خاص بآفاق البيئة والتنمية
تستثمر منظمات بيئية إسرائيلية عديدة جهودا كبيرة، في السنوات الأخيرة، لتعميم وتطوير استخدام الطاقة الشمسية بداخل الأرض المحتلة عام 1948، وبخاصة في أوساط البدو الفلسطينيين في صحراء النقب. إلا أن هذه المنظمات تتجاهل تماما التنكيل والقمع اللذين تعاني منهما التجمعات البدوية الفلسطينية في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية حيث تحاول تلك التجمعات الاستفادة من تلك الطاقة. ذراع لاحتلال المعروف بالإدارة المدنية يتعامل مع وجود هذه التجمعات على أرض وطنها ليس فقط باعتباره "غير قانوني"؛ بل إن مجرد تركيب الخلايا الشمسية في هذه التجمعات لتوليد الكهرباء يعتبر أيضا "غير قانوني".
منذ بضعة أشهر رفع أهالي الخان الأحمر شرقي القدس المحتلة (بمحاذاة مستعمرة "كفار أدوميم") شكوى لما يسمى "محكمة العدل العليا" الإسرائيلية، طلبوا فيها إلزام الدولة (إسرائيل) بأن تفسر لماذا لا تبطل الأمر الذي أصدرته لمصادرة 20 خلية شمسية تبرعت بها جهات خيرية.
آفاق البيئة والتنمية زارت الخيام وأكواخ الصفيح التي تشكل منازل نحو 200 فرد من عشيرة الجهالين يقطنون في الخان الحمر، حيث يخوضون صراعا ضد الاحتلال ممثلا بـ"الإدارة المدنية" حول حقهم الشرعي في البقاء والسكن في أراضيهم هناك. وقد أصدرت تلك الإدارة عشرات الأوامر العسكرية لهدم مساكنهم البدائية في قريتهم.
عشرات الأسر البدوية التي تقطن في الخان الأحمر غير متصلة بشبكات المياه والكهرباء؛ علما أن خيام وأكواخ المواطنين هناك لا تبعد سوى مئات الأمتار عن خطوط الضغط العالي التي تربط المستعمرات المجاورة بالكهرباء.
خلال السنة الماضية استلم أهالي الجهالين 25 خلية شمسية، علما أن القرى البدوية "غير المعترف بها" في النقب تستخدم على نطاق واسع خلايا مشابهة. في مطلع ذات السنة تم تركيب تلك الخلايا في الخان الأحمر، ما مكن الأهالي من الحصول على الإنارة وتشغيل الثلاجات وأجهزة الحاسوب التي يستخدمها تلاميذ العشيرة، إضافة إلى غسالات الملابس والمراوح التي خففت عنهم وطأة الأجواء الحارة في المنطقة.
لم تمض سوى بضعة أسابيع على تركيب الخلايا حتى تحركت ما يسمى وحدة التفتيش التابعة لـ"الإدارة المدنية" وفككت تلك الخلايا وصادرت معظمها. المثير للاشمئزاز أن إدارة الاحتلال تزعم بأن "المنشآت الشمسية في الخان الأحمر تم تثبيتها بما يخالف القانون ودون تنسيق مع الإدارة المدنية، وبالتالي تم مصادرتها". بل ورد في أمر المصادرة الذي اطلعت عليه آفاق البيئة والتنمية، بأن الاستيلاء على الخلايا تم بسبب وجود شك "لبناء غير شرعي". وبالطبع، لا صحة إطلاقا لهذا الادعاء، لأن نصب الخلايا الشمسية في الموقع لا يتطلب أية عملية بناء، إذ يتم تثبيتها على الأرض دون تدعيمها بأي جزء من مبنى قائم؛ ما يعني أن لا لزوم للحصول على تصريح بناء لمثل هذه العملية، وبالتالي فإن إجراء الاحتلال ذاته هو غير القانوني.
إذن، الهدف الحقيقي للاحتلال وأدواته هو إذلال مواطني الخان الأحمر واستنزافهم وصولا إلى اقتلاعهم من أرضهم.
