يركز هذا التقرير على آخر ما أُعلن عنه من مشاريع استيطانية ينفذها الاحتلال تمهيدا لمخططه "القدس الكبرى"، ويتحدث عن تاريخ الاستيطان في مدينة القدس ما قبل وما بعد احتلال المدينة عام 1967، كما يتطرق إلى الأثر البيئي الذي يخلفه انتزاع الأرض من أهلها على كل مكونات الحياة.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
 |
الجامعة العبرية على أراضي القدس المحتلة |
طالت أذرع الاحتلال مقومات الحياة الأساسية للفلسطينيين بالقدس، ويتم يوميا تسجيل ازدياد في عمليات هدم المنازل، ومصادرة للأراضي على حساب المقدسيين، وتوسعة المستوطنات والتضييق على الأهالي، وغيرها من أشكال التصعيد التي يتفنن الاحتلال في تطبيقها على الفلسطينيين بالمدينة.
في هذا التقرير، سنركز على آخر ما أُعلن عنه من مشاريع استيطانية، ينفذها الاحتلال تمهيدا لمخططه "القدس الكبرى"، وسنتحدث عن تاريخ الاستيطان في مدينة القدس ما قبل احتلال المدينة عام 1967، كما سنتطرق إلى الأثر البيئي الذي يخلفه انتزاع الأرض من أهلها على كل مكونات الحياة.
مشاريع استيطانية بلا هوادة
مؤخرا، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية عزم سلطات الاحتلال تنفيذ مشروع لربط عدد من المستوطنات في الضفة الغربية بمدينة القدس، وذلك ضمن مخطط يهدف إلى توسيع حدود مدينة القدس.
وبحسب شبكة "مكان" التابع لحكومة الاحتلال، فإن مشاريع التوسعة تتضمن بناء ممرات أسفل الأرض تربط المستوطنات بمدينة القدس، وأن حكومة الاحتلال تدعي أن المشاريع هذه هدفها الرئيسي يتمثل بالقضاء على الازدحامات المرورية، لكن الحقيقة تقول أنها مشاريع تهدف لربط المستوطنات وضمها لاحقا بغرض التوسع. القدس
وبحسب الشبكة فإن المشاريع ستعمل على ضم مستوطنة معاليه أدوميم شرق القدس المحتلة وغوش عتصيون في الجنوب والمستوطنات القريبة من القدس مثل جفعات زئيف وأفرات وبيتار عيليت، إلى حدود البلدية.
ويلوح في الأفق وفقاً لتقارير إعلامية الحديث عن عملية طرد لحوالي 150 ألف مقدسي يسكنون خارج جدار الضم والتوسع العنصري، وذلك من خلال خطة فصل أحياء وبلدات فلسطينية كاملة وإخراجها من حدود بلدية الاحتلال بالقدس، في عملية سيدفع ثمنها الفلسطينيون الذين سيتم استبدالهم بنفس العدد وربما أكثر من المستوطنين.
وإن كان التوسع الاستيطاني على أشده سواء في القدس أو في مدن الضفة الغربية، إلا أن الاحتلال يمارس حربا إعلامية من خلال التهويل بالإعلان عن مشاريع الاستيطان وهذا ما أكده خليل التفكجي، مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية.
ويؤكد التفكجي أن هناك فرقا كبيرا ما بين الإعلان عن بناء مشاريع جديدة، والمصادقة عليها والمرحلة الثالثة المتمثلة بتقديم العطاءات لبنائها، وما بين مرحلة وأخرى عدة سنوات، لكن الاحتلال وإعلامه يمارسان ضغوطا من خلال الإيحاء بأن كل يوم هناك مشاريع جديدة، وهذا بالتأكيد لا ينفي ولا يقلل من حجم وخطورة الاستيطان.
منهجية الاحتلال المتبعة للتوسع في القدس، تتمثل في الاستيلاء على البيوت "العقارات" وليس على الأراضي، لكن إسرائيل تتسلح بقانون الأراضي اليهودية قبل 1948، ولا يوجد مصادرة لأي أرض منذ العام 1995، وفي حال تمت مصادرة أراضي بعد هذه العام، فإنها تكون أراضي مصادرة قبل هذا العام وحان وقت وضع اليد عليها وفقًا لمخططاتهم.
تشير إحصائيات دائرة الخرئط في مؤسسة الدراسات العربية إلى أن عدد المستوطنين بالقدس-مركز المدينة- بلغ 220.000، بزيادة 13% تقريبا في عهد حكومة بنيامين نتنياهو، فخلال العام 2016 تمت المصادقة على 2600 وحدة استيطانية، في حين تم إيداع 1400 وحدة للمناقشة، ويجري بناء 2400 وحدة استيطانية أخرى بعد أن أحيلت مناقصاتها لشركات البناء والمقاولة.
نواة الاستيطان في القدس
يشير خليل التفكجي، مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية، إلى أنه وتنفيذا لأهداف سياسية وأيديولوجية، أقام اليهود في عام 1850 حي "يمين موشيه" في المنطقة المعروفة اليوم باسم "جورة العناب"، فكان أول حي يهودي يقام خارج أسوار البلدة القديمة، تلاه حي "ميئاه شعاريم" في منطقة المصرارة، وفي عام 1858 أقيم حي "ماكور حاييم" في المسكوبية.
وعند ترسيم الحدود من قبل حكومة الانتداب البريطاني عام 1921، كان نشوء هذه الأحياء الاستيطانية سببا لربط الحدود الجديدة بهذه الأحياء اليهودية، فامتد الخط عدة كيلو مترات من الجهة الغربية ليضم أحياء "غفعات شاؤول" و"شخونات مونتفيوري" و"بيت هكيرم" و"شخونات هبوعليم"، و "بيت فجان" التي تبعد بضع كيلو مترات عن أسوار البلدة القديمة.
المخطط الثاني لحدود بلدية الاحتلال، وضع عام 1946، وقد تم فيه توسيع منطقة خدماتها مع التركيز على القسم الغربي، بحيث يستوعب ضم أحياء يهودية لم تضم في المخطط الأول.
بعد الانتهاء من المخطط، بلغت مساحة المدينة 20.199 دونما، وتوزعت ملكياتها على نحو بلغت فيه نسبة الأملاك الإسلامية 40%، والأملاك اليهودية 26.2%، والمسيحية 13.86%، وأملاك حكومية وبلدية 2.9%، أما الطرق بمختلف أنواعها فبلغت نسبتها 17.12%.
أول المستوطنات الإسرائيلية ضمن حدود بلدية القدس الموسعة
يقدم لنا رئيس دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية، معلومات تفصيلية عن أوائل المستوطنات التي أقامها الاحتلال في المدينة، وننوه إلى أن جميع الأرقام الواردة قديمة، وقريبا سيتم إطلاق كتاب مفصل حول الاستيطان بالقدس يحوي معلومات وأرقام محدثة.
الحي اليهودي
بعد تهويد الاحتلال وهدمه لحارة الشرف عقب احتلال المدينة عام 1967، باشر بتوسيع الحي اليهودي، ومصادرة 116 دونما بموجب قرار من وزارة المالية في حكومة الاحتلال، وشملت هذه المساحة 595 بناية، فيها 1048 متجرا، و خمسة مساجد وأربع مدارس، يضاف إليها سوق "الباشورة".
تهويد الحارة، شرد حوالي 6000 فلسطيني، كانوا يسكنون في أحياء "المغاربة" وجزء من حي السريان وحارة الشرف، وتشكل هذه الأحياء مجتمعة 20% من مساحة البلدة القديمة، ولاحقا أعلن الاحتلال عن المشروع رقم 2185 الذي نفذ على مساحة 105 دونمات، وقضى وقتها بإقامة 650 وحدة إستيطانية، كما أقيمت مؤسسات تعليمية ومراكز أمومة وطفولة وعيادات صحية وأندية.
النبي يعقوب أو "نفيه يعقوب"
صادر الاحتلال بموجب قانون الأراضي والاستملاك للمصلحة العامة لسنة 1943، 1835 دونما من الأراضي الواقعة جنوب بلدة الرام، وذلك بين عامي 1968 و 1980، أقيم على 862 دونما منها، 3800 وحدة إستيطانية، إستوعبت في ذلك الوقت 19.300 نسمة، ويضاف إليها 46 دونما مناطق خضراء، بنيت عليها المستوطنات لاحقا.
