إثر قرار الوكالة الدولية لأبحاث السرطان بأن حقول أشعة الخليوي "مسرطنة محتملة للإنسان":
استخدام الخلوي في أوقات الضرورة الملحة فقط والتخلي عن استعماله للعب والترفيه
خاص بآفاق البيئة والتنمية
ترافق قرار الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC ) التابعة لمنظمة الصحة العالمية منح حقول أشعة الخليوي درجة B2 ، أي "مسرطنة محتملة للإنسان"، مع ضجة إعلامية كبيرة، تمثلت في نشر المواقع الإلكترونية والصحف الأوروبية الهامة، بشكل شبه يومي، أخبارا مفادها أن هذا الخبير أو ذاك ممول من إحدى شركات الخليوي أو مرتبط بها. وقد أحرج هذا الأمر منظمة الصحة العالمية وهز مصداقية لجنة الخبراء فيها. وبلغت الضجة ذروتها، حينما كشفت "منى نيلسون" الصحفية السويدية، حقيقة أن رئيس اللجنة البروفيسور السويدي "أندرس أهلبوم" يعمل مع أخيه في شركة تزود خدمات "التأثير والمناصرة" لصالح العاملين في قطاع الهواتف، وبخاصة اللاسلكية والخليوية، بما في ذلك شركة أريكسون.
لجنة الخبراء المكونة من 31 عضوا من 14 دولة لم ترفع من خطورة الإشعاع الخليوي استنادا إلى بحث فعلي جديد جرى مؤخرا. بل هي قيمت المعرفة البحثية القائمة وتوصلت إلى نتيجة بأن هذه المعرفة لم تحظ بالتقدير الذي تستحقه بعد. وناقشت اللجنة ثلاثة أبحاث حديثة غير منشورة، يتوقع أن تنشر قريبا في مجلات علمية. وكما يبدو، لعبت نتائج هذه الأبحاث تحديدا، دورا في بلورة رأي أعضاء اللجنة القائل بأن الوقت قد حان لوضع الأشعة الخليوية في خانة الإشعاعات الخطرة.
السؤال الذي يهمنا هو: ما تأثير قرار منظمة الصحة العالمية على واقعنا الفلسطيني؟ إجمالا، يصعب تصور أن المستهلكين إجمالا سيغيرون جوهريا أنماط سلوكهم. فالمواطنون يميلون إلى التشكيك بالمخاطر طالما أن العِلم لم يجزم بشكل قاطع بأن الأشعة الخليوية مسرطنة. وسيفضل الكثيرون منا التمسك بالشك وعدم اليقين؛ إذ يسهل على الناس التأجيل والمماطلة إجمالا، بدلا من تغيير عاداتهم.
لكن، انطلاقا من مقولة الحذر الوقائي، وبخاصة فيما يتصل بالأطفال الذين تعد خلاياهم في طور النمو وهي بالتالي أكثر حساسية للإشعاعات، لا بد أن نتحرك لإحداث بعض التغيير في العادات الاستهلاكية المتعلقة بالخليوي، علما بأن في الواقع الفلسطيني يتلهى طفل من بين كل طفلين بجهاز خلوي، ويمكننا اعتبار هذا الواقع شكلا من أشكال الإساءة للأطفال وانتهاكا لحرمتهم (Child Abuse ).
إذن، يفترض بنا، من باب الحيطة والحذر، ولتجنب العواقب الصحية التي قد تتسبب بها الأشعة الراديوية غير المؤينة المنبعثة من الخلوي، أن نقلل إلى الحد الأدنى من استعمال الخلوي في مكالماتنا، وأن نستخدمه في أوقات الضرورة الملحة فقط، بل أن نتخلى عن استعماله كوسيلة للعب أو لأهداف ترفيهية أو لسماع الموسيقى أو للقرصنة على الآخرين أو للتصوير.
يمكننا اتباع بعض التوصيات الأساسية لتقليل الأضرار الصحية التي قد تنجم عن استعمال الخلوي، ومن أهم هذه التوصيات ما يلي:
أولا: فحص المستوى الإشعاعي للجهاز. وهذا يعني، فحص المستوى الإشعاعي للجهاز (SAR ) قبل شرائه، وهو ما يظهر في الورقة الإرشادية المرفقة بالهاتف الخلوي، كما يتم نشره أيضا في بعض مواقع الإنترنت. وكلما كان مستوى أل SAR أعلى، كان الجهاز أكثر خطورة. وإجمالا، يعد مستوى SAR 0.7 وما دونه مقبولا، وبخاصة في بعض أنواع الأجهزة الحديثة التي ينبعث منها هذا المستوى الإشعاعي.
ثانيا: إبعاد الجهاز عن الجسم. يوجد العديد من القطع التي تمكننا من الحديث في الأجهزة الخلوية، بعيدا عن الرأس. فاستخدام السماعات السلكية أو السماعة الخاصة بالسيارة، أو حتى مُكَبِّر الصوت في ذات الجهاز، يقلل كثيرا شدة الإشعاع التي تخترق أنسجة الجسم. وهنا تجدر الإشارة إلى أن السماعات اللاسلكية من نوع "بلوتوث" التي يتم تثبيتها على الأذن، لا تخفض الإشعاع، بل إنها تنقل الأشعة مباشرة إلى الدماغ.
ثالثا: الإمساك بالجهاز الخلوي من أطرافه. واللافت، أن معظم شركات الخلوي توصي الإمساك بالجهاز بحيث لا تغطي راحة اليد جزءه الخلفي الذي تنبعث منه الأشعة، علما بأن تغطية مؤخرة الجهاز بواسطة راحة اليد يزيد البث في الجهاز وبالتالي انبعاث أشعة أكثر.
رابعا: الانتباه إلى شدة الإشارات التي على الشاشة. فمن المعروف أنه كلما انخفضت شدة استقبال الهواتف الخلوية زادت شدة بثها. ويتم التعبير عن شدة الاستقبال بواسطة الخطوط التي على الشاشة. وكلما ازداد عدد الخطوط على الشاشة، كان الاستقبال أفضل، وبالتالي قل احتمال انبعاث أشعة قوية. وعلى سبيل المثال، يعد الاستقبال في المصاعد والطوابق التي تحت الأرض سيئا، لذا؛ يفضل الامتناع عن المكالمات غير الضرورية.
خامسا: في حال كون الاستقبال في منطقة ما ضعيفا، فيجب عندئذ الامتناع عن الحديث أو تقليله إلى الحد الأدنى؛ ذلك أن ضعف الاستقبال (ربما بسبب غياب محطة بث خلوي في تلك المنطقة) يعني بأن الجهاز الخلوي سيعمل بجهد أكبر بكثير، وبالتالي سيصدر أشعة أكثر.
سادسا: يجب منع الأطفال من استعمال الأجهزة الخلوية، أو على الأقل، السماح لهم باستعماله في الحالات الضرورية والملحة، ولفترات قصيرة جدا؛ ذلك أن خلايا الأطفال التي لا تزال في طور النمو، وبخاصة خلايا الدماغ، تعد أكثر حساسية بكثير للأشعة من خلايا الكبار.
سابعا: يجب تجنب وضع الخلوي في جيب السروال، لأن الأبحاث أثبتت بأن أشعة الخلوي قد تتلف الجهاز التناسلي.
ثامنا: فحص مدة الحديث بالهاتف الخلوي. بما أن للأشعة الخلوية تأثير تراكمي؛ فمن الضروري فحص المدة الزمنية للحديث في الخلوي، وذلك لإدراك مدى الضرر الذي يمكن أن يتسبب به الإشعاع الخلوي. ولإجراء القياس الزمني، يجب تصفير عداد الدقائق في الجهاز أسبوعيا.
تاسعا: الامتناع عن الكلام؛ إذ يمكن للرسائل المكتوبة (SMS ) أن تستبدل الكثير من المحادثات الكلامية، علما بأن هذه الرسائل أرخص وتقلل كثيرا من الأشعة. وحاليا؛ تتوافر في الأسواق تقنية القراءة الصوتية للرسائل المكتوبة التي قد تصلنا أثناء سياقة السيارة. و يتوقع، في المستقبل القريب؛ بلورة تقنية خاصة ترد على الرسالة بالنيابة عنا.
عاشرا: تثبيت قطعة خاصة لفحص شدة الأشعة. وفي حال عدم استغنائنا عن الأجهزة الأكثر إحكاما مثل "الأيفون" وبعض أجهزة "نوكيا" المعروفة بـ smart-phones ، والتي تتميز بمستوى أشعة أعلى؛ فيمكننا عندئذ، تثبيت قطعة خاصة لقياس شدة الإشعاع.
ومن الناحية الطبية، وعلى ضوء التطورات البحثية الأخيرة؛ لا بد أن تبادر وزارة الصحة الفلسطينية بإعادة النظر في مسألة التعاطي مع أجهزة الخلوي؛ بحيث تقرر تحويل جزء من التوصيات السابقة إلى قانون ملزم.
|