشاب الجافة، التي انتقلت إلى الأشجار.
وأفاد بأن الوزارة بدأت منذ 5 سنوات في برنامج إرشادي جماعي للري التكميلي، وتنفيذ مشاهدات، فيما تعجز عن المساهمة في تكاليف الري، وتعد العدة لإعادة غرس الأشجار المحروقة.
ووفق البابا، فإن التغيرات المناخية، وظروف الجفاف، وتذبذب توزيع الأمطار تحتم تنفيذ ري تكميلي للأشجار في بدايات غرسها، وحتى بعد إنتاجها.
وأوضح أن "إجبار المزارعين على الري التكميلي غير ممكنة، وخاصة أن جزءًا كبيرًا منهم (نحو 70%) لا يعتمد بشكل رئيس على الزراعة، بل يعتبرها نشاطًا جانبيًا".

حملات موسمية لغرس الأشجار دون متابعة ما بعد الغرس
أبو الرُب: الحل دور إشرافي لمُنفذي المشاريع
ورأى منسق مركز العمل التنموي / معًا في جنين، م. حسن أبو الرب، بأن غياب الري التكميلي عائد لعدم التزام شريحة من المزارعين به، إذ يستفيدون من مشاريع الاستصلاح، وتوزيع الأشتال، لكنهم لا يتابعون حقولهم في مواسم الجفاف.
وأشار إلى وجود خلل في المتابعة، بفعل اقتران المشاريع الزراعية بفترات زمنية محددة، ما يخلق فجوة في عمليات الري التكميلي، وضمان نجاح الأشجار ورعايتها.
واقترح أبو الرب وجود دور إشرافي مباشر للجهات المنفذة، يُمكنها من متابعة الأشجار، ويلزم المستفيدين بآليات واضحة بالري التكميلي، والاعتناء بالأشتال، ولا يقتصر على توزيع الأشجار، أو تقديم معلومات نظرية حول الري التكميلي.
وذكر إن العام الحالي شهد التهام ألسنة النيران لمساحات شاسعة مزروعة بالزيتون، ما يتطلب برنامجًا يُعوض عن النقص، ويُعيد غرس أشجار جديدة.
وبحسب أبو الرب، فإن الري التكميلي، ومتابعة ما يزرع يتطلب "قناعة المزارع نفسه" بأهمية العملية، ولا يمكن خلق الاهتمام بالقوة.
وأضاف أن الممارسات الزراعية القديمة للأجداد كانت دليلاً على وجود الإرادة، إذا كانوا يروون الأشجار في قمم الجبال والمناطق الوعرة، بطرق بدائية، بالرغم من عدم وجود مصادر مائية قريبة، أو أدوات حديثة.
وقدّر أبو الرب حاجة الأشجار للري التكميلي، حسب عمرها ونوعها، إذ تحتاج ببين 20-50 لترًا في كل مرة، وبواقع مرتين شهريًا، وللمساعدة في الحفاظ على الرطوبة، يتطلب الأمر وضع قش، أو حجارة، أو كرتون في محيط الأشجار المروية؛ لتقليل تبخرها.

ري تكميلي للأشجار
خورشيد: تقييم ما يجري زراعته ضرورة
ووصف عضو الأمانة العامة لاتحاد الفلاحين والتعاونيين الفلسطينيين، والأمين العام المساعد لاتحاد الفلاحين العرب جمال خورشيد، الري التكميلي بـ"الهام" لإنجاح ما يجري غرسه، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير، وموجات الجفاف، التي تؤدي إلى تراجع مستوى الرطوبة المخزنة في التربة، ما يحتم اللجوء إلى الري التكميلي 4 مرات على الأقل.
وأفاد بأن تحقيق الري التكميلي ممكن عبر وسائل الحصاد المائي، والمحافظة على مستوى الرطوبة في التربة كتغطية المنطقة القريبة من الجذر والساق بالقش والحجارة.
ودعا خورشيد إلى "تقييم حقيقي لما يجري زراعته في برنامج تخضير فلسطين"، من خلال عينات لحقول جرى غرسها في العام السابق؛ للتعرف على نسب النجاح، وأخذ العبر للأعوام القادمة، وحصر العدد الفعلي، وخاصة إن حرائق الأعشاب هذا العام ضاعفت من خسائر الأشجار.
ورأى بأن الري التكميلي إذا توفر في أول ثلاث سنوات من الغرس، يُبكر في الإنتاج، وهو مسؤولية المزارع بالدرجة الأولى، لكن ذلك "لا يعفي الجهات الرسمية والأهلية والشعبية التي توزع الأشجار من المسؤولية، ومتابعة ما جرى تنفيذه".
وتبعًا لخورشيد، فإنه سبق لاتحاد الفلاحين، بالشراكة مع وزارة الزراعة تنفيذ مشاريع استصلاح وزراعة في المناطق المهددة بالاستيطان والجدار، أما برنامج تخضير فلسطين فممول من وزارة المالية، وتنفذه وزارة الزراعة بشكل أساسي.
وأكد أن مشاريع "الاتحاد" تشترط على المستفيدين توفير مصادر مائية في أراضيهم؛ للتمكن من الري التكميلي في فصول الجفاف، ولجمع مياه الأمطار بتقنيات الحصاد المائي، بحيث تكون كافية للري طوال الصيف.
وقال إن "حسبة بسيطة" لعدد الأشجار التي غرست في برنامج تخضير فلسطين منذ بدايته، تشير إلى قيمة مالية موثّقة بالعطاءت الرسمية، وكشوف مستفيدين، وتكشف "نفوق" نسبة من الأشجار، وهي أرقام كانت أعلى حينما كانت الأشجار توزع بالمجان.
وبّين خورشيد الحاجة إلى ثقافة التوجيه للزراعة، ليس بتوزيع الأشتال فقط، بل بتوقيع المزارعين على تعهد خطي للمحافظة عليها وريها، وخاصة أنها من خزينة الدولة، مع متابعة أعلى لوزارة الزراعة.
ورأى أنه إذا تركت حملات التشجير "دون محددات رقابية"، فإنها تفقد جدواها، ولن تستطيع تغيير شيء جوهري على الأرض.
واعتبر أن حملات التشجير، لم يُكتب لها النجاح، إلا في بعض المزارع النموذجية لرياديين، رغم التوزيع السنوي للأشتال.
وقارن خورشيد بين الأشجار المروية كالحمضيات، والبعلية، إذ ترتفع نسب النجاح في الأولى، وتتراجع في النوع الثاني، التي تشهد "نفوقًا" كبيرًا لغياب المتابعة، التي لو توفرت لصنعت الفارق في فلسطين.

ري تكميلي
داوود: نضع معايير لمتابعة ما نزرعه
وقال المهندس في جمعية الإغاثة الزراعية، خالد داوود، إن حملات التشجير تنفذ بالشراكة مع مزارعين، ولجان محلية في المواقع المهددة بالجدار والاستيطان، ولا تتم بشكل عشوائي، بل بمعايير تضمن متابعة ما يُزرع بشكل فردي.
واستنادًا لداوود، فإن أنظمة الاستصلاح في الجمعية تقتضي "وجود شبكة ري، أو آبار جمع تتكفل بري الأشجار في فترات الجفاف، ولا تنفذ حملات ري جماعية".
وقدّر نسبة نجاح ما يزرع بـ 95%، وهي أرقام معقولة، جرى جمعها من المزارعين واللجان المحلية، وتعتبر مُرضية.
وأكد داوود أن "الإغاثة" بدأت بحملات التشجير والاستصلاح منذ نحو 30 عامًا، غير أنها لا تمتلك قاعدة بيانات دقيقة لكل ما تم غرسه، لكن في السنوات الأخيرة جرى توزيع أكثر من 15 ألف دونم لوز في محافظة جنين وحدها.
واختتم بأن جمعيته تنشط في توعية المزارعين في العمليات المختلفة، كالحراثة قبل موسم المطر، والتقليم، والري التكميلي، ومنع استعمال مبيدات الأعشاب التي تسبب التصحر، وتقنيات الحصاد المائي، وسبل المحافظة على الرطوبة داخل التربة، وتقليل نسبة التبخر، وإنشاء مصدات رياح.
aabdkh@yahoo.com