غيلو
بذات حجة الاستملاك للمصلحة العامة، وضمن أكبر عملية مصادرة جرت في مدينة القدس، في عام 1970 تم الاستيلاء على 4840 دونما جنوب غرب القدس، وفي عام 1972 تم البدء بتأسيس المستوطنة، التي أقيمت على مساحة 2875، وبني عليها حينها 8000 وحدة إستيطانية، يقطنها 200.37 نسمة، واليوم يسكنها 40.000 مستوطن.
تل البيوت الشرقية
في عام 1973 وبعد مصادرة حكومة الاحتلال لـ 2240 دونما، أقيمت مستوطنة تل بيوت الشرقية على أراضي قرية صور باهر جنوب القدس المحتلة، وأقيمت 1184 وحدة إستيطانية على مساحة 1071 دونما، سكن فيها حوالي 4500 مستوطن.
تشكل هذه المستوطنة مع مستوطنة "غيلو" الحزام الجنوبي الشرقي للمستوطنات حول القدس، ويقع الجزء الأكبر من المستوطنة على الأراضي الحرام التي فصلت بين الأردن وإسرائيل، وبعد احتلال القدس تنازلت الأمم المتحدة وبموجب إتفاق مع الاحتلال، تنازلت فيه عن 2084 دونما واحتفظت بـ 716 دونما تقريبا.
معلوت دفنا
تشير المخططات الهيكلية الخاصة بالمستوطنة بأنها مساحتها في البداية بلغت 389 دونما، صودرت عام 1968 لتقام عليها 1184 وحدة إستيطانية، أقيمت في المنطقة الحرام سابقا والتي كانت تفصل القدس الشرقية عن الغربية.
بالقرب من المستوطنة، شقت بلدية الاحتلال طريقا رئيسيا يعرف بشارع رقم واحد، وهي تعتبر من المستوطنات التي أطلق عليها الاحتلال لقب "اأحزمة القلب"، وبالقرب منها بني مبنى حرس الحدود.

الجامعة العبرية في القدس المحتلة
الجامعة العبرية
في عام 1924 أقيمت مباني الجامعة العبرية ومشفى هداسا على أراضٍ لأهالي قرية العيساوية، وبقي الحال على ما هو عليه حتى عام 1948، وكانت منطقة الجامعة مجردة من السلاح وتخضع لإشراف الأمم المتحدة، وبعد احتلال المدينة صودرت مساحات واسعة من أراضي العيساوية وقرية لفتا المهجرة، لتوسيع حدود المستوطنة وذلك على حساب المناطق الحرام وتلك العربية.
موقع الجامعة العبرية جعل لها مكانة استراتيجية من النواحي الأمنية والسياسية، فهي تشرف على مجموعة قرى شمال القدس وما حولها، وتشرف على وادي الأردن وجبال السلط.
ريخس شعفاط أو جفعات شعفاط
أقيمت المستوطنة على أراضٍ صودرت عام 1970 وبموجب قانون الاستملاك للمصلحة العامة أيضا، بلغت مساحتها حينها 1198 دونما، حولت حينها إلى محمية طبيعية وزرعت بالأشجار.
في عام 1990، اقتلعت الأشجار المرزوعة في هذه المساحات، وتم التحضير للبنية التحتية لإقامة 2165 وحدة إستيطانية لليهود المتدينيين الكنديين.
رامات إشكول
في أيلول 1968 صودرت 3345 دونما بموجب القرار رقم 1425، من أراضي قريتي لفتا وشعفاط، وأقيم الحي السكني "رامات إشكول".
وتعتبر أول مستوطنة أسست حول المدينة، لتكون حلقة ربط بين الأحياء في القدس الغربية والشرقية، وتشكل مع "جفعات همفتار" وسيلة مراقبة الطريق العام الذي يصل القدس برام الله.

