عشر نجوم خضراء تلمع في سماء الوطن
عبد الباسط خلف
خاص بآفاق البيئة والتنمية
اختار مركز العمل التنموي/ معاً وشركة باديكو القابضة، رسم عشر نجمات خضراء في سماء رام الله، تكريماً لمبدعين وأصحاب مبادرات بيئية.
وجاءت النجمة الأولى لأنور خلف الذي حوّل الجبل الأجرد منذ مئات السنين، والمسمى(الشيخ شبل) المجاور لقرية الهاشمية غرب جنين، إلى جنائن خضراء معلقة وخلابة. يقول: بدأت مع نحو مائة عامل بالتجريف في الجبل، وأقمت سبعة آلاف متر من السلاسل الحجرية، وحفرت بئرين لجمع مياه الأمطار، واعتمدت نظام الزراعة المتداخلة. وزرعت الجبل بثلاثين ألف شجرة: سبعة آلاف شجرة زيتون بلدي، ومثلها من اللوز بأنواعه، وثلاثة آلاف من الصبار، وألفا شجرة عنب، و400 شجرة فستق حلبي، ومئات الأشجار من التفاح والرمان والكرز والمشمش والدراق والسدر.
وحول خلف اسم الجبل إلى "أرض السوسن"، تيمنا بالزهرة الفلسطينية الجميلة، مع الاستمرار في المحافظة على اسمه الأصلي. وزرع فيه 80 ألف شتلة زعتر بلدية، تم إكثارها من الأشتال التي كانت موجودة في المكان، فضلا عن آلاف أشتال إكليل الجبل، وخطط لوضع مئات خلايا النحل في المكان الذي يشرف على البحر في الأجواء الصافية.
|
أنور خلف امام الاف امتار السلاسل الحجرية التي شيدت في ارض الشيخ شبل |
فيما كانت النجمة الثانية لظافر الحلو من غزة صاحب براءة اختراع لجهاز تحلية المياه بالطاقة الشمسية، الذي يتكون من مرآة كبيرة تعكس أشعة الشمس على حوض ماء مغطى بالزجاج ، مما يؤدي لتبخر المياه ومن ثم يتم تكثيفها لتنطلق المياه في مجارٍ صغيرة التي تصل بها لحوض التجميع. الجهاز يعمل صيفا و شتاءا و ليلا ونهارا وكل وحدة منه تنتج ما بين 38- 42 لتر من المياه العذبة يوميا.
|
وحدة ظافر التي تعمل بالتبخر ولا تستهلك أي وقود تقليدي ولا تحتاج إلى صيانة وتوفر الماء العذب على مدار الساعة |
وحطت النجمة الثالثة عند عائلة بدر، التي اشترت رقعة أرض صغيرة في بلدة أبو ديس بالقدس الشرقية قبل خمس سنوات، ولم تنظر إليها فقط كمساحةٍ يبنى عليها بيت العائلة ثم تحاط بالأسوار وانتهى الأمر، بل تعاملت معها كثروة معطاءة تحدد نمط حياة العائلة مستقبلاً في أمور شتى: فمن مزروعات الأرض يلبى جزءُ كبير من احتياجاتهم الغذائية، ومن انحدارها وعدم انسيابيتها، ينشأ نظام ري بالتنقيط، ومن قلة مياه البلدة يتشكل دافعٌ لتنقية المياه الرمادية لأغراض الري؛ فتستغل المياه الرمادية (ماء الغسالة والمجلى) لأغراض الري، وذلك عبر فصلها عن مياه الصرف الصحي وصرفها في أحواض مخصصة لتنقية المياه بوسائل بسيطة.
وبدلاً من التخلص من مخلفات الطعام في الحاويات تخمّر في أحواض لتستخدم مواد عضوية للتربة، عدا عن قيمة النباتات للهواء والناس. إبداعات لا يفكر فيها من يبحث عن الراحة، فمملكة عائلة بدر الخضراء تستهلك الوقت والجهد لكنها تضفي المتعة التي لا يعرفها إلا المتجذر بالأرض.
|
عزمي نصر يقف إلى جانب ألواحه الشمسية |
وشغل عزمي نصر حيزا من سماء غزة، حينما واجه انقطاع الكهرباء باتجاهه نحو البيئة فأنار منزله بأشعة الشمس وشَغَّل العديد من الأجهزة الكهربائية بواسطتها، كانت البداية مع الطباخ الشمسي الذي يتكون من آلاف قطع المرايا الصغيرة التي لا تتجاوز مساحة الواحدة منها سنتمترا مربعا، هذه المرايا تجمع أشعة الشمس الشديدة الحرارة وتوجهها عبر بؤرة ليتم استخدامها في طهي الطعام. استمرت حكايته مع الشمس عبر جهاز يتكون من ألواح السيزيام مع محول بقدرة 12 فولت وجهاز تحكم بالشحنة الكهربائية وبطاريات 110 أمبير لتخزين الشحنة. جهاز كان البديل للمولد الكهربائي في بيت البيئي عزمي حيث انه يكفي لإنارة المنزل لمدة 12 ساعة .
|
المربية ضحى المصري تدرب الأطفال على تدوير النفايات الصلبة |
وأعلنت ضحى المصري عن مبادرة أخرى، فهي التي تقف على رأس فريق متناغم من المعلمات: سلمى مرعي، ومي جيوسي، وناريمان حصري، وربى ناصر، وإلينا عطا الله، ورنيم خوري، وأنيتا نصر، اللواتي يصقلن في كل يوم المزيد من المفاهيم الخضراء.
تقول: عملت منذ أكثر من ست سنوات على تعليم الأطفال ممارسات تطبيقية تدافع عن البيئة مثل تصنيع الكمبوست، وذلك في مشروع التوعية البيئية وحماية الطبيعة لأطفال روضة مدارس الفرندز، وأدخلت الموضوع في دروس الرياضيات والعلوم واللغة العربية ، وأهم من ذلك كله أنها لا تلقن الصغار تعليماً جافًا، وإنما تترجم كل ما تقوله لممارسات عملية.
واللافت، أن الأسرة، وفق المصري، تتشارك في أسلوبها التربوي، فترسل عبر التلاميذ جدولاً أسبوعياً يكتب فيه الأهالي عدد ما يلقونه من قمامة، ويصنفون علب الألومنيوم والكرتون المبطن من الداخل بالألومونيوم، والمواد المصنوعة من الحديد وأكياس القصدير والأكواب البلاستيكية والكرتون، ويعيد الأطفال الجدول للروضة، ويشرعون بمساعدة معلماتهم بمقارنة الأعداد التي كتبتها كل عائلة بواسطة استخدام مفاهيم رياضية (أكثر وأقل ومساوِ وغيرها)، ويسعون في جداول قادمة لتقليل استخدام المواد غير القابلة للتحلل. وتُتاح بهذه الجداول الفرصة للأطفال كي يخرجوا باقتراحات لحل مشكلة تراكم النفايات غير العضوية، كما يتتبعون أسباب التلوث التي تحيط ببيئتهم كعوادم السيارات؛ وفي نهاية المطاف، يخطط الصغار لأنشطة تعزز التقليل من استهلاك منتجات تسبب تراكم نفايات غير عضوية، عبر منافسات بين الصفوف المختلفة، ليحظى الفريق الفائز بجائزة وميدالية وكأس تعزز تغيير سلوكهم واتجاهه نحو الحرص على البيئة.
تضيف: دربت الأولاد على مراقبة تحركات أمهاتهم ووالديهم وأفراد أسرهم، والتعليق عليها؛ فهم لا يطلبون من أصحاب البقالة أكياس بلاستيكية، ويرجون أصحاب السيارات التي تحدث دخاناً اسود بإصلاحها كي لا تلوث الجو أكثر فأكثر، ولا يستخدمون في البيت أو عند الأصدقاء أدوات بلاستيكية. وصار أصحاب الحوانيت يعرفون أطفال روضتها بسرعة، لأنهم لا يطلبون من البائع أكياس لوضع مشترياتهم فيها.
|
عطية البرش عن مبادرته لاستخراج غاز الميثان من النفايات العضوية |
وطور عطية البرش وماهر الجمل من غزة جهازاً لإنتاج غاز الطهي من المخلفات النباتية والحيوانية، الجهاز يتكون من ثلاث وحدات: أولاها هي حاوية لتجميع الفضلات، أما الثانية فهي وحدة الفلترة والثالثة عبارة عن اسطوانة لتجميع الغازات. حيث يتم وضع المخلفات العضوية في الوحدة الأولى، وبعد 21 يوماً تبدأ عملية التحلل فيخرج أثنائها غاز الميثان بنسبة 70%، والباقي عبارة عن شوائب. ولاستخراج الميثان بشكل نقي طوَّر البيئيان، سوية، محلول هيدروكسيد الكالسيوم الذي لا يتفاعل مع الميثان ويمتص الشوائب ليخرج بعدها غاز الميثان نقيٌ يمكن استخدامه في المنزل أو في أي مكان. الجهاز لا تتجاوز تكلفته 250 دولاراً، وينتج كيلو جرام واحد من الغاز من كل 12 كيلو جرام مخلفات عضوية.
|
الصيدلاني نبيل نحاس يواظب يوميا على أعمال البستنة |
وخطف الصيدلاني نبيل نحاس النجمة الثامنة ، فهو الذي اتخذ قراراً بتحويل قطعة الأرض المجاورة لصيدليته من مكان لإلقاء النفايات إلى حديقة خضراء. ويومها شرع نحاس في تنظيف المكان الذي يتوسط قلب مدينة رام الله.
يقول: حولت مكب النفايات لحديقة تنوع حيوي؛ فزرعت الورود والأشجار، رغم أن الأرض ليست ملكي. وأدفع من جيبي الخاص مبالغ مالية كبيرة، لأجل استمرار مشروعي الأخضر، وأمضي وقتاً طويلاً بين أشجاره، وعلى حساب عملي الأصلي كصيدلاني.
ولاقى معارضة كبيرة من كثيرين وحاول البعض وضع العصا في دواليبه، وخاض نقاشات طويلة مع أصحاب الأرض المغتربين في الولايات المتحدة الأميركية، ليقنعهم بأنه لا يخطط لوضع يده على أملاكهم. ويعمل في كل يوم أكثر من ثلاث ساعات في الحديقة، ويتفقد كل نباتاتها وأشجارها، ويحرثها ويرويها، ويحافظ على أرضيتها الناعمة، ويربط أغصانها خشية الانحناء كثيراً.
ولا يستخدم نحاس المبيدات الكيماوية، ويكتفي بالعودة للطبيعة، حتى أنه ينصح زبائن صيدليته بالهروب من العلاجات الكيماوية، والاكتفاء بأعشاب طبية لا أعراض جانبية لها.
|
علي موسى وهو في مرحلة تطوير جهاز لتوليد الكهرباء من طاقة الوضع والجاذبية الأرضية لأمواج البحر في خانيونس |
وأعلن عن نجمة أخرى للغزي علي موسى ، الذي طَوَّر نظرية توليد الكهرباء من موج البحر، وذلك عبر جهازٍ يتكون من مجموعة من القضبان الحديدية التي تستغل قوة رفع البحر (الطاقة التي تعمل على رفع السفن والمراكب). هذه القوة تولد حركة عن طريق تروس معينة، والحركة تولد طاقة كهربائية يتم تخزينها في مولد مرتبط بالجهاز، وبالتالي، كلما تم تكبير الجسم العائم المرافق للجهاز كلما تم الحصول على كميات أكبر من الكهرباء.
|
ياسمين بولص تشرح عن أصناف الخضار في حديقتها |
أما ياسمين بولس، فأكملت النجمة التاسعة بحديقتها، التي تحيط منزلها برام الله التحتا ، فتزرع أزهار الفل والياسمين وفم السمكة والورد الجوري. وتتافس أشتال الريحان على احتلال موقع، فيما تنثر البخورة والكلونيا عطرهما، أما المارغريت وكفة الدب، والزنبق فهي موجودة بكثرة في حديقتها وتغني على هواها، بجوار عشرات الأصناف الأخرى التي تنشر عطرها وتغري الفراش الملون والنحل والعين.
ويساعدها ابنها عادل في تجهيز الأرض، وترش المبيدات الطبيعية، وتحضر السماد الطبيعي من مزرعة للدجاج، وتزرع العنب البري لتركيبه.
وتتفقد أشجار الفاكهة في حديقتها، فتراقب الدراق والمشمش والكرز، وتتابع الجوز والإجاص والليمون والتفاح والعنّاب، وترعى الزيتونة الصغيرة التي زرعتها يوم ميلاد حفيدها عيسى وأطلقت عليها اسمه.
وترعى أم عادل ثمار البندورة والفاصولياء والباذنجان البلدي والقرع والخيار والفقوس، فتزيل الأعشاب الضارة، وتعد السماد العربي للتخمير، وتراقب حاجة المزروعات للمياه أو للرش بمواد طبيعية، كالقريص والصابون البلدي والفلفل.
وهي لا تذهب إلى سوق الخضروات والفواكه إلا نادرًا، فكل ما يلزمنها موجود في البيت: الزعتر والبقدونس والنعناع والبندورة والخيار، وفي الشتاء تزرع السبانخ والخس في بيت بلاستيكي على السطح.
وتصنع المربى من فائض محصول العنب والكرز، وتخلل البندورة،. كما تصنع الملبن (العنب المجفف). وتحول بقايا الأعشاب والفائض من فروع العنب إلى سماد طبيعي عبر دفنه وتخميره.
|
محمود شاهين يشرح عن آلية عمل الخلايا الكهروضوئية التي تنير منزله وتشغل أجهزته الكهربائية |
وجاء محمود شاهين الغزي، ليحصد النجمة الأخيرة، فهو الذي بدأ مشواره الإبداعي حينما أنار منزله بالطاقة الشمسية قبل عشرين عاما، وذلك حينما تمكن من الحصول على بعض الخلايا الشمسية حيث بدأ بتجميع "إنفنتروز" الكهربائية إلى أن نضجت الفكرة وتمت إنارة المنزل بالطاقة الشمسية. استمرت حكايته مع الطاقة الشمسية حينما استطاع أن يحولها إلى طاقة حركية تُمَكِّن ذوي الاحتياجات الخاصة من تشغيل عرباتهم. الفكرة تقوم على بعض الخلايا الشمسية التي تحول فوتونات الضوء إلى الكترونات تخرج في أسلاك إلى بطاريات السيارات التي تبقى محتفظة بالشحنة إلى أن يتم الاستفادة منها.
واستمر إبداعه البيئي ليتمكن من تطوير الطباخ الشمسي الذي تقوم فكرته على تحويل الدبال إلى غاز لأغراض الطهي. لم يقف طموحه عند هذا الحد بل واصل مشواره ليتمكن من تسجيل ثماني بَراءت اختراع، كان منها تحويل الراديوهات والمسجلات القديمة لتعمل على نظام mp3 وبجودة عالية.
وكان مركز العمل التنموي /معاً، وشركة فلسطين للتنمية والاستثمار المحدودة (باديكو القابضة) كرما عشرة من أصحاب المبادرات البيئية المتميّزة في الضفة الغربية وغزة، وأطلقا المسابقة السنوية لأفضل عمل بيئي في فلسطين، خلال الحفل السنوي الأول لتكريم المبادرات البيئية في فلسطين والذي نُظِّم في تشرين أول الماضي بمدينة رام الله تحت رعاية دولة رئيس الوزراء د. سلام فياض.
وحيا وزير الحكم المحلي د. خالد القواسمي في الكلمة التي ألقاها نيابة عن رئيس الوزراء د. سلام فياض الجهود الرائدة التي قدمها المبادرون في مجال البيئة، موضحا أن حماية البيئة بمكوناتها تشكل أولوية وطنية عُليا، سيما وأنها تواجه العديد من التحديات بسبب ممارسات الاحتلال واعتداءاته المستمرة على المصادر الطبيعية والأرض والمياه. وتمّ تكريم المبادرين العشرة في الضفة وقطاع غزة وفق معايير اعتمدتها لجنة تقييم مختصة لاختيار أبرز المبادرات البيئية من ضمن 40 ريادياً ومبادراً بيئياً فلسطينياً، كانت مجلة آفاق البيئة والتنمية، قد سلطت الضوء عليهم من خلال عملها بالتعاون مع مؤسسة "هينريش بل" الألمانية خلال الأعوام الأربعة الماضية.
|