خاص بآفاق البيئة والتنمية
زيتونٌ حزينٌ
تمضي الصيف كله في مراقبة أشجار الزيتون، التي تشكل علامة فارقة للأرض والصمود في بلادنا المصابة بحريتها. تبدو أغضان سيدة الأشجار حزينة عطشة هذا العام على غير العادة، فمواسم المطر السابقة كانت شحيحة، فيما طفح الكيل بدرجات حرارة فوق معدلها، ولم نعد نعيش أمطاراً خريفية مبكرة، فيما نعيش الشتاء الخجول، ونترحم على عام 1921 حين هطلت على جنين 1234 مليمترًا من كمية الأمطار في موسم واحد.
الزيتون ذهب فلسطين ونفطها ورأس مال كل بيت، وهو الموسم الذي يوحّد غالبية الأسر في تقليد يومي مرتبط بعادات وتقاليد وحكايات وذكريات وتعب وسعادة أيضًا.
تتلوى الأوراق ويتغير لون معظمها من الأخضر القاني إلى لون جديد غير معهود، وبخاصة لتلك الأشجار التي لا تمتلك حظًا وافرًا من التربة، وتعاني بفعل وجودها بين صخور وأشواك وبيئات فقيرة المطر.
في الشهر الأخير، بدت أشجار السماء في حال بائس، واختلفت ألوان الثمار الخضراء إلى سوداء، وتراجع شكل الحبة، فأصبحت ضعيفة لا تسر الناظرين، بعد أن كانت خضراء تنعش القلب والروح.
كأننا أصبحنا ندفع ثمن التغير المناخي، وندخل في تبعاته. الأمر مقلق، وبحاجة إلى بداية بحث علمي يدرس أسباب هذا التغير وطرق التغلب عليه، وبخاصة من ناحية التقليم والتشبيب، والبحث عن بدائل لمضاعفة سُمك التربة، وإنشاء طرق حصاد مائي في الجبال تراعي عدم جريان مياه الأمطار وانجرافها، وتحويل مساراتها لتستقر قريبًا من الجذور.
معادلة الأرض
تقدم برنامجًا تلفزيونيًا على هواء (فلسطين مباشر) يوم 29 أيلول الماضي في أحراج عز الدين بمدينة جنين، لمناسبة الأسبوع الوطني الثامن لمراقبة الطيور وتحجيلها لمركز التعليم البيئي وسلطة جودة البيئة. يجمع اللقاء عنوان (جنين: تنوع حيوي فريد ومهدد!)، ويستضيف مدراء وزارة الزراعة م. أحمد عبد الوهاب، وسلطة جودة البيئة م. عبد المنعم شهاب، ورئيس البلدية راغب الحاج حسن، ونائب المحافظ كمال أبو الرب، والباحث في "التعليم البيئي" مهد خير، ويشارك فيه نواب مدراء التربية والحكم المحلي، وناشطات نسويات، وطلبة مدرستي الرياض وهشام الكيلاني الثانوية، وإعلاميون.
تشير في سياق البرنامج إلى حصول جنين على المرتبة الأولى عام 1945 في إنتاج السمسم (2177) طنًا، والثانية في محصول الذرة البيضاء والثانية في القمح بواقع 6195 طنًا. واليوم تحول البطيخ والقمح إلى تذكارات من الاسمنت والمعدن في قلب مرج ابن عامر المزدحم بالإسمنت!
تسأل أصحاب القرار والمسؤولين عن سبب الاستمرار في الزحف العمراني وبخاصة في مرج ابن عامر. تتباين الردود، ولكن أغربها الرأي القائل، "الأرض ليست مجدية اقتصادية، ولا يمكن تعطيل إقامة المصانع والمنشآت في السهول بحجة الأرض، فهناك جبال يمكن استصلاحها وزراعتها!"
ترد على صاحب الرأي، بأن المسألة ليست اقتصادية وإنما بيئية، وهناك انتهاك لقانون الزراعة الذي يمنع إقامة المباني في الأراضي الخصبة، واعتداء على حق الأجيال، وتهديد للأمن الغذائي. وتسأل: كيف ندمر السهول ونذهب إلى الجبال لزراعتها واستصلاحها؟ أليس الأولى أن نحافظ على الأرض التي لم نرثها لتدميرها، بل لتوفيرها للأجيال القادمة!
طوفان النفايات
وأنت تسير في شوارع الوطن تصاب بالحسرة. طوفان النفايات في كل مكان، الأمر لا يتوقف عند هذا الحد من البؤس بل يتطور إلى حرقها. تحاور مسؤولين وأعضاء مجالس بلدية عن سبب هذا السلوك، فلا تسمع إجابات شافية.
في الأمر ثقافة يبدو أنها مريضة للأسف، قوامها تنظيف البيوت من الداخل وتلويث المحيط، مع أن النظافة من شُعب الإيمان. الأمر ينتقل إلى كل شيء عام، فتراه في حال لا يسر صديقًا ولا عينًا: بقايا الطعام، وزجاجات الماء، وأعقاب السجائر تطرح في الحافلات ودورات المياه، وتلقى من نوافذ المركبات، ويتركها المتنزهون في المحميات الطبيعية والأحراج، ولا يبالون بتلويث كل شيء جميل في حياتنا.
تمضي وقتًا طويلاً في حوار من تصادفه يرمي نفاياته في غير أماكنها، فيتذرع الملقون بأن الحاويات غير متاحة، أو بكون مهمة عمال النظافة تنظيف الشوارع، أو بأنها ثقافة من الصعب تغييرها، "فمن شب على شيء شاب عليه"، أو أن الوقت ليس للبيئة، فهناك هموم أكبر وأقسى!
الطوفان هذا يشق طريقه ليكون في المدارس ومحيط الجامعات، وفي قلب المدن، وفي المراكز التجارية، وحتى في استراحة أريحا يترك مسافرون "بضاعتهم" غير اللطيفة تحت المقاعد.
تحاور رجلي شرطة في طرقات رام الله، تسألهما عن مخالفة ملقي النفايات، فيبتسمان، ويقولان: "الناس صارت تخاف، ولكنهم حين لا يشاهدوننا يلقون ما في أيديهم، وقد خفت النفايات قرابة الثلث".
واحدة من أمنيات عمري، أن أسير في دروبنا وقلب مدننا وتجمعاتنا وحقولنا فأراها خالية من عوالقها، ودون نفايات متطايرة وعبث. أخشى أن لا تتحقق هذه الرغبة...
|
|
بندورة عضوية تصمد نحو خمسة شهور في جو الغرفة ودون ثلاجة |
بندورة وخيار من السوق صمدت ثلاثة أيام فقط |
زراعة عضوية
تتابع تجربتك الشخصية، وتراقب صمود ثمرة البندورة التي نمت من بقايا مطمر النفايات العضوية في حديقة منزلك. تصمد الثمرة في جو الغرفة، وبلا ثلاجة منذ 20 أيار وهي حتى 17 تشرين الأول بحالة جيدة نسبيًا، فلم تتعفن الثمرة، وقد بدأت تتقلص، من دون أن ترى شيئاً غريبًا يتلفها.
تنقل الصورة لأصدقاء، وتعرضها لضيوفك، فلا يصدقون تماسك "السيدة الحمراء" طوال الصيف كله، والسر غير الخفي أنها لم تتلق جرعات من الأسمدة والكيماويات المسموح بها أو المحظور استعمالها.
في المقابل، تراقب ثمار بندورة وخيار تشتريها من السوق، تضعها في المطبخ، تصمد 3 أيام فقط، ثمن تبدأ حبات الخيار بالتعفن السريع، أما البندورة فتصدر 3 حبات من أصل 12 مادة لزجة، وتتعفن بلون أبيض.
تستحق صحتنا أن نعرف طبيعة ما نأكل، والمواد التي تضاف إلى غذائنا، فتلك أبسط الحقوق، وأضعف الإيمان.
الزحف الإسمنتي دون رحمة في الأراضي الزراعية بمرج ابن عامر