الحيوانات الأليفة... منافع للأسرة والمجتمع
إن الحياة التي نعيشها تقوم على أربعة موجودات مادية مرتبة، وفق توازن دقيق تم بقدرة الله وتقديره الحكيم. وجود هذه العناصر الأربعة ضروري، وأي اختلال في هذا التوازن يؤدي إلى اختلال الكون بما فيه. فلكل منها وظيفته الأساسية، التي تقوم على قواعد وعلاقات تبادلية متفاعلة التأثير، بحيث لا يطغى عنصر أو موجود منها على آخر.
ولكون الإنسان هو أكمل المخلوقات على ظهر الأرض، فقد جعل الله سبحانه وتعالى باقي العناصر لنفعه وفق قواعد مرتبة ومنظمة، تقوم على المحافظة عليها ورعايتها ليكون له حق الانتفاع بها. وضمن الموجودات الأربعة نجد الحيوانات، شريكته في عمارة الكون وفي إستمرارية دورة الحياة { وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرحُونَ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ، وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ}سورة المحل6- 9 . سبحانه وتعالى ما خلق خلقا إلا وفيه نوع من الحكمة، وضرب من المصلحة.
لذلك، فإن هذا العرض جاء متجاوزا المنافع المادية التي تقدمها هذه الحيوانات للإنسان، نحو كشف النقاب عن الفوائد المعنوية على الصعيدين (الصحي والنفسي) التي يستفيد منها المجتمع والأسرة خاصة ضمن منظومتنا الاجتماعية.
في هذا السياق، أثبتت العديد من الدراسات العلمية التي أجراها علماء النفس وعلماء الاجتماع، على قدرة الحيوانات الأليفة في تقديم الدعم على الصعيد النفسي والصحي والاجتماعي لأصحابها، خاصة التي تُربّى داخل المنازل.
فإضافةً إلى إغناء الحياة الجمالية للإنسان؛ وتأمين الرفقة والشعور بالتواصل الحميم، خصوصًا لمن يجد صعوبة في التعامل مع البشر، فهي تؤثر بشكل علاجي على الجهاز العصبي ووظائف غدد الإفراز الداخلي، وعلى النشاط العام للجسم ومقدرته على مقاومة الأمراض.
أحدث المراجع الطبيّة والعلميّة تؤكد أن الحيوانات الأليفة، قادرة على تخفيف التوّتر المرافق للمرض، وتأمين سرعة الشفاء ثم الراحة النفسيّة، بحيث:
- أوضح الباحثون من جامعة-مانشستر البريطانية- أن الأشخاص الذين يتعايشون مع أمراض عقلية خطيرة عندما سئلوا عن الأشياء التي ساعدتهم على إدارة حالتهم وتسيير أوضاعهم، اختار 80% منهم الحيوان الأليف كعامل أساسي لتحسن حالتهم، في حين أن البقية التي تمثل ٢٠٪ فقط وضعت الحيوان في المرتبة الثانية.
- أفادت الدورية الأمريكية للسلوك البيطري نشر في يونيو 2016، بأن اقتناء حيوان أليف يقلل من الإجهاد ويجعل التعامل أسهل بين أفراد الأسر التي يعاني أحد أطفالها مرضَ التوحُّد، ممّا يُحسِّن كثيرًا من نوعية حياتهم. إضافة أن وجود الحيوان الأليف في حياة الطفل يكسبه العديد من الصفات الحميدة، مثل تحمُّل المسؤولية وإظهار مشاعر الحب والرعاية للآخرين، وترسيخ مبدأ توزيع الأدوار داخل الأسرة.
- تبيّن من خلال الفحوصات المخبريّة، أن هرمون الكورتيزول الذي يفرزه الجسم أثناء التوّتر، ينخفض بمعدل ملحوظ لدى أصحاب الحيوانات الأليفة. وهؤلاء كما ثبت، يحتفظون بنسب مرتفعة لهرمون الأوكسيتوسين، وهو الهرمون الذي يؤمن الترابط العاطفي ويحافظ على العلاقات الحميمة.
- أظهرت نتائج دراسة حديثة التي نشرت في دورية علم النفس التطبيقي، أن قضاء الأطفال وقتًا مع الحيوانات الأليفة يُشعرهم بسعادة أكبر من التي يشعرون بها حين يقضون نفس الوقت مع أقرانهم. كما أن أطفال الذين يترّبون برفقة الحيوانات الأليفة، يبدون أقل قلقًا وخوفًا من سواهم، الأمر الذي ينعكس لاحقًا على صحّتهم الجسديّة.
- أكد العلماء أن الأطفال الذين يرتكبون أعمال عنف ضد الحيوانات، بمثابة ناقوس خطر ينذر باضطراب نفسي، يكون لديهم ميل لارتكاب جرائم عنف ضد الأشخاص في المستقبل، لذا يجب على الأهل الحذر وتوجيه طفلهم، الانتباه لهذه الظاهرة وعدم إغفالها.
عموما ما زال هذا النوع من الدراسات(العلاقة بين الإنسان والحيوانات الأليفة) في بداية عهدها؛ مع ذلك فإن المعطيات التي جمعها الباحثون حتى الآن، قد تكون الشرارة التي تقدح زناد معرفة أوسع وأشمل، خاصة وأن هذه الكائنات حساسة تتألم وتشعر وتتذكر، وتحب وتكره وتعيش حياة اجتماعية مثل المجتمعات البشرية.
لذلك يجب أن يكون المرء إيجابياً في تعامله مع الوجود، والمبادرة إلى مساعدة الآخرين، لا فرق بين إنسان وغيره، بدليل قوله عليه السلام في" كل كبد رطبة صدقة". وأن تجمعه علاقة رفق وإحسان شبيهة إلى حدٍ بعيد بتلك التي تربطه بسائر البشر. فقد روي عن النبي-صل الله عليه وسلم- أنه قال، إن للإنسان أجر إن أحسن لدابة كما لو أحسن لإنسان، ومن عذب دابة كمن عذب إنساناً.