مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
شباط 2012 العدد-41
 

فدوى خضر والأحلام الكبيرة
عاشقة للطبيعة ومناصرة للبيئة

فدوى أمام شجرة برتقالها

حاورتها: ربى عنبتاوي
خاص بآفاق البيئة والتنمية

كان لنشأتها في قرية بيت صفافا الريفية بين مدينتي القدس وبيت لحم حيث الشجر والحياة البرية وصفو الطبيعة المنعش للروح، أكبر الأثر في تكوين شخصية الإنسانة فدوى خضر المحبة للجمال والمناصرة للبيئة، الحب الذي نما معها وكبر حتى أسست مؤخراً جمعية عباد الشمس لحماية الإنسان والبيئة، ومع أن الجمعية ما تزال خجولة من حيث الإمكانيات، إلا أنها مثقلة بحماسة أحلام فدوى بمجتمع بيئي نظيف يضاهي الدول المتقدمة.
"البيئة هي حاضنة للإنسان، فاهتمامه بها ينعكس على نفسيته وحياته، وهناك ارتباط وثيق بين صداقة الإنسان للبيئة والتصالح مع الذات". بدأت فدوى حديثها في تفسير تلك العلاقة التبادلية بين البيئة والإنسان.
تأثرت فدوى بعلاقة جدتها وأمها بالبيئة، وكانت تراقب مدى اهتمامها بالشجر المثمر في الحديقة وسلوكياتهما البيئية من حفظ وتدوير للأشياء القديمة، ومع أنها كان طفلة لم تتجاوز الخامسة فذاكرتها لم تنس منطقة طباليا أو حارة السريان القريبة من رأس الجبل في بيت صفافا، حيث  الطيور والغزلان وحتى الأغنام التي كانت تسرح على الجبل مع الرعاة الذين يتفيأون تحت الشجر، والنباتات مختلفة الأشكال مع الأعشاب والزهور البرية التي أنقرض جزء كبير منها. مشاهد أشبه بلوحة كلاسيكية متكاملة.

الأم جورجيت تتحدى الاحتلال
في عام 1961 سرق الموت والد فدوى في عمر مبكر مخلفاً وراءه أرملة شابة وثلاثة أبناء، طفلتان وطفل، ما اجبر الأم  جورجيت على الانتقال من كنف الطبيعة لكنف التاريخ، حيث قطنت في بيت حجري قديم في حارة النصارى في القدس، ما أصاب الطفلة فدوى بالصدمة فمن المكان الواسع الرحب إلى المكان الضيق الذي تندر فيه الخضرة رغم عراقته وأصالته إلا انه لم يضاهِ الطبيعة، فمن الحديقة الكبيرة إلى حوض ترابي فيه شجرة مثمرة وعدة نبتات للزينة محاطة بالجدران من جميع الجهات.
عملت أم فدوى ممرضة تلبي حاجة مرضاها مهما بعدت المسافة، وكانت وفية لجيرانها السابقين في بيت صفافا حيث كانت تعالجهم عبر فحص الضغط ووخز الإبر. وبعد عام 1967 وسقوط الضفة الغربية بيد الاحتلال، خضعت بلدة بيت صفافا تباعاً لإدارة بلدية القدس التي سارعت حكومتها آنذاك لتطبيق قانون أملاك الغائبين للبيوت غير المسكونة، فسكبت الشمع الأحمر على أبوابها، فما كان من والدة فدوى إلا وان قررت مغادرة بيت البلدة القديمة والتوجه إلى البيت القديم المشمع بالأحمر حيث أحضرت ماءً ساخناً من عند الجيران وذوبت به القرار الإسرائيلي المجحف، وعادت العائلة للسكن في بيت صفافا الأمر الذي وصفته فدوى التي كانت صبية آنذاك بعودة الروح إلى الجسد.
وعن ذكريات العودة إلى بيت صفافا قالت فدوى: "احتضنتني الطبيعة مجددا مع شجر الدرّاق والليمون والإسكدنية والورد الجوري، كما أعادت والدتي حفظها الله زراعة شجر جديد مكان الذي ذبل ومات،  وعدنا لتربية الحمام والأرانب، فأحاطتنا مظاهر الحياة من جميع النواحي وأنستنا صعوبات المنطقة التي لم تكن مؤهلة بعد بشبكة كهرباء فكنا نتعلم وندرس على ضوء مصباح الكاز والشمع، ما دفع والدتي لاحقاً إلى عمل حراك مع الجيران لتمديد خط كهرباء للمنطقة، وقد نجحت في ذلك" .
وقد حاول الاحتلال المستحيل لإثبات ان ذلك البيت ليس لوالد فدوى بل لعمها المغترب، لكن والدتها وقفت بالمرصاد وأثبتت ملكية العائلة للبيت بالأوراق الرسمية، وأشارت فدوى إلى مساعي الاحتلال الفاشلة لشراء البيت حيث عرض عليهم يائسا بيعه مع الأرض مقابل هجرة لأمريكا ومنحة تعليم لشقيقها قسطة مع شقة من العمارة الإسرائيلية التي من المفترض أن تبنى على أرضهم، والجواب طبعاً كان الرفض بشدة حيث أخبرتهم الأم جورجيت بأن طلبهم مرفوض للأبد.

