القيشاوي: هناك قصور في قاعدة البيانات بعد تدمير المختبرات خلال الحرب
متخصصون في المياه يطالبون ببلورة خطة شاملة للتخلص من الحمأة في غزة ومراقبتها
عطالله: لا يوجد دعم حكومي لعملية مراقبة أحواض المياه العادمة
عاشور: تنعدم البنود في المشاريع الممولة لمشكلة الحمأة
|
ماجدة البلبيسي ومصعب شاهين / غزة
طالب متخصصون في قضايا المياه والبيئة بضرورة إيجاد خطة شاملة لعملية التخلص من الحمأة في قطاع غزة ومراقبتها من قبل الجهات المسؤولة وعلى رأسها سلطة المياه وسلطة جودة البيئة ووزارة الزراعة، عبر عقد ندوات وورش عمل مستمرة لإثارة هذه القضية الهامة لتسليط الضوء عليها كونها من المشكلات البيئية والصحية، كما دعوا إلى تدخل حكومي لمعرفة المشكلات الناجمة عن الحمأة وطبيعتها، ونادوا بتكثيف الدراسات البحثية في القضايا البيئية بغية الضغط على صناع القرار للحد من مخاطرها الصحية والبيئية.
وأشاروا إلى أن الجهات والدول المانحة تركز في نفقاتها المالية على معالجة المياه العادمة ولا تعطي اهتمامًا لقضية معالجة الحمأة التي تحتاج إلى إعادة إنتاج خشية من تسربها إلى الخزان الجوفي، وشددوا على ضرورة تفعيل الدور الرقابي على القضايا البيئية عامة وقضية الحمأة بشكل خاص، مع أهمية وجود دور للقطاع الخاص في عملية إعادة استخدام الحمأة.
كما أكدوا على أهمية مراقبة أحواض مياه الصرف الصحي بشكل دوري من خلال أخذ عينات للتأكد من عدم وصول الملوثات للخزان الجوفي، وإشراك القطاع الخاص في عملية إعادة استخدام الحمأة والاستفادة منها، وخلق برامج توعية خاصة للمزارعين حول كيفية استخدام الحمأة بطريقة مدروسة ومناسبة في بعض المجالات.
كما توجهوا للجامعات الفلسطينية بضرورة ايلاء القضايا البيئية اهتماما أكبر بغرض إنشاء قاعدة بيانات حول العديد من القضايا البيئية الملحة والهامة واللازمة لصناع القرار والمؤسسات.
جاء ذلك خلال ندوة حوارية نظمتها مجلة آفاق البيئة والتنمية التي يصدرها مركز العمل التنموي / معاً حول الرقابة على عملية التخلص من الحمأة في قطاع غزة، ومناقشة آليات الرقابة على محطات معالجة المياه العادمة في قطاع غزة ومدى مطابقتها للمعايير الدولية والفلسطينية، وقد عقدت الندوة في قاعة مركز معاً بحضور نخبة من الاختصاصين في مجال المياه والبيئة وعدد من الإعلاميين.
وقد أوصوا جميعاً بضرورة تدخل الحكومة الفلسطينية وتقديمها الدعم المالي من أجل إنشاء المشاريع والطبقات العازلة( غير واضح)، التي تمنع وصول الملوثات الناتجة عن معالجة المياه العادمة إلى الآبار الجوفية المنتشرة في القطاع، خاصًة في المناطق الساحلية التي تحوي كميات كبيرة من مادة الحمأة.
وأدار الندوة المختص بقضايا المياه والبيئة المهندس ماجد حمادة، والذي أشار إلى أن الهدف من تنظيمها يأتي ضمن سلسلة من الندوات التي دأب المركز والمجلة عبرها لتسليط الضوء على أهم القضايا البيئية الساخنة على مستوى الوطن، ومنها قضية الحمأة وآليات التخلص منها وتأثير الحمأة على الخزان الجوفي وطرق الرقابة على إنتاجها.
وأوضح أن دواعي تنظيم ومناقشة هذه المشكلة بعد مشاهدة منظمة لوجود وتراكم الحمأة بشكل غير صحي ولائق، قد لفت انتباهه خاصةً في المنطقة القريبة من ساحل البحر، مشيراً إلى أن مناقشة هذه المشكلة وتسليط الضوء عليها بهدف إيجاد آلية للضغط على متخذي القرار للتخلص من الحمأة بشكل صحي وسليم وإعادة استخدامها في المستقبل.
وأوضح مدير عام المياه في بلدية غزة المهندس راغب عطالله، أن موضوع الحمأة من القضايا الشائكة والمعقدة والتي بدأت تشكل هاجساً لدى الجميع مؤخراً، خاصة بعد زيادة كمياتها بدرجة كبيرة خلال الأعوام الأخيرة بخلاف ما كانت عليه في السابق حيث كانت الأحواض تستوعب الكميات الناتجة.
|
جانب من المشاركين في ندوة تدوير الحمأة |
زيادة الكميات
وبين عطا الله أن السبب في حدوث مشكلة الحمأة هو قلة عدد الأحواض التي تتجمع بها وعدم استيعابها للكميات الكبيرة للحمأة، مشيرًا إلى أن هناك تداخلاً من قبل وزارة الزراعة في أخذ كميات منها( غير مفهوم)، والمشكلة الأبرز هي كيفية تشغيل كميات الحمأة ومعالجتها والاستفادة منها.
وذكر أن الحكومة لا تضع أو تخصص جزءاً من ميزانيتها لمشكلة الحمأة من أجل حلها، فلا يوجد أي اهتمام أو موافقة لإرسال كميات الحمأة إلى مكبات النفايات الصلبة، ما يجعلها تبقى في موقع الحوض حتى تجف ما يتطلب وقتاً طويلاً، داعيًا إلى ضرورة فتح الملف وإثارته بشكل دوري لإبراز المشكلة وخطورتها.
قلة الأحواض
وأشار عطا الله إلى أن محطة معالجة قطاع غزة حين أنشأت وبدأ العمل بها، كانت تحوي ثمانية أحواض تجفيف للحمأة سعة كل واحدٍ منها دونم، يوجد بداخل كل منها طبقة عازلة لتجنب وصول أي من المواد السامة إلى الخزان الجوفي. ولفت عطا الله إلى أن كميات المياه ازدادت والأحواض بقيت كما هي، مما دفع بلدية غزة إلى استخدام أحواض إضافية بجانب المحطة حيث تم إضافة سبعة أحواض أخرى رئيسة للتخزين، وسوف يتم إنشاء ثمانية أحواض أخرى في مخيم البريج ليصبح عددها (23) حوضاً.
من جانبه، أكد المهندس فريد عاشور من مصلحة مياه بلديات الساحل أن المشكلة ليست في كيفية التخلص من الحمأة بقدر ما تكمن في فهم الوضع الذي يمر به قطاع غزة خاصة وفلسطين بشكل عام فيما يتعلق بالدعم المادي، فجميع الحكومات المتعاقبة والجديدة منها لم تعط أي اهتمام ضمن برامجها واستراتجياتها وخططها المستقبلية للبيئة، مما يجعل حل المشكلة مرهوناً بتوفر المال اللازم من أجل حل أي من المشاكل البيئية، موضحاً أن معظم المشاريع التي تمول من قبل المانحين تركز على دعم محطات المياه ولا يوجد بها بنود لعملية معالجة المياه العادمة، كما لم تأخذ تلك المشاريع بعين الإعتبار البعد الكامل في عملية المعالجة.
التجفيف ليس حلاَ
وذكر عاشور أن المشكلة موجودة منذ بدايات عام (2000) حين تم البدء في تطوير محطة المعالجة في مدينة غزة والممولة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، حيث كان هناك تصور لمشكلة الحمأة وكيفية التخلص منها عن طريق التجفيف، الحل الذي لا يعد جذرياً لهذه المشكلة.
وتابع عاشور بأنه قد جرى استدراك مشكلة الحمأة في الآونة الأخيرة، من خلال معظم مشاريع محطات المعالجة الحديثة التي تم بالفعل تنفيذها في بعض المحطات شمال قطاع غزة، وسيتم تنفيذها أيضاً في مدينة خان يونس جنوب القطاع.
وأوضح عاشور أن تكلفة التخلص من الحمأة مرتفعة جدًا وتحتاج إلى نظام متكامل في محطات المعالجة، وهو ما يجعل معظم المؤسسات الداعمة لمشاريع المياه تتجنب التفكير في وضع حلول أو دعم لمشكلة الحمأة.
وذكر عاشور أن ( 500 ) متر مكعب من الحمأة تخرج يوميًا من محطات المعالجة بعد أن تتجمع في الآبار والأحواض المجاورة لها، موضحاً أن أهم مناطق التخلص من الحمأة تتم داخل حدود المحطة "مناطق التشويه" في محافظة الشمال وهي منطقة معروفة بتجميع الحمأة، كما يوجد في مدينة غزة أحواض تجفيف مبطنة وأحواض طينية، مؤكداً أن كل أحواض المياه هي عبارة عن مخازن للحمأة.
وأضاف عاشور أن هناك توجه من قبل جميع محطات المعالجة للإستفادة من الحمأة في إنتاج الغاز الطبيعي واستخدامه كمصدر من مصادر الطاقة في محطة شمال قطاع غزة، إضافة إلى إنتاج كميات من الكمبوست (السماد العضوي) في محطة خان يونس.
ونوه عاشور إلى عدم وجود أي قانون يسمح بإعادة إنتاج الحمأة في قطاع غزة، حيث أن استخدامها يجب أن يدخل ضمن نظام المعالجة.
وفيما يتعلق بعملية الرقابة على الآبار الجوفية أكد المهندس عاشور أن مصلحة المياه طبقت نظام المراقبة في مدينة خانيونس وتم اخذ عينات منها وفحصها، مع وجود مشروع مستقبلي بالتنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر لإنشاء محطة معالجة في مدينة رفح سيتم من خلالها تطبيق عملية المراقبة. وعاد عاشور وأوضح أن سلطة المياه كانت قد خاطبت بلديات محافظة شمال القطاع عدة مرات وطالبتهم بالسماح لها بتنظيف أحواض المياه ولكنها لم تتلق أية استجابة منهم حتى اللحظة.
وشدد عاشور على ضرورة وجود تعاون بين سلطة المياه ووزارة الزراعة بهذا الشأن، منتقداً عدم وجود دعم لاختبار العينات في الأحواض من قبل الحكومة كون عملية المراقبة مكلفة للغاية وتحتاج إلى تكاثف الجهود.
من جانبه قال المهندس سامح أبو زعنونة من سلطة الطاقة: " نحن بحاجة إلى أسلوب لإدارة الأزمة والمساندة من قبل القطاع الخاص كونه الأقدر على استيعاب هذه المشكلات، كما شدد على ضرورة توجيه الجامعات لإجراء أبحاث في القضايا البيئية الملحة.
بدوره، تساءل المهندس سائد القيشاوي من سلطة جودة البيئة عن كيفية دفن كميات من الحمأة في منطقة الشيخ عجلين المحاذية للبحر الأبيض المتوسط وفوق الرمال الغنية بالمياه الجوفية، لافتًا إلى أن المشكلة الأخطر هى احتواء الحمأة على مواد وعناصر ثقيلة وسامة ولا يوجد حتى الآن أي آلية للتعامل مع المشاكل الناتجة عن الحمأة.
وأضح أنه لا يوجد وعي لمشكلة الحمأة، ما فاقم الأمر خاصًة في ظل تدمير جميع مختبرات سلطة جودة البيئة خلال الحرب الإسرائيلية جرّاء قصفها، مما جعل الحصول على عينات وفحوصات لمعرفة مدى خطورتها غير متاح، كما لا يوجد نظام معلومات نتيجة ما سبق ذكره.
لا توجد دراسات
وقال القيشاوي: "لا توجد أي دراسات لمعرفة تأثير الحمأة على الخزان الجوفي... وهناك قضايا أخرى شغلتنا عن هذه المشكلة، ولكن قد بدأنا الآن في سلطة جودة البيئة بوضع نظام لمراقبة المنشآت التي تحتاج إلى تقييم للأثر البيئي عليها".
كما لفت إلى كون سلطة جودة البيئة تعاني من نقص في الكادر البشري حيث يعمل فيها فقط 20 موظفاً من ضمن (120)، وتعكف حاليا على استثمار طاقات الخريجين الجدد من ذوي التخصصات البيئية، لإجراء أبحاث حول القضايا البيئية الحساسة.
وحول المعايير الدولية التي يجب مراعاتها في موضوع الحمأة، أكد المهندس عاشور أنه لا توجد معايير في موضوع إنتاج الحمأة كونها عبارة عن مواد عضوية ومكروبية وبكتيرية ولا يوجد أي قانون معمول به عالمياً لإعادة استخدام الحمأة.
|
ندوة الرقابة على تدوير الحمأة في غزة |
|