الموت يباع بـ ثلاثة شواقل بالخليل
بسبب استمرار تسخين زيت القلي في المطاعم
ثائر فقوسة
خاص بآفاق البيئة والتنمية
رائحة قوية تنتشر في المكان، تشعرك بأنك تجلس بالقرب من قدر زيت يغلي، وتلمح عينيك الدخان المتصاعد في كل اتجاه، تلك الرائحة غطت على عوادم السيارات، حتى ان الإنسان اصبح يحدد مصدرها على بعد عشرات الأمتار، هذا المشهد بات واضحا في شوارع الخليل حيث تنتشر المطاعم التي تستخدم زيت القلي عدة مرات لقلي الفلافل والبطاطا، دون معرفة الأخطار الناتجة عن ذلك والتي تعود بالضرر على الانسان والبيئة.
استخفاف
"لم اسمع يوماً بأن هناك مواطناً قد دخل المشفى أو مات من أكل الفلافل" .. بهذه العبارات الممزوجة بالاستغراب والتشكيك بدأ ابو خليل أحد اصحاب المطاعم بالخليل حديثه عندما التقته "مجلة آفاق البيئة" وأخبرته عن الضرر الناجم عن استمرار تسخين الزيت في القلي وتسببه بالأمراض، مؤكدا انه يقوم باضافة زيت جديد كلما شعر بأن الكمية في المقلى قد قلت، وقد يستمر الزيت في الغليان لأكثر من 6 ساعات متواصلة دون تجديده، ولا يتخلص أبو خليل من الزيت الا في نهاية العمل عند اغلاق المطعم بعد ان يصبح لونه اسودَ فيصرفه في شبكة الصرف الصحي ما يزيد الطين بله من حيث زيادة التلوث. وعن الدخان الذي يتصاعد بشكل كثيف من الزيت المسخن لعدة مرات، يجيب أبو خليل بأن الأمر طبيعي، ويعمل على تخفيفه عن طريق إطفاء النار تحت المقلى، وإعادة تسخينه عند الحاجة.
فيما يشير سعيد الذي يبيع الفلافل على إحدى البسطات بأن ارتفاع أسعار الزيت يجعله يطيل استعماله بالقلي، وفي كثير من الاحيان يعيد تسخينه لأكثر من يومين متتاليين لقلة البيع، غير مقتنع بأن طريقته في العمل تعود بالضرر على صحة رواد بسطته.
أمراض مزمنة
المهندس كفاح القواسمي المختص في التصنيع الغذائي والجودة، حذّر من مخاطر استخدام زيت القلي مرتين او ثلاث، مشيراً الى أن زيت القلي عبارة عن سلسلة من الكربون تتكسر مع استمرار تسخينه خاصةً للزيوت التي تحوي نسباً عالية من حمض اللينولينيك ما يؤدي إلى تغيير تركيبها بفعل التسخين لدرجات حرارة عالية ولفترة زمنية طويلة، ويعرف هذا التغيير بما يسمى بعملية الهدرجة وتتسبب عملية هدرجة الزيوت المستخدمة في تحضير الأطعمة في حدوث أضرار صحية متفاوتة تبعًا لطريقة تعامل جسم الإنسان معها، حيث يمكن أن تتلف البروتينات والأنزيمات وتلحق الضرر بالرئتين، إضافة إلى ارتفاع الضغط كما تسبب اضطرابات في الأغشية الخلوية، ونشوء الأورام السرطانية لدى الإنسان .
وتابع القواسمة مشيراً إلى أن هناك عمرا افتراضيا للزيت تحدده عدة عوامل ككمية المادة الخام ودرجة حرارة القلي ونسبة البيروكسيد مع الأخذ بعين الاعتبار نوعية الزيت، مؤكداً ان تصاعد الدخان من الزيت اثناء القلي وانتشار رائحة منفّره هما من أكثر المظاهر التي تؤكد بأن الزيت قد تحول إلى مادة غير صالحة للاستخدام والطعام اصبح ساماً، وعلى صاحب المطعم التوقف عن استعماله ولو كان استخدمه لمرة واحدة.
جهل
أما المواطنون، فيشككون بما تسببه عملية إعادة تسخين الزيت من آثار سلبية على صحتهم، والسبب يعود لعدم مقدرة الطب الجزم حتى اليوم حول سبب الأمراض المزمنة المنتشرة والناتجة عن تناول أنواع ضارة من الأطعمة، حيث يفيد الطبيب اسماعيل طالب بأن هناك صعوبة في إقناع المرضى بأن المعدة بيت للداء الذي سببه تناول أطعمة ملوثة او ثمار سامة تحتوي على كيماويات، سيماً أن الاثار السلبية لهذه المواد السامة تظهر على المدى البعيد وتكون على شكل أمراض مزمنة كالسرطان والفشل الكلوي المنتشرين بشكل واضح في الاراضي الفلسطينية، فالمواطنون بحاجة الى توعية بالمخاطر التي تحيط بهم خاصة في مجال التغذية.
|
العديد من محلات قلي الفلافل يستعملون نفس الزيت لبضعة أيام |
غش لا يتوقف
هذه الظاهرة لا تقتصر على مطاعم الخليل وحدها بل تنتشر في معظم المحافظات الفلسطينية، وقد تتشابه مصانع الأغذية سيما تلك التي تستخدم الزيت في انتاجها مثل "الشيبس" في بيع الأمراض للمواطنين، فطرق غش المستهلكين والحاق الأذى بهم كثيرة ومتعددة، والحد منها يحتاج إلى رقابة مستمرة من ذوي الاختصاص، ومن الجديد ذكره ان دائرة التموين في الخليل كشفت قبل بضعة سنوات قيام بعض التجار بشراء زيت مستخدم للقلي من مصانع الشيبس في بلدة المغار داخل أراضي 1948، حيث قاموا بتعبئته في عبوات لشركات زيوت محلية وخارجية بعد فلترته وإظهاره بصالح للاستخدام الآدمي، بهدف بيعه للمواطنين دون ذرة تأنيب ضمير حول مصير من سيستخدمه.
إلى متى ستبقى أجسادنا مستباحة لتجار السموم والموت؟ ومتى ستتحرك وزارة الصحة الفلسطينية؟
أبو عاطف سرور
|