مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
شباط 2012 العدد-41
 

البحث أكد ما سبق أن حذر منه مركز معا منذ سنوات
بحث جديد للبنك الدولي: إنشاء قناة البحرين (الأحمر-الميت) سيتسبب في تحول لون البحر الميت إلى الأبيض وسيفاقم ظاهرة الحفر البالوعية في محيطه
مشروع القناة سيسرع الاستيطان الإسرائيلي في صحراء النقب والأغوار وسيزيد نهب أراضي العرب

وسيوفر مياهاً شبه مجانية لتبريد مفاعل ديمونا النووي وسيشجع إسرائيل على إنشاء مفاعلات إضافية

 

البحر الميت الآخذ بالجفاف

جورج كرزم
خاص بآفاق البيئة والتنمية

كشف بحث حديث للبنك الدولي بأنه في حال إنشاء القناة المزمع إقامتها بين البحرين الأحمر والميت، فإن ذلك قد يتسبب في تحول لون البحر الميت إلى الأبيض نظرا لتكون طبقات من الجبص؛ وقد تنمو به أيضا طحالب مائية غريبة.  كما يعتقد الباحثون بأن القناة قد تفاقم ظاهرة الحفر البالوعية الناتجة عن انكماش البحر الميت وذوبان الطبقات الملحية الهشة في محيطه، ما يلحق الضرر بالمنشآت والبنية التحتية والطرق الممتدة على جانبي البحر، ويهدد الحياة والممتلكات والمنشآت، ويشكل خطرا على مرتادي شواطئ البحر الميت بهدف الاستجمام.  واقترح البحث الذي نفذ في إطار دراسة جدوى القناة التي يشرف عليها البنك الدولي، بأن تتم عملية إنشاء القناة على مراحل، قبل التنفيذ الكامل للمشروع.  وقدر البحث بأن تنفيذ مشروع تجريبي يتاح من خلاله جريان كميات قليلة من المياه، قد يحل جزءاً من عدم اليقين المتصل بالعواقب المتوقعة من القناة الضخمة المزمع إنشائها.
وزعم الباحثون الذين درسوا الأبعاد المختلفة لإنشاء القناة، بأن جريان 400 مليون متر مكعب في القناة لن يحدث تغييرات جدية؛ كما أن هذه الكمية لن تنجح في تثبيت مستوى سطح البحر، بل ستعمل على إبطاء سرعة هبوطه.  وبحسب الباحثين، يتطلب تثبيت مستوى سطح البحر تدفق ما لا يقل عن 700 مليون متر مكعب من المياه سنويا.
وأكد الباحثون أن جريان مليار أو مليار ونصف المليار متر مكعب من المياه سنويا سيتمكن من وقف هبوط مستوى البحر، بل ورفعه تدريجيا.  لكن، عندئذ، قد تحدث تغييرات جدية وخطيرة في البحر الميت، إذ قد تتطور فيه طبقات مختلفة من المياه من ناحية تركيبها الكيميائي، ما قد يتسبب بنشوء كميات كبيرة من الجبص تحول البحر إلى جسم مائي أبيض.  كما قد تتطور ظاهرة تكاثر الطحالب الضارة.
وأشار البحث إلى أن قناة البحرين قد تفاقم ظاهرة الحفر البالوعية الخطرة الآخذة بالتكاثر والاتساع منذ بضع سنوات؛ ذلك أنه أثناء تكون الطبقات المختلفة في البحر، فستكون الطبقة العليا أكثر حلاوة (أقل ملوحة) وبالتالي ستعمل على إذابة كتل الأملاح التحت أرضية على الشاطئ، ما سيؤدي إلى انهيار الأرضية وتكون الحفر البالوعية.
ويدعي أنصار مشروع القناة بأن أهدافها الأساسية تزويد مياه الشرب للأردن من خلال تحلية مياه البحر الأحمر، فضلا عن مياه إضافية ستتدفق من البحر الأحمر إلى البحر الميت بهدف تثبيت مستوى سطح الأخير الذي يهبط سنويا بمقدار 1.15 متر.  ويتسبب هذا الهبوط في ظواهر خطيرة مثل تكون الحفر البالوعية التي تشكل خطرا على البنى التحتية في المنطقة وتحول دون الوصول إلى مساحات واسعة بمحاذاة البحر.

تأكيد لما نشره مركز معا عام 2007
والمدهش حقا أن تقرير البنك الدولي أكد ما سبق أن حذر منه الدليل المرجعي في التربية البيئية الصادر عن مركز العمل التنموي / معا (2007) استنادا إلى دراسات علمية سابقة؛ إذ ذكر الدليل بأن هذا المشروع قد ينتج عنه تكوين بحر آخر يختلف في خصائصه وصفاته وطبيعة مياهه عن البحر الميت الموجود الآن، فتدفق مياه البحر الأحمر الأقل ملوحة إلى البحر الميت، سيؤدي إلى اختلال التركيز الكيميائي لطبقات مياه البحر الميت؛ وبالتالي تكون طبقة علوية خليط من ماء البحرين يكون تركيز الأملاح فيها أقل من التركيز الحالي للطبقة العليا (وهذا ما أكده عمليا تقرير البنك الدولي الأخير).
كما استشهد ذات الدليل بما  أكده بعض خبراء البيئة بأن البحر الميت سيتحول إلى اللون الأبيض (وهذا أيضا ما أكده بحث البنك الدولي)، ثم إلى الأحمر الدامي، في حالة اختلاط مياهه بمياه البحر الأحمر نتيجة تفاعل بكتريا الحديد وهو ما سيؤثر على طبيعة مياه البحر الميت وسينعكس ذلك على السياحة فيه.
كما أن ارتفاع منسوب البحر الميت سيشكل خطراً على المياه الجوفية. فمن المعروف أن هناك حداً فاصلاً بين المياه الجوفية العذبة والمياه الجوفية المالحة الموجودة في المنطقة؛ ويتأثر ذلك الحد نسبيا عند زيادة المياه المالحة أو نقصها فيتقدم في الحالة الأولى نحو الشرق على حساب المياه الجوفية، ويتراجع إلى الغرب في الحالة الثانية؛ وبالتالي فإن ارتفاع منسوب البحر الميت سوف يؤدي إلى تحريك الحد الفاصل بين المياه الجوفية العذبة والمالحة نحو الداخل (الشرق) على الشاطئ الشرقي للبحر الميت؛ وسوف يؤدي ذلك إلى الضغط على المياه الجوفية العذبة المخزنة، وخروج كميات هائلة من المياه الجوفية إلى السطح.

الحفر البالوعية في محيط البحر الميت

زلازل مدمرة وقتل الأحياء المائية
وكانت مجلة آفاق البيئة والتنمية قد نشرت منذ أكثر من عامين (كانون أول 2009) دراسة حول قناة البحرين دحضت فيها ادعاء الأطراف المسوقة لمشروع قناة البحرين والقائل إنه مشروع بيئي هدفه الحفاظ على البيئة، وبينت، استنادا إلى العديد من خبراء البيئة، أن هذا المشروع سيسبب كارثة بيئية ستحل بالبحر الميت بالدرجة الأولى؛ إذ أن العديد من علماء الجيولوجيا يؤكدون بأن تنفيذ هذا المشروع سيتسبب في حدوث زلازل مدمرة، وذلك نظرا لأن تدفق كميات كبيرة من مياه البحر الأحمر (نحو ملياري متر مكعب سنويا) في البحر الميت الذي يعد أخفض منطقة في العالم، سيؤدي إلى زيادة الضغط على قعر البحر الميت، ما سيؤدي لاختلالات في طبقات الأرض في منطقة الأغوار التي تقع  فوق ما يعرف بفالق شمال أفريقيا النشط زلزاليا، بمعنى أن تدفق المياه في تلك المنطقة قد يحرك الفالق وينشط الزلازل في المنطقة.
ويعد وادي عربة الأكثر حساسية من الناحية الزلزالية في المنطقة؛ إذ إنه يقع على كسور جيولوجية نشطة.  وفي حال حدوث زلزال أو انزلاقات أرضية، فقد يحدث تلفا في القناة أو تسربا يهدد بتلويث أراضي وادي عربة ومياهه الجوفية.
كما سيؤدي سحب المياه من البحر الأحمر إلى حدوث تيارات مائية عالية داخله، مما سيؤثر سلبا على الشعاب المرجانية النادرة والأسماك الملونة التي يتميز بها.  ناهيك عن أن سحب المياه من البحر الأحمر سيتسبب في انخفاض درجة ملوحته بسبب تدفق مياه المحيط الهندي الأقل ملوحة لتعويض المياه المسحوبة، الأمر الذي سيقتل أنواعا كثيرة من الأحياء المائية، مما سيقضي على سياحة الغوص التي تشتهر بها الشواطئ المصرية في جنوب سيناء.

فشل مشاريع القنوات المائية
البروفسور "دان زسلفسكي" خبير المياه الإسرائيلي من معهد العلوم التطبيقية في حيفا (التخنيون) والرئيس السابق لما يسمى سلطة المياه الإسرائيلية، يقول إن جميع مشاريع القنوات المائية باءت بالفشل، وبخاصة أن الحديث يدور عن كارثة طبيعية.  وبحسب "زسلفسكي" يجب إعادة الجريان الحر لمياه بحيرة طبرية نحو البحر الميت، بدلا من ضخها نحو "الناقل القطري".  وباعتقاده أن تكلفة إقامة منشأة قطرية لتحلية المياه وتغطية كل احتياجات دولة إسرائيل، أرخص من أي مشروع يتضمن قنوات لنقل المياه، لأن تكلفة إنتاج متر مكعب من المياه المحلاة نحو دولار واحد، بينما تكلفة ضخ متر مكعب من مياه بحيرة طبرية نحو دولار ونصف. 
ويشن بعض النشطاء البيئيين والأخصائيين والجيولوجيين الإسرائيليين حملة ضد المشروع، ويقولون إن على إسرائيل أن تدرس جيدا العواقب البيئية المتوقعة من عملية اختلاط مياه البحر الأحمر بمياه البحر الميت، مما سيتسبب في تغيير التوازن الإيكولوجي الحساس القائم في الأخير، ناهيك عن التأثيرات غير المعروفة على مياه خليج العقبة ووادي عربة. 

تكثيف الاستيطان اليهودي في النقب والأغوار
ليس مصادفة أن يستحدث نتانياهو في حكومته الحالية وزارة جديدة أسماها وزارة "تطوير النقب والجليل" التي أوكلت إلى سلفان شالوم الذي اعتبر مشروع "قناة البحرين" ضمن أهم أولويات وزارته؛ ذلك أن مشروع القناة سيسرع في عملية الاستيطان الإسرائيلي لصحراء النقب التي تشكل نصف مساحة فلسطين، وذلك عبر توفير مصادر المياه والكهرباء لها.  وتكثيف الوجود السكاني الإسرائيلي في النقب يعني مزيدا من نهب أراضي العرب في المنطقة واقتلاعهم منها.  
كما أن حزب الليكود وحكومته السابقة (حكومة شارون) كانا أيضا من أشد المتحمسين لمشروع القناة.  وقد صرح شارون في حينه، وتحديدا بعد الإعلان عن اتفاقية دراسة الجدوى (عام 2005)، بأن هدف "إسرائيل" من الآن وحتى عام 2020 هو توطين مليون يهودي في صحراء النقب.   
وقد يسهل هذا المشروع تنفيذ مشاريع إسرائيلية أخرى في المنطقة العربية مثل مشروع أنبوب النفط من الموصل إلى ميناء حيفا، أو حفر قناة إضافية تصل البحر المتوسط بالبحر الأحمر.
إذن، يعد هذا المشروع تثبيتا وتعميقا للوجود الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية بعامة، وفي منطقة الأغوار بخاصة، فضلا عن أن إنشاء المشاريع الإسرائيلية حول القناة سيجذب العاملين الإسرائيليين إليها وسيعزز الاستيطان الإسرائيلي في الأغوار.
ووفقا للمعلومات التي تسربت من مفاعل "ديمونا"، سيوفر مشروع القناة مياها شبه مجانية لتبريد مفاعل ديمونا النووي في صحراء النقب، والذي يتم تبريده حاليا باستخدام التبريد الهوائي المكلف، وسيشجع ذلك إسرائيل على إنشاء مفاعلات نووية إضافية وإنتاج المزيد من الأسلحة النووية.
ومن اللافت للنظر، أن شمعون بيرس، الرئيس الإسرائيلي الحالي، كان، منذ سنين طويلة، ولا يزال، من أكثر المتحمسين لمشروع القناة الذي يتوقع أن يؤدي إلى تدفق نحو ملياري متر مكعب سنويا من مياه البحر الأحمر في البحر الميت.  وهناك أيضا رجال أعمال واقتصاد إسرائيليين كبار متحمسين للاستثمار في المشروع.

حل مشكلة "جفاف" البحر الميت
في الواقع، يكمن حل مشكلة استمرار تراجع مستوى البحر الميت، وبالتالي "جفافه"، في أن تتوقف إسرائيل عن حجبها لتدفق مياه بحيرة طبرية في نهر الأردن (نحو 650 مليون متر مكعب يتم نهبها سنويا من حوض نهر الأردن)، فضلا عن وقف نشاطات المصانع الإسرائيلية المستنزفة لمياه البحر الميت (أكثر من 250 مليون متر مكعب تستنزفها المصانع من البحر).  وهذا يعني توفير نحو 900 مليون متر مكعب سنويا من المياه المنهوبة مباشرة من البحر الميت أو من الروافد المغذية له، وهذه الكمية أكبر مما يحتاجه البحر لحل ما يسمى "مشكلة جفاف البحر الميت"، علما بأن البحر الميت يحتاج إلى نحو 800 مليون متر مكعب سنويا من المياه لوقف استمرار تراجع مستواه، وهذه الكمية تتناسب مع سرعة التبخر السنوية للبحر الميت.

التعليقات

نأمل أن تباشر المنظمات والمؤسسات الفلسطينية الحقوقية والبيئية، بالتنسيق مع الجهات القانونية والبيئية العربية والدولية، بشن حملة قانونية وبيئية مضادة ضد هذا المشروع الاحتلالي المسمى قناة البحرين...بل ورفع شكوى ضده إلى محكمة لاهاي ...

وضحى فلاح

 

أمام هذه المعطيات المثيرة والخطيرة التي كشف عنها البنك الدولي والتي سبق أن أكدها مركز معا بخصوص البحر الميت وقناة البحرين، لماذا تصمت الجهات الفلسطينة الرسمية؟  ألا تزال السلطة الفلسطينية تصر على التغطية على المشروع الذي لا ناقة لها به ولا بعير، ناهيك عن العواقب االسياسية والبيئية الا ستلراتيجية التي ستنجم عنه كما أكد هذا التقرير...؟

كميل جابر سعادة

 

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 

مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية