انقطاع الكهرباء وندرة الماء واستيطان عشرات آلاف أطنان القمامة في الشوارع والأحياء.. معادلة مستحيلة يحياها الغزيون!!
مواطنون: نخشى الأمراض والمطلوب توفير الكهرباء والماء والصمود عنواننا
خبير بيئي: مياه عادمة غير معالجة في البحر وأحياء قد تغرق بكاملها بالصرف الصحي
س. ش. / غزة
خاص بآفاق البيئة والتنمية
انقطاع التيار الكهربائي وشلل الحياة العامة الذي صاحبه، واستيطان القمامة في الشوارع والأحياء، وفي البيوت لفترات ليست بالقصيرة، مع ندرة السولار والبترول الذي شل حركة السيارات وقضى على جانب كبير من البدائل التي يمكن استخدامها لتسيير جانب من المستلزمات الضرورية، والخوف من تفشي أمراض عدة نتيجة غياب النظافة العامة والخاصة جراء قلة وصول المياه إلى المنازل، والحصار الإسرائيلي المتواصل منذ حزيران / يونيو من العام 2007 وحتى اللحظة دون ان يحرك العالم ساكنا...الخ. معادلة صعبة يحياها الإنسان الفلسطيني في قطاع غزة، ورغم ذلك يواصل صموده في الحفاظ على بيئته.
"آفاق البيئة والتنمية" تعاود من جديد فتح ملف انقطاع التيار الكهربائي وتأثير ذلك على البيئة الفلسطينية، وتتساءل عن كيفية تسيير الغزيين لأمور حياتهم في ذلك المعترك؟.
|
|
أطفال غزة يقضون لياليهم الطويلة على ضوء شمعة |
أطفال غزيون يطالبون في حقهم بالكهرباء |
النظافة في خطر
"حياتنا باتت معركة تطول فصولها مع إيصال التيار الكهربائي إلى منطقتنا فغيابها "12" ساعة يعني شللاً في المنزل وأوساخا تتضاعف، سيما وان انقطاع الكهرباء يصاحبه قدوم ضعيف للمياه التي تبقى حبيسة الطوابق الأرضية". بهذه الكلمات تحدثت أم عبد الله حسن من منطقة الشجاعية شرق المدينة.
وتشير أثناء تواجدها في سوق الزاوية وسط المدينة حيث تقول: "إننا نصبر ونصبر على انقطاع الكهرباء لكن من الصعوبة مواصلة الصبر في ظل انقطاع المياه"..." فحياتنا ميدان حرب لحظة قدوم احدهما( الماء أو الكهرباء) إذا جاءت الكهرباء، بدأ دوي الغسالة وتسخين المياه المخزنة في البراميل على سطح المنزل، وكذلك صنع الخبز وتنظيف المنزل على ضوء الكهرباء والكثير من المهام الأخرى التي لا تنتهي بالساعات الست".
فيما ترى المواطنة صبحية جاد الله "50" عاما أن المشكلة تستفحل يوما بعد يوم ومقومات الحياة تقل بالتدريج، محملةً الاحتلال والعالم اجمع هذه الحياة الصعبة وما قد ينجم عنها.
وتضيف أنها تخشى من تراكم الأوساخ واستيطان النفايات في الشوارع، ما من شأنه أن يُلحق الأمراض بالمواطنين الذين يفتقدون للمياه، لافتةً إلى أن الغزيين سيصمدون لأنهم على قناعة أن الفرج قريب.
وفى معرض ردها على سؤال حول تسيير حياة أسرتها تقول: "نعمل على برمجة حياتنا بحسب جدول الكهرباء تارة، وجدول المياه تارة أخرى(...) الحمد لله أننا في فصل الشتاء والجو بارد ونأمل ان تنتهي هذه الأزمة مع حلول فصل الربيع أو الصيف".
