خاص بآفاق البيئة والتنمية
![](https://www.maan-ctr.org/magazine/files/image/photos/issue116/friends/2/1.jpg)
الفقوس يعد من أبراز المحاصيل التراثية في بلدة دير بلوط
راحت المزارعة الخمسينية ربيحة محمد تجمع ثمار الفقوس برفق من مزرعتها في مدخل دير بلوط، غرب سلفيت، وأخذت تروي قصة المحصول من بابه إلى محرابه، وهو المنتوج الممتد على قرابة 1000 دونم، تنشط فيه قرابة 450 مزارعة، ويقام معه مهرجان الفقوس منذ سبع سنوات، لدعم الفلاحات وتسويق منجاتهن.
ووفق الفلاحة التي احتمت من الشمس بقبعة اعتلت شالها الداكن، فإن معظم نساء البلدة ورثن زراعة الفقوس عن أمهاتهن، فيما يذهب الرجال إلى العمل في الوظائف، وفي الداخل المحتل.
ولخصت ربيحة الموسم، الذي ينطلق بضمان الأرض المبكر، وحراثتها، وإضافة الزبل العربي، وزراعة البذور وتغطيتها بعلب بلاستيكية، خشية اقتراب الخنازير البرية والطيور، ثم التعشيب، وانتظار القطاف.
ويطلق على نساء القرية "ملكات السهل الأخضر"، فهن يصمدن في أرضهن، ويواجهن زحف مستوطنة "ليشم" المقامة على أراضي دير بلوط.
![](https://www.maan-ctr.org/magazine/files/image/photos/issue116/friends/2/2.jpg)
تكريم الحراثين في دير بلوط
دورة حياة
وتبدأ دورة حياة الفقوس، كما أفادت الفلاحات، في نهايات شباط من كل عام، وتنتهي في تموز، وتتميز بالنمط التقليدي، فالبذور جمعتها المزارعات من الموسم الماضي، والأسمدة بمعظمها طبيعية، والمبيدات لا تستخدم إلا مرة واحدة في الغالب، ولا تُغطى النباتات بالنايلون بعد نموها، كما لا تسقى إلا بالمطر، والأبرز أن العمل كله للنساء، وفي مناسبات قليلة يشارك الأطفال وبعض الرجال في القطاف.
وأكدت ربيحة إن الدونم الواحد يدر نحو 3000 شيقل، فيما تباع أول قطفة بعشرة شواقل للكيلو، ثم تتهاوى الأسعار إلى أقل من ثلاثة شواقل للكيلو. والمعضلة التي تواجه ربيحة أنها لا تمتلك أرضًا، وتدفع نصف العائد للمالك.
وتتداول نساء دير بلوط وحدة الرطل في بيع المحصول. وينتج الدونم الواحد في كل قطفة، وفق الفلاحة الستينية آمنة حمزة، قرابة 7 أرطال.
وقالت إن المواسم القديمة كانت أفضل، ولم تعرف الفلاحات "المبيدات الكيماوية" طوال الفترة، كما كانت الأمطار أكثر، وحافظ المحصول على سعر أعلى.
![](https://www.maan-ctr.org/magazine/files/image/photos/issue116/friends/2/3.jpg)
فقوس دير بلوط
مهنة متوارثة
وتفاخرت تفاحة مصطفى، بأنها تكمل هذا العام 30 سنة في زراعة الفقوس، بعد أن علمتها والدتها زراعته، وتحرص اليوم على ترك بعض الثمار كبذور للمواسم القادمة.
والمعضلة الجديدة التي صارت تواجه حقل تفاحة، انتشار قطعان الخنازير البرية من المستوطنات، التي تُطوق القرية من ثلاث جهات، و"الهجمات الدائمة" التي تنفذها أسراب العصافير ضد البذور بعد زرعها.
وقالت إنها أجبرت على استخدام علب الفواكه البلاستيكية؛ لحماية البذور، وتحرص على حراثة الأرض ونكشها مرات عديدة، وتُنوّع المحاصيل بين موسم وآخر، كي تحافظ الأرض على خصوبتها.
وتراقب تفاحة التغيرات، التي صارت تلاحق الفقوس، فهذا العام غرقت معظم أراضي السهل، وارتفع استئجار دونم الأرض إلى 80 دينارًا للمضاف إليه أسمدة طبيعية، و60 للعادي، وارتفع انتشار الآفات.
وأشارت إلى أن غياب الرجال عن العمل في الأرض "لا يُحبط النساء"، فهم في أعمالهم، وهن اعتدن على الفقوس.
وتباهت وفاق يوسف بأن والدتها آمنة علّمتها الزراعة، وهي في سن الخامسة عشرة، ونقلتها بدورها لابنتيها لين ومرح، ليكملن المهمة.
![](https://www.maan-ctr.org/magazine/files/image/photos/issue116/friends/2/4.jpg)
مزارعة تلتقط محصول الفقوس في دير بلوط
استيطان وخنازير
ووفق رئيس البلدية يحيى مصطفى، فقد تقلصت مساحة دير بلوط من 35 ألف دونم قبل عام 1948 إلى 11 ألفًا اليوم، تقع 95% منها تحت سيطرة الاحتلال الفعلية، ويعاني السهل الرئيس الغرق في الشتاء، وتهدده الخنازير البرية، ولا تتوفر فيه مصادر مياه لري المزروعات، وتتطلب حمايته استخدام الأسلاك الشائكة.
وقال محافظ سلفيت إبراهيم البلوي، خلال افتتاح مهرجان الفقوس السنوي، إن صمود الفلاحات في أرضهن ينقل رسالة ارتباط وانتماء بالأرض، ويحث الأجيال الصاعدة على عدم هجرتها.
واعترف وزير الزراعة رياض العطاري بأنه تلقى دروسًا من مزارعات دير بلوط كأم أحمد، وأم جهاد، وصفية حين التقى بهن، فقد جعله خروجهن المبكر للحقول يُسرّع من تكثيف برامج التوعية والإرشاد لتعزيز دورهن كمزارعات.
وأوضحت عضو جمعية الإبداع التعاونية للتصنيع الزراعي ابتسام موسى، أن مهرجان الفقوس جاء لوقف تحكم التجار بسعره، حيث بادر شبان لتنظيم يوم تسوق عام 2012 لدعم نساء السهل والبيع للمستهلك دون وسيط، ما ساعد المزارعات، وتحول إلى مهرجان سنوي.
وقال ربيع مصطفى، 16 عامًا، وهو يساعد والدته، إن نساء القرية يعملن في موسم الفقوس، ثم يسترحن قليلًا قبل التوجه إلى قطف الزيتون، أما الرجال فغالبيتهم يعملون في الداخل المحتل.
![](https://www.maan-ctr.org/magazine/files/image/photos/issue116/friends/2/5.jpg)
مهرجان الفقوس في دير بلوط
حراثون استثنائيون
وعلى هامش المهرجان، كرّمت "حكي القرايا" -وهي مجموعة افتراضية على الفيسبوك تضم 94 ألف عضو عبر مواقع التواصل الاجتماعي،- فلاحين من محافظات الوطن يواصلون حراثة أرضهم بالطرق التقليدية.
وأكد العضو في إدارة المجموعة، مراد سرطاوي أن الالتفات إلى الحراثين ينقل نداءً للعودة إلى الأرض واستصلاحها، والكف عن إهمالها.
وضمت قائمة المكرمين: بكرية عبد الرحمن من كفر الديك، 73 عامًا، وهي فلاحة تواصل حراثة أرضها على الخيول منذ 60 عامًا، وأحمد المرقطن من الخليل، وصلاح فياض من جنين، ورضا داوود من رام الله، وأبو فراس رواجبة من نابلس، وطلحة عوض من بيت لحم، وسليمان جبر، 77 عامًا، من كفر لاقف بمحافظة قلقيلية، وهو فلاح تحاصر المستوطنات أرضه، ويدخل إليها بتواجد مكثف لجنود الاحتلال، وغير حتى اليوم 10 محاريث، وتنقل بين الحراثة على الأبقار والخيول، ويمضى قرابة 100 يوم في الحراثة كل عام، وعلم ابنًا واحدًا مهنته، وينتقد إهمال الجيل الصاعد للأرض.
aabdkh@yahoo.com