من يتحمل مسؤولية ترخيص إنشاء مدرسة بمحاذاة مصنع ألمنيوم؟!
مصنع نابكو للألمنيوم...وعي بيئي ذاتي
المدير عنان عنبتاوي: انبعاثات خط الصهر ضمن المعايير والمواصفات المسموح بها فلسطينياً
|
بروفيلات الألمنيوم في مصنع نابكو |
ربى عنبتاوي
خاص بآفاق البيئة والتنمية
على منطقة خضراء بعيدة بعض الشيء عن التجمعات السكنية، وعلى ربوع قرية بيت ايبا في نابلس، تم تأسيس الشركة الوطنية لصناعة الألمنيوم والبروفيلات أو كما تعرف بـ" نابكو" على مساحة 28 دونماً، ليكون دعامة للاقتصاد الوطني، ويحدّ من التبعية للسوق الإسرائيلي، وبعد أكثر من 18 عاماً استطاعت هذه الصناعة الثقيلة سد جزءٍ من حاجة السوق الفلسطيني، حيث تميزت تلك الصناعة بجودتها ومساعيها لتكون صديقة للبيئة عبر إنشاء وحدات معالجة للمياه والمواد الكيماوية، وإخضاع المصنع لرقابة وفحوصات دورية إسرائيلية وفلسطينية وعالمية، ليثبت لنفسه وللجميع أنه أكثر من مجرد مصنع تجاري.
تعرفت مجلة آفاق البيئة والتنمية من خلال زيارة تخللتها جولات تفصيلية، على علاقة المصنع مع البيئة، وكانت بداية الحديث مع المهندس الصناعي خريج ألمانيا والمدير التنفيذي للمصنع السيد عنان عنبتاوي حيث تحدّث عن الانجازات والعراقيل:
وبنبذة عن موقعه ومواصفاته، فقد أشار العنبتاوي إلى وجود المشروع في المنطقة الغربية لمدينة نابلس ضمن أراضي قريبة من بيت ايبا، على قمة إحدى التلال الوعرة نسبياً. حيث يرتفع الموقع حوالي 450 م عن سطح البحر، ويقع ضمن منطقة تُستخدم أساسا للأغراض الصناعية فيما يعرف بالمنطقة الصناعية لبيت ايبا التي تشتمل على العديد من الصناعات والورش مثل محطات لتعبئة الأثاث ومصانع الطوب ومناشير الرخام البلدي وكسارات الحجر. كما أن المصنع بعيد نسبيا عن التجمعات السكانية المحيطة بما لا يقل عن 1000 متر، ولا توجد في المنطقة زراعات هامة وإنما بعض الحيازات الزراعية الصغيرة كأشجار الزيتون.
|
غسل الألمنيوم في برك الكروم |
|
|
مخلفات الكروم الصلب التي يتم دفنها في مكب نفايات خاص بالنقب |
معالجة الملوثات الصناعية
وعن الملوثات الناجمة عن المصنع وطرق معالجتها فأشار العنبتاوي إلى أنها تتمثل في كميات الانبعاثات الغازية الصادرة عن أفران التسخين المختلفة داخل المصنع وخاصة خط الصهر ومولدات الكهرباء التابعة للمصنع، وكميات من مخلفات الألمنيوم، ونسبة لا بأس بها من البلاستيك والنفايات الصلبة، كما يصدر عن المصنع غبار صناعي صادر عن خط البودرة وخط التلميع وعن عمليات قص الألمنيوم، والمياه العادمة الناتجة عن عملية معالجة بروفيلات الألمنيوم والتي تحتوي على العديد من المكونات السامة مثل الفسفور والكلور والمنظفات الصناعية، والعناصر الثقيلة كالرصاص والنيكل والكروم والتي تؤثر على الإنسان والبيئة إذا ما لم تتم معالجتها.
أما الإجراءات المتبعة للتخفيف من هذه المؤثرات البيئية، فقال العنبتاوي أنها تتمثل في: استعمال المداخن المناسبة لكل فرن من أفران التسخين بما يتناسب مع طبيعة عمله، استعمال الغاز الطبيعي في معظم أفران التسخين ما عدا فرن الصهر الذي يستعمل السولار إلى جانب الغاز الطبيعي، عملية فرز جيدة لمخلفات السوق من الألمنيوم وتحريرها من الشوائب العالقة مثل البلاستيك والمعادن والأخشاب وغيرها، والاستغناء قدر الإمكان عن الألمنيوم المطلي، عملية إعادة التصنيع التي يقوم بها المصنع لمخلفات الألمنيوم الناتجة لديه وكذلك جمع المواد المعدنية وبيعها لمصانع إعادة التدوير وحفظ المخلفات الصلبة الناتجة عن أعمال التنظيف وفرن الصهر، كما يتم معالجة الغبار الصادر عن خط البودرة وخط التلميع بواسطة نظامي فلترة خاصة بكل واحد من هذه الخطوط، والأهم هو معالجة المياه الصناعية العادمة الصادرة عن المصنع، بواسطة وحدة معالجة خاصة تعتمد على المعادلة الكيماوية والفلترة لتعطي مياهاً عادمة مطابقة للمواصفات الفلسطينية، قبل طرحها في شبكة المجاري العامة، أما المواد الصلبة الناجمة عن المعالجة فتجمع في براميل وتشحن إلى النقب لتدفن في أماكن خاصة.
فرن الصهر وعلامات الاستفهام
وقد جاء في التقرير البيئي الصادر عام 2007 من إعداد المهندس عبد الهادي الشلالدة والمقدم لسلطة جودة البيئة، ذِكر بعض الاعتراضات من لجنة السلامة العامة في محافظة نابلس، ومجلس قروي بيت ايبا وبيت وزن وممثلي المجتمع المحلي، الذين احتجوا على التلوث الصادر من فرن الصهر والذي يشغّل أربع مرات سنوياً، حيث تنتشر روائح كريهة ومواد سامة، وقد أمرت لجنة السلامة بإيقاف الصهر إلى حين تبين الصورة وعمل فحوصات للغازات الصادرة، وهو ما تم بالفعل- كما جاء في التقرير- حيث قامت شركة إسرائيلية ( ايكو لو ملاب) عام 2007 المختصة بالفحوصات الدورية لمفاعل ديمونة في بئر السبع، بعمل فحوصات لانبعاثات فرن الصهر، وأثبتت أنها تتوافق مع المواصفات الإسرائيلية، وقد تم تقديمها للجهات الفلسطينية وحصل المصنع بناءً عليها على شهادة الجودة الفلسطينية من مؤسسة المواصفات والمقاييس.
وفي رد العنبتاوي على هذه الشكاوي، فأكد قيام المصنع بعمل فحوصات إسرائيلية عامي 2007 و 2009 للانبعاثات الصادرة عن مدخنة فرن الصهر (حصلت مجلة آفاق على نسخة من شهادة المطابقة الفلسطينية)، وقد جاءت النتائج مطابقة للمواصفات الفلسطينية م.ف 803، كما أجرى المصنع فحوصات للمياه العادمة والحمأة والمخلفات الصلبة الناتجة عن معالجتها في مختبرات كل من جامعتي بيرزيت والنجاح، وتبين أن النتائج ضمن الحدود المسموح بها حسب المواصفات الفلسطينية. وقد نال المصنع على تراخيص تجدد سنوياً من وزارة الاقتصاد الوطني، وزارة الحكم المحلي، وزارة الصحة، سلطة جودة البيئة، مؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية.
كما أشار العنبتاوي إلى حصولهم مؤخراً على شهادة عالمية للسلامة العامة وهي أوسيس 18001 من شركة لويدس لتدقيق الحسابات، ليكونوا الأوائل فلسطينياً في حيازتهم عليها.
|
مخلفات سامة ناتجة من مصنع نابكو جاهزة للنقل إلى مكب النقب الإسرائيلي |
أقسام المصنع
وفي جولة مع مجموعة من المهندسين في المصنع فقد تم التعرف على أقسامه، حيث يتكون المصنع من عدة وحدات وخطوط إنتاج تكمل بعضها بعضاً لاستكمال العملية الإنتاجية، وهي تشمل خط البثق (السحب) حيث يتم تحويل مقاطع الألمنيوم ذات الشكل الاسطواني إلى بروفيلات وذلك بتمريرها عبر فرن تسخين، حيث تمرر البروفيلات المقطعة بأطوال معينة عبر عدة أحواض تشتمل على محاليل كيميائية مختلفة لطلائها بطبقة رقيقة من أكسيد الألمنيوم، وذلك في عملية تشبه الطلاء الكهربائي، ثم تمر البروفيلات إلى خط دهان البودرة حيث ترش وتغطى بطبقة رقيقة من البودرة بهدف إكساب البروفيلات طبقة واقية تقيها من العوامل الجوية كما تعطيها لوناً مناسباً، وهناك أيضا خط الصهر الذي يتم فيه صهر نفايات الألمنيوم الناتجة عن عملية البثق لإعادة تشكيلها في بليتات من جديد. أمّا خط الأكسدة الكهروكيميائي فمغلق منذ عام 2000 لمنع إدخال مادة حامض الكبريتيك من قبل الاحتلال لدواعٍ أمنية، على الرغم من عدم وجود أي اتهامات حول استخدام المصنع تلك المواد لعمل المتفجرات، والمفاوضات مستمرة حتى اللحظة من قبل المصنع لإقناع الاحتلال بإدخاله..
يشتمل المصنع أيضا على وحدة معالجة للمياه العادمة الصناعية، وماكينة تلميع صقل إضافة إلى وحدة خاصة بتوليد الطاقة تشتمل على أربعة مولدات، كما يوجد في المصنع مجموعة صهاريج لتخزين الغاز، بالإضافة إلى المخزن ووحدة المختبر وضبط الجودة ومكاتب الإدارة. وتبلغ الطاقة الإنتاجية للمصنع إذا عمل لثلاث ورديات 600 طن شهريا، أما حاليا فيعمل المصنع بوردية واحدة بطاقة إنتاجية لا تتجاوز 200 طن شهرياً.
الوحدات الصديقة للبيئة
وقد قدم أحد المهندسين معلوماتٍ عن وحدة معالجة المياه العادمة التي كلف إنشاؤها مليون ونصف المليون دولار، والتي تستخدم في معالجة المياه الصناعية الناتجة عن خطوط الإنتاج المختلفة بطريقة المعادلة الكيماوية بين المواد الحمضية والقاعدية والناتج عبارة عن أملاح مترسبة، عبر طريقة الاختزال الكيماوي للكروم السداسي إلى كروم ثلاثي، وذلك بإضافة صوديوم "بيو سولفات" إلى الخليط وملاحظة تحول اللون الأصفر إلى اللون الأخضر، الذي يدل على اكتمال عملية الاختزال ويتم بعدها معادلة المحلول لتصل درجة الحموضة من 7-8 درجات (pH )، ومن ثم تجري فلترة المحلول من خلال فلاتر مضغوطة وذلك باستعمال مضخة خاصة، ويتم تجميع المواد الصلبة في هذا الفلتر والمواد السائلة فيتم تمريرها من خلال فلاتر كربونية لتكون مطابقة لمواصفات المياه الصناعية العادمة، قبل طرحها في شبكة الصرف الصحي عبر أنابيب خاصة بها، أو استخدامها لري أشجار المصنع.
وأما الأملاح المترسبة فتجمع في حاويات خاصة يحتفظ بها داخل المصنع لحين ترحيلها إلى النقب مقابل مبالغ مالية تكلف المصنع 150 ألف دولار سنوياً. حيث تقدر كمية هذه المواد ب 344 كغم شهرياً.
إعادة التدوير
يتم إعادة تدوير الألمنيوم حيث تكبس المخلفات في مكبس خاص يعمل على الطاقة الكهربائية بشكل مكعبات مضغوطة من الألمنيوم الجاهز لإعادة التصنيع ويتم ترتيبها في أماكن خاصة، ويقوم المصنع بإعادة تصنيع هذه الكميات من الألمنيوم من خلال خط الصهر لاستعمالها مرة ثانية في العملية الإنتاجية، أما بالنسبة للمخلفات البلاستيكية الناجمة عن أكياس أفلام الطلاء الخشبي، وقسم تغليف المنتج المتمثل بواقي الأربطة البلاستيكية، فيتم تجميعها وتكبس لبيعها في مصانع إعادة التدوير أو للتخلص منها عن طريق قسم النفايات في بلدية نابلس.
|
معالجة المياه العادمة الناتجة من مصنع نابكو
|
التوصيات تركز على فرن الصهر
وبعد الإطلاع على وثائق الموافقة البيئية المبدئية لمصنع نابكو من سلطة جودة البيئة بتاريخ كانون أول 2007، وذلك بعد التدقيق الكامل بكل ما ورد في تقرير التدقيق البيئي الخاص بالمصنع في نفس العام، فقد أوصت سلطة البيئة بالتالي: إشعار سلطة جودة البيئة في كل مرة يتم فيها تشغيل فرن الصهر، إجراء فحوصات دورية للانبعاثات الغازية الصادرة عن مدخنة فرن الصهر والمياه العادمة المعالجة وللحمأة الناتجة عن المياه العادمة وتزويد سلطة جودة البيئة بنتائج ذلك، استخدام الغاز الطبيعي المسال في تشغيل أفران التسخين، خاصة فرن الصهر وعدم استخدام وقود الديزل إلا في تشغيل مولدات الكهرباء الخاصة بالمصنع، العمل على إضافة فلاتر خاصة بمداخن المصنع خاصة إذا تجاوزت قيم الانبعاثات الصادرة عن المدخنة القيم المسموح بها حسب المواصفات الفلسطينية.
المصنع والسوق
وحول رضا العنبتاوي عن أرباح المصنع فقال "مصنعنا مربوط بالخسارة أكثر من الربح، لأن السوق غير منظم والمنافسة غير شريفة، كما لا يوجد مواصفات فلسطينية تضبط جودة الوارد للأسواق المحلية، إضافة إلى عدم سيطرة السلطة على المعابر، وبسبب منع حامض الكبريتيك من قبل الاحتلال، فقد بلغت الخسائر عشرة مليون دولار منذ إلغائه، والذي كان مفروضاً أن يغطي 50% من حاجة السوق، ولكن اليوم يلبي المصنع 35% من حاجته، كما يتم بيع نفس النسبة من إنتاجه إلى إسرائيل.
مدرسة نموذجية تلاصق المصنع...لماذا؟
وحول قصة المدرسة المبنية حديثاً والتي تلاصق المصنع أشار العنبتاوي بأنه قبل أعوام صنفت رقعة المصنع على أنها جزيرة صناعية على أساس أنها منطقة جـ، ولكن مجلس قروي بيت ايبا سعى من خلال مجلس التنظيم الأعلى -حين تحولت المنطقة عام 2009 إلى منطقة ب- لتعريفها بمنطقة سكنية (أ)، وقد تمت الموافقة من التنظيم الأعلى وبناءً عليه حصلت المدرسة على ترخيص من مجلس محلي بيت ايبا وبنيت بالقرب كثيراً من المصنع، الأمر الذي لا يحبذه العنبتاوي بالرغم من تأكيده انعدام أي ضرر بيئي، ولكنه يرى أن واجهة المدرسة التي تطل على المصنع ومعداته ليست بالمنظر الخلاب والملهم للطالب.
وفي سؤال احد مهندسين المصنع حول هذا الأمر، أكد ان الخطر فقط من بعض الأصوات العالية التي قد تنتج عن عمليات الشحن والتنزيل، ولكن لا يوجد أي خطر بيئي أو صحي.
"نحن مكروهون مهما فعلنا، لأننا موجودون منذ أكثر من 18 عاماً، وقد ساهمنا مع غيرنا في تحويل المنطقة إلى صناعية، وهذا ما لا يرضي المجلس المحلي، الذي رغم تحويله المنطقة إلى سكنية (أ)، إلا أن الناس لم يغريها البناء أو شراء ارض قرب مصنع، فبقيت المنطقة صناعية بحتة" ختم العنبتاوي.
|
مدرسة في طور الإنشاء ملاصقة لمصنع الألمنيوم |
التربية والتعليم تقترف انتهاكات خطيرة بحق صحة أبنائنا في المدارس...فمن أبراج مشعة على مباني المدارس والروضات والجامعات، ومدارس تبنى ملاصقة لمصانع خطيرة...أين المراقبة والمحاسبة؟ ومن المسؤول الذي يجب أن يحاسب على مثل هذه الجرائم؟
سعاد صيداوي
|