بدورها تقول الشابة العشرينية "ريما احمد" أن وصول الماء إلى المنزل يدفعها إلى الاستحمام على الفور، لأن غيابها يشعرها بنعمة النظافة، كما تقوم بغسل الأطباق وتنظيف المنزل، وتضيف: "ما أجمل وصول التيار الكهربائي في تلك اللحظة"، وتهمس: "أمنية نحلم بها جميعاً".
وتشدد على أنها وأسرتها يحافظون على نظافة المنزل وكذلك نظافتهم الشخصية لأنهم يؤمنون بمقولة: "درهم وقاية خير من قنطار علاج"
|
بسبب انعدام الكهرباء والوقود فإن العديد من الأسر الغزية تطهو طعامها على حرق مخلفات الأخشاب التي ينبعث منها غازات سامة |
معادلة صعبة
ويؤكد مدير عام دائرة الصحة في بلدية غزة م. عبد الرحيم أبو القمبز والمختصٌ في الشأن البيئي أن الإنسان الفلسطيني في قطاع غزة يعيش معادلة صعبة للغاية، وانه رغم مقومات الصمود التي تكاد تتلاشى في ظل جملة هذه الصعوبات، إلا انه أبى ويأبى ان يستسلم ويعمل جاهداً من أجل البقاء بما هو متوفر رغم ندرته.
ويشير م. أبو القمبز أن البلدية تعتمد على التيار الكهربائي في تسيير خدماتها الأساسية وتزويد المدينة بالمياه والصرف الصحي، والخدمات المرافقة لها من النفايات الصلبة وغيرها.
ويشير إلى أن مدينة غزة لديها " 68" بئراً ارتوازياً يعمل على التيار الكهربائي، وفي حال انقطاعه تتوقف هذه الآبار عن العمل(...) وللتغلب على هذه المعضلة الصعبة تعتمد البلدية على تشغيل المولدات الكهربائية، ولكل بئر مولد خاص إلا ان السولار أصبح شبه مقطوع، ومن الصعوبة بمكان توفير الكميات المطلوبة والتي تزداد الحاجة إليها يوما بعد يوم، نتيجة انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة.
ويتابع م. أبو القمبز حديثه فيضيف: "نعاني من أزمة حقيقية منذ اللحظة الأولى لانقطاع التيار بصورة شبه متواصلة، وكذلك انقطاع المحروقات، حيث اثر ذلك على تشغيل مياه آبار الشرب التي تنتج في الأوضاع الطبيعية حوالي "100" ألف متر مكعب يوميا، ونتيجة لأزمة الكهرباء والسولار، حصل تشويشٌ على تزويد المدينة بالمياه".
|
طفل غزي يبحث عن ضالته في أكوام النفايات |
الصرف الصحي
ويشير إلى ان قطاع الصرف الصحي يعاني جراء الأزمة الراهنة، سيما وان المدينة مرتبطة بشبكة صرف صحي تغطي "95%" ويتم تجميع "70" ألف متر مكعب من هذه المياه يوميا، مضيفا إلى أنه يتم جمع هذه الكميات عن طريق ثماني محطات لتوصيلها إلى محطة المعالجة المركزية الواقعة جنوب المدينة، والمحطات الثمانية وكذلك محطة المعالجة تعمل على الكهرباء ونتيجة لانقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، تصل إلى "12" ساعة يومياً مع شح السولار، يتم تشويش عملها.
وينوه إلى انه نتيجة للضغط الشديد اضطرت البلدية وقف عمل ثلاث مضخات رئيسية على شاطئ البحر ما أدى إلى تسرب مياه صرف صحي غير معالجة إلى شاطئ البحر، مسببةً تلوث الشاطئ ومياهه وكذلك الأسماك التي تتغذى على المخلفات.
|
مكبات عشوائية للنفايات في غزة |
النفايات الصلبة
وفي معرض رده على سؤال حول مدى الضرر الذي لحق بقطاع النفايات يقول مدير الصحة والبيئة في بلدية غزة م. أبو القمبز أن بلديته كانت تجمع يوميا في الظروف الطبيعية نحو "600" طن من النفايات ويتم ترحيل هذه الكميات من محطات الترحيل الموجودة وسط المدينة مثل اليرموك، الشيخ رضوان وغيرها، ونتيجة للانقطاع الحاصل في السولار، فإن البلدية لم تتمكن من ترحيل كامل الكميات إلى مكب النفايات المركزي.
