أين "المسؤولية الاجتماعية للشركات" عندما تقتل المنتجات الطبيعة والناس؟ ارتفاع كبير في زراعة المحاصيل المهندسة وراثيا لأغراض تجارية برنامج أميركي لتسريع تسجيل الاختراعات الخضراء شذرات بيئية وتنموية: اليابان أطفال "الفروش" يوجهون رسائل للسياسيين ويرسمون عطشهم ورشة بعنوان " المياه والمدن: واقع المياه والصرف الصحي ‏في قطاع غزة" لتقليل استهلاك الوقود: اسبانيا تخفض السرعة المسموح بها في الشوارع الانتفاضات تعطل المساعي لخفض الانبعاثات الكربونية العربية بيبسي تتفوق على كوكاكولا بزجاجة صديقة للبيئة الخبيزة وأخواتها "بساتين فلسطين": أزهار مُلوّنة وصناعات تقليدية وتدوير وبنك بذور استثمار 1.3 تريليون دولار سنويا في الاقتصاد الأخضر سيولد استقرارا اقتصاديا مسؤوليتنا تجاه كوكبنا -فيلم وثائقي قصص بيئية بقلم طالبات مدرسة الوردية في القدس المحتلة إنتاج الكُمْبوسْت أم سلامة: تحارب الفقر والغلاء بالمعجنات خف الجمل (خبيزة الراعي) تمويل الاستعمار مغارة الحليب

منبر البيئة والتنمية

 

أين "المسؤولية الاجتماعية للشركات" عندما تقتل المنتجات الطبيعة والناس؟

 

أين "المسؤولية الاجتماعية للشركات" عندما تقتل المنتجات الطبيعة والناس؟

حبيب معلوف / لبنان

لم يكن صدفة انتشار مفهوم «المسؤولية الاجتماعية للشركات» والترويج له في العالم، مع صعود مفهوم العولمة. لم يكن صدفة تقدم شأن الشركات مع تراجع دور الدول. مهما كان من أمر، فإن الاعتماد على الشركات ان تكون رقيبة على نفسها، وان تتحمل مسؤوليات اجتماعية معينة... يعني ذلك إعلان إفلاس الدول، أو تخليها عن مهامها الرئيسية. وقد لقي مفهوم تشجيع الشركات على تحمل المسؤوليات رواجا كبيرا في الدول التي تخلت عن "دولة الرعاية" وتركت للسوق الذي تقوده شركات، ان يتحكم هو بالاقتصاد. وقد استفاد مروجو هذا المفهوم، من فساد الدول بلا شك، وإخفاقاتها في تحمل المسؤوليات الاجتماعية، أو في تأمين العدالة الاجتماعية. كما استفادوا من استبداد الدول وتحولاتها البيروقراطية القاتلة للترويج لحكم الشركات الأقل ديكتاتورية والأقل تسلطا واحتكاراً... بدلا من السعي إلى إصلاح تلك الدول وتحسين أدوارها، وإيجاد آليات للمحاسبة والحكم والتغيير والمراقبة والتوازن في السلطات...الخ وسرعان ما تبين ان حكم الشركات وطمعها وتفلتها من رقابة الدول، اخطر بكثير من حكم الدول المستبدة.
ركزت بعض الدراسات الغربية في الفترة الأخيرة على منتوجات الشركات الكبرى التي تقتل مستهلكيها، مثل شركات الدخان والأسلحة، وكان آخرها المحاضرة التي نظمتها كلية العلوم الصحية، بالتعاون مع كلية عُليَّان لإدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت، وتحدث فيها الدكتور نوربيرت هيرشهورن والدكتورة ديما جمالي.  ركز المحاضران على شركات مفضوحة في قدرتها وفي أفعالها التي تظهر للعيان. إلا ان العديد من الشركات، لا تظهر أضرارها بشكل واضح وصريح ومباشر مثل شركات التبغ والأسلحة. فشركات "المأكولات السريعة" على سبيل المثال، تتسبب بالسمنة القاتلة، ولكنها ليست "قاتلة" في الحال، كما رصاصة المسدس! وماذا عن الكثير من الشركات والصناعات التي تنتج الكثير من الصناعات والأدوات الاستهلاكية التي تحتوي على مئات وآلاف المواد الكيميائية القاتلة في تراكمها في الجسم مع مرور الزمن، والتي نستخدمها في حياتنا اليومية؟ وماذا عن تلك التي ترتكب خلال عمليات الإنتاج مخالفات وتلحق أضرارا كبيرة وخطيرة في الطبيعة والمحيط... وليس هناك من يحملها مسؤولية أعمالها؟ ماذا عن المنتجات التي تتحول إلى نفايات خطرة بعد استخدامها والتي تتسبب في تلويث الهواء والتربة والمياه؟ ماذا عن الشركات التي تلاعبت في التركيبات الجينية للكائنات الحية في الطب والزراعة، وقد أدى بعض من أفعالها إلى تهديد التنوع البيولوجي في الطبيعية، أو إلى تغييرات عميقة وخطيرة وغير متوقعة أو متحكم بتأثيرها على الصحة العامة وعلى أسس الحياة نفسها؟!
وهكذا يظهر مفهوم "المسؤولية الاجتماعية للشركات" مفهوما مخادعا، تضلل به الشركات المجتمعات، مثله مثل تبرعات هذه الشركات لمنظمات المجتمع المدني أو الإعلام أو بعض الإداريين الرسميين للتكفير عن الذنوب والتغطية على المخالفات ... ولا سيما الخطرة وغير المنظورة منها. فالشركات التي تبغي المنافسة والربح كقيم عليا لعملها واستمراريتها في الأسواق، لا تعر أية اعتبارات لقيم أخرى في الحياة ولا سيما تلك الاجتماعية منها، ولا يمكن ان تكون مؤتمنة على حقوق الإنسان ولا على مصالح المجتمعات ولا على الموارد وديمومتها... كما لا يمكنها ان تكون بديلا عن الدولة. قد تنجح بعض الإجراءات المطلوبة من الشركات، ولكن إذا كانت الدولة، كجهاز ناظم ومراقب ومحاسب... قوية، وليس العكس، يصبح السؤال الحقيقي عندئذ: أين مسؤولية الدولة وأدوارها التي يفترض ان تستعاد، أو يتم تصحيحها أو تحسينها أو تحصينها، إذا اقتضى الأمر، بدل ان يتم الالتفاف عليها؟
ويصبح السؤال أكثر إلحاحا، حين نعرف ان موازنات بعض الشركات الكبرى باتت تتجاوز موازنات الدول، وان موازنات دعم البحث العلمي للشركات تتجاوز موازنات الدول أيضا. فعلى أية أبحاث يفترض المراهنة في تقييم الآثار الجانبية لمنتجات الشركات وأعمالها؟!
إنّ مفهوم "المسؤولية الاجتماعية للشركات" هو توجه جديد ذو صدى متزايد في السنوات الأخيرة. إن "المسؤولية الاجتماعية للشركات" هي فلسفة وممارسة، بحيث يتم طوعاً دمج معضلة المشاكل الاجتماعية والبيئية لتصبح جزءاً من عمل الشركات واهتماماتها، بحيث يتم تحريك موارد الشركات لإفادة المجتمع. على الرغم من أن "المسؤولية الاجتماعية للشركات" قد تم تبنيها على نطاق واسع من قبل العديد من الشركات والمصانع والقطاعات المختلفة في جميع أنحاء العالم، غير أنّ تبنيها من قبل بعض الشركات الصناعية المثيرة للجدل (مثل شركات صناعة التبغ والأسلحة)، غالباً ما تم انتقادها على أنها نوع من النفاق، وأنها تستخدم هذا المفهوم كحيلة لإلهاء الرأي العام واستخدام العلاقات العامة للتستر على سلبياتها وما تسببه من تأثيرات ضارة. على سبيل المثال، إنّ شركات صناعة التبغ هي الصناعة الوحيدة التي تقتل مستهلكيها من خلال استخدامهم للمنتجات التي تقدمها لهم. لذا يمكن القول إنه لا يوجد أي شركة مصنفة على أنها "مسؤولة اجتماعياً" يمكن ان تنتج المنتجات الضارة أو القاتلة بمضمونها.
استناداً إلى وثائق شركات صناعة التبغ - التي تم الحصول عليها من خلال سلسلة من الدعاوى القضائية ضدها في الولايات المتحدة الأميركية، تعلمنا أن شركة فيليب موريس، وشركة التبغ البريطانية الأميركية قد انضمت إلى العديد من الشركات الكبرى الأخرى وأصدرت تقاريراً أو بيانات لعامة الناس، تعكس فيها صورتها على أنها على قدرٍ كبيرٍ من المسؤولية الاجتماعية فيما يتعلق بالبيئة وصحة المستهلكين وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى قضايا أخرى من هذا القبيل.
إنّ تقارير وبيانات من هذا النوع معروفة "بالمسؤولية الاجتماعية للشركات". على سبيل المثال، حاول المسؤولون التنفيذيون في شركة فيليب موريس الحفاظ على سمعة الشركة من الناحية الأخلاقية وترويج أنهم على قدر من المسؤولية، غير أنهم أدركوا في الوقت نفسه، أن البيانات والعلاقات العامة والعمل الخيري، ليست كافية للحد من الكم الهائل من التحقيقات والدعاوى القضائية والوثائق الداخلية التي تم كشفها، والتي أظهرت بدورها السلوك غير المسؤول.

حجة "المدخن الراشد"
بالإضافة إلى ذلك، كانت الشركات قلقة بشأن تضاؤل معنويات الموظفين لديها وهبوط قيمة الأسهم. تحت شروطها الخاصة، وكونها "شركة" بكيانها، استخدمت شركة فيليب موريس وبشكل مبرر مفهوم "المسؤولية الاجتماعية للشركات" للحفاظ على مسؤوليتها تجاه المستثمر الرئيسي.
وفي مقاربتها لمفهوم "المسؤولية الاجتماعية للشركات"، ادّعت شركة فيليب موريس ومعها شركة التبغ البريطانية - الأميركية، أن واحداً من المستثمرين الرئيسيين لديها هو "المدخن الراشد" الذي يختار أن يدخن بملء إرادته وبكامل وعيه، وأن الشركة يجب أن تدافع عن هذا الحق في الاختيار. ولكن هنا تكمن المعضلة. إن هذه الشركات (بكيانها)، لها أثر سلبي عميق على صحة العامة من خلال ترويجها لمنتج، إذا تم استخدامه على النحو المنشود، يتسبب بقتل نصف مستخدميه، هذا فضلاً عن قتل نسبة أقل من غير المدخنين الذين يتعرضون للتدخين السلبي.

تصنيع الإدمان
وعلاوة على ذلك، إنّ الحق المزعوم لاختيار "التدخين" هو أمر يستخف به، وذلك باعتراف صريح من قبل الشركات بأنّ منتجاتها تسبب الإدمان، وقد صُنّعت وصممت عمداً على هذا النحو. كما تظهر وثائق شركات صناعة التبغ، أنها استهدفت عمداً المدخنين الصغار (دون السن)، والذين هم أقل قدرة على اتخاذ قرارات واعية، وأنّ غالبية المدخنين الأميركيين يتمنون لو أنهم لم يُقدموا على التدخين.
ليس هناك أي شركة أخرى متبنية لمبدأ "المسؤولية الاجتماعية للشركات" تحمل كل هذا العبء الذي تحمله شركات صناعة التبغ. في حين أن الدراسات والأدبيات العالمية حول "المسؤولية الاجتماعية للشركات" تبيّن في معظم الأحيان المساهمات الإيجابية للصناعات الكبرى والرئيسية في المسؤولية الاجتماعية، لا بد للمرء أن يستنتج أن من يقوم بتجارة التبغ يتناقض بشكل كبير مع "المسؤولية الاجتماعية للشركات".
إذاً ماذا على شركات صناعة التبغ ان تفعل؟ إن رد شركة فيليب موريس وشركة التبغ البريطانية ـ الأميركية فيما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية للشركات، أنهم يسعون لجعل التدخين أقل خطورة... وأنهم يرغبون بتسويق منتجاتهم للراشدين الراغبين بالتدخين بإرادتهم، كما أنهم يدعون أنهم يستجيبون لجميع الأطراف المعنية بما في ذلك الأطراف المعنيين بالصحة العامة وبالأمور العلمية.

الإعلانات وتوسيع الأسواق
إن الناشطين في حركة مكافحة التدخين والذين يشككون في النيات الحسنة لشركات صناعة التبغ، يعتقدون أنّ الوسيلة الوحيدة لكي تكون شركات صناعة التبغ مسؤولة حقاً هو بأن تتخلى عن جميع أشكال الإعلان والترويج لمنتجاتها، وأن تدعم زيادة كبيرة في الضريبة، وأن تحوِّل برامجها الوقائية التي يفترض بها أن تحمي الشباب من التدخين لأطراف محايدة، وأن تقبل تطبيق الأنظمة الفعالة المفروضة عليها من قِبَل المجتمع الدولي. والأهم من ذلك، يجب أن تكف شركات صناعة التبغ عن الإصرار في محاولاتها لتوسيع سوقها بين سكان دول العالم الأكثر ضعفاً وعرضة للتدخين كالنساء والأطفال في دول الجنوب. وبعبارة أخرى، يجب على شركات صناعة التبغ التوقف عن التصرف مثل الشركات العادية ذات المشاريع الحرة. غير أنه من الواضح أن هذا لن يحصل لأن هذه الشركات ملزمة بشروط مستثمريها. حتى الآن يكافح المديرون التنفيذيون لشركة فيليب موريس من أجل تحسين صورة الشركة، لدرجة أن موضوع خروجها تماماً من العمل في صناعة التبغ، كان قد تم طرحه ومناقشته في أوائل عام 1990، ولكن كان هناك اعتراض على ذلك. كان يمكن أن يكون ذلك أفضل للمسؤولية الاجتماعية لو أنهم قد فعلوا.

 

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية