لم ينبس بكلمة عن الأوضاع المزرية لمزارعي الأغوار الفلسطينيين المحرومين من حقهم في استخدام مياه النهر
بحث شركة DHV الدولية يكشف عن ارتفاع كبير وخطير في ملوحة نهر الأردن وانقراض معظم أحيائه ونباتاته
البحث شرعن مواصلة النهب الإسرائيلي لمياه النهر وأوصى بآليات تخريب إضافية له ومكافأة المستوطنين بتزويدهم مزيداً من المياه
|
المياه العادمة الإسرائيلية التي تصب في نهر الأردن |
ج. ك.
خاص بآفاق البيئة والتنمية
بالرغم من تدمير الاحتلال الإسرائيلي لنهر الأردن، بسبب النهب الهائل والمستمر منذ عشرات السنين لمياهه ومياه بحيرة طبرية؛ وبالرغم من تحويله النهر إلى مستنقع مائي خطر على الصحة العامة وملوث بالنيترات وبمستوى مرتفع من بكتيريا الكوليفورم (القولون)؛ نتيجة ملايين الأمتار المكعبة من المياه العادمة الملوثة بنسبة عالية من المخلفات البشرية والجراثيم المسببة للأمراض المتدفقة إليه سنويا من التجمعات الاستيطانية اليهودية في طبرية وغور الأردن وبيسان وبرك الأسماك؛ مما حول لون مياهه إلى الأخضر- بالرغم من ذلك، لا يزال الإسرائيليون يستنزفون كميات ضخمة من مياه النهر وبحيرته التي تستخدم في الزراعة الاستيطانية بالأغوار، أو تنقل عبر ما يسمى "الناقل القطري" إلى وجهات أخرى، مما يفاقم تدهوره ويهدد بجفافه.
وقد كشف بحث إسرائيلي أخير، وتحديدا من خلال شركة الاستشارات الدولية DHV ، عن وجود ارتفاع كبير جدا وخطير في ملوحة النهر، وبخاصة في جزئه الجنوبي؛ ما أدى إلى انقراض معظم أحيائه ونباتاته الحساسة للتلوث والملوحة.
وقد أوصى البحث الأخير تقليل الاستخدام الإسرائيلي لمياه بحيرة طبرية، من خلال زيادة مشاريع تحلية مياه البحر، وبالتالي، زيادة كبيرة في كميات المياه المتدفقة من البحيرة والروافد المغذية للنهر، قد تصل إلى أكثر من مائة مليون متر مكعب. وهذا يعني خفض كميات مياه البحيرة التي تضخ إلى "الناقل القطري"، وبالتالي رفع منسوب البحيرة وزيادة تدفق مياهها إلى النهر.
كما أوصى البحث بخفض استهلاك المياه للزراعات الاستيطانية اليهودية بالأغوار بنسبة 30%، فضلا عن خفض كبير في استهلاك المياه ببرك الأسماك في ذات المنطقة. ومن ناحية أخرى، أوصى البحث "تعويض" المستوطنين، من خلال تزويدهم بمياه النهر التي تضخ من منحدراته الشمالية، لاستخدامها لأغراض زراعية.
|
انكماش وتلاشي نهر الأردن بفعل النهب الإسرائيلي لمياهه |
شرعنة النهب الإسرائيلي لمياه النهر
لقد شرعن البحث الذي أجرته شركة DHV مواصلة النهب الإسرائيلي لمياه نهر الأردن وبحيرة طبرية، من خلال توصيته مجرد تقليل الاستخدام الإسرائيلي لمياه بحيرة طبرية وخفض طفيف لاستهلاك المياه للزراعات الاستيطانية اليهودية بالأغوار. أي أن البحث أيد مواصلة عمليات الاستنزاف الإسرائيلي لمياه النهر؛ بل واقترح ضمنا آليات تخريب إضافية للنهر من خلال زيادة ضخ المياه من منحدراته الشمالية لأغراض زراعية، "لتعويض" ومكافأة المستوطنين اليهود من خلال استمرار تزويدهم بمزيد من مياه النهر. وكل ذلك من أجل ضمان استمرار الزراعات الاستيطانية اليهودية في الأغوار وبالتالي مواصلة الاحتلال الإسرائيلي لمساحات كبيرة من أخصب الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. وبالطبع، لم ينبس البحث بكلمة واحدة عن الأوضاع المزرية لمزارعي الأغوار الفلسطينيين؛ حيث يحرمون من حقهم في استخدام ثروتهم المائية في النهر والتي كانوا يستخدمونها جزئيا قبل حزيران عام 1967. وتمارس ضدهم سياسة تعطيش احتلالية ممنهجة تسببت في هجر أعداد كبيرة منهم للعمل الزراعي والتوجه للعمل كأُجراء في مستعمرات الأغوار.