كما يكشف م. أبو القمبز النقاب عن تراكم عشرات آلاف الأطنان في داخل المدينة من هذه النفايات الصلبة، ويناشد الجميع بسرعة التدخل لإعادة التيار الكهربائي، وتزويد المدينة بالسولار لكي تتمكن البلدية من تقديم الخدمات بشكل طبيعي.
وعن الشوارع الترابية وآلية التعامل معها يبين م. أبو القمبز وجود الكثير من الشوارع الترابية غير المعبدة في المدينة، والتي أدى هطول الأمطار الكثيف هذا العام إلى انجرافٍ في تربتها، الأمر الذي يحتاج إلى إعادة تسوية باستخدام "الجربدر". إلا ان هذه الآلات – بحسب م. أبو القمبز- تعمل على السولار وقد توقفت ولم يعد بمقدور البلدية إعادة ترميم هذه الشوارع كما كانت عليه سابقا.
ويشير إلى ان البلدية عملت على تشغيل نحو "250" عربة كارو تجرها الدواب من أجل جمع القمامة من المناطق والأحياء المختلفة، وذلك لعدم توفر السولار للسيارات المخصصة في جمع النفايات الصلبة.
|
ربة منزل غزية تطهو الطعام على ما تسنى لها من غاز شحيح |
الماء والكهرباء " معادلة"
وعن غياب جدول موحد يوازي بين وصول التيار الكهربائي والمياه للمواطنين في ذات اللحظة من اجل ضخ المياه للطوابق العليا، وانجاز المهام المنزلية لاسيما وأن الكهرباء تصل إلى المنطقة بحسب الجدول لـ "6" ساعات وتغيب "12" ساعة، يشرح م. أبو القمبز هذه المشكلة فيقول: "المياه تضخ من آبار تبعد عن المدينة 10 كم وهي في نطاق بلدية بيت لاهيا شمال القطاع، لذا فإن المياه تصل للمناطق الأقرب تباعا وما ان تصل المدينة تكون الكهرباء قد غابت، ويضيف: "نعم إنها معادلة صعبة بكل المقاييس يعاني منها المواطن الغزي والمطلوب هو حل جذري للكهرباء وإيصالها على مدار الساعة".
ويناشد المواطنين بالاحتفاظ بالمياه في براميل كبيرة في الطوابق الأرضية إلى حين وصول التيار الكهربائي ومن ثم ضخها إلى الطوابق العليا بشكل مؤقت.
وعن النظافة يحذر م. أبو القمبز من أن غياب النظافة لا سيما الشخصية في ظل محدودية وصول المياه، من شأنه ان يوجد أمراضاً عديدة ضحيتها بالدرجة الأولى المواطنين، مشدداً على ان استمرار أزمة الكهرباء والمياه يعني وصول أفواج من المرضى إلى المستشفيات بسبب غياب النظافة.
ويلفت إلى وجود مضخات داخل المدينة، وأنه في حال استمرار الأزمة الراهنة وتوقف محطات الصرف الصحي، لاسيما محطة " 7ب" في منطقة الزيتون شرق المدينة يعني غرق شرق حي الزيتون.
ويختتم حديثه فيقول: "نعمل ومنذ 45 يوماً على إدارة الأزمة، وما يتم توفيره من سولار يتم استخدامه حسب الأولويات، نعم نعترف أننا نعمل بوضع صعب وكفاءة الكهرباء أفضل بكثير من كفاءة المولدات الكهربائية التي باتت مهترئة، كما أننا نعيش أوضاعا بيئية قاسية، ولكننا سنصمد أياً كان الظلم الواقع علينا".
|