إثر زلزال اليابان المدمر: احتمالية مرتفعة لزلزال بقوة 6-7 درجات في فلسطين
لم يتم عمل شيء جدي لتحسين مقاومة المباني والمنازل والبنى التحتية لزلزال بقوة 7-8 درجات
|
آثار زلزال شباط 2008 قرب قبة الصخرة المشرفة في القدس |
جورج كرزم
خاص بآفاق البيئة والتنمية
شعر الكثيرون، في أول نيسان الماضي؛ وبخاصة في المناطق الفلسطينية الساحلية وشبه الساحلية، بآثار زلزال ضرب البحر المتوسط بقوة 6 درجات على سلم ريختر؛ وتحديدا شمال غرب جزيرة كريت اليونانية، وبعمق 60 كيلومترا تحت سطح الأرض. وذلك بعد نحو ثلاثة أسابيع من الزلزال المدمر الذي ضرب اليابان (نحو 9 درجات على سلم ريختر) في آذار الماضي. وبالرغم من حدوث زلزال البحر المتوسط في مسافة نحو 800 كيلومتر عن فلسطين، إلا أن العديد من الناس أحسوا به في بؤر مختلفة بفلسطين.
وبالرغم من أن فلسطين ذاتها معرضة لحدوث زلزال مدمر، إلا أن الجهات الفلسطينية الرسمية؛ سواء على مستوى الحكومة أم الوزارات المعنية أم الدفاع المدني أم نقابة المهندسين أم غيرهم، لم تحرك ساكنا لمواجهة الكارثة الطبيعية المحتملة، من ناحية اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لتقليل الأضرار؛ علما بأن خبراء الزلازل يحذرون منذ بضع سنوات من احتمال حدوث زلزال قوي في فلسطين.
وبحسب بعض الدراسات الإسرائيلية الأخيرة، فإن 40% من المباني والمساكن الإسرائيلية معرضة للانهيار أو الإصابة الجدية في حال حدوث هزة أرضية قوية. وفي المقابل، نسبة المباني في الضفة الغربية وقطاع غزة المعرضة لنفس المصير اكبر بكثير.
وأثبتت الأبحاث، أنه في حال حدوث هزة أرضية في فلسطين بقوة تفوق 6 درجات على سلم ريختر، فإن المباني المبنية على أعمدة في طابق أرضي مفتوح (الطابق الرخو)، ستتعرض لانهيار شبه أكيد، بما في ذلك المدارس والمشافي، وقد يصل عدد القتلى إلى عشرات الآلاف. كما أن المناطق الساحلية مرشحة لدمار أكبر من غيرها، وذلك بسبب أن الرطوبة البحرية الطبيعية أخلت بهياكل المباني وأضعفتها.
وللأسف، لم يتم في السنين الأخيرة، عمل أي شيء جدي لتحسين مقاومة المباني والمنازل والبنى التحتية لزلزال بقوة 7-8 درجات. وحتى هذه اللحظة، وبالرغم من بعض الاجتماعات وورشات العمل والندوات التي عقدت (بما في ذلك ندوة للخبراء وذوي الصلة بموضوع الزلازل عقدت عام 2008 في مركز معا برام الله)، وبالرغم من بعض التقارير العلمية الخطيرة التي نشرت، فلم يتم العمل على تقوية المباني العامة المخصصة للخدمات الإنسانية مثل المشافي وبيوت المسنين والمدارس، وبخاصة تلك المتواجدة في المناطق الحساسة للهزات الأرضية؛ علما بأن التكلفة السنوية التقديرية لتقوية عدد لا بأس به من المباني والمؤسسات العامة لا تتجاوز بضع ملايين من الدولارات.
كما لم يتم عمل أي شيء لتقوية المنازل الفلسطينية القائمة. وباعتقادنا؛ يتطلب هذا الأمر مخططا هيكليا خاصا يتيح للمواطنين تقوية منازلهم، مقابل حصولهم على حقوق أو تراخيص للبناء.
زلزال قوي متوقع في فلسطين
من المعروف أن فلسطين تقع في منطقة نشطة زلزاليا، وتحديدا على ملتقى صفيحتين من صفائح القشرة الأرضية، وهو ما يعرف بالفالق (أو الصدع) السوري – الإفريقي، الأمر الذي يعرض فلسطين، وباحتمال عالٍ، لهزة أرضية مدمرة.
وقد تعرضت فلسطين لكثير من الزلازل المتوسطة والقوية التي حدثت بفواصل زمنية قصيرة نسبيا. وكان بعض هذه الزلازل مدمرا. وضربت أرض فلسطين، قديما، بضع هزات أرضية، حصدت إحداها نحو 30 ألف نسمة، كما أن هزة أخرى تسببت في دمار مدينة بيسان، وذلك في العصر البيزنطي. ويبين الجدول التالي بعض أبرز الزلازل في فلسطين:
نماذج من الزلازل في فلسطين
السنة (م.) |
قوة الزلزال (سلم ريختر) |
الأضرار التي أحدثها |
746 |
غير محددة |
من أبرز الأضرار: انهيار الجانبين الغربي والشرقي للمسجد الأقصى (تولى العباسيون ترميمه). |
774 |
غير محددة |
تدمير معظم بناء المسجد الأقصى (أعاد بناءه الخليفة العباسي المهدي). |
1033 |
غير محددة |
دمر مدينة طبريا بالكامل. |
1759
|
غير محددة |
تركزت أبرز أضراره في منطقة بيسان. وتلته أمواج مد “تسونامي” من بحيرة طبريا، مما أدى إلى تدمير نحو 20 قرية فلسطينية حول البحيرة ومقتل الآلاف. |
1837 |
غير محددة |
دمر زلزال آخر كبير جزءا من مدينة طبريا، حيث قتل نحو 800 شخص. |
1927 (تموز) |
6.2 |
تسبب في قتل نحو 300 شخص وجرح الآلاف. ودمرت أجزاء من صفد وطبريا وبيسان ونابلس. وكان مركز الزلزال في منطقة أريحا. |
1995 (تشرين ثاني)
|
6.2 |
ضرب هذا الزلزال منطقة خليج العقبة، وتلاه مئات الهزات الارتدادية في نفس الشهر، بلغت شدة أقواها 5.4 درجة. وقد سجل الكثير من الأضرار في المباني والبنى التحتية، في المدن القائمة على طول ساحل الخليج، بما فيها شرم الشيخ، دهب ونويبع في مصر، بالإضافة إلى مناطق في جنوب فلسطين، والعقبة في الأردن. وكان المركز السطحي لهذا الزلزال في منتصف الممر المائي بين المدينتين المصريتين دهب ونويبع في شبه جزيرة سيناء. |
2004 (شباط) |
5.1 |
مركزه شمال البحر الميت. وتسبب في انهيارات بسيطة في بعض الأجزاء القليلة من المباني في المنطقة الممتدة من القدس حتى نابلس، وإصابة أعداد قليلة من الناس بالصدمة النفسية. |
منذ 2004 وما بعد |
تعرضت فلسطين لعدد من الزلازل تراوحت قوتها بين 3-5 |
أضرار هامشية جدا |
2006 (أيلول) |
4.5 |
كان مركزه في منطقة الأغوار، بين نابلس ورام الله. وشعر به كثير من المواطنين في مدن رام الله ونابلس والخليل. وأضراره شبه معدومة. |
2008 |
5.4 |
ضرب فلسطين، لبنان وسوريا. من بعض آثاره: إحداث حفرة بطول مترين وعرض متر ونصف وعمق متر قرب قبة الصخرة المشرفة في القدس. وتصدعت بعض المباني المقدسية والنابلسية، دون إحداث إصابات بشرية. كما شعر به بقوة مواطنو الساحل الفلسطيني؛ فيما اهتزت بشدة منطقة القدس ورام الله ونابلس. وشعر به بقوة مواطنو دمشق وبيروت أيضا؛ حيث جرح بعض المواطنين في الجنوب اللبناني. |
|
فندق القصر الشتوي في أريحا دمره زلزال عام 1927 |
وبخصوص المنطقة العربية، بوجه عام، وفلسطين، بوجه خاص، كثرت التساؤلات، في السنين الأخيرة، حول إمكانية التعرض لزلازل. فمنذ بضع سنين، تتكرر الإنذارات الساخنة لاحتمال حدوث هزة أرضية وشيكة في فلسطين. ومن المتوقع أن تحدث مثل هذه الهزة، في كل لحظة.
وحسب دراسة المعطيات الإحصائية للهزات الأرضية التي حدثت في فلسطين في السنوات الألف الأخيرة، فقد تم بلورة سيناريو أولي للهزات المتوقع حدوثها مستقبلا، حيث يتوقع حسب الدراسة الإحصائية، حدوث ارتجاجات جيولوجية جدية في فلسطين، خلال العقود القريبة القادمة، علما بأن المعطيات الإحصائية تبين أن الهزات الأرضية العنيفة في فلسطين كانت تحدث كل نحو 100 عام.
ولو أخذنا في الاعتبار الزلازل القوية التي حدثت في جنوب وشرق أسيا، كما حال زلزال شمال إندونيسيا الذي حدث في أواخر عام 2004 (بقوة 9 درجات على سلم ريختر)، وزلزال اليابان (شرق أسيا) الأخير في آذار الماضي (بقوة نحو 9 درجات أيضا)، نجد أن هذين الزلزالين حدثا بسبب تقارب، وبالتالي تصادم، صفائح القشرة الأرضية (الصفيحة الهندية)، وهذا يعني أن هناك احتمالاً كبيراً في حدوث تحركات في الجهة الغربية، أي في الصفيحة العربية، بسبب تباعدها عن الصفيحة الهندية.
إذن، المنطقة الثانية المعرضة للهزات، وإن بمدى أقل، هي تلك التي تتأثر من تباعد الصفائح نتيجة لتقاربها في الجانب الآخر، وهذه المنطقة تحديدا هي المنطقة العربية. وتتكون في هذه المنطقة تصدعات وكسور جيولوجية بسبب هبوط جزء من القشرة الأرضية، كما في البحر الأحمر على سبيل المثال. ومن المتوقع ألا تزيد قوة الزلازل في منطقتنا على 7 درجات، خاصة إذا كان مركز الزلزال في منطقة طبريا أو إصبع الجليل.
تقوية المباني ضد الزلازل
بالرغم من الكارثة المتوقعة، لا يوجد في الضفة الغربية وقطاع غزة نظام قانوني يفرض، فعليا، متطلبات البناء حسب المواصفات المقاومة للزلازل، علما بأن الرقابة فيما بعد انتهاء عملية البناء لا تستطيع أن تغير شيئا يذكر.
ويفترض بالجهات الحكومية المسؤولة أن تسن قانونا يفرض قيام المهندسين المعماريين المستقلين وخبراء الزلازل، بعملية الرقابة على المباني العامة والخاصة. وكما هو متوقع، لن يعاني قاطنو المباني التي أنشئت حسب المواصفات من خسائر بشرية، حتى في حال حدوث هزات أرضية كبيرة.
وفي الآونة الأخيرة، يحاول بعض العلماء توفير الحلول الفعالة لتقوية المباني ضد الهزات الأرضية. ومن أهم التوصيات المقترحة: إضافة جدران، إصلاح المباني بواسطة مواد مركبة من ألياف خاصة، مراقبة كتل الأجسام والأثقال المتحركة (الدينامية) في داخل المباني، تقوية المباني بواسطة كوابل أو قضبان فولاذية، وغير ذلك. وحسب ترتيب الأولويات، يفترض، بداية، معالجة المباني والمنشآت العامة والحكومية، الجسور، المستشفيات، المؤسسات التعليمية، المدارس، الاتصالات، وما إلى ذلك. إذ إن هذه المباني والمنشآت يجب أن تكون عاملة في أثناء الهزة الأرضية وبعدها، لتقديم المساعدة اللازمة. وفي الواقع، جميع المباني غير المطابقة للمواصفات يجب تقويتها بالإضافات المناسبة، أو بإضافة أجنحة إضافية لها، أو بتعبئة الفراغات في الطوابق الأرضية بالباطون.
|
منزل على جبل الزيتون في القدس دمره زلزال عام 1927 |
قرأت هذا التقرير مرتين وأعدت قراءته في جريدة القدس من هول المعاني البيئية والجيولوجية والإنسانية المؤثرة التي تضمنها ..قيس الواوي
صور الدمار لزلزال 1927 ليست ببعيدة زمنيا (84 سنة فقط) ومع ذلك لا أحد من الجهات المسؤولة يحرك ساكنا. نأمل أن يتم العمل فورا بعد نشر هذا التقرير ...
كامل أبو سعدى
هذا تقرير مرعب...لكن لا حياة لمن تنادي، بلرغممن أن الخبراء يحذرون منذ بضع سنوات من الزلزال القادم لا محالة. متى ستتحرك الجهات الحكومية المعنية في السلطة الفلسطينية لاتخاذ الإجراءات الوقائية؟ أم أنها ستتحرك بعد وقوع الكارثة وحينها لن ينفع الندم ولا صرير الأسنان؟
عاهد كاتبة
حقا، لقد عقدت العديد من الاجتماعات وورشات العمل والندوات لمناقشة مسألة الزلازل، لكن الفعل على الأرض صفر. نأمل أن تزداد حصيلة الفعل على الأرض إلى مافوق الصفر، وبأسرع وقت .
كايد زعطوط
|