باحثون يدعون لإطلاق هيئة عليا للحفاظ على البذور البلدية

خاص بآفاق البيئة والتنمية:

 دعا مختصون وباحثون في مجال البحوث الزراعية إلى إطلاق  هيئة وطنية عليا، تتوحد بداخلها الأطر والمؤسسات والمراكز الناشطة في مجال الزراعات البلدية والتقليدية، وتحظى بموازنة دائمة وكافية، بهدف الحفاظ على التراث الفلسطيني من أمهات البذور المهددة بالانقراض.
وطالبوا بضرورة الشروع في  بناء قاعدة معلومات أساسية بالبذور التقليدية لتصنيفها، والحفاظ على الأصول البلدية من نباتات وأشجار على حد سواء.
وقال المشاركون في الندوة الشهرية لمجلة "آفاق البيئة والتنمية"، التي عقدت أواخر آذار الماضي في جنين، إن الوقت قد حان لاتخاذ تدابير ملموسة، تحافظ على الأصول البلدية للبذور، وتسعى لتنفيذ سلسلة أبحاث عليها لتكثيرها وتصنيفها وتوضيح أهميتها الاقتصادية والبيئية، بموازاة دعم المزارعين وإيجاد الأسواق الملائمة، ومراقبة مدخلات الإنتاج التي تغرقها البذور المهجنة والكيماويات والسموم.
وتحدث في الندوة التي حملت عنوان "آفاق العودة إلى الزراعات البلدية والتقليدية المميزة لمحافظة جنين" رئيس قسم المشاهدات الحقلية في المركز الوطني للبحوث الزراعية سامح جرار، ومنسق محافظة جنين في الإغاثة الزراعية عمر الدمج، ومنسق المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) بالأراضي الفلسطينية د.عبد الله العمري، ورئيس قسم التخطيط في مديرية زراعة جنين، إبراهيم الملاح، ورئيس قسم الإنتاج النباتي فيها حكم صلاح، والمهندس في اتحاد لجان العمل الزراعي محمد شنابل، والخبير الزراعي في معهد الأبحاث التطبيقية (أريج) فراس بدران، والمزارع العضوي معروف أبو سمحة.

نقد
وقال الصحافي المهتم بقضايا البيئة عبد الباسط خلف، الذي أدار الندوة، إن الإعلام البيئي يمكنه المساعدة في طرح قضايا تمس الصحة وجودة البيئة، وأضاف: " الإعلام الفلسطيني يبدو أنه غير معني  بالبيئة، ويمارس تغييبا لها، بدعوى الهموم السياسية والوطنية، حيث يتناسى أن قضية بوزن البذور البلدية، تمس كل الشرائح في المجتمع بنتائجها، حينما تصل إلى غذائهم،... المفارقة تتمثل في أن البيئة تصل إلى موائدنا ولا تصل إلى إعلامنا بالشكل الذي تستحقه، وهذه معادلة تحتاج إلى تغيير".
وقد أجمع المشاركون على ضرورة وجود كادر مؤهل من الخبراء والباحثين، لتطوير الاهتمام بالزراعات البلدية، التي تهددها المبيدات الكيماوية، والتعديل الوراثي، والشركات الاحتكارية التي لا تأخذ غير أرباحها المادية بالاعتبار.
وناقشت الندوة العوامل التي أدت إلى الانكماش الكبير في الزراعات البلدية المميزة تقليدياً وتاريخياً لمحافظة جنين مثل القمح والشعير والبطيخ وغيرها؛ ومن ثم انتشار الممارسات الزراعية اللابيئية واللاتنموية، التي أدت إلى ضعف التنوع في المحاصيل واستعمال الكيماويات الزراعية والتركيز على البذور المهجنة والصناعية التي تحتاج إلى كمية كبيرة من المياه وغير ذلك، مما ساهم في تعميق أزمة الأمن الغذائي والتبعية للمدخلات الزراعية الإسرائيلية.
واستعرضت الندوة الواقع الغذائي الحالي في الضفة الغربية، من ناحية الإنتاج الزراعي المحلي ومدى تغطيته للاحتياجات الأساسية، وبالتالي الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، ومدى التبعية للسلع الغذائية الإسرائيلية والمستوردة.

تحليل
  وحلل المشاركون العوامل التي أدت إلى التراجع الكبير في الزراعات البلدية التقليدية التي كانت في الستينيات والسبعينيات تسد الاحتياجات المحلية، فضلا عن التصدير إلى الأردن والخليج العربي.
 وتتبعوا أسباب ضعف أو اختفاء الكثير من المحاصيل البلدية التقليدية الحقلية، والحبوب والخضروات، مثل القمح والشعير والبطيخ والعدس والحمص وغيرها.
 وتطرقوا إلى مدى مساهمة الأنماط الزراعية الكيماوية غير الصديقة للبيئة والتربة وصحة الناس في ضرب الزراعات البلدية وتعميق الأزمة، باعتبارها تساهم في تثبيت التبعية للمدخلات الخارجية اللازمة للزراعة مثل البذور المهجنة الإسرائيلية والمستوردة، والأسمدة والمبيدات الكيماوية وغير ذلك، وبالتالي تراجع خصوبة التربة وإنتاجيتها، وتفاقم انتشار الأمراض والآفات الزراعية التي لم نعرفها قبل دخول الكيماويات الزراعية إلى المناطق الفلسطينية.
 وأسهب المختصون في الإشارة إلى آفاق تشجيع وتطوير الإنتاج الغذائي والزراعي البلدي البيئي القائم على إنتاج الاحتياجات الأساسية للناس، وتنويع المحاصيل، والتركيز على الأنماط الزراعية البلدية والعضوية الصديقة للبيئة والمساهمة في التحرر من التبعية الغذائية للأجنبي، والمعززة لاقتصاد الصمود. وآفاق التوجه المنظم لتشكيل بنوك للبذور البلدية التقليدية الأصلية.

ندوة الزراعات البلدية

اختفاء
وأورد رئيس قسم التخطيط في مديرية زراعة جنين، المهندس إبراهيم الملاح أسباب اختفاء الأصناف البلدية، بعد ظهور الأصناف الجديدة، واعتقاد المزارع أن الإنتاجية للبذور المهجنة أعلى. مثلما دفعت التغيرات الاقتصادية إلى التوجه نحو الأنماط الحديثة وما حملته من إغراءات للمزارعين، والتي ارتكزت على المياه والأسمدة الكيماوية، وغيرت قواعد الزراعة ومواقيتها، وتحولت النظرة إلى الإنتاج الكمي عوضًا عن النوعي.
وأشار المزارع العضوي معروف أبو سمحة، الذي يمارس مهنة الفلاحة في سهل ميثلون منذ طفولته، إلى أن الجدوى الاقتصادية، وسرعة الإنتاج، هي التي أغرت الفلاح بالتخلي عن البذور البلدية. وقال إن الاحتلال في بداياته، وفر كميات كبيرة من البذور المهجنة مجانًا، وهو ما أدى إلى ضياع الأصناف التقليدية، وأصبحت الأساليب الحديثة بما فيها من كيماويات، وأسمدة غير طبيعية، هي القاعدة، أما المزروعات البلدية فتحولت إلى استثناء. مثلما اختفى مفهوم إتباع دورة زراعية، ولاحقاً انقرضت زراعة البطيخ والبندورة من مرج صانور، وانتشرت أمراض التربة بشكل كبير.

غياب
 ووصف منسق محافظة جنين في الإغاثة الزراعية  المهندس عمر الدمج  ظاهرة اختفاء البذور البلدية بالعملية المركبة، التي يتحمل مسؤوليتها المزارع من جهة، ويتسبب في تعميقها غياب جسم وطني للمزارعين، يحمى الأرض ويعزز من مرددوها من جهة أخرى. وقال  إن الزراعة اليوم صارت تجارة، بعد أن كانت تحمل أبعاداً وطنية كبيرة. وقارن الدمج بين حال البذور البلدية، وطبيعة المحافظة عليها محلياً بأقطار عربية كسوريا، موضحًا أن الأخيرة تحافظ على  البذور  التقليدية، وأنه شاهد الكثير من الأصناف التي كانت شائعة في فلسطين، ولم يعد لها أي وجود، كالبطيخ "الجدوعي" و"المحيسني" و"زند العبد"، و"القمح النورسي" و"الهيتي"، والبندورة البلدية وغيرها..
واعتبر رئيس قسم المشاهدات الحقلية في المركز الوطني للبحوث الزراعية، المهندس سامح جرار، أن اختفاء الأصناف مسألة خطيرة، كونها اكتسبت صفات وراثية عبر مئات السنين. ويشكل ضياعها تهديداً للمخزون الوراثي. وأوضح أن خطورة الأصناف المهجنة، تحمل أبعاداً بيئية واقتصادية، وهي لا تقاوم الجفاف، ولا يمكن إكثارها.
واستعرض تجربة المركز في شراء بذور بلدية من مزارعي البقيعة في الغور، لكن هؤلاء لم يدركوا مخاطر انتقالهم إلى أنواع من القمح  تحتاج إلى كميات أمطار عالية، ولا تتوافر في الأغوار، ما أدى إلى خسائر اقتصادية وبيئية للمزارعين.

وصف
وأفاد منسق المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة(إيكاردا) بالأراضي الفلسطينية د.عبد الله العمري، إن مؤسسته تعمل منذ العام 1996 على حماية البذور البلدية، التي تنبع أهميتها من أنها مرتبطة بتاريخنا، وهي مستودع للجينات، وقد حافظت على نفسها منذ ملايين السنين.
وأكد العمري أن الأصناف البلدية تتشكل من مجتمعات، ويمتلك كل منها انعزاليات وراثية خاصة، كالحساسية للأمراض، ومقاومة الجفاف، وتأقلمها مع التغير المناخي.
وعدّد أهمية الأصناف المحلية، التي تمتاز بإنتاجية عالية، وتقلل احتمالات إصابتها بالآفات. مثلما أشار إلى ضرورة إطلاق اتحادات لمنتجي البذار، يقومون فيما بينهم بتكثير أصولهم البلدية، ويعيدون توزيعها وزرعها، وهي تجربة موجودة في أفغانستان وإثيوبيا.
وأوضح الخبير الزراعي في معهد الأبحاث التطبيقية (أريج) فراس بدران، أن استخدام مصطلح" بنك البذور" بحاجة إلى تعديل. واقترح إطلاق تسمية وحدة بذور مجتمعية، يتشارك فيها المزارعون للحفاظ على الأصول التقليدية.

تجارب
واستعرض بدران، تجربة أطلقها معهد (أريج)، وسعت للحفاظ على التنوع الحيوي، وزرعت عشر دونمات في محطة بيت قاد (أين هذا المكان؟) بأصناف مختارة من أشجار يتهددها الانقراض كالجمييز والزعرور، فيما أنتجت الوحدة نحو 80 طناً من القمح والشعير، ووزعت البذور على 502 مزارعاً.
وصنف بدران أنظمة البذور الشائعة عالمياً، والتي تنقسم إلى: نظام رسمي للشركات التي تسعى إلى الربح، ونظام غير رسمي قوامه مزارعون يحافظون على أصولهم التقليدية.
واقترح تغيير تسمية الزراعات البعلية، بزراعات شبه بعلية؛ لأن النمط الأول اختفى تقريباً في سبعينيات القرن الماضي. مثلما تغيب عن خططنا سياسات التنميط الزراعي.
وأعاد المهندس في اتحاد لجان العمل الزراعي محمد شنابل، بدايات بنك البذور الذي أطلقته مجموعة البنك الوطني للبذور البلدية، وهي الفكرة التي أطلقها الاتحاد منذ العام 1998 لحماية وحفظ وتوثيق البذور البلدية، التي تعود لأصناف الخضار والحبوب والمحاصيل الحقلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، عبر تجديد وإحياء البذور البلدية والمعرفة التراثية المرتبطة بها، والانتفاع بمصادرها الوراثية النباتية، وتوثيق هذه المصادر باستخدام التكنولوجيا الحيوية. مثلما يعمل البنك كنظام تدعيم يمكّن فيه إحياء وإعادة إدخال سلالات مفقودة أو تلك التي على وشك الانقراض، وتساعد على إدارة الجفاف في مستوى المجتمع.
يتابع: "تأتي مهمة تعيين وجمع وانتقاء وخلق آليات لتوفير سلالات بذرية أصلية للمزارعين ولأفراد المجتمع، تليها مسؤولية تحسين السلالات البذرية عن طريق الانتخاب بأسلوب التحسين بالمشاركة، وزيادة كمية البذور وحفظها في عدة مستويات آمنة وتكثيرها، بجوار إدخال معلومات تفصيلية عن كل صنف لقاعدة البيانات تشمل الصفات المظهرية والوراثية. وفي وقت يشهد حرب بذور، تمارس الشركات التجارية تخريباً بما تنتجه، وتتعرض الأمهات التقليدية لخطر الانقراض. ويصف البذور البلدية بالأكثر قدرة على تحمل الآفات وظروف الجفاف، وبالمنتجة اقتصادياً".
واستعرض المهندس عمر الدمج، تجربة الإغاثة الزراعية التي بدأت بها المهندسة أنجي جابر، إذ جمعت العديد من الأصناف البلدية، واستطاعت الوصول إلى أنواع كادت تندثر، كالباذنجان البتيري، والفقوس الساحوري وغيرها. وقال: "إن المشاكل التي تقع فيها الزراعات البلدية هي عدم وجود تكامل في تنوعها الحيوي".

اختلافات
وتطرق رئيس قسم الإنتاج النباتي في مديرية زراعة جنين المهندس حكم صلاح، إلى الاختلافات التي طرأت على طبيعة الأنماط الزراعية، فقبل نصف قرن، كانت الحياة مختلفة في ظروفها وتقنياتها الزراعية. وكان المزارع ينفق وقتاً أطول  في الاعتناء بمزرعته، دون الحاجة إلى مواد كيماوية وأسمدة وبذور مهجنة، وكان يدخل في دورة زراعية. أما اليوم، فلم يعد المزارع يقضي وقتاً طويلاً كالسابق، وربما يدير شؤون حقله عبر الهاتف، ولا يصل أرضه إلا في المناسبات.
وتحدث صلاح عن تغيرات في أذواق المستهلكين، وعادات المزارعين، وتوقيت المواسم الزراعية. وأشار إلى تجربة محافظة جنين التي كانت تصدر البطيخ في الماضي القريب، لكنها اليوم تستورده.
 وأشار إلى اختفاء البذور البلدية، التي جمعها الاحتلال، ودرسها وصنفها، واستفاد منها في عمليات التهجين التي قام بها. واستذكر صلاح، كيف كان الإسرائيليون يجمعون الحيوانات الهزيلة لفحصها وإجراء التجارب عليها وفحص جيناتها، في وقت كانت تشيع توقعات بأنهم يأخذونها لحديقة الحيوانات، والشيء نفسه حصل مع البذور، التي جمعها الاحتلال، وتخلينا عنها نحن!

جانب من المشاركين في ندوة الزراعات البلدية في جنين

 

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية