أهالي الكفريات يفتقدون الأرنب البري وطائر الحجل كجزءٍ من ذكريات الطفولة الجميلة
سيمون عوض: سلوك الاحتلال والمواطنين وراء اختفاء الحيوانات البرية
تقرير: ربى عنبتاوي
خاص بئافاق البيئة والتنمية
رغم بعض الاختراق الإسمنتي من بيوتٍ ومصانع، ما زالت منطقة الكفريات شمال الضفة الغربية، تتمتع بالطبيعة الخضراء والهدوء المحبب في ظل الضوضاء والتلوث اللامتناهي في المدن المكتظة، لكن ومع تغير أنماط الزراعة في العقود الأخيرة، والتهافت الغير مسبوق على الأسمدة الكيماوية والمبيدات، لم تسلم بعضٌ من مظاهر التنوع الحيوي في المنطقة من حيوانات برية كالأرانب والغزلان وطيور الحجل من الأذى فغابت عن الأرض، وبقيت في ذاكرة أطفال الأمس ورجال اليوم.
محمد خضر، المدير التنفيذي لمجلس خدمات الكفريات المشترك، استذكر مشاهد الطفولة الشقية بين أكناف الطبيعة، حيث الصفاء والهدوء والبعد عن الضجيج، حيث قال: "طفولتي تختلف عن طفولة صغاري، فالمظاهر المتنوعة للحياة البرية المتمثلة بالأرنب البري وطائر الحجل (الشنار) والغزلان، تكاد تنعدم اليوم، وهذا يعود بلا شك إلى السلوك البشري الذي قضى وما زال على المظاهر الطبيعية"، وقد علّل ذلك بكون المزارعين يكثرون استخدام الأسمدة والمبيدات الكيماوية دون رقابة.
|
الشنار أو الحجل من الطيور الفلسطينية البرية الآخذة في التلاشي |
الأرنب والحجل والغزال
وقبل التطرق لأسباب اختفاء تلك الحيوانات، سيتم إعطاء بعض المعلومات عنها: الأرانب البرية تتميز بأن لها آذان طويلة وأرجل أمامية طويلة ووقفة منتصبة. وهي تعيش بشكل عام في الأرياف المكشوفة أو على أطراف الغابات، وتلد صغارها في حفر غير عميقة في الأرض، ومعظم الأرانب البرية ذات لون رمادي داكن مُسْمَر ولها بطن ناصع البياض. والأرانب البرية تتزاوج في الربيع. وتلد الأنثى في العادة أقل من خمسة في البطن الواحد، ولكن قد تحمل سبعة بطون في السنة. وتستريح الأرانب البرية أثناء النهار وتبحث عن الطعام أثناء الليل أو الفجر حيث تلتهم النباتات.
أما الحجل فهو طائر جميل ممتلئ الجسم متوسط الحجم، ريشه بين الأسود والرمادي والبني، يضع نحو عشرين بيضة ويبني عشه على الأرض، يمشي سريعاً قبل ان يطير، ويعرف في فلسطين باسم الشنار. يتواجد في الوديان والمناطق الصخرية النائية (الحجل الجبلي) وأيضاً الواحات المهجورة بالصحراء الشرقية وسيناء ( الحجل الرملي). سلوكه: يعيش في جماعات صغيرة، يجري على الأرض بسرعة كبيره نسبياً وعندما يطير يصدر بأجنحته أصواتاً كالصفير. يتغذى على الحشرات والبذور، وعندما يأتي موسم العنب يتخلى عن أكل الحبوب.
وعن الغزال فهو ثديي من ذوات الحوافر، جسمه ملائم للعدو السريع. أرجله ورقبته طويلة، الذنب قصير، الإناث أصغر من الذكور. للذكر وللأنثى قرنان إلا أنّ قرنّي الأنثى أدقّ من قرنّي الذكر، فروة الغزال بنية، ظهره أكثر غمقا وبطنه فاتح أكثر، الغزال نباتي يأكل العشب والأوراق والغصون، وكذلك براعم النباتات المتجددة في الربيع، يعدو الغزال بسرعة فائقة، ويمكنه القفز حتى ارتفاع مترين.
الجدار والمستوطنات قتلت التواصل الطبيعي لتلك الحيوانات
سيمون عوض عاشق الطيور ومدير مركز التعليم البيئي في بيت لحم، تحدث في معرض سؤاله عن الأسباب وراء اختفاء تلك الحيوانات التي ارتبطت بالريف الفلسطيني وفي ذاكرته حين كان طفلاً صغيراً، فأجمع في أن الأسباب تصب جميعها في سلوكيات البشر العدوانية تجاه الطبيعة سواء من الاحتلال أو المواطنين الفلسطينيين. فبالنسبة للأول فقد تفنن في أشكال انتهاك الطبيعة من جهة، وانتهاك كرامة الإنسان الفلسطيني من جهة ثانية، عبر بناء الجدار الفاصل الذي عزل الضفة الغربية عن محيطها الفلسطيني، وأخترق تباعاً أراضي الكفريات، وبالتالي أعاق التواصل الطبيعي للحيوانات التي تعيش على التنقل من مكان لآخر، حتى أن طائر الحجل ليس من الطيور التي تتقن طيران المسافات البعيدة أو تلك المرتفعة فأعاق الجدار حريتها، كما ساهمت المستوطنات التي تبنى على منطقة وفيرة بالمياه، في السيطرة على منابع الماء عبر بناء آبار ضخمة وإحاطتها بسياج ما أعاق انسيابها على شكل شلالات، وبالتالي حرم الحيوانات من الوصول إليها، وبالتالي قضى عليها.
أما السلوك الذي يتحمل مسؤوليته المزارع الفلسطيني فكان تغيير نمط الزراعة واللجوء إلى الكيماويات سواءٌ في الأسمدة أو المبيدات، والتي فتكت بالحيوان البري الذي يتغذى على النباتات وأوراق الأشجار.
الصيد الجائر والمبيدات سببان قويان لاختفاء تلك الحيوانات
كما انتقد عوض الصيد الجائر والذي ازداد بعد عام 1994 نتيجة التسهيلات التي قدمتها السلطة الفلسطينية لمقتني الأسلحة وإمكانية ترخيصها دون قيود، الأمر الذي كان ممنوعاً إبان فترة الاحتلال العسكري المباشر، ما عزز عملية الصيد وخاصةً في الربيع (الموسم التي تتكاثر فيه الحيوانات) دون رقابة أو قوانين رادعة، ذاكراً رؤيته لبيض طائر الحجل (الشنار) يباع في الأسواق الزراعية في عدة مدن.
وحول دور وزارة الزراعة في إصدار قوانين تمنع الصيد الجائر، قال عوض بأن القوانين وإن وجدت فهي غير فعّالة، والسلطة تعترف بعدم قدرتها في عملية السيطرة المطلقة على مناطق (ب، جـ) الأقل من ناحية الاكتظاظ السكني في أكثر المناطق. مشيراً إلى أن دورهم كمؤسسة مجتمع مدني هو التوعية قدر الإمكان.
"كوني من سكان بيت جالا، فقد شهدت رؤية طائر الحجل مرات عديدة في الماضي، ولكني افتقدته بعد بناء شارع 60 الاستيطاني المسور بالجدار" قال عوض.
ولفت عوض إلى أن الاحتلال، يحاول الحفاظ على الحيوانات عبر تنظيم عملية الصيد ووضع شرطة بيئية تراقب الطبيعة بحرص شديد، منوهاً في الوقت نفسه إلى أنهم ليسوا بمثالٍ يحتذى به، نظراً لجرائمهم الإنسانية والبيئية في الأراضي الفلسطينية، مستشهداً بمستوطنة جبل أبو غنيم والتي قضت على الغطاء النباتي الكثيف مقابل بناء آلاف الوحدات السكنية.
اختفاء الأرانب مقابل زيادة في الثعالب
ولم يختلف مدير قسم البيطرة في وزارة الزراعة د. جميل مخامرة عن عوض في تحليله للأمور، لكنه أضاف إليه الأسباب التالية التي تتمثل بالامتداد السكاني وقلة الأراضي الغير مستغلة زراعياً، حيث ان الأراضي المكشوفة تعتبر عنصر جذب لتلك الحيوانات، ولكن في المقابل أكد انتشاراً ملحوظاً للثعالب كونها غير مرغوبة للصيادين، وتكاد من كثرتها تصل أطراف المدن. كما أشار لدور الجدار في حرمان تلك الحيوانات من التنقل للبحث عن أعشاب المناطق الساحلية التي تنمو قبل أعشاب الأغوار، ما سبب خللاً في منظومة تأمين غذائها خلال العام.
أما بالنسبة للأرانب البرية فيقول د. مخامرة " قرية يطا، جنوب الخليل، كانت تتميز بكثرة الأرانب البرية، ولي معها ذكريات عديدة، ومع أني مؤخراً قد لمحت أرنباً برياً، إلا ان تلك المشاهدة لا تقارن مع الماضي أبداً".
|
مشهد طبيعي ساحر في منطقة الكفريات |
|