مستعمرة بسجات زئيف في القدس
بسغات زئيف وبسغات عومر
أقيمت هذه المستوطنات على أراضي قرى بيت حنينا وشعفاط وحزما وعناتا، بحيث تكون بسغات زئيف أكبر المستوطنات في الجزء الشمالي الشرقي من المدينة، وتمثل حزام استيطاني ثاني، وقد تم مصادرة 38000 دونما لإقامة 12.000 وحدة استيطانية، تتسع لـ 100.000 مستوطن.
عطروت
أقيمت المستوطنة عام 1970 على 1200 دونم، من أراضي قلنديا وبيت حنينا والرام، لتكون منطقة صناعية، وتقع المستوطنة قرب مطار فلسطين الدولي سابقا، وكأن الاحتلال أراد أن يستخدمه أي المطار لأهداف أخرى مستقبلية لم يعلن عنها.
جفعات هامتوس
أقيمت نواة المستوطنة عام 1991 على 170 دونما من أراضي تعود ملكيتها لأهالي قريتي بيت صفافا وبيت جالا في الجنوب، وتمثل مع مستوطنة غيلو، الحزام الجنوبي الغربي حول القدس.
أبو غنيم
في عام 1990، تم استملاك 1850 دونما من قرى صور باهر وأم طوبا وبيت ساحور، التي كانت محميات طبيعية، وشرع بالبناء فيها عام 1997، فبنيت 6500 وحدة استيطانية، ومع اكتمال بنائها تم تطويق القدس من الناحية الجنوبية بشكل كامل وسيطر الاحتلال على الشارع الرئيسي الممتد ما بين القدس وبيت لحم في الجنوب.

مستعمرة التلة الفرنسية في القدس
التلة الفرنسية
أقامها الاحتلال على أراضي قريتي لفتا وشعفاط، وتعتبر من أكبر الأحياء الاستيطانية، وهي من أول المستوطنات التي أقيمت لاستكمال الطوق حول المدينة.
ويضاف إلى جميع ما سبق، عدد آخر من المستوطنات التي تخنق مدينة القدس على حساب الفلسطينيين الذين يعانون من أزمة سكن لا مثيل لها وتزداد شدتها يوما بعد يوم، ومن بين هذه المستوطنات نذكر، مستوطنة آدم، وأرمون هنتسيف، ومعاليه أدوميم، وأورسيمح، جفعات حدشاه وغيرها.
الأثر البيئي للاستيطان
ترك الاستيطان آثاره السلبية المدمرة على البيئة الفلسطينية، والتي طالت جميع عناصرها، ويتركز التدمير البيئي للاستيطان على الفلسطينيين في عدة مظاهر أبرزها، استنزاف المياه، والتلويث بالمياة العادمة، والنفايات الصلبة والهواء والضجيج وتدمير التراث الحضاري إلى جانب تدمير القطاع الزراعي.
جاء في تقرير لمركز المعلومات الوطني الفلسطيني أن اسرائيل هيمنت على المياه حتى أمست كمية المياة المستخدمة من قبل المستوطنين تعادل أربعة أضعاف ما يحصل عليه الفلسطيني الذي يعاني العجز في المياه.
أما المياة العادمة التي يتعمد المستوطنون التخلص منها في الأودية والأراضي الزراعية للفلسطينيين، فقد ألحقت تلوثا في الخزان الجوفي بعد تسربها إليه، وزيادة نسبة النترات والأملاح، ما جعلها ماء غير صالحة للاستخدام، بالإضافة إلى تسبب المياه العادمة بزيادة ملوحة التربة وانسداد مساماتها وضعف قابليتها للإنتاج.
وفيما يتعلق بالنفايات الصلبة، ووفقا لمركز المعلومات الوطني الفلسطيني أيضا، يقدر حجم نفايات المستعمرات الملقاة بالأراضي الفلسطينية 250 ألف طن سنويا، وسيطرة الاحتلال على معظم الأراضي تشكل عائقا أمام إقامة مكبات صحية، وبالمقابل إقامة مكبات عشوائية وغير منظمة قريبة من التجمعات السكانية التي تترك آثارها السلبية على المواطنين، والتي لن تنتهي إلا بتوقف الاستيطان.