اتفاق دربان عمومي وفضفاض جدا وغير ملزم
مؤتمر المناخ في دربان: احتراف الثرثرة حول التسخين العالمي دون إنجاز فعلي
لا أهمية فعلية لقرار تمديد بروتوكول كيوتو حتى عام 2017
ج. ك.
خاص بآفاق البيئة والتنمية
كثرت في السنوات الأخيرة المؤتمرات الدولية المختصة بالمناخ والتي لم تتوصل إلى اتفاقات حقيقية مؤثرة، سوى التسويف والتأجيل المتكرر للمشاكل الخطيرة. وقد شكل مؤتمر المناخ الذي انعقد في دربان بجنوب أفريقيا في كانون أول الماضي مثالا حيا انضم إلى سلسلة طويلة من المؤتمرات العالمية خلال العقد الأخير، حيث احترفت الحديث عن التسخين العالمي، دون تسجيل إنجاز فعلي في هذا المجال.
وبالرغم من التوقيع على اتفاق أولي، إلا أن الأخير ينص على أن اتفاقية نهائية ستوقع عام 2015 لتدخل حيز التنفيذ عام 2020. ومن الواضح، أننا لا نعلم المتغيرات العالمية التي قد تحدث حتى ذلك الوقت، وبخاصة ما يتعلق بالأوضاع السياسية والاقتصادية التي ستسود الدول المعنية مثل الولايات المتحدة الأميركية، الصين، الهند والاتحاد الأوروبي. بمعنى أن توقيع الاتفاقية النهائية عام 2015 ليس مؤكدا. بل، وفي حال توقيعها، من غير الواضح مدى الجدية والتأثير اللذين ستتسم بهما.
إذن، ما هي الأبعاد الحقيقية لمؤتمر دربان؟ وهل العالم حقا مضغوط زمنيا، أم أن بإمكانه الانتظار حتى عام 2020؟ ومن يستطيع إنقاذ الوضع؟ سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها في السطور التالية.
قرارات دربان
يمكننا القول بأن القرار المركزي لمؤتمر دربان يتمثل بتمديد العمل ببروتوكول كيوتو حتى عام 2017 (علما أن عام 2012 هو العام الأصلي لانتهاء صلاحيته)، بالإضافة إلى قرار التوصل إلى اتفاقية ملزمة عام 2015 تدخل حيز التنفيذ عام 2020. كما تقرر إنشاء صندوق مناخي أخضر بقيمة مائة مليار دولار سنويا تموله الدول والمانحون. ويهدف الصندوق إلى مساعدة الدول النامية على التكيف مع التغيرات المناخية والتحول إلى استخدام موارد الطاقة النظيفة. وثمة بعض النقاط الإضافية التي اُتفق بشأنها، إلا أن القرارات التي ذكرت للتو هي الأساسية والأكثر أهمية.
|
مؤتمر التغير المناخي في دربان بجنوب إفريقيا |
ما أهمية تمديد بروتوكول كيوتو حتى عام 2017؟
ليس لذلك أهمية فعلية. إذ بالرغم من أن بروتوكول كيوتو شكل المرة الأخيرة التي وقعت فيها دول العالم على التزامات عمومية لتخفيض انبعاثاتها من غازات الدفيئة، إلا أنه (أي البروتوكول) لم يعد ذا صلة مؤثرة بالموضوع المناخي، علما أن دولتين (الصين والهند) من الدول الثلاث التي ينبعث منها أكبر كمية من غازات الدفيئة، غير ملزمتين بتخفيض الانبعاثات، كما أن الدولة الثالثة (الولايات المتحدة) غير موقعة أصلا على البروتوكول وبالتالي فإنها غير ملزمة بنصوصه.
ليس هذا فقط، بل إن بعض المسؤولين الدوليين اعتبروا بروتوكول كيوتو عائقا؛ مما دفع "بيتر كنت" وزير البيئة الكندي، غداة اختتام المؤتمر، إلى الإعلان عن انسحاب كندا من البروتوكول. وزعم الوزير بأن كندا سوف تدفع غرامة مقدارها 14 مليار دولار، نظرا لعدم تمكنها من الالتزام بالتخفيضات المطلوبة، أي 6% من الانبعاثات المطلوبة منها في نهاية عام 2012، بالمقارنة مع عام 1990 الذي يعد العام الأساسي للقياس.
والمقصود من مبالغة الوزير الكندي إخفاء الدوافع السياسية التي تقف أصلا خلف الانسحاب الكندي. كما أن جزءا ليس يسيرا من سائر الدول الموقعة على بروتوكول كيوتو لم تلتزم فعليا بالأهداف التي نُصِبَت لها. والأهم من كل ذلك، أن اللاعبين الأساسيين لا صلة لهم بالبروتوكول؛ ما يعني أن اللعبة برمتها قليلة الأهمية. ولفهم مدى هامشية اللعبة، من المفيد الإصغاء إلى ما قاله "بيتي بيرول" الذي يعد الخبير الاقتصادي الرئيسي لوكالة الطاقة الدولية.
يقول "بيرول" بأنه دُعِيَ لطرح وجهة نظره أمام الاتحاد الأوروبي الذي تخبط في السنوات الأخيرة فيما إذا كان سيرفع من 20% إلى 30% السقف المحدد له لتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة، قياسا بعام 1990. وقد أوضح "بيرول" للأوروبيين بأن الفارق بين النسبتين يساوي مقدار الانبعاث لبضعة أسابيع في الصين. ومضى "بيرول" قائلا: "اعتُبِر هذا القول بمثابة قنبلة ألقيت عليهم وسط الغرفة". وتابع موضحا للأوروبيين المُرْبَكين بأنه في عام 2015 ستتجاوز الصين أوروبا في معدل انبعاثاتها للفرد أيضا.
هل الاتفاق على توقيع اتفاقية جديدة عام 2015 يعد إنجازا؟
يمكننا اعتبار الاتفاق إنجازا، لكن دون الانجرار إلى القول بأن الاتفاق يعد "مرحلة جديدة مميزة في النظام المناخي" كما نعتته "كريستينا فيغورس" رئيسة بعثة الأمم المتحدة في المؤتمر. ومع ذلك، يوجد تقدم معين؛ إذ مجرد اقتناع الولايات المتحدة، الصين والهند بالتوقيع على أنهم سيباشرون عام 2015 التفاوض بهدف التوصل إلى اتفاقية "متفق عليها وملزمة قضائيا" تدخل حيز التنفيذ عام 2020، يعد بحد ذاته خطوة إيجابية لا بد من تسجيلها.
وتكمن المشكلة الحقيقية في أن الاتفاق المذكور منوط بالعديد من الاشتراطات، مثل ضرورة توفر التأييد السياسي للاتفاق بعد أربع سنوات. فعلى سبيل المثال، لو انتخب "ميت روماني" رئيسا للولايات المتحدة في السنة القادمة، فعلينا عندئذ نسيان الموضوع المناخي المتصل بالولايات المتحدة نهائيا. يضاف إلى ذلك، عمومية وفضفاضية نص الاتفاق، ما قد يُصَعِّب الأمر على محادثات عام 2015، إذا ما وصلنا إلى تلك المحادثات أصلا.
إلى أي مدى يعد الاتفاق على توقيع اتفاقية عام 2015 فضفاضا؟
الاتفاق عمومي وفضفاض جدا. فمن الناحية القضائية، يمكن تقديم تفسيرات كثيرة ومنوعة لنص الاتفاق. فمن الملاحظ أن كلمة "بروتوكول" لم ترد إطلاقا في نص الاتفاق. فعلى سبيل المثال، ورد في الاتفاق بأنه يجب "أن يشمل جميع الأطراف". وهذا النص لا يعني بالضرورة أن يكون للصين أو الهند مكانة متساوية مع الأوروبيين أو الأميركيين، من ناحية مطالب الاتفاقية المستقبلية لعام 2015.
الجدير بالذكر أن بروتوكول كيوتو يتضمن كذلك نصا مشابها، إذ، وكما ذكرنا سابقا، يميز البروتوكول بين الدول النامية والدول المتقدمة، إلى جانب مطالب مختلفة من كلتا المجموعتين. مثال آخر يتعلق باستخدام كلمة "إلزام" التي يفترض أن يقصد بها أساسا خفض الانبعاثات، إلا أنها كتبت بحيث يمكن تفسيرها وكأنها تتعلق بضرورة الالتزام بالشفافية.
ما هي مشكلة الانتظار حتى عام 2020؟
يجب أن نتذكر أولا، بأن الاتفاقية الجديدة يفترض أن توقع عام 2015، إلا أنها ستدخل حيز التنفيذ عام 2020. وكما في أي مسألة أخرى، كلما تأجلت لفترة أطول معالجة المشكلة، كلما ازدادت صعوبة مواجهتها وازداد بالتالي التحدي. وقد نصل أيضا إلى نقطة اللاعودة التي تنعدم عندها إمكانية حل المشكلة.
ولمزيد من الإفادة، لنراجع بعض الأرقام. فكما نعلم، الهدف العام من المباحثات الدولية هو منع ارتفاع حرارة الأرض عام 2100 بأكثر من درجتين مئويتين، وذلك بالمقارنة مع درجة الحرارة التي كانت سائدة قبل الثورة الصناعية؛ إذ يعد هذا المستوى الحراري خطرا ومن الضروري منع الوصول إليه. ولغاية يومنا هذا، ارتفعت حرارة الأرض بمقدار 0.7 درجات مئوية، قياسا بنقطة الصفر.
ولو افترضنا أن العالم سيبدأ، خلال الأيام القريبة القادمة، العمل بجد ونشاط لخفض انبعاثات غازات الدفيئة، فسيتطلب الأمر، حسب التقديرات، خفضا سنويا في الانبعاثات بمقدار 0.7% كي نتمكن من تحقيق هدف الدرجتين. ولا يعد هذا الأمر سهلا؛ لكنه، في ذات الوقت، ليس صعبا جدا. إذ يساوي هذا الهبوط مقدار الخفض في الاتحاد الأوروبي الذي يستخدم آلية cap and trade . وإذا ما بدأنا عام 2020 تحديدا، ببذل ذات الجهود، وبشكل مكثف وصارم أكثر، فسنكون عندئذ ملزمين بأن نخفض بنسبة 3% من إجمالي الانبعاثات سنويا، كي نتمكن من تحقيق هدف الدرجتين. وبالطبع، يعد هذا الجهد أكثر صعوبة بكثير، وهو، وفقا لتقرير "ستيرن"، قريب جدا من الحد الأعلى للتخفيضات التي لا تسيء بشكل جوهري إلى النمو الاقتصادي. وفي الواقع، لا يوجد حاليا أمثلة حقيقية لاقتصادات نجحت في تخفيض الانبعاثات إلى هذا المستوى والبقاء، في ذات الوقت، مزدهرة. ربما تشكل روسيا المثال الأقرب إلى الواقع؛ إذ إثر انهيار الاتحاد السوفياتي في التسعينيات وانكماش الاقتصاد في روسيا انكماشا كبيرا، انخفضت انبعاثات الأخيرة بنحو 5% سنويا.
ما الحل؟
يعتقد الكثير من الخبراء بأن الحل يكمن في البراغماتية الصينية؛ إذ أن الأميركيين، سيتحولون، في نهاية المطاف، إلى لاعبين ثانويين، تماما كما الأوروبيين، بينما سيصبح كل من الصين والهند لاعبين رئيسيين قد تأتي منهما البشرى السارة. فالصينيون الذين يتحملون حاليا مسؤولية انبعاث 23% من إجمالي غازات الدفيئة في العالم، يمتلكون المفتاح الرئيسي لإحداث تغيير جوهري في الوضع القائم.
"واستنادا إلى مساحتها، يوجد لدى الصين أحد أكثر البرامج المناخية التطبيقية تأثيرا في العالم" كما توضح "جنيفر مورغن" مديرة برنامج المناخ والطاقة في مؤسسة الموارد العالمية (World Resources Institute ). "لكن"، تتابع جنيفر، "لايزال الصينيون يتصرفون بعصبية تجاه الأهداف التي قد تفرض في اتفاقية دولية، دون أن تكون لهم الثقة بقدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم".
|