الزراعة العضوية تنتشر في محافظة الخليل
|
الكمبوست وزراعة الاشتال في محطة العروب الزراعية |
ثائر فقوسة
خاص بآفاق البيئة والتنمية
"وكأن الأرض توقفت عن العطاء، وتحولت تربة الدفيئات إلى صحراء ترفض إنبات ما نقوم بزراعته، وابتلينا بمواسم عجاف، بالرغم من إنفاقنا أموالا كثيرة من أجل شراء الأسمدة والمبيدات الكيماوية إلا أن المشكلة تفاقمت، وأخذت تظهر آفات جديدة لم نعرفها من قبل".
بهذه العبارات بدأ المزارع خليل الطروة من بلدة سعير حديثه، مؤكداً قيامه بزراعة دفيئاته بأشتال الخيار والبندورة أكثر من مرة خلال الفترة السابقة، إلا أنها كانت تجف وتظهر عليها أمراض غريبة بعد فترة بسيطة من النمو. استمرار هذه الحالة تكبد الطروة خسائر متلاحقة دفعته إلى التفكير بترك الزراعة المعتمدة على الكيماويات، والعودة إلى أساليب الزراعة القديمة التي كانت منتشرة في البلدة، وقد أخذ فعلاً القرار وقام بتغيير تراب دفيئاته وإحضار تراب جديد مستخدماً معه السماد البلدي، ثم قام بزرع أشتال الخيار، واستخدام المصائد اللونية التي نصحه بها احد المرشدين الزراعيين، تحسباً من الآفات الحشرية، وفعلا تمكن الطروة من الحصول على نتائج جيدة.
هذه المحاولة ليست هي الوحيدة بل هناك العديد من المشاهدات الناجحة للزراعة العضوية في قرى وبلدات محافظة الخليل، سيما بعد أن اخذ المزارعون هناك بالبحث عن بدائل للمبيدات الكيماوية التي خذلتهم في محاربة الآفات المدمرة لمزروعاتهم، مسببةً لها العديد من أمراض النبات، مما اضعف إنتاجيتها وضرب ثمارها، الأمر الذي زاد من الخسائر المادية التي يتعرض لها المزارع الفلسطيني.
وفي محطة العروب الزراعية، ساهم ضعف الإنتاج وملوحة التربة في تغيير أساليب الزراعة، حيث هجر المزارعون السماد الكيماوي (سلفات الأمونياك والسماد المركب "NPK ") الذي كان يستخدم في تحسين التربة متجهين إلى السماد العضوي "الكمبوست" لإعادة الحياة لنحو 300 دونم مزروعة بالتفاحيات واللوزيات والعنب والزيتون والمحاصيل الحقلية، معتمدين على بقايا النباتات ومخلفات الحيوانات، في توفير ما يلزم من "الكمبوست" حيث تشهد الزراعة هناك تحسناً واضحاً في الإنتاج وجودةً بالثمار. وبعد هذه النجاح، يجري العمل الآن على توفير كميات من السماد العضوي، ليكون كافيا لتغطية ما تبقى من مساحات زراعية تقدر بـ 200 دونم .
تحول واضح
المهندس سمير دودين رئيس قسم الوقاية النباتية في محطة العروب، يشير إلى أن محافظة الخليل تشهد تحولا واضحا نحو الزراعة العضوية، حيث تقدّم مئات المزارعين بطلبات لمد يد العون لهم، ومساعدتهم في إنجاح هذه الزراعة، سيما بعد ان فقدوا الأمل في كثير من المبيدات التي دمرت مزروعاتهم وبيئتهم وألحقت بهم الأمراض، ويتابع دودين، بأن قسم الوقاية يقوم بإنتاج المصائد اللونية وتوزيعها على المزارعين مجانا من اجل تشجيعهم على ترك المبيدات الحشرية الكيماوية، حيث ينتج القسم "المصائد الصفراء" التي تحتوي على مواد طبيعية لاستخدامها ضد الذبابة البيضاء التي تغزو المحاصيل داخل الدفيئات، وأيضا ضد ذبابة ثمار الزيتون. كما تم إنتاج "المصائد الزرقاء" التي تستخدم ضد حشرة "التربس" التي تضرب محاصيل الدفيئات وبهذه الطرق الصديقة للبيئة، يتجنب المزارع استخدام المبيدات الخطرة مثل (مرشال ونيورون ومسرول وترسير.
