31% من المدارس الفلسطينية تتعرض للتلوث بالضجيج و22% تعاني من الروائح الكريهة المنبعثة من مياه مجاري المدن والمستعمرات
اكبر مدرسة للتعليم الخاص بنابلس مغلقة وخلاف حاد بين أهالي الطلبة
والإدارة بسبب إصرار الأخيرة على نقل الطلاب إلى المبنى الجديد الملاصق لمصنع الألمنيوم!
مدرسة الاتحاد في قرية بيت ايبا...ضحيتها الطلاب الذين يستنشقون الغازات الخطرة والروائح الكريهة
|
المنطقة الصناعية في بيت إيبا |
تحقيق: عزيزة ظاهر
خاص بآفاق البيئة والتنمية
مازالت اكبر مدرسة للتعليم في محافظة نابلس مغلقة، بسبب الخلاف بين إدارة مدرسة بكالوريا الرواد التي تصر على نقل الطلاب إلى المبنى الجديد الواقع بالقرب من منطقة زواتا والملاصق لمصنع الألمنيوم، وبين قرار الأهالي برفض القرار وتصعيد الخطوات، عبر تنظيم احتجاجٍ أمام مقر محافظة نابلس للتنديد بقرار مجلس إدارة المدرسة حول الإصرار على نقل الطلبة إلى المقر الجديد، والذي وصفوه بأنه مكان غير صحي على الإطلاق.
وقال فادي عازم وهو أب لطالب في المدرسة، بأن المكان الجديد يقع وسط تلوثات بيئية لا ترى بالعين المجردة، ولكن يمكن أن تلمسها بالجو وعبر الفحوصات. وأضاف عازم: "هذه المدرسة تشكل جسماً تعليمياً من الطراز الحديث على الطريقة الأمريكية" مطالباً كافة المسؤولين وعلى كافة المستويات بالتدخل لعدم انهيار هذه المؤسسة الرائدة حيث يأتي تخوفه بالدرجة الأولى على أبنائه الطلبة. أما السيدة نادية عيساوي، الأم لطالبين في المدرسة، فقالت: "أنا شخصيا لن أرسل ولداي إلى هذا المبنى الجديد، لأنني غير مطمئنة عليهما، ولدي تخوفات كبيرة من المكان، الذي أرى أنه غير آمن صحياً على الإطلاق.
من ناحيته، أشار السيد ناصر كمال رئيس مجلس إدارة مدرسة بكالوريا الرواد، إلى رفض هذه الاتهامات وقال:" نحن في البداية نقدر تخوفات عدد من أهالي الطلبة، ولكننا نملك كافة التراخيص اللازمة ومن كافة الدوائر الرسمية لإقامة مبنى المدرسة الجديد على مساحة أرض تقدر بسبعة دونمات". وأضاف كمال بأن هدف المدرسة منذ تأسيسها عام 2005 كان إنشاء مدارس حديثة لخلق جيل متميز من الطلبة يكون قيادياً على الأصعدة الثقافية والعلمية والاجتماعية.
|
مبنى مدرسة بكلوريا الرواد الملاصق لمصنع الألمنيوم |
بلدية نابلس تستضيف بكالوريا الرواد مؤقتا
وفرت بلدية نابلس "مركز حمدي منكو" التابع لها كمقر مؤقت بديلاً لمدرسة بكالوريا الرواد، حيث أشار رئيس البلدية عدلي يعيش بأن هذا القرار، جاء من باب حرصهم على استمرار المسيرة التعليمية لهذه المدرسة وضمان حق مئات الطلاب في الحصول على التعليم ضمن أجواء صحية، بالإضافة إلى تأكيده على مساهمة البلدية دائما في حل الإشكاليات التي تواجه المجتمع النابلسي بمختلف شرائحه المجتمعية .
وعبر عدد من الأهالي والطلاب عن ارتياحهم الشديد لهذا الحل المؤقت، الذي سيسمح للطلاب متابعة تحصيلهم العلمي . وبدوره أكد ناصر كمال أن المبنى الجديد لن يلغى وسيتم مباشرة الانتقال إليه حال الانتهاء من بعض الإجراءات الرسمية.
مدرسة ملاصقة لمنشار في جماعين
وفي بلدة جماعين جنوب نابلس، التي أقيم فوق أراضيها 70 مقلع حجر و35 منشارا و7 كسارات، توجد مدرسة مازالت في طور البناء على ارض واقعة بجانب منشار لا تبعد عنها إلا بضعة أمتار. احمد عيسى سائق تاكسي من جماعين أخبرنا (لمجلة آفاق) بأن العمل جارٍ لإنشاء مدرسة قرب منشار للصفوف الابتدائية، الأمر الذي سيشكل في المستقبل مصدر إزعاج للطلبة والدارسين بسبب صوت المناشير والضجيج الصادر عنها، عدا عن الغبار الذي يشكل خطراً على الأطفال من مرضى الربو، وقد توجهنا إلى المسؤولين في بلدية جماعين للاستفسار عن سبب بناء المدرسة قرب المنشار، لكنهم أنكروا معرفتهم بهذا الأمر.
|
مدرسة جماعين المقامة قرب المنشار |
مدرسة الاتحاد محاصرة بالمشاكل البيئية
مدرسة الاتحاد الواقعة في قرية بيت ايبا تعاني من عدة مشاكل صحية وبيئية، حيث أشار الأستاذ إبراهيم عيد مدير المدرسة، إلى أنها تعاني من مشكلة التلوث الناتج عن المنطقة الصناعية الواقعة غرب البلدة والتي تبعد 200م هوائي عن المدرسة، حيث تضم هذه المنطقة الصناعية كسارات ومناشير ومحاجر وخلاطات باطون كبيرة ومصنع صهر حديد. وبالتالي كون المنطقة الصناعية واقعة غرب المدرسة فهي تشحن الهواء المتجه إلى المدرسة بالغبار. وأضاف عيد بأن الطلبة والأذنة والمدرسين يقومون بمسح المقاعد والطاولات أكثر من مرة من الغبار الذي يحول الأبيض للأسود، كما أشار إلى الضجيج الذي تسببه شاحنات خلاطات الباطون الضخمة أثناء مرورها من أمام المدرسة بشكل مستمر، عدا عن خطر الدهس المباشر بسبب هذه الخلاطات أثناء قدوم الطلبة صباحا إلى المدرسة ومغادرتهم إياها بعد الظهيرة. أما مشكلة المجاري "فحدث ولا حرج" حيث أن مجاري نابلس التي تصب في وادي التفاح غرب المدينة تمر من جانب سور مدرسة الاتحاد في بيت ايبا، وهو مغطى أي مجرى المياه العادمة بأشجار السرو والحشائش، الأمر الذي يبث روائح كريهة تؤثر على تركيز الطلبة وعطاء المعلمين إضافة إلى انتشار البعوض، الذباب، الحشرات، الفئران والخنازير المنتشرة في البلدة وخاصة بالمنطقة المحيطة بالمدرسة.
عدا عن هذه المشاكل، بين الأستاذ إبراهيم عيد أن المدرسة تعاني من الروائح الكريهة المنطلقة من مزارع البقر الواقعة بين بيت ايبا وزواتا، إذ تضم المزارع والبركسات ما يقارب 3000 بقرة، حيث قدمت المدرسة عدة شكاوٍ إلى بلدية نابلس، وقد وعدوا بنقل البركسات من البلد.
ونبّه عيد من مشكلة حرق الأسلاك النحاسية لاستخراج النحاس والحديد منها وبيعه، إذ تنشر هذه الأسلاك عند حرقها، الدخان والروائح القاتلة التي تؤثر على مرضى الربو والأزمات الصدرية، وقد بلّغ بدوره الشرطة ولكن لطالما سُجلت القضية ضد مجهول، أما مدرسة مسقط الثانوية المختلطة والتي فتحت عام 2010 بدعم من الهيئة العمانية لدعم الشعب الفلسطيني، فقد عانت من مشكلتين على الأقل، أولا: مشكلة قربها من مصنع الألمنيوم ومشكلة البعد عن البلدة، إذ تبعد عن وسط بيت إيبا قرابة كم واحد، كما أن هناك طلبة تبعد بيوتهم عنها حوالي 2 كم، أي بحاجة لقرابة ساعة مشياً على الإقدام حتى يصلوا إلى مدرستهم، إن لم يكن أكثر، وأضاف عيد، بأنه حتى اليوم لم يتم توفير حافلات لنقل الطلبة من وإلى المدرسة، إذ تعتبر المدرسة أقرب على بيت وزن من بيت ايبا.
وقد أشار بعض الطلبة إلى أن طول الطريق وصعوبتها وبعدها عن بيوتهم في أيام الصيف، تعرضهم لأشعة الشمس الحارة فيصابون بضربات الشمس، لذا أصبحت (المسكنات) كالكتاب من أساسيات الدراسة، أما المشكلة الثانية، كما قال الطلبة، فهي في قربها من مصنع الألمنيوم، حيث أوضح السيد علان أبو عيشه باحث بيئي من بلدة بيت وزن، بأن المصنع يقوم بصهر الألمنيوم مع مادة الدهان المطلي بها، الأمر الذي يزيد من خطورة الموضوع بسبب ما يصدر عنه من دخان وروائح كريهة، حيث يقومون بصهر الألمنيوم بعد الساعة 3 صباحاً، الأمر الذي يجعل المنطقة (بلدة بيت أيبا، بيت وزن وزواتا) مغطاة بضباب وغيوم سوداء تستمر حتى ساعات الدوام الأولى، وقد أثبتت الدراسات الطبية أن هذه الأبخرة والدخان والروائح، تسبب أمراضاً كثيرة ومنها السرطانات والربو والأزمات الصدرية، عدى عن تأثيرها على النساء الحوامل.
مدارس بيت وزن هي الأخرى تتأثر بما ينتج عن المصنع من روائح ودخان، كون المصنع يقع بين أراضي بيت وزن وبيت ايبا، ما جعل بعض الأهالي ينقلون أبناءهم لمدارس أخرى في مدينة نابلس، إذ يقول مصطفى سليم من بيت وزن، اضطررت لنقل ابني لمدرسة عمر بن الخطاب في مدينة نابلس لإصابته بمرض الربو حيث أن وجوده سابقاً في مدرسة بيت وزن، زاد وضعه الصحي سوءا، بسبب ما يستنشقه من روائح وأبخره سامة تصدر عن مصنع الألمنيوم، وقد ناشد المسؤولين بضرورة الالتفات إلى قضية المصنع ووجود حلول سريعة لهذه المشكلة.
|
مجرى المياه العادمة خلف سور مدرسة الاتحاد |
الجهات المعنية آخر من يعلم بقضية بكالوريا الرواد
السيد معمر شتيوي مدير دائرة البيئة والتغذية المدرسية في وزارة التربية والتعليم في رام الله، كان قد أوضح بعض المؤشرات التي تعد من الملوثات البيئية للمدارس حيث بينت الدراسة التي أعدت بالتعاون مع جهاز الإحصاء الفلسطيني، بأن 31% من المدارس الفلسطينية تتعرض للضجيج الناتج عن أعمال البناء والكسارات والمحاجر القريبة من المدارس، ومن حركة السيارات والحافلات وخاصة المدارس الموجودة في المدن، أو قد يكون الضجيج ناتجاً عن التدريبات العسكرية في المعسكرات الإسرائيلية القريبة من بعض القرى والمدارس.
أما ما نسبته 22 % من مدارسنا، أضاف شتيوي، فتتعرض لتلوث مصدره الروائح الكريهة الناتجة عن مياه المجاري في المدن، ومجاري المستوطنات التي تصب في بعض القرى مثل عزموط، أو الروائح الناتجة عن بركسات البقر والغنم والدواجن في بعض القرى.
ونوه إلى أن 33% من مدارسنا تتعرض للتلوث بسبب الغبار الناتج عن أعمال تعبيد الشوارع أو أعمال البناء أو الكسارات أو المناشير والمحاجر، أما ما نسبته 13 % من المدارس، فتتعرض للدخان الناتج عن حرق مكبات النفايات وبعض المفاحم المنزلية أو ما يسمى بالطوابين.
وأشار شتيوي إلى أن مدرسة طاليطا قومي في مدينة بيت لحم والمحاطة بأبراج الهوائيات، قد سجلت أكثر من خمس حالات سرطان خلال عامين، وبدورهم قاموا بتقديم شكوى عليها، إلا أن (الأبراج) ما زالت موجودة لأن أصحاب المصالح هم دائما أقوى. وعندما سألناه "مجلة آفاق" عن قضية مدرسة بكالوريا الرواد أكد انه لم يصلهم أي معلومة أو ملاحظة حول المدرسة، أو حتى حول مصنع الألمنيوم أو مدرسة مسقط في بيت ايبا، أو الاتحاد. لكن عاد شتيوي وأكد على أهمية دور الإعلام في الكشف عن مثل هذه القضايا والمشاكل وإيصالها للجهات المختصة للبحث عن حلول لها.
من الواضح هنا التقصير من الجهات الرسمية، بسبب عدم متابعة عملها باستمرار أو التواصل الفعّال بين المؤسسات الحكومية التعليمية في المحافظات الفلسطينية، أو حتى إحالة القضايا البيئية للمدارس إلى وزارة الصحة وسلطة جودة البيئة.
|
مدرسة مسقط الثانوية بمحاذاة مصنع الألمنيوم ويظهر أيضا مبنى مدرسة بكلوريا الرواد |
|
مدرسة حيفا الأساسية في بلدة بني نعيم تقع وسط محجر |
|
|