كما تجاهل البحث المذكور حقيقة أن سبب الدمار البيئي والهيدرولوجي الهائل الحاصل لنهر الأردن هو تواصل عمليات النهب الإسرائيلي لمياهه وتلويثه بمسببات الأمراض مذ عقود طويلة؛ علما بأنه حتى أواسط الستينيات، كان نحو مليار و300 مليون متر مكعب من المياه يصب سنويا على طول الجزء الجنوبي من النهر، في جريان سريع. وكان عرض النهر يتراوح بين 40-60 متراً. أما اليوم، وبسبب السرقة الإسرائيلية لمياه بحيرة طبرية التي تعد أهم مغذّ للنهر، فلا يصب في ذلك الجزء من النهر سوى كميات هزيلة جدا من المياه، لا تتجاوز 20 – 40 مليون متر مكعب، بينما يتراوح عرض النهر بين نصف متر إلى ستة أمتار فقط! أي أن كميات المياه العذبة التي كانت تجري تاريخيا في النهر انخفضت بنحو 98%. وحاليا، لا تتجاوز المياه الطبيعية التي تصب في الجزء الجنوبي من النهر 2% من المياه التي كانت تصب فيه في الماضي.
إعادة التوازن البيئي الطبيعي الأصلي لحوض نهر الأردن
الأمر الأكيد أن الحل الجذري لمشكلة تراجع نهر الأردن وتدهوره وبالتالي "جفافه"، لا يكمن في مجرد تقليل شكلي للاستخدام الإسرائيلي لمياه بحيرة طبرية ومكافأة المستوطنين اليهود من خلال استمرار تزويدهم بمزيد من مياه النهر، كما أوصى بحث شركة DHV . بل يكمن الحل الجذري في أن تتوقف إسرائيل كليا عن حجبها لتدفق مياه بحيرة طبرية في نهر الأردن (نحو 650 مليون متر مكعب يتم نهبها سنويا من حوض نهر الأردن). وهذا يعني توفير مئات ملايين الأمتار المكعبة سنويا من المياه المنهوبة مباشرة من النهر أو من الروافد المغذية له، وهذه الكمية أكبر مما يحتاجه النهر لحل ما يسمى خطر جفافه.
أي أن وقف تدهور نهر الأردن، وبالتالي البحر الميت، يكمن في إعادة الحياة إلى نظام الجريان الطبيعي لسلسلة بحيرة طبرية – نهر الأردن – البحر الميت، الأمر الذي سيساهم في إعادة أكبر قدر من التوازن البيئي الطبيعي الأصلي لحوض النهر، وبالتالي تقليص المخاطر وعدم اليقين.
وينسحب هذا الأمر على مشكلة استمرار تراجع مستوى البحر الميت، وبالتالي "جفافه"؛ فالحل هنا أيضا يكمن في أن تتوقف إسرائيل عن حجبها لتدفق مياه بحيرة طبرية في نهر الأردن، فضلا عن وقف نشاطات المصانع الإسرائيلية المستنزفة لمياه البحر الميت (أكثر من 250 مليون متر مكعب تستنزفها المصانع من البحر). وهذا يعني توفير نحو 900 مليون متر مكعب سنويا من المياه المنهوبة مباشرة من البحر الميت أو من الروافد المغذية له، وهذه الكمية أكبر مما يحتاجه البحر لحل ما يسمى "مشكلة جفاف البحر الميت"، علما بأن البحر الميت يحتاج إلى نحو 800 مليون متر مكعب سنويا من المياه لوقف استمرار تراجع مستواه، وهذه الكمية تتناسب مع سرعة التبخر السنوية للبحر الميت.
بورك البطن الذي حملك يا أستاذ جورج على قدراتك التحليلية وخزانك المعرفي ...
ن. رامز
|