تسرب غاز البروم قد يؤدي إلى إصابة مئات آلاف الأفراد بين قتيل ومصاب
خوفا من حدوث كارثة بيئية وصحية قاتلة: وزارة البيئة الإسرائيلية تقلص حركة الشاحنات الناقلة لغاز البروم السام في الشوارع
المبيد الزراعي "مثيل بروميد" المدمر لطبقة الأوزون وللجهاز العصبي والمحظور في الاتحاد الأوروبي وأميركا الشمالية لا يزال يستخدم في الضفة الغربية
|
شحن مركبات البروم الخطرة في إسرائيل |
جورج كرزم
خاص بآفاق البيئة والتنمية
قررت وزارة البيئة الإسرائيلية مؤخرا، تقليص حركة الشاحنات التي تنقل مركب البروم السام في الشوارع، وبخاصة إلى ميناء حيفا، وذلك بهدف تقليل خطر حدوث كارثة بيئية وصحية قاتلة في حال تسرب غاز البروم الذي قد يؤدي إلى إصابة مئات آلاف الأفراد بين قتيل ومصاب، علما بأن نحو 2500 شاحنة محملة بهذه المادة الخطرة جدا تتحرك سنويا في الشوارع بإسرائيل. وسيصبح مرفأ أسدود الميناء الرئيسي لتصدير البروم.
ويعد البروم عنصرا غازيا متطايرا خطِراً جدا وساماً للإنسان، ولونه أحمر داكن، ويتفاعل بسهولة مع مواد أخرى. ويتسبب بخاره في تلف خطير جدا لأنسجة جسم الإنسان، وللجهاز العصبي والتنفسي وللغدة الدرقية، كما قد يؤذي المادة الوراثية. وقد يتسبب بالموت الفوري لكل من يتعرض له في حال حدوث خلل فني وانسكاب كميات كبيرة، ناهيك عن ضرره الشديد على البيئة والبنى التحتية. وبما أن البروم سام جدا، فإن بعض الباحثين يعتبرون العواقب الناتجة من تسرب الغاز مشابهة للعواقب الناجمة من الإصابة بسلاح كيميائي.
وتقول وزارة البيئة الإسرائيلية بأن نقل البروم من منطقة البحر الميت (موقع الإنتاج) إلى ميناء حيفا، مرورا بالمناطق الوسطى، يعرض للخطر شريحة سكانية أكبر بأربع مرات من تلك التي قد تتعرض للخطر ذاته لدى شحن المادة بالقطار إلى ميناء أسدود. لذا قررت تلك الوزارة إجراء تخفيض كبير في تصدير البروم من ميناء حيفا، وتحويل معظمه إلى ميناء أسدود، فضلا عن فرض شروط نقل مشددة جدا.
وجاء هذا القرار أيضا، انطلاقا من العبر المستفادة إسرائيليا من الحرب الإسرائيلية ضد لبنان عام 2006، وللوقاية من التهديد الصاروخي على إسرائيل، ولتقليص تعرض الكثافة السكانية المرتفعة في المناطق الوسطى لخطر الإصابة من المواد الكيميائية الخطرة. وتنسجب هذه المحاذير والدروس المستفادة إسرائيليا على سائر المواد الخطرة التي تشحن برا من منطقة إلى أخرى.
ومنذ عشرات السنين، استنزفت إسرائيل البحر الميت عبر استخراجها البروم منه؛ إذ يعد ذلك البحر مصدرا هاما للبروم، علما بأن مركبات البروم تتواجد أساسا في المياه المالحة. وتنتج مصانع البحر الميت كميات كبيرة من البروم بهدف التصدير، وهي تعتبر من أكبر المصانع في العالم بهذا المجال. ويعد البروم من الخامات الهامة في صناعة المبيدات الكيميائية والدهانات والوقود.
"مثيل بروميد": يتلف الدماغ والأعصاب والرئتين
أثبتت الأبحاث العلمية أن غاز "مثيل بروميد" الذي يشكل البروم مكونا أساسيا فيه، ويستخدمه العديد من المزارعين الفلسطينيين لتعقيم التربة من الآفات الزراعية، ويُسْمَح باستعماله في الضفة الغربية وقطاع غزة، يعتبر من أكثر المواد المسببة لاستنزاف طبقة الأوزون وبالتالي تضاؤل كثافتها في طبقة الجو العليا المعروفة بالستراتوسفير. إذ أن قدرة البروميد في هذا الغاز على تدمير الأوزون، تفوق بأكثر من خمسين مرة قدرة الكلور المنبعث من المركبات المعروفة بـ CFC . ويقاس مدى قدرة المواد الكيماوية على الاخلال بطبقة الأوزون باستخدام المقياس المعروف بطاقة استنزاف الأوزون (ODP ) التي، في حالة المثيل بروميد، تقدر بـ0.6، وهي تعتبر طاقة كبيرة جدا. علما بأن "قانون الهواء الطلق" الأميركي ينص على أن كل المواد الكيماوية التي طاقة استنزافها للأوزون تساوي 0.2 أو أكثر، يمنع استعمالها في الولايات المتحدة. ووفقا لذات القانون، منعت وكالة حماية البيئة الأميركية (EPA ) منعا باتا إنتاج أو استيراد المثيل بروميد، علما بأن نفس الوكالة جمدت عام 1994 إنتاج واستيراد هذا المبيد عند نفس مستويات عام 1991. وتعتبر المركبات التي قدرتها على تدمير الأوزون أكثر من 0.2، بأنها مركبات مدمرة للأوزون من الدرجة الأولى، وهي، بالتالي، تؤدي، بشكل جدي، الى تخريب طبقة الأوزون الواقية للأرض. وكلما ازداد تآكل طبقة الأوزون، وبالتالي قل سمكها، كلما ازدادت كميات الاشعاعات الخارجية الضارة (وخاصة الفوق بنفسجية) التي تصل الى سطح الكرة الأرضية، الأمر الذي يؤدي الى تفاقم حالات سرطان الجلد والتشوهات الوراثية (الناتجة عن تشوهات في المادة الوراثية DNA )، فضلا عن الدمار الذي قد يلحق بالنباتات والمحاصيل.
وهناك، حاليا، إجماع علمي، بأن كميات مثيل بروميد المنتجة لأهداف زراعية وغيرها، تؤثر بشكل مدمر على الأوزون في الستراتوسفير، وبالتالي تخل بشكل خطير في التوازن الطبيعي للغلاف الجوي وتزيد من الاشعاعات الفوق بنفسجية المؤذية التي تصل الى سطح الكرة الأرضية، وبالمحصلة، فان الآثار الخطيرة لا تقتصر فقط على صحة الانسان والبيئة، بل أيضا على المحاصيل الزراعية.
|
عبوات مبيد مثيل بروميد المستخدم في الزراعة |
وتقول وكالة حماية البيئة الأميركية، بأن مثيل بروميد يعتبر ساما، ليس فقط للآفات الزراعية التي يستخدم ضدها، بل أيضا ضد العضويات الأخرى غير المستهدفة. فتعرض الانسان لكميات أو تركيزات مرتفعة من هذا الغاز، وبخاصة عبر التنفس، قد يؤدي الى الاخلال بالجهاز العصبي المركزي وبجهاز التنفس، بالاضافة الى التسبب بعمليات خطيرة ومؤذية للدماغ والأعصاب والرئتين والعينين والحلق والجلد، وفي بعض الحالات القصوى قد يحدث تلف في الكلى والكبد. وتتمثل أعراض التسمم الأولية بالوهن والجزع ووجع الرأس الحاد وتشوشات في الرؤيا والغثيان والتقيؤ. وفي مرحلة لاحقة، تظهر أعراض الخلل في الجهاز العصبي المركزي، بما في ذلك تخدر الجسم، تعطل التنسيق العضلي، الرجفة، التشنجات العضلية، فقدان توازن الجسم والغيبوبة التامة. علاوة على أن تعرض النساء الحوامل لهذا المبيد قد يؤدي الى تشوهات في الأجنة. وفي بعض الحالات الحادة، قد يحدث عجز جسمي أو عقلي شامل ودائم، أو حتى الوفاة. علما بأنه لا يوجد "أنتيدوت" (أي مضاد للسم) خاص بالتسمم من مثيل بروميد، إلا أنه بالامكان معالجة آثار التسمم الخفيفة الناتجة عن هذا المركب.
وبسبب الآثار البيئية والصحية الخطيرة الناجمة عن استخدام مثيل بروميد الذي تصنع معظم كمياته شركات اسرائيلية، فقد تم حظر استخدامه في دول الاتحاد الأوروبي وشمال أميركا والعديد من الدول الأخرى.
والجدير ذكره، أن الغازات الحادة المسيلة للدموع التي يستعملها الاحتلال ضد أبناء شعبنا، غالبا ما تحوي مادة مثيل بروميد.
|
مصنع اسرائيلي لتصنيع مركبات البروميد |
البدائل
هناك بضع وسائل غير كيماوية ناجحة لمكافحة آفات التربة بدلا من استخدام مثيل بروميد، علما بأن لاستخدام البدائل غير الكيماوية، على المدى القصير، قد يكون بعض التفاوتات الاقتصادية، لكن، على المدى البعيد، تعتبر هذه البدائل أكثر جدوى واستمرارية، اقتصاديا وبيئيا وصحيا وزراعيا.
تتضمن البدائل غير الكيماوية الدورة الزراعية، الممارسات الزراعية العضوية، المعالجة البخارية، التعقيم الشمسي، المكافحة البيولوجية، المكافحة الزراعية والتلقيح النباتي.
السؤال الكبير والخطير الذي قد تحتاج إجابته إلى لجنة تحقيق هو: ما سبب إصرار أوساط رسمية في وزارة الزراعة الفلسطينية على الاستمرار في الترويج لمبيدات منعت في معظم دول العالم؟ المثيل بروميد محظور في أوروبا وأميركا الشمالية منذ عقود، فما معنى السماح به في الضفة، تحت ستار منع بعض المبيدات الأخرى؟
كامل عبيد
فل نلاحظ أن السلطة الفلسطيني تدافع عن المبيدات التي يسمح باستعمالها في الدولة اليهودية ويمنع استعمالها في الدول الغربية، ذلك أن هذه المبيدات، وبخاصة CH3Brتصنعها إسرائيل بأكبر كميات عالمية، وتستخدمها في حربها الكيماوية ضد الشعب الفلسطيني، سواء كغاز مسيل للدموع كما ورد في هذا التقرير، أو في الحرب الكيماوية في حروبها العسكرية في غزة عام 2009 ولبنان 2006 وغيرها ...
عاطف عسقلاني
نشكر موقعكم المحترم على مواظبته الدؤوبة في كشف الانتهاكات والجرائم الصحية التي يقترفها ليس فقط أعداؤنا بل أبناء جلدتنا .
سامر ديراوي
|