مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
حزيران 2011 العدد-36
 

خلال سنة واحدة تسترد التكلفة الإضافية الناتجة عن العزل الحراري وكفاءة الطاقة
البناء الأخضر مسألة وطنية تمس الكيان الفلسطيني
المحفزات الاقتصادية ضرورة لا بد منها لتشجيع التوجه نحو العمارة الخضراء

مبنى أخضر

ج. ك.
خاص بآفاق البيئة والتنمية

يواجه كل من يعمل على تسويق سلعة أو تقنية معينة تتضمن فوائد بيئية و/أو اجتماعية، بالإضافة إلى فوائدها الوظيفية التي يعرفها المستهلك إجمالا- يواجه أسئلة تتكرر باستمرار من قبل الزبائن المحتملين:  هل هذه السلعة مجدية لي؟  هل تتضمن السلعة حقا الفوائد الإضافية التي تقال عنها؟ 
هذه هي بالضبط الصعوبة التي تواجهها مختلف الجهات التي تسعى إلى تطوير نظام العمارة الخضراء في فلسطين؛ ذلك النظام الهادف إلى تقليص التأثيرات البيئية السلبية الجدية للمباني على البيئة طيلة دورة حياتها؛ أي منذ مرحلة استخراج المواد الخام اللازمة لإنتاج مواد البناء، مرورا بعملية التشييد ذاتها، وانتهاءً باستعمال المباني، بل والانتهاء من استخدامها وهدمها.
وقد بينت الأبحاث أن تشييد العمارة الخضراء يرفع التكلفة الأولية للمبنى (بنحو5%-10%)، إلا أنه في المدى المتوسط الممتد حتى عشر سنوات، يعيد المبنى الأخضر الاستثمار المالي المباشر، بالإضافة للفوائد الواضحة المتمثلة في توفير الموارد الطبيعية وانبعاث غازات الدفيئة والملوثات الأخرى.
وقد بينت بعض الأبحاث بأن معظم مالكي الشقق يعرفون أهمية البناء الأخضر؛ ومع ذلك فإن أغلبهم غير مستعد لأن يدفع التكلفة الإضافية على المبنى الذي شيد وفقا لمبادئ العمارة الخضراء.  ما سبب هذه الفجوة؟  الجواب يكمن في السؤالين اللذين بدأنا فيهما هذه المقالة:  هل الأمر مجد بالنسبة لي؟  وهل المبنى الذي سأشتريه يتضمن فعلا تأثيرات بيئية سلبية أقل مقابل المبنى الآخر الذي لم يتم بناؤه وفقا لأسس تشييد المباني الخضراء؟  
ولإزالة الشكوك من نفوس مالكي المنازل لا بد من رفع مستوى الوعي وتعزيز الثقة لدى المنخرطين في عمليات البناء (المبادرين، المخططين، مدراء المشاريع، مقاولي التنفيذ، منتجي مواد البناء والقاطنين في المباني).  عملية التوعية يجب أن تركز على حقيقة أن البناء الأخضر لا يتضمن توفيرا ماليا وخدمة للبيئة فقط؛ بل تكمن أفضليته في أنه يتطلب تخطيطا أكثر جدية وتعاوناً أقوى بين جميع المنخرطين في عملية التشييد. 
وبما أن مواصفات العمارة الخضراء طوعية وغير ملزمة، فلا بد من توفير الحوافز الاقتصادية التي تتضمن تخفيضات ضرائبية على السلع الخضراء، دعما وقروضا ميسرة لتشييد المباني الخضراء، دعما للأنظمة الموفرة للطاقة، بالإضافة إلى مبادرة القطاع الخاص لتوفير محفزات مثل خصوم في رسوم التأمين الخاص بالمباني الخضراء، ومنح الأفضلية في قروض الإسكان للمباني الخضراء. 

تصاميم العمارة البيئية
تتبع العديد من دول العالم المواصفات البيئية الدولية للمبنى البيئي، وهي أساسا المواصفات المعروفة بـ LEED الأميركية، وهي تعد من المواصفات المعمارية البيئية المتشددة نسبيا.  وتقسم هذه المواصفات إلى أربع درجات هي البرونزية، الفضية، الذهبية والبلاتينية.
ومن بين الأمثلة على تصاميم العمارة البيئية، نذكر، على سبيل المثال، التصميم الهادف إلى تقليص استهلاك الطاقة.  ويتمثل ذلك في تغطية سطح المبنى بالتربة وزراعتها بالشجيرات المحلية؛ وبالتالي تحويل السطح إلى بستان جميل.  وبهذه الطريقة تهبط درجة حرارة المبنى، صيفا، بضع درجات.
كما ومن خلال المكيفات المستخدمة يتم زيادة فعالية الطاقة؛ فبدلا من انبعاث الهواء الساخن إلى الخارج، يتم توجيهه إلى باطن الأرض، وهكذا يوفر نحو 30% من الكهرباء اللازمة لتشغيلها.
ويصمم المبنى بحيث لا يحتاج إلى الكهرباء لإنارته في أثناء النهار؛ بل يتم الاكتفاء، في معظم ساعات النهار، بالإضاءة الطبيعية.  وهكذا يوفر نحو 20% من نفقات الإنارة.
يضاف إلى ذلك، أن المياه العادمة الناتجة من المبنى تدور بواسطة منشأة تنقية خاصة؛ بحيث تستخدم المياه المعالجة في ري الحدائق المحيطة بالمنزل؛ وذلك فضلا عن وجود بئر جمع لمياه الأمطار.  أما مخلفات الأعشاب والأشجار التي يتم استئصالها في أثناء عمليات البناء، فتستخدم في تصنيع الكمبوست؛ بينما يتم الحفاظ على الأشجار المميزة في موقع البناء، من خلال إنشاء المبنى من حولها.

توفير مئات ملايين الشواقل
بنيت آلاف المباني، في العقود الأخيرة، في الضفة الغربية وقطاع غزة، دون الأخذ بالاعتبار مواصفات البناء الأخضر والعزل الحراري.  ويتجنب الكثيرون توفير العزل الحراري البيئي النوعي في المباني، بادعاء أنه مكلف.  صحيح أن العزل الحراري يزيد تكلفة البناء بنحو ستة بالمائة، إلا أن استرداد هذه التكلفة لا يستغرق أكثر من سنة واحدة.  لذا؛ في حال أخذت الجهات المعنية تفكر بطريقة "ماكرو حرارية"، فعندئذ، قد توفر الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 ملايين الشواقل، فضلا عن المساهمة في خفض جدي لانبعاث غازات الدفيئة.
الجدير بالذكر، أن العديد من الدول حددت أنظمة خاصة بالبناء الأخضر ملزمة لجميع المواطنين.  ففي تركيا، على سبيل المثال، يجب على كل من يرغب ترميم مبنى أو منزل معين، الحصول على موافقة رسمية تتضمن ضرورة تحسين وضع الطاقة في المبنى.  بمعنى أن تحسين كفاءة الطاقة في المباني مسألة يفرضها القانون التركي.
آن الأوان، إذن، للحد من تشييد مئات المباني أو ترميم القائم منها كيفما شاء أصحابها، دون أي اعتبار للعزل الحراري ولكفاءة الطاقة.  وبحسب خبراء الطاقة؛ فإن العزل الحراري في مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني قد يؤدي إلى توفير مئات ملايين الشواقل سنويا.  إذن؛ لا بد أن تبدأ السلطة الفلسطينية- ممثلة بالجهات الحكومية المعنية، وبخاصة سلطتي الطاقة والبيئة ووزارة الاقتصاد- في التعامل مع البناء الأخضر باعتباره مسألة وطنية تمس الكيان الفلسطيني وليس فقط المواطن الفرد.
وفي الواقع، بنيت معظم المباني في المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، دون عزل حراري، ووفقا لمواصفات قديمة تعود إلى الخمسينيات والستينيات؛ مما يتسبب في رفع قيمة فواتير الكهرباء على المواطنين.  وبسبب عدم إلزامية العزل الحراري في المناطق الفلسطينية المحتلة؛ فإن العديد من المواطنين يشغلون المكيفات والمدفآت صيفا وشتاء دون توقف.
ومن الواضح، أن الالتزام الشامل بالعزل الحراري سيساهم، إلى حد كبير، في خفض انبعاث غازات الدفيئة.  إذن، لا بد من بلورة السياسات التي تشجع استخدام الوسائل التي تسهم في التقليل من الانبعاثات الغازية في مجال البناء الأخضر أيضا.  وعلى مستوى الاقتصاد أم الموازنة، لا بد من دراسة التكلفة والمردود المتعلقين بوسائل تنفيذ السياسة الخاصة بتطوير البناء الأخضر؛ بما في ذلك التسهيلات الضرائبية والمحفزات والأنظمة.

التعليقات

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 

مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية