خاص بآفاق البيئة والتنمية
بعض الأبحاث الأخيرة بينت أن معظم الهدر الغذائي، وبخاصة في الدول المتقدمة، يحدث تحديدا في مرحلة الاستهلاك. ومن اللافت، في المستوى الفلسطيني، أن أكثر من 60% من النفايات الصلبة (في الضفة الغربية وقطاع غزة) عبارة عن نفايات عضوية، أو ما يطلق عليها بالنفايات الرطبة (بقايا الطعام والمطبخ وما إلى ذلك). لذا، فإن ما لا يقل عن 50% من هدر الغذاء في الضفة والقطاع يكون أساسا لدى المستهلكين الفلسطينيين النهائيين، وباقي الهدر يكون في مراحل الزراعة والتجهيز والتصنيع. الحديث هنا يدور عن عشرات ملايين الدولارات سنويا من الهدر الغذائي في المنطقتين المذكورتين.
|
أشغلت مسألة تبذير الطعام في العالم في السنين الأخيرة العديد من العلماء والمنظمات البيئية. أحد أهم أسباب ذلك أن البيئة تدفع ثمن هذا الهدر الغذائي مرتان. المرة الأولى أثناء عملية إنتاج الغذاء، والثانية في أعقاب تبديد كميات كبيرة منه. في السنوات الأخيرة فقط تبين مدى الحجم الضخم لثمن هذا الهدر الذي يشمل أيضا التلوث واستنزاف الموارد الطبيعية.
كما كثرت مؤخرا، في المستوى العالمي، المبادرات الهادفة إلى تغيير العادات والسلوكيات المتصلة بسلسلة إنتاج الطعام واستهلاكه. إحدى هذه المبادرات تعرف بـ"الخطوة الطبيعية" (Natural Step) وهي عبارة عن شبكة عالمية تنشط منذ أكثر من 25 عاما لتعزيز الاستدامة، كما تساعد المؤسسات العامة والشركات الخاصة على تطبيق مبادئ الاستدامة.
إنتاج الطعام وتسويقه يتطلب استخداما مكثفا للطاقة والمعادن، مثل الفوسفات الذي يستعمل لإنتاج الأسمدة. كما وأثناء عمليات الإنتاج تستخدم مبيدات ملوثة؛ ناهيك عن انبعاث كمية كبيرة من غازات الدفيئة واستهلاك كميات ضخمة من المياه. جزء هام من هذه الموارد يبدد سدى بسبب الهدر الغذائي. يضاف إلى ذلك أن معالجة النفايات يولد تبديدا إضافيا للموارد. وتشير التقديرات العلمية إلى أن حوالي ثلث الطعام الذي يتم إنتاجه عالميا يتم هدره؛ كما أن جزءا كبيرًا من هذا الطعام المهدور كان يمكن منع هدره.
بعض الأبحاث الأخيرة بينت أن معظم الهدر الغذائي، وبخاصة في الدول المتقدمة، يحدث تحديدا في مرحلة الاستهلاك. ومن اللافت، في المستوى الفلسطيني، أن أكثر من 60% من النفايات الصلبة (في الضفة الغربية وقطاع غزة) عبارة عن نفايات عضوية، أو ما يطلق عليها بالنفايات الرطبة (بقايا الطعام والمطبخ وما إلى ذلك). لذا، فإن ما لا يقل عن 50% من هدر الغذاء في الضفة والقطاع يكون أساسا لدى المستهلكين الفلسطينيين النهائيين، وباقي الهدر يكون في مراحل الزراعة والتجهيز والتصنيع. الحديث هنا يدور عن عشرات ملايين الدولارات سنويا من الهدر الغذائي في المنطقتين المذكورتين.
عادات الشراء والاستهلاك تعتبر من أبرز أسباب إلقاء الأغذية في مكبات النفايات. المستهلكون يعون بأنهم يلقون الأغذية في حاويات القمامة، إلا أنهم لا يدركون، إجمالا، مدى القيمة الاقتصادية للمخلفات الغذائية التي تم التخلص منها. والحقيقة أن معظم الطعام الذي يتم التخلص منه ناتج عن عمليات طبخ كميات كبيرة جدا من الغذاء، إضافة إلى الأغذية المغلفة التي لم تؤكل. كما يوجد نقص في المعلومات المتعلقة بالمنتجات الغذائية التي يمكننا تخزينها في الثلاجة بكفاءة؛ الأمر الذي يتسبب في شراء كميات أغذية لا لزوم لها.
تغيير عاداتنا الاستهلاكية المبذرة
هنا من الضروري التوضيح بأن علينا التمييز بين الأغذية المغلفة التي يحبذ تناولها حتى التاريخ المسجل عليها، لكن من الناحية الصحية، لا ضير في تناولها كذلك بعد التاريخ المسجل (مثل الحبوب والأعشاب). إلا أن بعض الأغذية المغلفة، ولأسباب صحية، يجب التشديد على ضرورة تناولها حتى التاريخ المسجل لانتهاء صلاحيتها كحد أقصى (مثل الألبان والأجبان).
|
الخطوة الأولى الضرورية لتغيير عاداتنا الاستهلاكية المبذرة تكمن أولا في اقتناعنا بأننا لا نرغب إطلاقا في هدر الغذاء. ومجرد وجود هدر غذائي يشير إلى أن هناك فجوة إدراكية في أوساط المستهلكين بين حجم المشكلة من جهة، ووجودها الفعلي في منزلهم من جهة أخرى. على أي حال، يفترض بالمنظمات الناشطة في الحقل البيئي والمؤسسات والوزارات المعنية (التربية والتعليم، البيئة، الاقتصاد، الزراعة وغيرها) أن تنشط في مجال التوعية والتعليم وأن تشجع على إحداث تغييرات في أساليب الإنتاج والتعبئة والبيع.
وفي المستوى العالمي تم تطوير وسائل مختلفة لتقليص الهدر الغذائي. فعلى سبيل المثال، بعض هذه الوسائل يتمثل في الأغلفة التي تسمح للمواد الغذائية بالانزلاق بسهولة نحو الخارج، وإرشادات لطرق موفرة أكثر في الطبخ، وحملات إقناع للمستهلكين لشراء مواد غذائية قد تبدو ظاهريا "غير جميلة" لكن لا يوجد فيها أي عيب من حيث مذاقها أو كونها طازجة.
هنا من الضروري التوضيح بأن علينا التمييز بين الأغذية المغلفة التي يحبذ تناولها حتى التاريخ المسجل عليها، لكن من الناحية الصحية، لا ضير في تناولها كذلك بعد التاريخ المسجل (مثل الحبوب والأعشاب). إلا أن بعض الأغذية المغلفة، ولأسباب صحية، يجب التشديد على ضرورة تناولها حتى التاريخ المسجل لانتهاء صلاحيتها كحد أقصى (مثل الألبان والأجبان).
بعض خبراء الأغذية يقترحون إعادة النظر في قوانين الأمان الخاصة بالأغذية وجعلها أكثر مرونة في حالات الأغذية التي يمكننا إيجاد استعمال إضافي لها.
الأغذية التي يتم إلقاءها في حاويات النفايات يمكننا بالتأكيد أن ندورها إلى كمبوست (سماد عضوي)، أو أن ننتج بواسطتها طاقة لإنتاج الكهرباء. إلا أن التدوير أو إنتاج الطاقة لا يمنعان الهدر الناتج أصلا خلال مرحلة استغلال الموارد الطبيعية بهدف إنتاج ونقل وتسويق الأغذية.
الامتناع عن هدر الطعام يعد العلاج البيئي الأقوى، وهذه أيضا توصية العاملين في مجال معالجة النفايات. فبدلا من "تطبيش" رؤوسنا، كأفراد ومؤسسات، في البحث عن كيفية تدوير كميات "مخلفات" الطعام الهائلة التي تلقى في حاويات ومكبات النفايات، أو ربما استخراج الطاقة منها، فمن الأجدى الامتناع أصلا عن إنتاجها وبالتالي أن نمتنع عن هدر السلع الغذائية أو استهلاكها بطرق مبذرة. |
ومن المثير أن بحثا جرى في جامعة "تروندهايم" النرويجية ونشر مؤخرا في المجلة العلمية المرموقة Environmental Science & Technology، قارن بين الآثار البيئية الناتجة عن تدوير مخلفات الغذاء وإنتاج الطاقة منها من ناحية، ومنع الهدر الغذائي أصلا، من ناحية أخرى. وقد وصلت نسبة الأطعمة التي كان يمكن منع إهدارها في النرويج، بحسب نتائج البحث، إلى 17% من إجمالي الأغذية التي تم تسويقها. النتيجة الأساسية التي توصل إليها البحث بأن مصلحة البيئة تكون أكبر في حال الامتناع عن هدر الطعام؛ إذ أن المزايا البيئية الناتجة عن إعادة تدوير وتوليد الطاقة أقل من المزايا الناجمة عن إدخار الموارد ومنع التلوث نتيجة السلوك الأكثر كفاءة من حيث التكلفة وترشيد الاستهلاك وبالتالي منع الهدر الغذائي.
إذن، الامتناع عن هدر الطعام يعد العلاج البيئي الأقوى، وهذه أيضا توصية العاملين في مجال معالجة النفايات. فبدلا من "تطبيش" رؤوسنا، كأفراد ومؤسسات، في البحث عن كيفية تدوير كميات "مخلفات" الطعام الهائلة التي تلقى في حاويات ومكبات النفايات، أو ربما استخراج الطاقة منها، فمن الأجدى الامتناع أصلا عن إنتاجها وبالتالي أن نمتنع عن هدر السلع الغذائية أو استهلاكها بطرق مبذرة.