بيت اكسا...القرية التي حبتها الطبيعة بالخضرة الكثيفة مهددة اليوم بالضم للاحتلال
أرض غيث ...شاهدة على الصمود في وجه قانون أملاك الغائبين الجائر
|
لافتة بيت إكسا المرحبة بزوارها، وقد لوثها المستعمرون بشتيمة الموت للعرب |
ربى عنبتاوي
خاص بآفاق البيئة والتنمية
بعد أن كانت المسافة من القدس لقرية بيت اكسا غربي القدس، لا تتجاوز الـ15 دقيقة، استغرقت رحلتنا ما يزيد عن الساعتين، فمن القدس إلى رام الله ومنها إلى بيرنبالا ومن ثم لبدو حتى عبرنا من حاجز راس بدو العسكري ومن ثم وصلنا "بيت اكسا"، القرية التي حبتها الطبيعة بالغابات الشامخة فميزتها عن القرى المجاورة التي أتخمها البناء الإسمنتي وطغى على معالمها الخضراء. قرية قليلة السكان كثيرة المساحات الخضراء ما يجعل الأخيرة مطمعاً للاحتلال الذي لا يفوت فرصة الضم وفق مخطط مسار الجدار "القديم الجديد" بهدف توسيع القدس المحتلة.
مشاهد طبيعية ساحرة شهدتها "مجلة آفاق البيئة والتنمية" في طريقها إلى ارض جمال غيث وشقيقه عبد الرحمن، التي تتوسط الغابات الخضراء، وذلك قبل أسابيع من صدور مخطط مسار الجدار الجديد الذي يجدد كل عام ويذكر المزارعين بأن أرض أجدادهم ستصبح ذكرى قريباً، وعلى الرغم من المنظر العام الباهر إلا أن صفو الطبيعة عكّره المستوطنات المحيطة بالقرية وهي: راموت ( الأضخم) من الجهة الجنوبية الشرقية، المفاسيرت من الجهة الجنوبية الغربية، هار أصمويل ونتسفي تفوح من الجهة الشمالية. سرطان خبيث ما فتئ يثير خوف المواطنين من خطر قادم يهدد وجودهم وبقاءهم على أرضهم.
"بيت اكسا مطمعٌ للاحتلال، فبالرغم من مساحتها الواسعة ينحصر التوسع السكاني لمواطنيها (1650 نسمة) في مساحة 650 دونم"، قال أبو لؤي في طريقنا إلى أرضه على الجبل برفقة شقيقه عبد الرحمن.
وللإحاطة علماً بقرية بيت اكسا من الناحية الجغرافية فهي تقع شمال غرب مدينة القدس وتبعد عن قلب المدينة حوالي 9 كم، تحدها قرى بدو ، بيت سوريك ، النبي صموئيل ، لفتا وقولونيا، وترتفع حوالي 670م عن سطح البحر، وتزيد مساحة أراضيها عن 10 آلاف دونم.
|
|
أبو لؤي في حقله |
أراض في بيت إكسا يمنع الاحتلال أهلها من زراعتها |
العمل أفضل من ندب الحظ وانتظار الأسوأ
في الطريق، أشار أبو لؤي إلى وادٍ غير شديد الانخفاض، كان أرضاً للمواطن الكسواني "الحج إسماعيل"، استغل المستوطنون أرضه كمكبٍ للنفايات قبيل إغلاق البوابات وتحت عيون الجيش حيث يلقون مخلفاتهم ويطمرونها في الوادي ما قضى على أرضه التي تزيد عن الدونم، وعلى حد قول أبو لؤي فقد توفي الحج إسماعيل قهراً على أرضه. كما أشار للبوابة التي وضعها الاحتلال مؤخراً لقطع الطريق القريب بين بيت اكسا والقدس والواقع على مدخل مستوطنة المفاسيريت.
أرض الشقيقين كانت تصل إلى 53 دونماً، يستغل منها فقط 18 دونماً بينما الباقي أرض وعرة، ونظرا لكون الأرض تقع على منطقة خضراء فهي مهددة بالمصادرة تحت قانون حارس أملاك الغائبين، ما حدا بالشقيقين لزراعتها وتكبد صعوبات تمديدات المياه والزراعة بدون حمايات بلاستيكية وذلك كبديل لمنعهم من العمل لدى الاحتلال كوسيلة للحفاظ على الأرض وكسب الرزق.
بعد إغلاق الطريق الواصل بين القدس وبيت اكسا بداية العام الماضي، ونصب الحاجز العسكري على مدخل القرية، يقول أبو لؤي، أصبحت الطريق من بيت اكسا لرام الله تتجاوز الساعة والنصف، والى القدس تعد الرحلة أكثر ارهاقاً تتعدى الثلاث ساعات (طبعا في حال توفر تصريح العبور) ما حدا بالكثير من الأقارب والزوار، إلى تجنب الوصول للقرية تجنبا للانتظار والتفتيش على الحاجز ما زاد من عزلتها، مشيراً إلى أن عدد حاملي بطاقات الهوية المقدسية في القرية يصل إلى 40% وفق تقديره.
"الغابات الحرجية تبث بذورها إلى الأراضي المجاورة، ما يعرض أرضنا في حال تركت لأن تتحول خلال 5-10 سنوات إلى غابة وبالتالي تكون عرضة للمصادرة" قال أبو لؤي، مشيراً إلى قلعهِ 200-300 نوارة شجر سرو نمت من البذور العام الماضي. ولفت عبد الرحمن إلى غنى القرية بالحياة البرية من نباتات وحيوانات مثل الأرانب وطيور الحجل والغزلان ما يجعلها مكاناً جميلاً للتمتع والاسترخاء.
|
|
الأخوان في أرضهما ببلدة بيت اكسا |
البلاستيك الزراعي على الأرض فقط لأن الاحتلال يمنع إنشاء دفيئات في بلدة بيت اكسا |
إصرارٌ على النجاح رغم العراقيل
يداوم الشقيقان في الأرض يوميا من الصباح حتى مغيب الشمس، وتبدو أرضهم الممتدة على مساحة 18 دونماً وحيدة في منطقة حرجية، حيث يرى الكثير من أصحاب الأراضي المجاورة الأمر ليس بالهين كما يحاولون ببراءة إحباط الشقيقين من نجاعة العناية بأرضهما. ويضيف عبد الرحمن: "ما تتعرض له أرضنا من تخريب وسرقة هو أمر متعمد، فمرّةً يقطع أنبوب المياه الذي يصل شبكة التنقيط مع الصهاريج، وفي مرة يتم التلاعب في تمديداتها فتفيض كالبحيرة في منطقة دون الأخرى، ومرة أخرى يتم سرقة عشر ربطات لخراطيم المياه". ويتهم الشقيقان في هذا الشأن المستوطنين وأعوانهم من ذوي النفوس الضعيفة.
|
|
الغابات الجميلة أمام أرض أبولؤي وشقيقه |
الفاصوليا في بيت اكسا تكافح من أجل العيش |
مزروعات عضوية
يسمح للشقيقين فقط بوضع أكياس بلاستيكية على النبات الأرضي لتجميع دفء الشمس لكنه غير مجدٍ على حد قول أبو لؤي، وحول حماية الأرض قال عبد الرحمن: "نحصن أرضنا بالزوايا فلكل ثلاثة أمتار زاوية، كما نضع أسلاكا شائكة لحمايتها من أعوان الاحتلال والغزلان. ويزرع الشقيقان في أرضهم مختلف أنواع الخضراوات وما يثير الإعجاب هو تسميدها بالكومبوست، كما يوجد لديهم برميل ماء لتخمير الزبل البلدي حيث تستغرق العملية أسبوعين ثم يصبح السماد جاهزاً لتسميد الخضراوات باستثناء النباتات الورقية.
"ما يثير الحزن هو أن الخضراوات في الحقل تواجه البرد والصقيع، حيث تمنع سلطات الاحتلال بناء البيوت البلاستيكية لاعتبارها شكلا من المباني ما يترتب عليه تلف الكثير من المزروعات، وما يحافظ من الزرع على بقائه يباع في الأسواق لكنه بعضٌ قليلٌ مما يمكن الحصول عليه". قال أبو لؤي مشيراً إلى فاصوليا ذبلت من برد الشتاء.
في الجوار أيضاً، تمتد أرضٌ لعائلة غيث لكنها وعرة ومليئة بالصخور وتصل مساحتها لـ 38 دونماً، وبحاجة إلى حفارات ما يكلف الكثير من النقود، لكن الشقيقين لا ييأسان وفي نيتهما استغلالها مستقبلاً، وتبدو ارض جيرانهم الجرداء محيطةً بأرضهم وحولها يقول أبو لؤي: "رجوتهم الاهتمام بها وحراثتها ووعدتهم بأن أمد مياهنا لهم لكنهم يضعون الصعاب نصب أعينهم".
وحول الزراعة العضوية ومدى اهتمام المزارعين بها ضرب عبد الرحمن مثلا على حد قوله: "اجزم أن هناك القليلين ممن يسمدون شجر زيتونهم بالعضوي، وهذا يمكن تمييزه من سعر تنكة الزيت التي يكون سعرها أضعاف التنكة العادية".
يحلم المزارعان الشقيقان ببركة ماء تعيش فيها الأسماك، تنتصف أرضهما فيستغلان ماءها المسمد بفضلات السمك لأغراض الري، وقد لجآ لتلك الغاية لوزارة الزراعة والعديد من المؤسسات لكن الموضوع يطول ويطول. ولا يفقدا الأمل من رؤية أرضهما بمساحتها الكلية (56) دونماً خضراء ومستغلة، متمنيان التمكن من حراثة أرضهما الأبعد (25 دونماً) والواقعة أسفل الحاجز العسكري (راس بدو).
|
|
الفلفل في أرض أبو لؤي |
الكمبوست في بيت إكسا |
بيت إكسا وشبح الجدار
وكعادة إسرائيل في التعامل مع كل ما هو فلسطيني، فقد هددت مؤخراً ضمن مخطط سُلّم لبلدية القرية بمصادرة معظم أراضي بيت إكسا، وضم ما يتبقى من مساحة ضئيلة مأهولة بالسكان لداخل جدار الفصل العنصري، بحيث يجري توسيع مدينة القدس على أراضيها، وكذلك إقامة مشاريع بنى تحتية إسرائيلية عليها.
وحول ما يشاع عن ضم القرية مع سكانها للقدس الشرقية، قال مدير الخرائط في بيت الشرق خليل التفكجي بأنه ضرب من العبث، فإسرائيل تريد أرضا بلا شعب وليس مزيدا من الشعب الفلسطيني، مشيرا إلى مخطط الجدار الجديد الذي بُلّغ للأهالي والذي سيضم جزءاً بسيطاً من أراضي بيت اكسا للضفة الغربية بينما سيصادر الجزء الأكبر.
"إسرائيل ترغب اليوم بالتخلص من 150 ألف مقدسي، وما يجري من مخططات لفصل قرى ومدن القدس الشرقية ما هو إلا تأكيد على ذلك، فهل ستستبدل جزءاً منهم بأهالي بيت اكسا... الفكرة غير واردة لدى الاحتلال" ختم التفكجي.
|
|
المخرج الوحيد من بيت اكسا إلى القدس وقد أغلقه الاحتلال بحاجز عسكري |
بيت اكسا القرية التي حبتها الطبيعة بالغابات الشامخة |
تمديد سريان مخطط الجدار...برقية الاحتلال السنوية للقرية
رئيس بلدية بيت اكسا عمر حمدان قال أن قرار ضم القرية للضفة الغربية ليس بالجديد وهو صادر منذ عام 2005 ولكنه لم ينفذ حتى اليوم، حيث يرسلون مخططاً جديداً كلّما أقترب موعد انتهائه تحت عنوان "تمديد سريان وتعديل مسار الجدار"، بتوقيع قائد قوات جيش الدفاع الإسرائيلي آفي مزراحي، مشيراً إلى أن المخطط الجديد يبين بأن الجدار سيخنق المدينة من ثلاث جهات والجهة الرابعة يحدها الحاجز العسكري (راس بدو) ما يعني أن 90%( 13 ألف و500 دونم ستصادر وما سيتبقى للسكان هو 10 % فقط ما يعادل 650 دونم.
وبالنسبة لأرض أبو لؤي فكما يبدو من المخطط، عقّب حمدان، بأن الجدار سيصادر جزءاً بسيطاً من أرضه، لكن عاد وتساءل: "هل يعقل أن يترك الاحتلال أبو لؤي يزور أرضه والجدار على مقربة منها؟ لافتاً إلى أن مسار الجدار لوحده سيتضمن مصادرة 456 دونماً كمناطق عازلة، كما أن معظم المزارعين من أصحاب الأراضي المصادرة، سيحرمون من الوصول إلى أرضهم إلا من خلال تصاريح وبوابات وشروط إسرائيلية مذلّة.
وعاتب حمدان السلطة متسائلاً: "أين أنتِ أمام ما يحصل لأهالي بيت اكسا من عمليات تهجير ممنهجة؟ وأين حصة بيت اكسا من ميزانية وزارة الزراعة ودعم صمود المزارعين واستصلاح أراضيهم؟؟
|
|
جانب من أرض أبو لؤي الزراعية |
حاجز عسكري إسرائيلي على مدخل بيت اكسا |
|
مستعمرة تحاصر بيت اكسا |
كل التقدير والاحترام لك يا أستاذة ربى على مثابرتك والتزامك العنيدين بالكشف عن انتهاكات وجرائم الاحتلال ضد بيئتنا وأرضنا ومواردنا...فهمتك لا تكل ولا تمل، وياحبذا أن يتعلم العديد من صحافيينا الانتهازيين والنفعيين معنى المبدئية والممهنية والمصداقية في العمل الصحفي وبخاصة في المجال البيئي .
كارول قشطندي
عمليات القضم والمصادرة الصهيونية للأراضي العربية في القدس، واقتلاع الفلسطينيين منها تسير على قدم وساق، بينما قياداتنا وأحزابنا منشغلين في تقاسم الوظائف والمناصب الوهمية تحت الاحتلال ...
ثابت أحمد نصراوي
|