هندسة الزيتون.. كيف ينظر خُبراء فلسطين إلى مُخلفات عصر الزيتون؟
بما أن كميّة الزيتون في الضفة والقطاع تصل إلى 100 ألف طن أحيانا، فإن هذا يعني أن هناك نسبة لا بأس بها من النفايات التي يُمكن أن تتحول إلى كارثة بيئية إن لم تُعالج، لهذا فإن عددًا من الخبراء والباحثين في فلسطين ينشغلون مُنذ سنوات بهذا الموضوع، ولديهم نتائج تستحق منّا الكثير من الاهتمام. بعكس الواقع البيئي، فإن الدراسات البيئية الفلسطينية في مجال الزيتون تبدو متقدمة جدًا، سواء على مُستوى الاستفادة من جفت الزيتون أو مُعالجة الزيبار أو حتى استخلاص مواد مثل oleuropein من ورق الزيتون، وهو ما يؤكد أننا بحاجة لمن يلتف حول الباحثين والمؤسسات العلمية لعمل المزيد من الأبحاث، وتطبيق هذه الأفكار وتحويلها إلى مشاريع تستفيد منها فلسطين كما يجب!
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
قد لا نتصوّر أحيانًا، أن الزيت والزيتون الذي نستمتع به طيلة العام، ينجم عن إنتاجه كميّات كبيرة من المُخلفات التي لا نلقي لها بالًا. وبالتقريب يُمكن القول أن عصر طن واحد من الزيتون يتطلب 100 لتر من المياه لغسل الثمار وما شابه، نستفيد من 200 كغم منها وهو الزيت، ونترك للمعصرة 400 كغم من الجفت وهي المخلفات الصلبة، وحوالي 500 لتر من الزيبار وهي المخلفات السائلة، كما نترك لهم شيئاً من أوراق الزيتون التي لا ننتبه إليها، ولأن كميّة الزيتون في الضفة والقطاع تصل إلى 100 ألف طن أحيانا، فإن هذا يعني أن هناك نسبة لا بأس بها من النفايات التي يُمكن أن تتحول إلى كارثة بيئية إن لم تُعالج، لهذا فإن عددًا من الخبراء والباحثين في فلسطين ينشغلون مُنذ سنوات بهذا الموضوع، ولديهم نتائج تستحق منّا الكثير من الاهتمام.
انتاج ايثانول "غزّاوي" من الجفت!
في ظل مُعاناة قطاع غزّة من الحصار والنقص في الطاقة، نشر الباحث طارق البشيتي وآخرين من الجامعة الإسلاميّة في غزّة مطلع العام الحالي (2017) دراسة لإنتاج الإيثانول من المُخلفات الصلبة لمعاصر الزيتون، ولم يكن الغرض من الدراسة فحص إمكانيّة الإنتاج، فهذا مفهوم ضمنًا ومعلوم تاريخيًا، ولكن الدراسة تمحورت حول تحسين طُرق الانتاج بالبحث عن أفضل أصناف "الفطريات" القادرة على تحليل المواد العضوية المُعقدة في الجفت وكذلك البحث عن أفضل التقنيّات المُساعدة، وخلصت الدراسة إلى أن الفطريّات (ساكاروميسس سيرفيسيا) المعزولة عن اللبن "يوجورت yogurt" هي أفضل من غيرها المعزولة عن العنب مثلًا، كما خلصت إلى أن الوسط الحمضي المكون من 5% حامض الهيدروكلوريك بعد معالجته بالميكروويف هي الحلّ الأفضل ويُمكن أن تؤدي إلى أفضل محصول من الايثانول، يصل إلى أكثر من 9 جرام لكل لتر من المحلول، وهي نتيجة أفضل بـ 33% على الأقل من غيرها من الطرق المتّبعة حتى الآن!
من الجدير بالذكر، أن الجامعة الإسلاميّة في غزّة نشرت في العام الحالي دراسة أخرى للباحث علاء مسلَّم وآخرين خلصوا فيها أنه بالإمكان الاستفادة من جفت الزيتون والزيبار معًا بإضافتهما إلى الديزل وإنتاج )خليط وقودي( مُبتكر يتكون من (40% ديزل، 40% جفت، 20% زيبار) والأهم أن هذا الخليط يحتوي على خصائص حرارية قريبة من الديزل النقي، وبالتالي يُمكن أن يكون بديًلا ممتازًا للديزل النقي!
- للمزيد: (Production of Bioethanol from Olive Solid Waste "JEFT")
- للمزيد: Thermal Properties of Pomace Olives in a Composite Mixture
صورة توضيحية: كمية الزيتون التي تم عصرها بالأطنان
هل يُمكن إضاءة أريحا.. من الجفت؟
نعم، يبدو ذلك ممكنًا جدًا، ففي عام 2015 نشر الباحث طارق ابو حميد وآخرين ورقة علميّة في مجلة International Journal of Sustainable Energy لبحث إمكانيّة إنتاج الطاقة من جفت الزيتون (olive cake) في الضفة الغربية والقطاع، وخلصت الدراسة أن الجفت يحتوي على كميّة طاقة مُرتفعة يُمكن أن تصل حتى 18 ميجا جول لكل كيلوجرام، وبالتالي يُمكن أن يُشكل بديلًا من البدائل الممتازة للفحم، وتشير الدراسة إلى أن كميّة مخلفات انتاج حوالي 100 ألف طن من زيت الزيتون في المناطق المحتلة عام 2010 وصلت إلى أكثر من 28 ألف طن، وهي كميّة قادرة على انتاج حوالي 1.3% من مُجمل الطاقة التي تم استهلاكها في عام 2009 في الضفة والقطاع، هذا يعني أن بإمكان الجفت أن يُنتج من الطاقة الكهربائية ما يكفي حاجة حوالي 60 ألف مواطن فلسطيني، أو حاجة مدينة مثل مدينة أريحا!
- للمزيد: The potential of using olive cake in power generation in the Palestinian territories
ولأن الجفت ليس وحده ما ينجم عن عملية عصر الزيتون، فهناك الزيبار وهو المُخلفات السائلة والذي يتم التخلص منها عادة من خلال طرحها في الوديان وهو ما يُشكل مُعضلة بيئية حقيقيّة، نظرًا لاحتواء الزيبار على كميّة لا بأس بها من المواد العضويّة المركبة التي تُدعى "بولي فينول" وكذلك نسبة من المعادن الثقيلة مثل الحديد والنحاس والنيكل، التي يُمكن أن تؤثر سلبًا على التربة بشكل خاص والبيئة عمومًا.
الشعير والفِطريات.. لمُعالجة الزيبار!
الكثير من التقنيّات الفيزوكيميائية المتوفرة حاليًا لتنقية الزيبار وتقليل نسبة الفينول العالية فيه، لم تحقق النتائج المنشودة، وبالتالي كان لا بُد من البحث عن بدائل "بيولوجيّة" بمساعدة الطبيعة، وهذا ما قام به الباحث مازن سليمان وزملائه في جامعة فلسطين التقنية خضوري عام 2014، حيث توصّلوا إلى أنه يُمكن تقليل نسبة الفينول حتى 60% من خلال نوع من الفطريات يُدعى White Rot Fungus وهي كائنات لها قدرة عالية على التحلل، كما توصلوا إلى أن هذه المعالجة قلصّت درجة سُميّة الزيبار Phytotoxicity، وكانت النتيجّة أن أكثر من 80% من بذور الشعير التي تم ريّها بالزيبار المُعالج بدأت في الإنبات.
صورة توضيحية: 1 مقارنة بين الري بالزيبار والري بالزيبار مع الفطريات
لاحقًا، في عام 2016، قام محمد يوسف من جامعة النجاح في مدينة نابلس بإجراء عدد من التجارب لبحث إمكانيّة مُعالجة الزيبار باستخدام نبتة الشعير بشكل مُباشر، وذلك من خلال ريّها بالـ"زيبار الخالص" تارةً وأحيانًا بالـ"زيبار المخفف بالماء" وخلصت الدراسة إلى أنه باستخدام هذه النبتة يُمكن استخلاص حوالي 30% من البولي فينول من خلال الري بالزيبار المُخفف بالمياه (نسبة 50%) وبنفس الطريقة يُمكن للشعير امتصاص حوالي 40% من الحديد، كما أشارت الدراسة إلى أنه بالإمكان ري الشعير بالزيبار مُباشرة ولكن نسبة الامتصاص للفينول والحديد كانت أقل، وفي الخاتمة أوصى الباحث بأن هناك المزيد من الأبحاث الضرورية في هذا المجال، مثل بحث مصير هذه المواد في دورة حياة النبتة لاحقًا.
- للمزيد: Detoxification of Olive Mill Wastewater Using the White Rot Fungus Phanerochaete chrysosporium
- للمزيد: Phytoremediation of organics and metals from Olive Mill Wastewater
انتاج الكربون المُنشط من نوى الزيتون
يبدو واضحًا، أن إزالة مُركبات الفينول المُعقدة مسألة ليست سهلة، وبالعودة إلى الوراء، نجد أكثر من دراسة في جامعة النجاح الوطنية حول إمكانيّة استخدام نوى الزيتون لإنتاج الكربون المُنشط كيميائيًا، فقد أكّدت ربى الأدهم في دراسة قامت بها عام 2012 أنه وباستخدام هيروكسيد البوتاسيوم يُمكن انتاج كربون منشط ذو قدرة (إدمصاص adsorption) عالية، والادمصاص هُنا يعني أنه يحتوي على نسبة عالية من "المسامات" التي تُمكنه من الاحتفاظ بأكبر كم من الفينول وهو ما يؤدي للتنقيّة. من الجدير بالذكر أن فريقاً من الباحثين من نفس الجامعة أكد في عام 2007 بأن استغلال جفت الزيتون لإنتاج كربون منشط له فوائد أخرى مثل استخلاص بقيّة الزيتون المتبقي في الجفت وهو يُشكل حوالي (5% من الجفت) ويُمكن أن يُستغل في صناعة الصابون مثلًا، وهو ما يُظهر وجود منفعة اقتصادية للمشروع، غير الفوائد البيئية.
Figure 2 الكربون المنشط من نوى الزيتون
- للمزيد:(2012) Removal of Polyphenols from Olive Mill Wastewater using Activated Olive Stones
- للمزيد:( 2007) Solid olive waste in environmental cleanup: Oil recovery and carbon production for water purification
أوراق الزيتون.. علاج للسرطان؟
مع أن أوراق الزيتون لا تُشكل عبئًا بيئيًا كما "الجفت" و"الزيبار"، إلا أن هذه الأوراق تُشكل عادة ما نسبته 10% مما يصل إلى معاصر الزيتون، ولا يُستفاد منه بل يُنظر إليه على أنه مُجرد نفايات، بالنسبة للباحثين وليد ريماوي وحاتم سالم من جامعة بوليتكنيك الخليل لا يُمكن النظر لهذه الأوراق إلا باعتبارها فرصة مميزة لاستخلاص مادة فعالّة منها مثل " oleuropein"، وفي ورقة علميّة لهما حول مستخلصات ورق الزيتون، يظهر أن ورق الزيتون البعلي "البري" يحتوى على أعلى نسبة من مادة " oleuropein" والتي يُمكن أن تصل إلى 23% من المحلول، الذي يجب أن يكون – بحسب البحث- من الميثانول والمياه بنسبة (20:80) مع درجة حموضة PH=3، وهو ما يؤكد أن نسبة هذه المادة تتغير وفقًا لعوامل كثيرة، ومع هذا فهي تتراوح بين 60 إلى 90 ملغرام لكل غرام ورق زيتون (مُجفف)، وهو ما يؤكد إمكانيّة استغلالها لإنتاج كميّات تجاريّة. من الجدير بالذكر، أن موقع شركة Cayman للمواد الكيميائية يقدّم oleuropein للبيع لما فيها من فوائد في صناعة أدوية وعلاجات تحد من تكاثر الخلايا السرطانية، ولهذا فإن ثمنها ليس رخيصًا ويصل إلى 127 يورو لكل 100 ملغرام!
'صورة توضيحية 3 مادة oleuropein من موقع شركة Cayman
- للمزيد: Wild versus Cultivated Olive Leaves Extracts: Antioxidant Activity, Analysis of Total Phenolics and Oleoropein Content
الخلاصة
بعكس الواقع البيئي، فإن الدراسات البيئية الفلسطينية في مجال الزيتون تبدو متقدمة جدًا، سواء على مُستوى الاستفادة من جفت الزيتون أو مُعالجة الزيبار أو حتى استخلاص مواد مثل oleuropein من ورق الزيتون، وهو ما يؤكد أننا بحاجة لمن يلتف حول الباحثين والمؤسسات العلمية لعمل المزيد من الأبحاث، وتطبيق هذه الأفكار وتحويلها إلى مشاريع تستفيد منها فلسطين كما يجب!