|
|
تغيير تراب الدفيات وخلط الجديد منه بالسماد البلدي |
خلط التراب بالسماد البلدي |
عجائب المصائد
ويضيف: "تم تصنيع مصائد تحتوي على أكثر من مادة طبيعية لمكافحة العديد من الآفات التي تسببها الحشرات، حيث تم تزويد الألواح الصفراء بطعم البروتين الجاذب للحشرة، إضافةً إلى فرمون جنسي جاذب وذلك لتكوين نظام فعال ضد كافة الحشرات، كما تم إنتاج العديد من الطعوم الطبيعية التي تؤدي إلى خفض فترة التكاثر للآفة، حيث تم تصنيع نحو 200 لتر من الطعوم البروتينية (بروتين هايدورلست) لمكافحة ذبابة ثمار الزيتون والفاكهة، وتم تحضير هذه المادة ضمن الخطة العلمية المتبعة لإنتاجها دوليا.
كما تم الاعتماد على النباتات البرية "الطيون والشيبة " لاستخراج مبيدات طبيعية، حيث تم التوصل إلى المبيد العضوي لمكافحة حشرة التين الشمعية (جدري التين) و"المن". وخلال الموسم الماضي تم تحضير طعم ونظام من المصائد ضد حشرة "التوتا أبسولوتا" التي أدت إلى ارتفاع أسعار البندورة في الموسم الماضي، وهذا النظام من المكافحة يحتوي طعماً جاذباً لهذه الحشرة تم تحضيره في مختبر الوقاية النباتية، حيث يحتوي على بقايا ثمار وأوراق وأغضان العائل، إضافة إلى معاملات مخبرية أخرى عضوية.
ويؤكد دودين ان هذه الوسائل توزع على المزارعين في محافظة الخليل بشكل مجاني، وتعتمد كميات الإنتاج على حجم الطلب، الذي يزداد يوميا.
|
|
مصائد خضراء ضد الحشرات |
مصائد زرقاء للحشرات |
|
|
مصائد صفراء تتجمع عليها بعض الحشرات |
مصائد صفراء ضد الحشرات داخل الدفيئات |
|
|
مصائد صفراء تحتوي على طعم جاذب للحشرات |
مصائد صفراء تحوي هرمون جنسي جاذب للحشرات |
|
|
مصائد صفراء فعالة ضد ذبابة الزيتون |
مصائد للحشرات في دفيئات محطة العروب الزراعية |
أمل التخلص نهائياً من المبيدات
وحاليا يتم العمل على تجهيز مبيدات عضوية لمكافحة الأمراض النباتية والأعشاب التي تشكل معضلة كبيرة عند المزارع الفلسطيني، وبإنجاز هذه المواد، سيتمكن المزارع في فلسطين من التخلص من المبيدات الكيماوية بشكل كامل.
من جهته يفيد المزارع حسن خضر من بلدة بيت أمر، بأن استخدامه للوسائل الطبيعية من مصائد وطعوم لمكافحة الآفات الحشرية التي تصاب بها مزروعاته أصبح يشعره بالأمان، وابعد عنه كابوس الإصابة بالتسمم أو الأمراض، نتيجة لاستنشاقه أو ملامسته للمبيدات الكيماوية التي كان يستخدمها في السابق، ورغم أن الزراعة العضوية تحتاج إلى مضاعفة الجهد والاعتناء بالاشتال والتربة بشكل اكبر، إلا أن المزارع خضر يبدي ارتياحه لكمية الإنتاج، ويقول "قليل دائم خير من كثير منقطع". كما ويسعى في هذا الموسم إلى توفير بذور واشتال بالاعتماد على محصوله لزراعتها في المرات القادمة، من أجل تقليل اعتماده على البذور المهجنة والأشتال التي تباع بالأسواق.
|