"
خلل ثقافي وثغرات قانونية
من جانبه، قال رئيس النيابة العامة د. أحمد براك:" نحن سلطة تحقيق واتهام وإحالة إلى المحكمة. أما المشكلة فهي عدم وجود ثقافة، لأن موضوع البيئة لا يرتبط بقانون ناظم فحسب، وإنما بثقافة ووعي يسيران جنباً إلى جنب".
وأكد وجود قضايا أمام المحاكم لا يتم النظر فيها فقط على أرضية قانون البيئة، وإنما ثمة قوانين أخرى كالصحة، لكن هذا النوع من القضايا قليل في نوعه وكميته.
وتطرق د. براك لوجود أرقام وقضايا على طاولة محاكم البلديات على أساس بيئي، غير أن المشكلة تكمن في وجود تداخل قانوني، وتنازع بين نصوص متشابهة، وغياب الثقافة البيئية.
ونوه إلى المادة الثالثة من قانون البيئة، التي نفت وجود مصلحة خاصة لتحريك الدعوى في المخالفات والانتهاكات البيئية.
وأشار إلى أنه لا يمكن إطلاق دعوة ولو نظرياً لتشكيل قضاء مختص بالبيئة وغيرها، لأن ذلك غير واقعي، وله عواقبه القانونية. وتستعين النيابة في الوقت الراهن بأصحاب الاختصاص والخبرة في العديد من القضايا التي تستدعي ذلك.
مشهد قاتم
ورأى مدير عام معهد الأبحاث التطبيقية "أريج"، د. جاد اسحق أن البيئة في فلسطين لا تحتاج إلى لغة دبلوماسية، وإنما إلى لهجة واقعية، لتعدد المخالفات التي يرتكبها الأفراد والمؤسسات. وقال: "إذا نزلنا إلى أي شارع، سنرى 50 مخالفة بيئية في لحظات. واستغرب اسحق، عدم تشكل سحابة سوداء فوق فلسطين، على غرار القاهرة، لكثرة ما يمارسه الأفراد والمؤسسات من اعتداءات."
واستند إلى أرقام إحصائية قالت إن المساحات الزراعية في فلسطين لم تزد منذ العام 1967، رغم كل ما قيل عن حملات التخضير، وزراعة مليوني شجرة عبر شاشات التلفاز. كما أن السموم الخطيرة كـ"الفوليدول" تباع في الأسواق بترخيص، مثلما تنتشر ممارسات خطيرة للمحاجر، ونضح للمجاري، وسرقة للآثار ونهبها.
ورأى إسحق أن المشكلة ليست في وجود القانون، وإنما في تطبيقه، مشيراً إلى أن السلطة تأخرت 4 سنوات عن سن قانون للبيئة، فقد اقترحت قبلها، مؤسسات معنية "القانون الفلسطيني لحماية البيئة"، بمشاركة السلطة نفسها.
انتقادات حادة
ووصف القانون بالحالي، بـ"المائع والهزيل والذي لا يتناسب مع القرن الحادي والعشرين" ما أثار حفيظة جميل المطور. وذكر اسحق، بوجود وثيقة لوزارة التخطيط، جاءت لتنفيذ أحكام القانون، واعتبرت حماية البيئة كحقوق الإنسان، لكنها أحيلت لوزارة العدل.
وأضاف: "صراعنا مع الاحتلال حول حقوقنا الأساسية، ولا يعقل أن يكون الاحتلال نفسه شماعة لانتهاك البيئة من قبلنا، ولغياب فكرة المواطنة نحوها". وأضاف بأننا مقبلون على استحقاق خطير في أيلول القادم، وعندها سنطالب برفع تقارير للهيئات الأوروبية والدولية، حول الوضع البيئي لدينا، وهي تقارير تطالب بالمعرفة بالنسب والأرقام.
وتحدث إسحق عن تقرير ما يسمى "مراقب الدولة" في الدولة العبرية، الذي انتقد جيش الاحتلال لعدم معالجته لمياه الصرف الصحي في أحد المعسكرات، لكنه في الوقت نفسه يقتل الإنسان وينهب الأرض والمياه.
غياب
وانتقد مدير عام "أريج" آلية التعاطي الرسمي مع البيئة، وغياب ممثلي وزاراتي الزراعة والحكم المحلي، وسلطة المياه عن الندوة، وأوضح أن مشروع "مكب زهرة الفنجان" في جنين يمكن أن يُطال عمره خمسة أضعاف، في حال تدوير ما يصله من نفايات.
حرب!
واقر المطور، بوجود مشكلة في تطبيق القانون وتفعيله، في وقت تتوافر فيه الرغبة لدى السلطة لفعل ذلك، لكن الوضع غير وردي. واعترف في السياق ذاته، بأن تطبيق القانون بحذافيره، سيؤدي "إلى اندلاع حرب في البلد"، ويغلق ثلاثة أرباع المصانع القائمة منذ سنوات. وقال إن مفاحم يعبد بمحافظة جنين، تشكل مصدر رزق لمائتي أسرة، لم تقم بتسوية أوضاعها، ولم تنل ترخيصاً، وابلغنا الجانب الإسرائيلي بأنها شأنٌ داخليٌ يتصل بنا، ولن نقفلها لحل مشكلة المستوطنين في المنطقة، وقلنا لهم بأن يحلوا مشكلة مصانع "جيشوري" للكيماويات قرب طولكرم. وأكد المطور وجود محاولات غير معلنة لتشكيل شرطة بيئية.
