مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
آذار 2013 - العدد 52
 
Untitled Document  

الاضطرابات المناخية المتطرفة التي سادت فلسطين وسائر بلاد الشام وأميركا الشمالية وأستراليا تعزز الفرضية القائلة بأن الكرة الأرضية تقع تحت تأثير التغيرات المناخية الناجمة عن ارتفاع حرارتها
سنة 2012 الأكثر سخونة في التاريخ منذ بَدْء القياسات الحرارية عام 1895

انهيار شارع في وادي الباذان بمنطقة نابلس إثر الأمطار الغزيرة-عبد الباسط خلف

ج. ك.
خاص بآفاق البيئة والتنمية

يعتبر عام 2012 الأشد حرارة في الولايات المتحدة الأميركية منذ بَدْء قياسات أحوال الطقس في نهاية القرن التاسع عشر.  وربما أن سبب تزايد الحديث مؤخرا عن الأحوال المناخية الهوجاء التي سادت العام الماضي في العديد من بقاع الأرض، هو إعصار "ساندي" الذي ضرب الساحل الشرقي لأميركا الشمالية؛ ما تسبب في أضرار وخسائر ضخمة في الأرواح والممتلكات.  إلا أن ذاك الإعصار لم يكن سوى حلقة في سلسلة عواصف وموجات حرارية شديدة السخونة لا تزال تهاجم مناطق مختلفة في العالم.  ففي كانون ثاني الماضي، على سبيل المثال، عانت أستراليا من موجة حرارية غير مسبوقة؛ كسرت فيها جميع الأرقام القياسية المعروفة السابقة، وشبت حرائق ضخمة في مختلف أنحاء الدولة.  كما خبرت فلسطين وسائر بلاد الشام، خلال ذات الشهر، وإن بمدى أقل، حوادث مناخية متطرفة غير مألوفة إقليميا، من ناحية غزارة وشدة وكثافة الأمطار خلال أيام قليلة، وما رافقها من عواصف ورياح عاتية تجاوزت سرعتها 120 كم/ساعة في بعض المناطق.  وبحسب رأي علماء المناخ، فإن حقيقة كون هذه الظواهر جزء من تسلسل أحداث مناخية متطرفة كثرت في السنوات الأخيرة، تعزز الفرضية القائلة بأن الكرة الأرضية تقع حاليا تحت تأثيرات التغيرات المناخية الناجمة عن ارتفاع حرارتها.
علماء المناخ الأستراليين لم يألفوا الأحداث المناخية المتطرفة الأخيرة في بلدهم من ناحية حدتها، والتي بدأت في جنوب غرب الدولة ثم وصلت إلى شرقها.  ففي أوائل كانون ثاني الماضي سجلت درجة حرارة مقدارها  23ْ مئوية أثناء الليل في مدينة هوبارت الواقعة غرب أستراليا؛ وهي أعلى درجة حرارة تم قياسها ليلا في تلك المدينة.  ثم، بعد ذلك بأيام تحقق رقم قياسي إضافي؛ إذ سجلت في ذات المدينة، أثناء النهار، درجة حرارة مقدارها 41.8ْ مئوية.  وفي أوائل كانون ثاني الأخير وصلت الموجة الحرارية إلى مناطق إضافية؛ فحطمت في بعض المدن أرقاما قياسية جديدة، إذ بلغت درجات الحرارة أكثر من 48ْ مئوية؛ وهددت الحرائق الضخمة التي شبت بسبب الموجة الحرارية مناطق واسعة في البلاد. 

وفاة 55 ألف شخص في روسيا
ولو تفحصنا المعطيات السابقة من منظور أشمل قليلا، وذلك بعودتنا بضع سنوات إلى الخلف، نجد اتجاها مشابها من الأحداث المناخية المتطرفة وما رافقها من عواقب مدمرة.  فبحسب تقريره الذي نشر مؤخرا حول التغيرات المناخية، يقول البنك الدولي بأن الموجة الحرارية الشديدة التي ضربت روسيا عام 2010 تسببت في وفاة 55 ألف شخص، إضافة إلى تراجع المحصول الزراعي بمقدار الربع وخسائر قيمتها 15 مليار دولار.
ووفقا لتقرير نشر في الولايات المتحدة في كانون ثاني الماضي، تعتبر سنة 2012 الأكثر سخونة في التاريخ، منذ بَدْء القياسات الحرارية في عام 1895؛ علما أن الرقم القياسي السابق سجل في عام 1998.  وبسبب الأحوال المناخية التي سادت الولايات المتحدة خلال عام 2012، امتد الجفاف لفترات متواصلة.  وفي تقريره الآنف الذكر، يشير البنك الدولي إلى أن هذا الجفاف أثّر، وإن بمستويات مختلفة، على 80% من الأراضي الزراعية الأميركية.  وتعتبر هذه أشد موجة جفاف عرفتها الولايات المتحدة منذ خمسين عاما.
ولو تجاوزنا منطقة المحيط الأطلسي، نجد أن بريطانيا شهدت العام الماضي ثاني أكبر كمية متساقطات في تاريخها؛ إذ كانت كميات الأمطار أقل بـِ6.6 ميليمتر فقط من سنة 2000 القياسية.  وقد حدث ذلك بعد سنة واحدة فقط من خطر الجفاف الذي خيم على الدولة، ما أدى إلى فرض العديد من المحظورات على استعمال المياه.
المنظمة الدولية للأرصاد الجوية نشرت مؤخرا خلاصة الأحوال المناخية لعام 2012؛ فاعتبرته "عاما إضافيا من الأحداث المناخية المتطرفة".  وأشارت المنظمة إلى أنه في شهر آذار سادت في مناطق أوروبية وأميركية واسعة درجات حرارة مميزة لفصل الصيف.  وفي شهر أيار، سجلت في "جرينلند" أعلى درجة حرارة عرفت في تاريخها  بذلك الشهر؛ إذ بلغت 24ْ مئوية.  أما في الجمهورية التشيكية فقد سجلت في شهر آب درجة حرارة قياسية (40ْ مئوية) لم يعرفها ذلك البلد في تاريخه خلال ذات الشهر.  أما منطقتنا العربية، وتحديدا في بلاد الشام بعامة، وفلسطين والأردن بخاصة، فقد شهدت في صيف 2012 اضطرابا مناخيا واضحا، من ناحية التغيرات المتطرفة في درجات الحرارة التي كانت ترتفع بشكل فجائي أحيانا، أكثر من عشر درجات عن المعدل السنوي العام في شهري حزيران وتموز، مع زيادة كبيرة في شدة الجفاف، إلى جانب رطوبة مرتفعة، حتى في المناطق البعيدة عن الساحل الفلسطيني.
وبحسب نماذج وتقديرات العلماء، فإن ارتفاع حرارة الأرض سيؤدي، من بين أمور أخرى، إلى ارتفاع حرارة البحار والمحيطات؛ علما بأن هذا الارتفاع آخذ في الحدوث حاليا.  ويوجد لهذه الظاهرة آثار كثيرة على شدة الطاقة المنبعثة إلى الهواء والمغذية للنظام المناخي، مثل الرياح والعواصف وسحب الأمطار.  ومنذ بضع سنوات، قدر علماء المناخ بأن ارتفاع حرارة الأرض سيتسبب ليس فقط في ظواهر الجفاف، بل أيضا في زيادة حدة العواصف والأمطار الغزيرة والفيضانات.

سيارات ومنازل في جنين أغرقتها الأمطارالغزيرة-عبد الباسط خلف

تجنب الربط الميكانيكي بالتغير المناخي
وبالرغم مما ورد، لا بد أن نحذر من الإسراع في ربط حدث مناخي معزول ربطًا سببيا بالتغير المناخي.  فالتعامل مع مسألة التغير المناخي يجب أن يكون على أساس تراكم متواصل للأحداث والمعطيات طيلة فترات زمنية طويلة.  وفي هذا السياق، يمكننا القول بأن هناك زيادة في عدد الحوادث التي تحمل بصمة العمليات المميزة للتغيرات المناخية.
ويعتبر تراكم كمية كبيرة من بخار الماء في الغلاف الجوي من بين أبرز النتائج الناجمة عن ارتفاع حرارة الأرض؛ ويحمل هذا البخار حرارة كامنة.  وعندما تتحرر هذه الأبخرة على شكل أمطار، يزداد احتمال حدوث العواصف العنيفة والأمطار الغزيرة. كما توجد سمة أخرى مرتبطة بالاحترار العالمي وتؤثر على أحوال الطقس؛ ألا وهي الفروقات الآخذة بالتزايد الحاد بين الهواء البارد والهواء الساخن.  فعلى سبيل المثال، حركة الهواء من منطقة القطب الشمالي تؤدي إلى الالتقاء بالهواء الساخن في مناطق أخرى.  وتتسبب هذه الظاهرة في عودة الهواء القطبي بقوة كبيرة نحو خط الاستواء ومناطق أخرى، والتسبب في عواصف ورياح عنيفة، فضلا عن تطوير السحب الممطرة بقوة.  وما حدث في أوائل كانون ثاني الأخير في منطقة حوض البحر المتوسط تحديدا، بما في ذلك فلسطين، عبارة عن التقاء الهواء البارد بالبحر الذي كانت درجة حرارته لا تزال مرتفعة نسبيا؛ ما أدى إلى نشوء الظروف اللازمة لتكون الرياح العاتية والأمطار الشديدة جدا.  كذلك، فإن قوة إعصار ساندي الهائلة وغير المسبوقة كانت مرتبطة بالتقاء الهواء الاستوائي الساخن والهواء الشمالي البارد، ما تسبب قبل ذلك في عاصفة ثلجية بالولايات المتحدة. 
وبالإضافة إلى الظواهر المتصلة بالعواصف والفيضانات، يدعي العلماء بوجود أدلة متزايدة حول العلاقة بين تواتر حالات الحرارة المتطرفة وعملية الاحترار العالمي.
وقبل نحو أقل من عام، نشرت مجموعة من العلماء الأميركيين، برئاسة الباحث المناخي "جيم هنسن"، معطيات بحثهم الذي درس التغيرات في درجات الحرارة خلال العقود الثلاثة الأخيرة.  وقارن البحث هذه التغيرات بفترة العقود الثلاثة التي سبقت الأخيرة (1951-1980).  وتلخصت النتيجة المركزية للبحث في أن حالات الحرارة المتطرفة التي حدثت في الماضي (خلال الخمسينيات-الستينيات والسبعينيات) أثرت على 1% فقط من مساحة الكرة الأرضية؛ بينما امتد تأثيرها الحالي إلى ما لا يقل عن 10%.  ولا يوجد لدى العلماء شكوك بأن أسباب هذه الظواهر الشاذة (كما حدث في موسكو عام 2010)، تكمن إلى حد كبير في ارتفاع حرارة الأرض.  ولو لم يتواجد مثل هذا التسخين العالمي، لكان احتمال حدوث الحالات المناخية المتطرفة ضئيل جدا.

التعليقات

 

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية