ثمة من يُسَخِّر ما تعلمه في تسيير حياته..!!
"عزمي نصر" معلم هزم انقطاع الكهرباء بـ" أشعة الشمس"
|
عزمي نصر يقف إلى جانب ألواحه الشمسية |
سمر شاهين / غزة
خاص بآفاق البيئة والتنمية
بداية الحكاية من هنا... من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، حينما حطت رحالنا في منزل ضيفنا أستاذ العلوم والتكنولوجيا عزمي حسين نصر.. والذي رفع شعار "الحفاظ على البيئة يعادل حياة سليمة لا تعرف يوما روشتة الطبيب". ولأن الحاجة أم الاختراع، فإن نقص الطاقة الواضح في غزة بسبب الانتهاكات الإسرائيلية اللامتناهية، دفعه للتفكير في تطبيق تجربة عملية منحته طاقة مجانية، كيف لا، وهو من تعلم بدائل الطاقة النظيفة عبر أروقة الجامعة.
نصر 46 عاماً متزوج وله سبعة أبناء، أربعة أولاد وثلاث بنات، عانى كما الآخرين من نقص حادٍ في غاز الطهي وكذلك من انقطاع متواصل للتيار الكهربائي، حيث يحول الحصار الإسرائيلي بجبروته دون إدخال أدنى مقومات الحياة لقطاع غزة الذي يقطنه مليون وسبعمائة ألف فلسطيني.
اهتماماته البيئية!!
ويقول نصر الذي استقبلني برفقة المهندس ماجد حمادة من مركز العمل التنموي / معا، بابتسامة عريضة: "اهتماماتي البيئية وحاجتي إلى إيجاد بيئة سليمة معافاة من الأمراض التى سببها العبث الجائر من قبل البشر، دفعني إلى توظيف ما درسته كإطار نظري في الجامعة في الجانب العملي والحياتي بصورة كبيرة، عبر تحقيق جملة من الانجازات التى تعتمد على حرارة الشمس" .
رافق حديث نصر المليء بالطاقة، مجسمات كان يحملها بين يديه لعدد من الانجازات التى طبقها داخل منزله وفي مدرسته، يقول: " أول جهاز أعددته يعتمد على الطاقة الشمسية كان الطباخ الشمسي، اعتمدت عليه كثيرا وفي لحظات كثيرة، كان يصعب علينا التفكير للحظة حول إمكانية الاستغناء عنه" .
واصل حديثه وهو يحمل بين يديه نموذجاً مصغراً لأولى استخداماته للطاقة الشمسية - طباخ شمسي- عبارة عن ستلايت صغير "قمر" ألصق على سطحه زجاج عاكس، يشرح: "قبل ست سنوات بدأت اهتماماتي البيئية تظهر بوضوح حيث عملت على تسخير بعض المقتنيات المتوفرة في المنزل لاختراعاتي، ومنها كان الطباخ الشمسي".
طبق للبث التلفزيوني وللطبخ
ويشرح أستاذ الكيمياء فكرة تحويل الستلايت إلى طباخ شمسي فيقول: "نقص غاز الطهي ولَّدَ لدي في البيت إشكالية، سيما وان انقطاع الغاز تزامن مع تعمد سلطات الاحتلال الإسرائيلي عدم تزويد شركة الكهرباء الفلسطينية بالمازوت، الأمر الذي ضاعف المشكلة. ولكوني رجلاً بيئياً فأعرف جيدا ماذا يعنى تلويث البيئة، فعمدت إلى إيجاد بدائل للطاقة تعتمد على أشعة الشمس بالدرجة الأولى".
ويشير إلى انه عمل على لصق سطح صحن الستلايت اللاقط بآلاف قطع المرايا الصغيرة التي لا يزيد حجم الواحدة منها سنتيمتر مربع بجوار بعضها البعض، وإيجاد بؤرة لأشعة الشمس واستخدام ما هو صادر عنها من أشعة شديدة الحرارة في طهو الطعام، سواء كان في شي اللحوم أو إعداد الفطائر والمشروبات الساخنة.
وعن غياب القنوات الفضائية عن تلفاز بيته، أجاب بابتسامة: "لم تغب الفضائيات بل مازالت تظهر على تلفاز البيت، وكنت أوجه الستلايت كيفما تقتضي الحاجة، والأساس أن يبقى مقابلاً لأشعة الشمس من اجل الحرارة".
ويتابع حديثه، فيبين أن أسرته كانت شديدة الاهتمام بالطباخ الشمسي، حتى أنها أصبحت تعد عليه ابسط الأمور ومن بينها إعداد الشاي وحتى مشروب القهوة.
|
صحن الستلايت اللاقط وقد ألصق عزمي على سطحه قطع المرايا الصغيرة لتوليد الطاقة الحرارية اللازمة لطهو الطعام |
ولإنارة المنزل قصة!!
أما فيما يتعلق بإنارة المنزل فتبدأ الحكاية من تمكن نصر تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية تكفيه للإنارة وتشغيل بعض الأجهزة داخل المنزل على مدار الساعة.
فوق سطح المنزل توجد ألواح "السيزيام" بلونيها الأسود والفضي مثبتة فوق حامل حديدي، خلفها تماما تتشابك بعض الأسلاك قبل أن تلج في عمق بطارية ومحول كهربائي.
يوضح نصر الذي اصطحبنا إلى السطح، أن الطاقة الكهربائية التى تنير بيته مصدرها من ألواح "السيزيام" ويقول: "عند تعرض كل لوح من هذه الألواح إلى ضوء طبيعي أو صناعي ينتج طاقة كهربائية مقدارها 75 واط" .
وتعد ألواح السيزيام تلك مصدرا للحصول على طاقة كهربائية يستخدمها المهتمون وبعض الفرق العسكرية في الصحراء وأثناء المهمات الخاصة، ويلفت إلى أن 85% من أيام السنة تكون مشمسة، ما يوفر طاقة ضوئية يمكن تحويلها لطاقة كهربائية عبر تلك الألواح واستخدامها بشكل مباشر وعملي .
ويتابع حديثه: " نعم اعترف لقد ارتحت من ماتور توليد الكهرباء الذي يصم الآذان نتيجة لصوته وضجيجه ".
ألواح عبر الأنفاق
ومكونات مشروع الطاقة النظيفة بحسب أستاذ مادة العلوم في مدرسة ذكور دير البلح الإعدادية، هو عبارة عن جهاز توليد الطاقة والذي يتكون من أربعة أجزاء أولها الألواح الشمسية المثبتة وثانيها محول بقدرة 12 فولت يعطي 220 فولت، وثالثها لوحة تحكم بالشحنة الكهربائية، ورابعها بطاريات 110 أمبير لتخزين الطاقة نهارا واستخدامها ليلا.
وقد تمكن نصر من الحصول على تلك الألواح بعد جهد جهيد وذلك عبر الأنفاق المنتشرة على الحدود الفلسطينية المصرية، في حين لم يستغرق تركيب الجهاز منه وإعداد الوصلات سوى يوم واحد.
وتعمل الألواح على امتصاص أشعة الشمس؛ ففي كل لوح 36 وحدة متساوية الحجم تعطي كل وحدة منها 2 واط. وقد قام بتوصيل الألواح بالتوازي. وتتدلى من جهاز التوليد وصلة كهربائية تمتد من سطح المنزل وتلج في شبكة كهرباء البيت ما يجعل تشغيل الجهاز تماما كمن يحصل على كهرباء من مصدر خارجي.
وأضاف: "عند غروب الشمس هناك جهاز تخزين للطاقة الكهربائية المحولة من الشمسية تكفي لإنارة المنزل طوال ساعات الليل، لكن دون تشغيل الأجهزة الكهربائية، كون الكهرباء الموجودة في جهاز التخزين تكون غير متجددة ".
|
ألواح السيزيام التي يعرضها عزمي إلى ضوء الشمس لإنتاج طاقة كهربية مقدارها 75 وات |
إبداع لا ينضب
ويبين انه بالفعل نجح في تشغيل بعض الأجهزة الكهربائية مثل "التلفزيون والمروحة" وإنارة المنزل بالكامل لمدة تزيد عن 6 ساعات، حيث تكفي تلك الطاقة لإنارة البيت 12 ساعة من غير أجهزة كهربائية.
"إن زيادة عدد الألواح وقدرة البطارية تزيد من قوة التيار الكهربائي، ما يعني أنه من الممكن تشغيل المنزل بالكامل إذا زدنا عدد الوحدات المستقبلة للشمس". قال نصر
ويمضي نصر معظم وقته أثناء العمل في مختبر المدرسة الذي يعتبره متنفساً للإبداع، بينما شكلت التجربة العملية عنده هواية منذ الصغر.
وحاز نهاية العام الماضي على الترتيب الأول من بين مدرسي مادة العلوم في مدارس وكالة الغوث بالوسطى.
ويأمل في وجود مؤسسات محلية تهتم بمثل هذه التجارب بل وتطورها لتصبح في متناول يد الكثيرين، حيث أنها تجارب ناجحة ومصادر طاقة مجانية تساهم في تخفيف أعباء الحصار .
تعميم التجربة
وقد تكون تجربته في الحصول على تيار كهربائي مكلفة نسبياً، بسبب ارتفاع ثمن الألواح لكنها عملية واقتصادية إذا ما قورنت بتكلفة تشغيل المولدات، ومشاكلها اللامتناهية طوال العام .
ويشير إلى انه اشترى عدداً من الألواح بقيمة "3600" دولار، ولأن ما يحتاجه فقط أربعة ألواح بقيمة 1200 دولار، فقد باع باقي الألواح إلى عددٍ من جيرانه، وساعدهم أيضاً على تركيبها، فأصبحت هذه المنازل تعتمد على الطاقة الشمسية.
كل التقدير والاحترام لك يا عزمي المبدع وإلى الأمام ...
ماهر خلدون
كل الإجلال والإكبار لمبدعينا العلميين والبيئيين بالرغم من الحصار والتجويع ...
عاصف الهندي
الأمر المؤسف هو عدم وجود أي جهة حكومية أو أهلية ترعى وتشجع الابتكارات العلمية والتقنية وتعمل على تطويرها ...
سامح القرواني
مثل هذه الإنجازات العلمية والتكنولوجية الفلسطينية التي نعتز بها هي أبلغ وأقوى رد على الذين أرادوا لهذا الشعب أن يموت جوعا أو مرضا أو قصفا...فإذا به يواصل حياته بقوة وعنفوان وإبداع...إنه حقا شعب الجبارين
قاسم سناو
|