ري المحاصيل بالمياه العادمة...خطر حقيقي يهدد الزراعة والصحة العامة والبيئة في الأغوار الوسطى
وادي الفارعة: محطة للمكاره الصحية والنفايات السائلة
|
تدفق مياه نابلس العادمة في وادي الفارعة |
رائد جمال موقدي
خاص بآفاق البيئة والتنمية
باتت ظاهرة ري المزروعات الحقلية المكشوفة بمياه المجاري غير المعالجة، أمراً خطيراً ومقلقاً بصفته أحد الظواهر البيئية الخطرة المنتشرة خاصة في مناطق الأغوار الوسطى، والتي تضم قرى العقربانية، النصارية، بيت حسن وعين شبلي بالإضافة إلى الجفتلك، لما لهذه الملوثات من تأثير سلبي ليس على صحة الإنسان فحسب، بل أيضاً تلويث التربة والغطاء النباتي وتحويل المنطقة إلى منكوبة صحياً .
تتميز منطقتا النصارية والعقربانية على سبيل المثال، بطابع جمالي فريد من نوعه، بالإضافة إلى وفرة الأراضي الزراعية فيهما، الممتدة على مساحة تقدر بنحو ألفي دونم، مزروعة بالنباتات الحقلية المكشوفة في الأغوار الوسطى.
لكن بالتوازي مع المساحات الواسعة للأراضي الزراعية، تكمن هناك مشكلة نقص المياه في المنطقة، فعلى الرغم من وجود 24 بئراً ارتوازيا، تُضخّ مياه شحيحة بقوة 50 كوب/ ساعة، بالإضافة إلى التكلفة العالية في ثمن شراء المياه عبر صهاريج خاصة، والتي تصل إلى حد 50 شيكل/ تنك سعة 4 كوب، إلا أن هذا بدوره، دفع الكثير من المزارعين في المنطقة إلى الاعتماد على مياه الصرف الصحي، التي تنطلق من مدينة نابلس دون معالجة، والتي تتكون من مياه الصرف المنزلية، والمياه العادمة التي تخلفها عددٌ من المصانع في مدينة نابلس، والتي تسير بعد ذلك باتجاه وادي الباذان، لتصب في مياه الينابيع العذبة في نقطة "جسر الملاكي"، ثم تواصل سيرها بعد اختلاطها عبر وادي الفارعة، لتكمل طريقها باتجاه أراضي قرية العقربانية وقرية النصارية.
من جهته أكد المهندس سعيد اشتية رئيس جمعية الأغوار الوسطى الزراعية، أن الزراعة هي الحرفة الأساسية التي يعتمد عليها سكان قرية النصارية وقرية العقربانية، لكن قلة المياه والتكلفة العالية لاستعمالها دفعت الكثير من المزارعين إلى مد أنابيب من وادي الفارعة الملوثة بمياه الصرف الصحي غير المعالجة، باتجاه أراضيهم المزروعة بالمحاصيل الحقلية المكشوفة، ما ينطلي عليه مشاكل زراعية كثيرة.
وأشار المهندس اشتية إلى أن الأثر السلبي في فصل الشتاء، اكبر بكثير من فصل الصيف، نظرا لمساهمة مياه الأمطار في نقل الملوثات عبر مسافات واسعة من خلال قنوات وادي الفارعة، في حين يكون الخطر أقلَ في الصيف.
وبين المهندس اشتية أن هناك معضلة حقيقية ناتجة عن استخدام مياه الصرف الصحي، وذلك في إنتاج خضار بجودة قليلة، مما ولد انعكاسات سلبية على تسويق المنتجات الزراعية داخل الأسواق الإسرائيلية، حيث يتم تسويق السواد الأعظم من تلك المنتجات داخل الأسواق الفلسطينية ناهيك عن الأمراض التي توثر على صحة الإنسان، والتي من الممكن أن يلمس أثرها السلبي على المدى البعيد، إن استمر الوضع على ما هو عليه الآن.
تجدر الإشارة إلى أن مشكلة نقص المياه في منطقة النصارية والعقربانية، والتوجه إلى الري عبر المياه العادمة غير المعالجة، دفعت بعض المؤسسات الأهلية إلى تنفيذ عدد من مشاريع الحصاد المائي للتخفيف من حدة نقص المياه، ودعم المزارع البسيط في توفير تكاليف شراء المياه العذبة، حيث تعكف مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين عبر مشروع تحسين مستوى المعيشة في الأراضي المحتلة، والذي تموله الممثلية الهولندية على تنفيذ ثماني بركٍ للحصاد المائي بسعة 100 كوب لكل بركة، وذلك في منطقة النصارية وبيت حسن بهدف تخفيف العبء المالي على المزارعين في شراء الماء لري الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى ري العديد من الأراضي الزراعية المستصلحة حديثا، حيث من المقرر أن يستفيد أكثر من 80 مزارعاً من تلك المشاريع.
بالإضافة إلى ذلك، نفذت مجموعة الهيدرولوجيين، خلال عام 2010 عمل خزانين معدنيين بسعة 500 كوب لكل خزان في منطقة النصارية وبيت حسن، ليستفيد منهما أكثر من 50 مزارعاً في ري أراضيهم والاستغناء عن مياه الصرف الصحي للري.
وادي الفارعة: مجرى للمياه العادمة من نابلس
تميزت منطقة وادي الفارعة لسنين طويلة خلت، بوفرة المياه التي تنساب في الوادي على مدار السنة، نظرا لكثرة الينابيع المائية هناك، بالإضافة إلى الآبار الارتوازية التي تنتشر في المنطقة.
إلا أن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي من جانب، بالإضافة إلى حفر عدد من آبار التجميع من قبل المزارعين في منطقة وادي الفارعة بالقرب من مصادر المياه الرئيسية من جانب آخر، أدت إلى انخفاض منسوب المياه التي تجري في الوادي، وإلى تقلصها يوما تلو يوم والانتهاء بجفافها كلياً.
في حين أصبح الوادي عبارة عن مجرى لمياه الصرف الصحي غير المعالج، والتي تأتي من مدينة نابلس باتجاه أراضي النصارية والعقربانية، وبالتالي أصبح وادي الفارعة محطة لنشر المكاره الصحية والفضلات السائلة.
كما أن اثر مياه الصرف الصحي غير المعالجة التي تنساب في وادي الفارعة، لم يقتصر ضررها فقط على قطاع الزراعة والصحة بل تعداه ليطال الجوانب البيئية في المنطقة، وذلك من خلال المكونات التي تحتويها تلك المياه العادمة غير المعالجة الصادرة عن بعض المصانع في مدينة نابلس، ما يؤدي ذلك إلى تسمم التربة بالإضافة إلى تحويل المنطقة إلى مستنقع للحشرات والقوارض، ناهيك عن انتشار الأمراض الجلدية في المنطقة.
ولا ننسى هنا الطابع الجمالي للمنطقة، المهدد أيضاً بفعل الملوثات والروائح القذرة خاصةً إذا ما علمنا أن منطقة الباذان لها خصوصيتها كونها تعد مقصداً للزوار والمستجمين، ومصدرَ دخل عشرات العائلات التي تعتمد على السياحة، كدخلٍ أساسي لديها.
ولكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الدور المنوط على الجهات الرسمية للحد من حجم الكوارث في مناطق النصارية والعقربانية؟
من جهته أكد المهندس محمد فطاير مدير زراعة محافظة نابلس، أن هناك متابعة حثيثة من قبل لجنة السلامة العامة على مستوى المحافظة ككل لهذه الظاهرة الخطيرة، والتي لها انعكاسات سلبية على نواحي الحياة المختلفة سواء الصحية أو البيئية منها، لذلك تبحث مديرية زراعة نابلس في حل احترازي للمشكلة، حيث قامت بإصدار قرار يمنع الري بمياه الصرف الصحي في مناطق الأغوار الوسطى بشكل كلي، مع معاقبة كل واحد يتم ضبطه وهو يقوم باستخدام مياه الصرف الصحي في عمليات الري المختلفة.
وأوضح المهندس فطاير بأن هناك فكره لإقامة محطة تنقية تخدم مدينة نابلس من الجهة الشرقية، ولكن هذه الفكرة لن ترى النور في المستقبل القريب، لعدم توفر أي خطط عملية جاهزة وعدم توفر التمويل اللازم، آملاً أن تسير الأمور إلى الأحسن في المستقبل، لحل المشكلة بشكل جذري وملموس.
|
المياه العادمة في منطقة النصارية تجري في الحقول الزراعية وبين المنازل |
هل سبق وفرضت عقوبة بالسجن لفترة طويلة على قاتلي الناس بالمياه العادمة؟
عيسى غانم
|