فدوى بين أزهارها

الطبيعة الجميلة تحيط بفدوى الزوجة والأم
وحين جاء عام 1976 تزوجت فدوى ابنة التاسعة عشرة من السيد سهيل خضر وعاشت معه في عمارة من طابقين تعود لعائلته حيث استفادت من خبرة حماها "صليبا" رحمه الله والذي كان يعمل مهندسا زراعياً، فتعلمت منه الكثير من أسرار النبات وأصول زراعتها ونعِمت هناك بحديقة جميلة منوعة فيها الكثير من النباتات والشجر، حافظت عليها مع العائلة حتى اليوم.
لفدوى اليوم خمسة أبناء ربتهم وعاشت معهم لحظات حياتهم وفرحت بزواج أربعة منهم، وفي وسط تربية الأطفال وانشغالات البيت تعلمت فدوى تخصص تربية الطفل في بيت لحم، وأسست حضانة نموذجية للأطفال في الرام اسمها "فرح" التي تستقبل الأطفال حتى اليوم وتكتسب صيتا طيباً. كما عملت فدوى في اتحاد لجان المرأة الفلسطينية التي تحولت لتصبح جمعية المرأة العاملة، حيث شرعت بتأسيس حضانات نموذجية في الوطن لحين توقف المشروع  عام 1997.

فدوى الطموحة في العمل والمحبة لعالم الطفولة دائماً
كما عملت في عدة مؤسسات مجتمع مدني في مجال الطفولة والإغاثة، لكن طموحها الكبير ورغبتها بالتغيير دفعاها عام 2006 إلى الترشح للانتخابات التشريعية حيث شجعها الأهل والأصدقاء، وبالرغم من عدم فوزها بعد فرز النتائج، إلا أنها ازدادت إصرارا على الترشح في المرات المقبلة حيث ستعمل على خدمة القدس من حيث تعزيز صمود المقدسيين وضمان تطبيق القوانين والتشريعات، والعمل على صون الحريات والبيئة.
في عام 2008 ترشحت فدوى لجائزة "شعلة الحق بالحياة" المقدمة من وزارة التعاون والتنمية الدنماركية  المختصة بتطبيق حقوق المرأة في جميع أنحاء العالم، و لتفوز بالشعلة التزمت فدوى خلال عام بحملة توعية مكثفة ضد جرائم القتل على ما يسمى  الشرف، فلم تترك قرية أو بلدة أو محافظة إلاّ وتوجهت إليها وقامت بتنظيم ورشات توعوية وجمع تواقيع ضد قانون العقوبات القديم، وبناءً عليه حصلت فدوى على الشعلة مع كتاب يوثق جهود نساء التزمن بقضية ما من حول العالم، وبعد عامين قامت فدوى بزيارة الرئيس فقدمت له نسخة عن كتاب الشعلة ودعته إلى النظر في قانون العقوبات (العذر المخفف) المجحف بحق النساء والمطبق حتى تلك اللحظة، وفعلا بعد ثلاثة أعوام وتحديداً بعد حادثة مقتل آية برادعية، ألغى الرئيس المادة 340 من قانون العقوبات ما أسعد فدوى وأشعرها أن حق برادعية المهدور وغيرها من الضحايا لم يذهب هدراً.

