خاص بآفاق البيئة والتنمية
مقهى الشيخ قاسم، وسط نابلس القديمة، المكان الذي تؤكد روايات ساكنيه أنه الأقدم في المدينة كلها، فقد تأسس قبل 200 عام، ويصر مستأجروه على الاحتفاظ بطقوسه القديمة: بيت النار، والأباريق والأواني، والكراسي والطاولات، والزجاج والأبواب، والقرميد الأخضر.
|
يجلس الخمسيني سامر حسيبا منذ ثلاثين سنة في مقهى الشيخ قاسم، وسط نابلس القديمة، المكان الذي تؤكد روايات ساكنيه أنه الأقدم في المدينة كلها، فقد تأسس قبل 200 عام، ويصر مستأجروه على الاحتفاظ بطقوسه القديمة: بيت النار، والأباريق والأواني، والكراسي والطاولات، والزجاج والأبواب، والقرميد الأخضر.
يتابع وهو يجلس على مقعد خشبي صُنع قبل نكبة فلسطين وطاولة مماثلة:" سمعنا قصصًا من آبائنا وأجدادنا عن القهوة وما اشتهرت به من روايات للحكواتي، وترددت أسماء كبيرة لفنانين عرب زاروا القهوة وغنوا فيها، كالمطربة أسمهان، كما كانت وجهة مفضلة للسياسيين
|
ويتناوب حسيبا على ارتشاف قهوته الصباحية، واستذكار سيرة المقهى العتيق الذي يرتاده، ويقول:" القديم غير متوفر إلا في هذا المكان، ومن يدخل للقهوة يشعر نفسه أنه عاد إلى الوراء أكثر من قرنين، فكل شيء في هذا المكان قديم ويحافظ على تاريخيه، وهو يذكّر أهالي نابلس بمدينتهم الجميلة، وبالجلسات الشعبية وقصص (الحكواتي) التي كانت دارجة."
يتابع وهو يجلس على مقعد خشبي صُنع قبل نكبة فلسطين وطاولة مماثلة:" سمعنا قصصًا من آبائنا وأجدادنا عن القهوة وما اشتهرت به من روايات للحكواتي، وترددت أسماء كبيرة لفنانين عرب زاروا القهوة وغنوا فيها، كالمطربة أسمهان، كما كانت وجهة مفضلة للسياسيين. أما اليوم، فالجيل الشاب لا يفضلها، وهي لكبار السن وللسياح الذين يبهرون بها."
الكراسي التراثية في مقهى الشيخ قاسم بنابلس
عراقة
غير أن المقهى أو "القهوة" الممتدة على 400 متر مربع تصون التاريخ، فتحفظ عهد الأجواء العتيقة، ولا يدخل أصحابها تجديدات عليها، فظلت على حالها، باستثناء أبوابها التي أُجبر مشغلها الحالي على تبديلها، بعد اجتياح نابلس الكبير عام 2002.
|
غير أن المقهى أو "القهوة" الممتدة على 400 متر مربع تصون التاريخ، فتحفظ عهد الأجواء العتيقة، ولا يدخل أصحابها تجديدات عليها، فظلت على حالها، باستثناء أبوابها التي أُجبر مشغلها الحالي على تبديلها، بعد اجتياح نابلس الكبير عام 2002.
وتسكن في ذاكرة الثمانيني فؤاد أبو حلاوة قصة أخرى للمقهى، فقد أسسها الشيخ قاسم هاشم، ثم تناوب على إدارتها أبو خضر عديلة، تبعه أبو أيمن فطوم، فالأخوين كلبونة اليوم.
زارت القهوة الفنانة لور دكاش (مطربة وممثلة لبنانية مصرية ولدت في بيروت عام 1917 وتوفيت بالقاهرة عام 2005، واشتهرت منذ 1939 بأغنيتها أمنت بالله)، كما زارها الفنانون: فريد الأطرش، وتحية كاريوكا، ولبلبة، ومحمد فوزي وزوجته مديحة يسري، ورجاء عبده."
|
يسرد أبو حلاوة:" مما قاله لي والدي، زارت القهوة الفنانة لور دكاش (مطربة وممثلة لبنانية مصرية ولدت في بيروت عام 1917 وتوفيت بالقاهرة عام 2005، واشتهرت منذ 1939 بأغنيتها أمنت بالله)، كما زارها الفنانون: فريد الأطرش، وتحية كاريوكا، ولبلبة، ومحمد فوزي وزوجته مديحة يسري، ورجاء عبده."
ووفق ما نقله الراوي عن والده، فإن الفنان سعد عبد الوهاب حضر لمقاهي نابلس أيضاً، وغنى في السينما (توبة يا أهل الهوى توبة)، وزار المدينة فنانون كانوا يقيمون في فندق فلسطين، الذي كان في منطقة الشويترة، ومحاطًا بالأشجار.
المطبخ التراثي في مقهى الشيخ قاسم
أجيال
ويؤكد عبد الباسط الخياط، وهو أحد رواد المقهى العتيق، أن المكان أقيم أيام الدولة التركية، ولا زال كل شيء فيه على حاله، حتى أشجاره ونافورة المياه.
ويتابع:" كل أثاث القهوة قديم، ويذكّر الزائرين بروح نابلس القديمة، ويشعر من يجلس داخله أنه في مقاهي دمشق وأسطنبول القديمة، ويتأمل الأثاث القديم، الذي جلست عليه أجيال من المدينة بالتتابع."
ويقول رائد كلبونة، الشاب حديث العهد في المقهى إن والده رائق وعمه محمد، استأجرا المقهى عام 1959، وحرصا على أن يبقى المكان على حاله، ويحافظ على طابعه القديم.
يضيف:" لم يجدد والدي أي شيء، ولولا الاجتياح وتدمير البوابات لبقي كل شيء على حالة، وظل يرفض هو وعمي الراحل قبل سنوات، إدخال أي إضافة على المقهى. والأواني هنا قديمة، ومنقل النار، والجدران، والأرضيات، وللأسف لم نجد مذياعًا خشبياً لنضعه مكان القديم، الذي تلف."
قاعة مقهى الشيخ قاسم في نابلس
مراحل
وتنقل المقهى من استعمال الحطب، إلى الوابور (البريموس)، ثم الغاز، لكنه لا يقدم للزبائن خدمات (الواي فاي)، ويحصر لائحة طلباته على الشاي والقهوة والزهورات، ويحظر لعب ورقة الشدة وطاولة النرد، ويحافظ على أسعاره الشعبية. أما الثلاجة فهي الأحدث في المقهى كله، ولا مكان للتلفاز، أو العاب الحاسوب و"البلياردو".
يكمل حسيبا:"المقهى يجذب كبار السن، أما الشبان فيفضلون المقاهي الجديدة. ويكفي فقط أن نعود إلى التراث بأعداد قليلة، في مكان يصون عهد التاريخ."
ويؤكد رواد المقهى كإبراهيم عطا أن نابلس كانت جميلة في الماضي، بفضل البساتين الخضراء حولها، والاسمنت القليل في الأحياء الجديدة، لكن كل شيء تغير هذه الأيام.
ينهي:" منذ نقل مركز نابلس إلى منطقة الدوار الجديد، والاستغناء عن باب الساحة كرمز للمدينة، تغير كل شيء وتراجع، ونتمنى أن يظل مقهى الشيخ قاسم قائماً، ولا يبتلعه الاسمنت."
مطبخ مقهى الشيخ قاسم في نابلس
aabdkh@yahoo.com