لعنة البلاستيك والفتك بالماشية... سلوك بيئي مدمر يستقر في أمعاء أغنامنا

 
الكاوتشوك والبلاستك في عين ما تشرب منها قطعان الماشية

خاص بآفاق البيئة والتنمية
 
يحتل قطاع الماشية مكانا هاما في حياة الفلسطيني، فهو يعد من الروافد المهمة للإقتصاد باعتباره عاملا قديما يسهم في تحديد المكانة الإجتماعية للفرد بالإعتماد على عدد رؤوس الماشية التي يمتلكها، ولكن هذه النظرة بدأت تتغير تماشيا مع التطور الحاصل على نواحي الحياة المختلفة إلا أنها ما زالت موجودة في بعض المناطق كجنوب فلسطين.
منذ عدة سنوات أخذت قطعان الماشية تتناقص ويعود ذلك لعدة عوامل: تغير النظرة الإجتماعية لتربية المواشي، والتمدد العمراني إلى مناطق الرعي، وعدم إعطاء هذا القطاع الإهتمام الكافي من الجهات المختصة، وكذلك العامل الأهم وهو الاحتلال الذي يمارس سياسات ممنهجة ضد المزارعين كمنعهم من الرعي ومصادرة قطعان الماشية وتحويل المراعي الى معسكرات تدريب للجيش الاسرائيلي، بالإضافة لجدار الفصل العنصري الذي حال دون وصول المزارعين إلى مساحات كبيرة من المراعي الخصبة التي باتت خلفه. إلا أن هناك عاملاً مهماً بدأت آثاره تظهر وأصبح خطره يتزايد على قطعان الماشية في السنوات الأخيرة ألا وهو انتشار النفايات وخاصة البلاستيكية منها في المراعي والأراضي الزراعية.
 

 
 
 
تناقص المراعي
 
مع تقلص مساحة مناطق الرعي في الضفة الغربية وقطاع غزة، أصبحت المراعي المتوفرة لا تلبي حاجة الماشية من الغذاء، خاصة إذا عرفنا أن مساحة المراعي في فلسطين  2.02 مليون دونم متاح منها للرعي فقط 700 ألف دونم بسبب عدة عوامل تم ذكرها سابقا، وهذا ينعكس بشكل كبير على حياة الماشية، وبالتالي يؤثر على مساهمة الانتاج الحيواني في الاقتصاد فقد بلغت نسبة مساهمة الانتاج الحيواني في الاقتصاد عام 2008 أكثر من 39%، بحسب الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني.
 يقول السيد محمد أبو فادي وهو صاحب قطيع أغنام في منطقة شمال غرب رام الله: "وجود الجدار والاستيطان ومكبات النفايات الاسرائيلية في قلب المراعي ضيق مساحة الرعي المتاحة، وعدم القدرة على توفير الأعلاف الكافية التي تغنينا عن الخروج للمراعي، وتزايد كميات النفايات التي تصل إلى المراعي ساهم في تزايد موت الماشية لتناولها للمواد البلاستيكية".
ويبين السيد بدر الحوامدة مدير عام زراعة الخليل أن هناك عدة عومل متداخلة فيما يخص هذا الموضوع، ويضيف: "يوجد نسبة عالية من المزارعين يقطنون في مناطق "ج"، وهي ليست ضمن السيطرة الفلسطينية مما يصعب فرض الأنظمة والقوانين الفلسطينية المتعلقة بمنع القاء النفايات في المناطق الزراعية، وبالتالي وصولها للمراعي".
 

انتشار البلاستك في المراعي
 
أعراض ابتلاع البلاستيك
 
 يؤدي تراكم تلك المواد البلاستيكية في أمعاء الماشية إلى نتائج خطيرة تنتهي بموت الحيوان، وهذا ما أكده الدكتور عماد مكركر مدير عام الخدمات البيطرية في وزارة الزراعة الفلسطينية: "البلاستيك مادة غير قابلة للهضم، ودخوله للجهاز الهضمي للحيوان وبقائه كمادة صلبة داخل الأمعاء يؤدي إلى انسداد القناة الهضمية". ويقول السيد أبو فادي في ذات الصدد:" كثير من الأغنام بعد موتها وتحللها كنا نجد في أمعائها قرابة 5 كغم من المواد البلاستيكية والخيطان المضغوطة والمتداخلة، فقد كنا نلاحظ عليها قبل موتها عدم استفادتها من الطعام الذي تأكله، بالإضافة لخروج زبد من فمها، وانتفاخ في البطن، وبعد فترة تموت، للأسف لا يوجد عندنا خبرة في جراحة الماشية فهي غير مجدية وغير ناجحة سواء على المستوى الخاص أو الجهات الحكومية".
من جهته فقد أوضح السيد بدر الحوامده أن وزارة الزراعة ومن خلال الخدمات البيطرية تتابع هذا الموضوع، فهي تعمل من خلال الخطط الارشادية والجولات الميدانية  لمربي الماشية وخاصة في المراعي المفتوحة، تعمل على نشر الوعي بمضار وجود اكياس البلاستيك في الأراضي الزراعية.
ويضيف الحوامدة:" تتم المتابعة من قبل الخدمات البيطرية ومن خلال التشريح للحيوانات التي تتغذى على المراعي المفتوحة  فإن نسبة الماعز التي تتناول أكياس البلاستيك هي 5%، علما بأن المواد البلاستيكية مستساغة للحيوان، وتؤثر بشكل خطير على حياة الحيوان وبالتالي على الانتاج الحيواني".
وفي ظل تزايد أعداد الماشية المصابة بتلك المواد كما بيّن الدكتور مكركر فقد باتت الجراحة، وهي الحل الوحيد، غير مجدية خاصة لحيوانات المزرعة فتبقى أمامنا الحقيقة المؤلمة وهي موت الحيوان نتيجة لتراكم المواد البلاستيكية في أمعائه.
 

حرق البلاستك وسط المراعي
 
 
فقدان الوعي
 
وفي السنوات الأخيرة، ارتفعت نسبة موت الماشية نتيجة أكلها المواد البلاستيكة، وهذا نتيجة لسبب معروف نشكل نحن العامل الرئيس فيه ألا وهو سوء استخدامنا للمواد البلاستيكية على المستوى المنزلي والزراعي، يقول الدكتور عماد مكركر: "عندنا عدم وعي وتنظيم في استخدام المواد البلاستيكية، خاصة في الزراعة وهو الأخطر، حيث تبقى النفايات البلاستيكية في الأرض بعد الزراعة والتي ستكون مرعى للماشية".
ويطالب السيد أبو فادي الجهات الرسمية بإيجاد مكبات نفايات مغلقة للحد من زحف النفايات البلاستيكية إلى المراعي فهي تنتقل بسهولة وسرعة بفعل الرياح.
ومع محدودية المراعي وتزايد تراكم النفايات أصبحت مشكلة أكل الماشية للنفايات بكل أنواعها تشكل خطرا حقيقياً لا يتم التعامل معه بالحجم والطريقة الفعالة.
 
لضيق المراعي التي يسيطر عليها الاحتلال ترعى الأغنام الفلسطينية في حقول الزيتون نفايات بلاستيكية زراعية
 
 
الجميع متضرر
 
تؤكد الدراسات العلمية أن للمواد البلاستيكية أثراً مدمراً على كل عناصر البيئة بما فيها الإنسان؛ فالبلاستيك ولعدم تحلله يبقى في التربة ومع الزمن تنبعث منه جزئيات مسرطنة وهذا مثبت علميا، ناهيك عن حرق النفايات البلاستيكية، وبهذا لا تتوقف المشكلة عند أكل الماشية للمواد البلاستيكية وهلاكها وإنما تطال الانسان بأمراض خطيرة  كالسرطان، بالإضافة لتشويه المنظر العام للطبيعة.
وكما بات واضحاً للجميع؛ فإن البلاستيك مادة غير قابلة للتحلل، ووجودها في الطبيعة يشكل خطرا حقيقيا ومميتا سواء للإنسان أو الحيوان، وقد بدأت آثار ذلك تظهر من خلال تناقص أعداد الماشية في فلسطين والذي ينعكس على الاقتصاد بشكل كبير، ويتضح هذا من خلال الارتفاع الكبير في اسعار اللحوم في السنوات الأخيرة، إذ ارتفعت الأسعار بشكل خيالي.
إذا هي مشكلة متداخلة تتحكم فيها عدة عوامل، ولكن قد نتمكن من خلال تكاتف الجهود في القضاء عليها أو الحد منها، وبالتالي الحفاظ على المراعي وتطوير قطاع الانتاج الحيواني في فلسطين.
 
نفايات بلاستيكية في حقل للقمح نفايات زراعية بلاستيكية تركت في الحقل بعد الزراعة