عشيرة الجهالين
نفاق المنظمات البيئية الإسرائيلية
في المقابل، المستعمرات المقامة بقوة السلاح في ذات المنطقة، مغمورة بالكهرباء والمياه ومكسوة باللون الأخضر. خطوط الكهرباء وأنابيب المياه الغليظة من شركة "مكوروت" الإسرائيلية تتجه إلى المستعمرات التي تحاصر عرب الجهالين وسائر قرى وبلدات المنطقة.
وبشكل عام، الأسر الفلسطينية البدوية المحاصرة بعتمة الاحتلال، تنقل خلسة مياه الشرب في خزانات من مناطق بعيدة - خشية أن يتم اكتشافها من قبل الإدارة المدنية التابعة للاحتلال - في حين تعيش تلك الأسر بمحاذاة خطوط أنابيب شركة المياه الإسرائيلية "مكوروت" التي تنقل المياه الوفيرة إلى مزارع المستعمرات التي تزرع الأعشاب الطبية للتصدير.
أهالي الجهالين أخفوا ما تبقى من الخلايا الشمسية ولم يستعملوها خوفا من مصادرتها حال تركيبها. وفي غياب تلك الخلايا، مواطنو الخان الأحمر مرغمون على استعمال المولدات التي تعمل بواسطة السولار، وتولد ضجة مرتفعة جدا وتلوثا كبيرا للهواء المحيط. ورغم ذلك، فإن تكلفة صيانة تلك المولدات مرتفعة جدا بالنسبة لأهالي القرية البدوية.
المفارقة أن ناشطين بيئيين إسرائيليين وما يسمى الإدارة المدنية ووزارة البيئة الإسرائيلية وجهات رسمية إسرائيلية أخرى يقومون بدعم المستعمرات الصهيونية في الضفة الغربية بالمال والمعدات ويشجعونها على الاستخدام الواسع للطاقة الشمسية، وبخاصة في مستعمرات الأغوار حيث سُجِّلَ في السنوات الأخيرة ارتفاع كبير في استغلال الخلايا الشمسية على اختلاف أنواعها.
وحيث أن المستعمرات التي تعد بنظر المجتمع والقانون الدوليين غير شرعية تتمتع بكافة أشكال الدعم لإقامة منشآت الطاقة؛ في المقابل ترغم التجمعات الفلسطينية البدوية التي يلاحقها الاحتلال وينكل بها بهدف اجتثاثها من أراضيها لتمرير مشاريعه الاستيطانية- ترغم على التخلي عن الكهرباء من مصدر نظيف ورخيص.
وهنا يبرز نفاق ما يسمى الحركات والمنظمات البيئية الإسرائيلية التي تعتبر مكونا عضويا من مؤسسة الاحتلال الوحشية وماكنته الأمنية القمعية- ويبرز نفاقها من خلال بذلها جهودا كبيرة للتسهيل على أصحاب المنازل الإسرائيليين (بما في ذلك مستعمرات الضفة) لإقامة منشآت شمسية على أسطح منازلهم، في الوقت الذي لا ينبسون ببنت شفة لممارسات الاحتلال الهمجية المعادية للبيئة وللإنسانية في مناطق سكن البدو الفلسطينيين، والمعادية لحق الأخيرين الأساسي في استخدام الطاقة الشمسية التي هي ملك للبشرية جمعاء.
استخدام الطاقة الشمسية بالنسبة للمستوطن الإسرائيلي تهدف إلى التوفير في فاتورة الكهرباء وربما زرع الإحساس لديه بأنه يقدم شيئا للبيئة؛ إلا أن تلك الطاقة، بالنسبة لأولئك الفلسطينيين المحرومين من شبكة الكهرباء، تعني أكثر بكثير من مجرد التوفير المالي أو صداقة البيئة.
الاحتلال يحاول تسويق نفسه باعتباره دولة ديمقراطية ويزعم بأنه يريد توفير حياة أفضل للبدو من خلال سلخهم القسري عن أراضيهم. مشكلة البدو الفلسطينيين ليست اقتصادية أو اجتماعية بشكل أساسي، بل تتعلق أصلا بالتهويد الكامل للقدس وامتداداتها حتى البحر الميت، من خلال إفراغها من سكانها العرب الأصليين لصالح التوسع الاستيطاني وتوطين المزيد من المهاجرين المستعمرين الجدد، وبالتالي استكمال حلقات تهويد ما لم يهود من فلسطين.