وقال جاد اسحق، إن الواقع الفلسطيني مقلق كثيرًا، منوهاً إلى أن فئة قليلة من مزارعي الفارعة، جففوا نبع المنطقة، بقوة السلاح.
تواطؤ
وتطرق الباحث ومسؤول تحرير"آفاق البيئة والتنمية" جورج كرزم إلى التواطؤ في بعض قرى غرب رام الله، والذي ساهم في منع معاقبة تجار تورطوا في تهريب نفايات إسرائيلية خطيرة. وتحدث عن تعارض واضح بين نصوص القانون من جهة، رغم ما فيه من ثغرات، وبين مصالح تجارية وجهات مستفيدة.
واستشهد كرزم بما تنفذه المجلة من دراسات وأبحاث، توثق بالصورة والمعلومة العديد من الخروقات التي يمارسها أفراد وجهات مختلفة.
اقتراح
وقال أستاذ الجغرافيا في جامعة بيرزيت د. عثمان شركس، والناشط في قضايا التنوع الحيوي: "إن الحديث يدور عن انتهاكات إسرائيلية ضد بيئتنا، لكن ذلك يجب أن لا يأتي ليصبح "شماعة" تبرر انتهاكات أبناء شعبنا".
وتساءل عن عدد المرات التي توجهت بها مؤسسات أهلية وأفراد إلى القضاء، ضد جهات انتهكت قانون البيئة.
وانتقد شركس غياب الأرقام الدقيقة، وعدم توثيق الاعتداءات البيئية، مشيراً إلى أهمية المبادرة في توثيقها، ومنوهًا إلى غياب الثقافة البيئية في المجتمع، ومستغرباً من غياب قضايا البيئة عن وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة.
ونقل تجربة شخصية عاشها قبل أيام، حينما شاهد أهالي إحدى القرى قرب الباذان، يقطعون الأشجار المعمرة، دون وجود أي جهة تمنعهم.
واقترح توثيق الانتهاكات التي تطارد البيئة الفلسطينية، بغض النظر عن المتسبب بها.
اعتدءات
من جانبه، أكد مدير عام مركز التعليم البيئي، سيمون عوض على ضرورة تصنيف ما يواجهنا من انتهاكات، مشيراً إلى وجود اعتداءات لا يمكن إصلاحها إذا ما وقعت، كقطع أشجار معمرة، وتجفيف مصادر المياه، وتلويث الهواء، وموضوع الكسارات.
وتحدث عوض عن عقبات عديدة تقف في وجه تطبيق القانون، ومتابعته كما حدث في بيت جالا، حينما نفذت جهات اعتداءات ضد محمية طبيعية، وقطعت أشجارها، ولم تستطع الأجهزة الأمنية حينها ملاحقة الفاعلين، لوقوع المنطقة ضمن ما يسمى" مناطق سي".
وطالب بتفعيل الأداء المؤسساتي، وبناء القدرات للعاملين في مجال البيئة، ورفع مستوى الوعي البيئي في الأوساط الشابة، بموازاة بذل مجهود إعلامي متخصص، يروج للممارسات البيئية الإيجابية ويوقف الاعتداء عليها.
ثغرات
وقال مستشار سلطة جودة البيئة القانوني، مراد المدني، إن قانون البيئة المعمول به منذ سنوات لم يقر من سلطة البيئة، وإنما من المجلس التشريعي. وإذا ما تم النظر إليه في نطاق عربي ودول العالم الثالث فهو جيد، لكنه في الإطار العالمي ناقص وبه ثغرات.
وأضاف: "يقيد القانون سلطة جودة البيئة، عندما يلزمها بالتنسيق والتعاون مع جهة أخرى، مثلما لم يوضح الحدود الفاصلة بين البيئي وغير البيئي، عدا عن وجود تنازع في الصلاحيات، وتعارض مع نصوص قانونية أخرى، وأرتكز على وضع العديد من القيود لوضع تعليمات وأنظمة خاصة للتنفيذ. كما أن التشابك في الاختصاصات واللوائح والأنظمة مع المشاريع الأخرى، يخلق ازدواجية وتنازعاً ويفرض قيوداً."
يفيد: "غير أن من إيجابياته أنه يقوم على الشخصية الاعتبارية التي تستند على البيئة، وهو ما ينفي اشتراط المصلحة الخاصة".
اشتراطات
وتحدث مدير عام مركز أبحاث الأراضي جمال طلب عن ضرورة تحديد أولوياتنا، وحصرها بالأرض والمياه والزراعة والهواء، والتوقف عن عمليات تلويث التربة، وفرض المزيد من القيود على منتهكي القوانين.
وقال: "يفرض علينا الواجب تنسيق الجهود، والشراكة لتفعيل القوانين وتطوير الأداء، وصولاً لتفعيل الشرطة البيئة، لوقف الانتهاكات".
وأعتبر طلب وجود مجلة إعلامية بيئية في فلسطين، خطوة هامة لبث الوعي البيئي، ولتوثيق الانتهاكات. ونوه إلى مساعي الاحتلال لمصادرة الكثير من الأراضي بدعوى أنها مصدر تلوث، رغم أن مستعمراته هي التي تسببت بذلك، كما حدث في أرض قرب رأس كركر بمحافظة رام الله.
ومضى يقول: "بينت المادة 33 من القانون الأساسي، أن مسؤولية حماية البيئة ليست محصورة على سلطة جودة البيئة، وهذا يوجب المؤسسات المختلفة بممارسة دورها، ويحتم إطلاق شراكة اجتماعية لتطبيق القانون".