فدوى المناصرة لقضية إذنا
وفي زيارة مصادفة لقرية إذنا في الخليل، والتي تعتبر من المناطق الحدودية مع إسرائيل، التقت فدوى بلجنة أهالي القرية وحدثوها عن مشكلة حرق النحاس والنفايات السامة مقابل القليل من الأجر المادي، حيث تفاقمت الظاهرة وخاصة بعد الانتفاضة الثانية، حين أضحى من السهل إدخال المواد الصلبة من قبل التجار من حملة الهوية الزرقاء بطرق غير شرعية، لتنظيفها وإعادة بيعها من خلال هؤلاء إلى إسرائيل بدون أي تكاليف تتحملها حكومة الاحتلال.
وهناك شرح المواطنون أيضاً لفدوى كيف أتجه بعض أهالي إذنا للعمل في هذه المهنة بسبب الاغلاقات ولكونها مصدر دخل للعاملين في هذا المجال، مشيرين إلى أن ما يزيد عن 300 عامل يعملون بها، بينهم أكثر من المائة  يعتمدون على الحرق وردم النفايات السامة، حيث يوجد في بلدة اذنا حوالي 55 ورشة عمل يومية تخلف ما يزيد عن 300 كغم مخلفات. كما ان تلك المخلفات التي يتم استخراجها من عملية التدوير يتم التخلص منها في الشوارع والأراضي الزراعية الخالية برميها وحرقها، لأن البلدية لا تقوم بعملية جمع النفايات من تلك المناطق، ما أدى إلى انتشار الكثير من الأمراض المتعلقة بالجهاز التنفسي والجلد وحتى السرطان نتيجة الغازات والروائح السامة المنبعثة من الحرق.

فدوى تشير إلى نشاطات مدرسة عباد الشمس

عباد الشمس تخطو بثبات نحو بيئة خضراء
وقد شكلت فدوى من خلال جمعيتها حديثة العهد "عباد الشمس" مع أهالي البلدة ومؤسسات المجتمع المحلي في بلدة اذنا ائتلافاً للحد من الظاهرة عبر جمع التواقيع من المتضررين والزيارات المنزلية والاتصال بالشرطة في حالة وجود حرق وذلك بالتعاون مع محافظة الخليل، البلدية، الشرطة والجهاز القضائي.  ومع أن الظاهرة ما زالت مستمرة  وليست في إذنا فقط بل في العديد من المناطق في الأراضي الفلسطينية، إلاّ أن الجهود متواصلة عبر "عباد الشمس" ومؤسسات صديقة  للحد منها والضغط على المسؤولين باتجاه تطبيق القوانين البيئية.
الجمعية التي اختارت مُؤسّستها عباد الشمس اسماً لها، جاءت لحب فدوى لتلك النبتة الشامخة ذات الجذور الراسخة في الأرض بالتعاون مبدئياً بين البعثة البابوية وجامعة بيت لحم ومركز الرواد في مخيم عايدة، حيث قامت بالعديد من الحملات التوعوية ضد حرق النحاس عبر ورشات التوعية وتطويع الأعمال المسرحية والدراما لخدمة البيئة، كما تابعت عمل اللجان والهيئات وتم التنسيق مع شبكة معا الإخبارية لإنتاج فيلم عن قضية اذنا، حيث تم التشديد على تطبيق قانون حماية البيئة لعام 1999، والسعي من اجل إيجاد تمويل لشراء ماكينات تطحن النفايات الصلبة لتدويرها بطرق آمنة وصحية.
تهدف عباد الشمس وفق فدوى إلى تعزيز وتطوير المسلكيات البيئية الايجابية لحماية الإنسان والبيئة، وتطوير مهارات النساء والشباب لتمكينهم في المجال البيئي، وتعزيز التعاون والتنسيق ما بين المؤسسات والهيئات العاملة في المجال البيئي محليا وعربيا ودوليا وتجنيد متطوعين لحماية الإنسان والبيئة.
تسعى فدوى من خلال الجمعية إلى التوعية لأن الناس للأسف لا ترى أبعد من بيتها ولا تكترث للبيئة ونظافة الحي والشارع، فمع الجمعية ستساهم فدوى في تطبيق التدوير لنفايات المنزل من خلال حاويات لفصل المخلفات، مع أمنية القيام بحملة تخضير ضخمة لتعويض آلافٍ مما اقتلع ودمر من شجر الزيتون منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.

