بسبب الممارسات الخاطئة: التنوع الحيوي الفلسطيني في خطر

رائد جمال موقدي
خاص بآفاق البيئة والتنمية


تكسو السهول والجبال في بلادنا، في بداية فصل الربيع من كل عام، حلة جميلة من مختلف أنواع النباتات  العشبية، مثل العقوب ولسان الثور وبعض النباتات الطبية مثل الزعتر والمريمية، بالإضافة إلى انتشار أنواع عديدة من الورود كوردة الحنون التي تتميز بها بلادنا.
لكن بالتوازي مع هذا الانتشار،  تكثر بعض الممارسات السلبية الخاطئة التي يرتكبها بعض المستجمين أو التجار الباحثين عن تلك النباتات في السهول أو بين ثنايا الصخور بهدف الاتجار بها، فيقدم قسم كبير منهم  على إتباع أساليب خاطئة في قطف تلك النباتات خاصة من جذورها، بشكل ينعكس بأثره السلبي على نمو النباتات، واستمرار انتشارها في المنطقة مستقبلا.
بالإضافة إلى ذلك، تستخدم المبيدات العشبية التي يكثر استعمالها بشكل عشوائي وغير منظم من قبل المزارعين الذين يستخدمونها بتركيز يفوق ما هو محدد لهم، ظنا منهم بزيادة فاعلية عملية الرش والقضاء على الأعشاب الربيعية، والتي تعتبر خطراً يعكس بظلاله السلبية ليس على جودة النباتات الحقلية فحسب، بل يقضي على أي فرصة لنمو النباتات الطبية والعشبية الربيعية في المنطقة، نظرا لتلوث التربة بمتبقيات المبيد ذي التركيز العالي.
وقد أصبح يتردد على مسامعنا ما نشاهده بأم أعيننا من تقلص المساحات المزروعة بتلك النباتات  الربيعية الجميلة، عظيمة الفوائد والمنافع على صحة الإنسان، والتي تنتشر في معظمها في المناطق الدافئة مثل الأغوار الفلسطينية لدرجة أنها أصبحت نادرة في بعض المناطق التي كانت  تنتشر فيها، وقد يعلق البعض سبب التقلص، على شماعة تغير المناخ وقلة الأمطار المتذبذبة بين العام والآخر، ولكن يبقى  الاستهتار والجهل في أحيانٍ كثيرة في طرق التعامل مع تلك النباتات الربيعية من قبل المستجمين والتجار وحتى المزارعين أنفسهم، العامل الرئيس وراء تقلص المساحات المزروعة بالنباتات، مما ينعكس بظلاله بشكل واسع على ديمومة تلك  النباتات في المنطقة.
ولكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما الدور المنوط من المؤسسات الرسمية وجمعيات حماية الطبيعة في حماية تلك النباتات من الانقراض؟  وما دورنا نحن كأفراد في تحمل المسؤولية بالدرجة الأولى في الحفاظ على ديمومة الحياة الخضراء، في ظل المنحى الخطير الذي يمس وجود النباتات الربيعية؟

1600 نوع من النباتات الطبية في فلسطين
"هناك نباتات طبية غير موجودة إلا في فلسطين، وتفوق ما هي موجودة في الدول المجاورة، لدرجة أنها تعادل النباتات الطبية في بريطانيا، حيث تصل إلى 1600 نوع".  هذا ما أكده خبير التنوع الحيوي والأستاذ في جامعة القدس بنان الشيخ.
حيث شدد الأستاذ الشيخ، على خطر محدق في النباتات البرية في بلادنا بالقول: " إن النباتات الطبية منتشرة أكثر من غيرها ولكنها تعاني من الحصاد الجائر وإهمال القطف المستدام، أي قطف الجزء المثمر من النباتات، حيث أن نبات الصميعة والحنظل يقتربان من الاندثار نتيجة القطف الجائر لهما.
وبين الشيخ أن هناك توجهاً إلى نبات اللوف، الذي يحوي الكثير من العناصر الطبية، كتلك المقاومة للسرطان كما أنه يباع بكثرة في الأسواق الفلسطينية حاليا.
لكن ما الدور المفترض من المؤسسات الرسمية والأهلية في التوعية حول تلك النباتات المهددة بالانقراض، نتيجة القطف الجائر هنا؟
يذكر أن المؤسسات الحكومية والخاصة المنتشرة في بلادنا لا تولي العناية والتركيز الكافي اللازم للحد من القطف الجائر لتلك النباتات، فلا توجد أي تشريعات رسمية واضحة تردع كل من تسول له نفسه المس بالتنوع الحيوي في بلادنا، كفرض غرامة مالية أو السجن على كل مواطن يلحق الأذى بالتنوع البيئي في المنطقة، البعض يدعي أن المسؤول الأول عن ذلك، هو الاحتلال الذي يسيطر على معظم الأراضي والجبال الفلسطينية والتي تقع ضمن المناطق المصنفة c ، إلا أن هذا لا يعطي مبررا حقيقيا لغياب التشريعات الواضحة للحد من هذه الظاهرة المزعجة في بلادنا.
حتى النشرات التثقيفية حول طرق التعامل مع تلك النباتات فهي شبه معدومة، حسب ما صرح به السيد  مدير سلطة البيئة في محافظة نابلس، كذلك هناك نقص واضح في المراجع والكتب العربية حول التنوع الحيوي بمختلف النباتات المنتشرة في فلسطين، باستثناء بعض المراجع الإسرائيلية التي تعتمد التسميات العبرية لتلك النباتات.
كذلك هو الحال بالنسبة لمناهجنا التعليمية، فهي تفتقد إلى نشاطات تطبيقية كافية لتوعية الطلبة وإرشادهم حول التعامل مع النباتات البرية والطبية والمحافظة عليها، مما يعد مؤشراً خطيراً يجب الالتفات إليه، وإعطاؤه القدر الكافي من الاهتمام، لما تشكله البيئة والتنوع الحيوي من ركيزة أساسية للوعي البيئي.
  ويبقى التساؤل الآن في ظل الظروف التي نمر بها، من استهداف لتراثنا وبيئتنا من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ألم يحن الوقت لوضع قضايا البيئة والتنوع الحيوي في مكانها الصحيح؟ وكذلك تخصيص كل ما  يلزم لحمايتها وتطويرها بشتى السبل والوسائل المتاحة؟ نستطيع ذلك من خلال إنشاء المزيد من مراكز بحوث البيئة، وتكثيف النشرات الإرشادية والصور التوضيحية لطبيعتنا الجميلة، ما من شأنه إيلاء تلك النعمة التي خصنا الله بها، العناية والاهتمام اللازمين.

التعليقات

 

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية