متبنيها قطع البحار مغادراً كندا، للبحث عن كنوز الطاقة الدفينة في جوف الأرض
الطاقة الجوفية "الجيوثيرمال" لتدفئة وتبريد المساكن الفلسطينية
السبعاوي: هناك إقبال شديد على نظام الجيوثيرمال والتأخير بسبب مشروع جامعة مأدبا
ربى عنبتاوي
خاص بآفاق البيئة والتنمية
"في ظل ازدياد الطلب العالمي على الطاقة المصحوب بشح مصادرها، أصبحت تكنولوجيا الطاقة الجوفية الحرارية ضرورة ملحة، فهي الأكثر فعاليةً واقتصاديةً وصداقةً للبيئة من بين أنظمة التبريد والتدفئة المتاحة وذلك حسب تصريح الوكالة الأميركية لحماية البيئة".
هذا ما أكده المهندس الفلسطيني الشاب خالد السبعاوي، الذي عاد من كندا ليجد وطنه يعتمد في أغلبه على القطاع المؤسساتي الذي تُسخّر فيه جل استخدامات الطاقة التقليدية لأغراض التدفئة والتبريد، ما حدا بالسبعاوي إلى تطبيق ما عايشه من علم في بلده الثاني فكان "نظام الجيوثيرمال المتقدم علمياً على أرض فلسطين النامية".
من داخل مكتبه الأنيق الذي يسكنه هواء منعش قادم من نظام الجيوثيرمال للتبريد والتدفئة، قال السبعاوي الذي يشغل منصب مدير لشركتي مينا جيوثيرمال والاتحاد للإعمار والاستثمار، بأن "مينا" هي الأولى في فلسطين من حيث مضمونها، حث تقدم مصدراً جديداً للطاقة المتجددة النظيفة المستخدمة في تشغيل أنظمة التدفئة والتبريد لكلٍ من المباني السكنية والتجارية، وذلك عن طريق استغلال الطاقة المخزّنة في باطن الأرض، ما يساهم في تقليل مصاريف التدفئة والتبريد بحوالي 70 %. كما يعمل نظام الطاقة الجوفية الحرارية بكفاءة وفعالية أكبر من أنظمة التبريد والتدفئة العادية، وذلك لكونه يقدم خمس وحدات من الطاقة مقابل كل وحدة كهرباء.
الشاب السبعاوي الذي صُنف العام الماضي وفق القناة الإخبارية "الجلوبال بوست" كأحد أهم رجال الأعمال الرائدين في مجال الطاقة، لفت بأن شركته بمساندة أكفأ المهندسين في مجال تصميم وتنفيذ أنظمة التبريد والطاقة، تمتلك معدات حفر وفحص معدة خصيصاً من أجل الحصول على بيانات دقيقة عن التوصيل الحراري للتربة، الأمر الذي يعد مطلباً أساسياً لنجاح تصميم أي نظام فعّال يعتمد على الطاقة الجوفية الحرارية.
أشار السبعاوي الحاصل على الهندسة في الحاسوب من جامعة واترلو في كندا، إلى أن النظام يستغل ثبات درجات الحرارة الجوفية المخزنة من أشعة الشمس تحت سطح الأرض، والتي تظل ثابتة نسبياً طوال العام بدءاً من أربعة إلى ستة أقدام تحت سطحها، فالكرة الأرضية - شاملةٌ كلاً من الماء واليابسة – تعمل على تخزين الطاقة بشكل هائل حيث أن لديها القدرة على استيعاب حوالي 50 % من الطاقة الشمسية ما يعادل 500 ضعف ما تحتاجه البشرية كل عام. كما أن الأرض تقوم بتخزين ما تمتصه على شكل طاقة نظيفة متجددة، ونتيجة لذلك فإن درجة حرارة الكرة الأرضية تظل ثابتة نسبياً طوال العام.
في جوف الأرض كيف يعمل النظام؟
خلال دورة التدفئة، تمثل درجة حرارة الكرة الأرضية الثابتة مصدر تدفئة ذات كفاءة عالية بالمقارنة مع درجة الحرارة المنخفضة في الخارج، حيث يعمل نظام الطاقة الجوفية الحرارية مستخدماً دارة أرضية لاستخراج الحرارة من الأرض وتوزيعها عبر نظام قنوات كهواء دافئ، بالإضافة إلى إمكانية استخدام نفس الطاقة الحرارية في جهاز أرضي إشعاعي أو في تدفئة المياه المنزلية.
أما في التبريد فيعمل نظام الطاقة الجوفية الحرارية بطريقة عكسية حيث أنه يقوم بتبريد هواء المبنى عن طريق عكس عملية التدفئة. فبدلاً من استخراج الحرارة من الأرض فإنها تستخرج من المنزل، وإما أن تعاد إلى الدائرة الأرضية أو تستخدم لتسخين الماء في خزان المياه الساخنة في المنزل.
وعن الدارات الأرضية، فإما أفقية تستخدم عند توفر مساحة كافية. حيث توضع الأنابيب في خنادق يتراوح طولها من 100 إلى 400 قدم، وذلك حسب احتياجات النظام والمساحة المتاحة، أما الدارة الأرضية العمودية فهي الاختيار الأمثل في حال توفر مساحة محدودة، حيث يتم عمل حفر ذات قطر صغير بعمق يتراوح ما بين 75-300 قدم. وبالنسبة للدارة الأرضية في بركة، فيعد هذا النوع من الدارات الأرضية الأكثر توفيراً ويتم تنفيذها في حال توفر سطح مائي كبير حيث يتم وضع الأنابيب في قاع البركة أو البحيرة بسهولة، كما تعد الدارة المفتوحة (أنظمة مياه الآبار في حال توفر الظروف المثالية) من أكثر الأنظمة الجوفية اقتصاديةً.
|
تصميم نظام التدفئة والتبريد بالطاقة الحرارية الجوفية |
أنظمة خضراء بمعنى الكلمة
يشير السبعاوي بنبرة حماسية إلى تصنيف أنظمة الطاقة الجوفية الحرارية من قبل دائرة الطاقة والوكالة الأميركية لحماية البيئة (EPA ) بأنها من أكثر الأنظمة الصديقة للبيئة، حيث لا ينبعث منها أثناء عملها أي مقدار من ثاني أكسيد الكربون أو أول أكسيد الكربون أو أي من الغازات التي تعمل على تلويث البيئة.
وضرب مثالاُ مستشهداً بالولايات المتحدة الأميركية، والتي يعتمد فيها منزل من كل مائة ألف على نظام الطاقة الجوفية الحرارية، ما يعمل على تخفيض نسبة استهلاك الوقود الأجنبي بنسبة 2,15 مليون برميل في السنة وكذلك استهلاك الكهرباء بنسبة 799 مليون كيلوواط / ساعة في السنة. ويعد تأثير هذه الأنظمة على البيئة مماثلاً لتأثير إزالة سيارتين عن الطريق وزرع فدان بالأشجار. بالإضافة إلى ذلك فإن كفاءة وفعالية أنظمة الطاقة الجوفية الحرارية تمثل ثلاثة أضعاف كفاءة وفعالية الأنظمة الأخرى التي تعمل بواسطة الوقود الأحفوري. وبذلك فإن التأثير الكلي لتكنولوجيا التبادل الحراري الأرضي يعادل إزالة ألف سيارة عن الطريق، وزرع أكثر من 346 مليون شجرة وتقليل اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على الوقود المستورد بما يعادل 19.3 مليون برميل من الزيت الخام في العام.
"مينا" ترحل مؤقتاً للأردن لتنفيذ أضخم مشروع في الشرق الأوسط
وتنشغل مينا جيوثيرمال حالياً، لفت السبعاوي، في تنفيذ أضخم نظام طاقة جوفية حرارية في الشرق الأوسط بسعة 1.6 ميجاوات (457 طن) بجامعة مأدبا بالأردن. مضيفاً بأن هناك إقبالاً كبيراً من المواطنين في الأراضي الفلسطينية لاعتماد هذا النظام، إلاّ أن المشروع الآنف الذكر، قد اضطر الشركة إلى نقل جميع المعدات إلى الأردن، ما عطل العمل مؤقتا في الوطن.
وحول عدم اعتماد مشاريعٍ تقوم على الطاقة الشمسية المباشرة أشار السبعاوي إلى أن تلك الطاقة تحتاج إلى مساحات شاسعة من المرايا لتجميع الأشعة، كما يتطلب الأمر مولدات باهظة الثمن لتحويل الطاقة من شمسية حرارية إلى كهربائية، ما يكون غير مجدٍ للمنازل والمؤسسات.
دردشات عن الشركة، البيئة والبلد
منذ عام 2008 وحتى اليوم، ذكر السبعاوي أن البداية خجولة لكنها قائمة على قاعدة ثابتة، عبر تطبيق النظام في مبنى عمارة الاتحاد (الشركة الأهلية للتأمين)، وشقة سكنية في عمارة أركاديا وأخرى في فلل الاتحاد في رام الله، ومؤخراً مشروع جامعة مأدبا. ويرى السبعاوي في المشروع، استثماراً مجدياً فعلى الرغم من تكلفته العالية في البداية، حيث يكلف ضعف نظام الطاقة التقليدي من تكاليف تدفئة وتبريد، إلا انه يوفّر مصاريفَ استهلاكية مستقبلاً.
وأضاف نيل شركته لجائزة الطاقة العالمية لعام 2008، وذلك عن تصميمها وتنفيذها لأول نظام قائم على استخدام الطاقة الجوفية الحرارية لتلبية الاحتياجات التجارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك في المبنى الرئيسي لشركة الاتحاد للإعمار والاستثمار في رام الله.
ولم يتوانَ السبعاوي عن عرض فكرته على سلطة الطاقة لتكون مظلة للمشروع الذي يحتاج تمويلاً لازماً، فجاء الدعم من خلال الاتحاد الأوروبي ضمن برنامج دعم الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط. مشيراً إلى سعيه في استقطاب خبراء من سلطة الطاقة وتدريبهم لدى الشركة، الأمر الذي لم يلقَ الاهتمام الكافي من قبلهم. كما لم تلقَ دعوته لسلطة الطاقة من أجل التنسيق مع وزارة المالية لاستصدار إعفاء ضريبي لأصحاب تلك المنازل بهدف تشجيع المواطنين على الطاقة النظيفة، أي استجابة تذكر.
وحول وضع البلد البيئي وصفه السبعاوي بكلمة واحدة "مأساة"، مشيراً إلى مكب النفايات الضخم في منطقة المصيون والذي لا يبتعد عن منزله كثيراً ويسبب له ولكل أهالي الحي إزعاجاً مؤرقاً، مشيراً إلى ترأسه حالياً لحملة بيئية مضادة للمكب قد تلمس نتائجَ ايجابية مستقبلاً.
لماذا لم تعمم هذه التقنية المثيرة والصديقة للبيئة والمقللة للتبعية الفلسطينية للطاقة الإسرائيلية، على نطاق واسع في الضفة والقطاع ...
عاهد الخالصي
|