الرام تشكو التلوث والمياه العادمة
وحول بلدة  الرام التي تقطنها فدوى منذ السبعينيات ويشغل زوجها سهيل منصب نائب رئيس البلدية قالت:  "يوجد العديد من المشاكل البيئية في منطقة الرام، حيث الكثير منها نتيجة مباشرة لإجراءات الاحتلال الإسرائيلي بالإضافة إلى الجهات الرسمية في تلك المنطقة كالمجلس البلدي، فعلى الرغم من بذل مجهود كبير في تطوير المنطقة من قبلهم، إلا إنهم يعجزون عن مجاراة الاحتياجات المتزايدة لمنطقة ذات كثافة سكانية عالية" .
إحدى تلك المشاكل وفق فدوى هو حرق القمامة في الحاويات التي تنتج  غازات سامة جدا تؤثر بشكل سلبي على الصحة  إضافة إلى  تدفق مياه الصرف الصحي في الشوارع بسبب عدم كفاية شبكة الصرف.
من أجل مواجهة جزءٍ بسيط من تلك المخاطر أنشأت فدوى عبر الجمعية مخيماً بيئياً للصغار يهدف إلى المحافظة على البيئة واستثمار مصادرها عبر أسلوب من طفل لطفل يعتمد تعزيز عادات الحفاظ على النظافة وتغيير السلوكيات الخاطئة تجاه البيئة. حيث استهدفت الجمعية حتى الآن ثلاث مدارس  لحوالي 100 طالب وطالبة، تم تأهيلها –المدارس- من حيث حدائق دهان ومبنى جديد، كما تم تدريب مرشدين صحيين للمعلمين والطلبة، وقدمت ورشات تدريبية للأهل وأعضاء المجتمع المحلي المهتمين في حضور الجلسات، كما تم بناء حوض بمساحة 30 متراً مربعاً في إحدى المدارس من اجل زراعة الورود.

في روضة البيت
في بستان فدوى توجد مختلف النباتات والأشجار، وهناك قنٌ للدجاج تستفيد من بيضه ومخلفاته كزبل بلدي، كما تلهو القطط والكلاب في الحديقة مضفية جوا طبيعيا جميلا مع الطيور البرية الزائرة، لكن يعكر جمال الحديقة عمارة شاهقة الارتفاع تحيط الحديقة من الجهة الغربية.
وبالرغم من سفر فدوى إلى أماكن عديدة إلا أنها لم تفكر في ترك وطنها رغم الحرية والطبيعة الجميلة، حيث تشعر بانجذاب كبير للوطن وواجب ومسؤولية بأن تعمل على تطويره. وفي ذات السياق تذكر فدوى زيارة وفد اسكتلندي لجمعية عباد الشمس حيث أبدى أفراده انزعاجهم من النفايات المنتشرة في الطرقات، مقترحين ضرورة قيام السلطة الفلسطينية بتنفيذ قوانين الحفاظ على البيئة، لأن النظافة  تعكس مدى ثقافة وتحضر الأمة.

وبكلمات من القلب إلى الروح قالت فدوى:
لكل من يواجهني ويصفني بالعاطفية جدا كانتقاد لي أقول له: "العاطفة والحنان هما مسلكا حياتي فلا أستطيع أن أرى شخصاً حزيناً دون أن أقدم له المساعدة قدر استطاعتي".
تحب من النباتات اللافندر، وتهوى الرسم الحر والسير في الطبيعة.
جملة لا تنساها: حين قال لها مدير جمعية إنقاذ الطفل الأجنبي عندما قدمت استقالتها:  "لقد خسرنا واحدة تملك القدرة على العمل المجتمعي لم نرَ مثل إمكانياتها"
الحلم الشخصي: بأن أرى مؤسسة عبّاد الشمس تأخذ دورها في المجتمع الفلسطيني والدولي، وأن ننجح من خلالها في مشروع إعادة التدوير.

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية